|
السودان بعد مذكرة توقيف الرئيس
عدنان الأسمر
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:22
المحور:
حقوق الانسان
أصدر مدعي عام محمكة الجنايات الدولية، مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير، بالرغم من أن السودان ليس طرفا من أطراف معاهدة روما 1998 الخاصة بإنشاء المحكمة. كما أن النزاع في إقليم دارفور هو نزاع محلي بين الرعاة والمزارعين لا يؤثر أبدا على الأمن والسلم الدوليين، فقرار توقيف الرئيس مخالف للقانون الجنائي الدولي ونظام المحكمة وميثاق الأمم المتحدة. والمدعي العام لم يجر تحقيق في التهم الموجهة للرئيس، بل اعتمد على تكليف مفاده أن هناك أرضية واقعية في إقليم دارفور تدعم توجيه تهم عمديه ضد الرئيس السوداني بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية أو ضد الإنسانية. وأن هذا الإجراء الذي يعبر عن تدخل في الشؤون الداخلية السودانية وموقفا ينتقص من سيادة الدولة ولا يحترم حصانة الرئيس هو أجراء أمريكي ضد السودان، حيث تدعم أمريكا التمرد والانفصال، وتعطيل أمكانية التوصل إلى اتفاقيات سلام بين الحكومة والمتمردين. والأكثر من ذلك فالقوات الأمريكية قد سبق ووجهة ضربات عسكرية لمصنع الشفاء للأدوية وذلك لتركيع النظام السوداني ومنع أمكانية تحول السودان إلى دولة إقليمية مركزية عربية وافريقية، بحكم أن السودان بإمكانه أن يصبح سلة غذاء أفريقيا والوطن العربي، ويمتلك ثروات طبيعية كبيرة من اليورانيوم والنفط والنحاس ومصادر الطاقة، ويجاوره تسع دول إفريقية. فقرار المحكمة ضد الرئيس، تكمن أسبابه الحقيقية في أن النظام السوداني مصنف من دول الممانعة العربية، حيث ينتهج سياسات اتجاه القضايا العربية والإفريقية لاتنسجم مع السياسة الاستعمارية الأمريكية.
ثانيا، الاستثمارات والتعاون الاقتصادي واستخراج الثروات الطبيعية يتم بالتعاون السوداني الصيني والفرنسي والروسي والهندي، وحصة الولايات المتحدة معدومة. وثالثا، موقف النظام السوداني من الكيان الصهيوني باعتباره مصلحة أمنية قومية أمريكية، وبالتالي تسعى الولايات المتحدة للتدخل في شؤون السودان، والعبث في التركيبة القومية والدينية واللغوية لأضعاف الحكومة المركزية، وخلق المشكلات والاقتتال بين سكان السودان. وبما أن هذه السياسة الإستراتيجية العدوانية الأمريكية تم صياغتها عبر توصيات مراكز دراسات وأبحاث أمريكية خاصة بالسودان واستصدار قرارات من مجلس الأمن تعطي الشرعية الدولية لسياسة أمريكا العدوانية تجاه السودان مما يفرض على النخبة الحاكمة في السودان منذ عشرين عاما أن تواجهه هذا المخطط العدواني، ليس بتفعيل الجملة اللفظية وتكرار زيارات الرئيس للمناطق، والإكثار من المظاهرات والتهديد والوعيد. فتاريخ الصراع العربي مع القوى الخارجية أكد أن اعتماد إستراتيجية التصعيد الإعلامي والتأثير النفسي على الخصم وتخويفه من خلال المبالغة في أدوات القوة أو مصير الخصم كانت تعطي في حال المواجهة الحقيقية نتائج عكسية، مما يتطلب انتهاج إستراتيجية الدفاع الذاتي الوطني والتي تتضمن ما يلي :-
1- الديمقراطية السياسية – أن التاريخ الاستعماري للسودان وباقي دول أفريقا وتداخل انتشار القبائل وتعدد اللغات واللهجات المحلية وتعدد الأديان وتعدد القوميات وعدم تطابق الحدود السياسية مع الحدود القومية، يتطلب اتخاذ إجراءات واسعة من الديمقراطية السياسية وفي مقدمتها تحديد مدة وعدد ولاية الرئيس وحكام الولايات، وضمان التداول السلمي للسلطة وإيجاد صيغ للإقليمية السياسية في السودان الذي يشكل 18 % من مساحة الوطن العربي ويتكون من 25 ولاية، واحترام الحق في المعارضة وصياغة قوانين الانتخابات البرلمانية والإدارة المحلية والمجالس في الولايات، بما يضمن تحقيق أوسع مشاركة شعبية . 2- حقوق الأقليات والقوميات- حيث يجب أدراك إن الإبداع السياسي يكمن في فن إدارة التنوع الثقافي والديني واللغوي والقومي. فأفريقيا تعاني من مسألة الاثنيات ووجود مشكلات مثل، قبائل الساحل والصحراء، وقبائل شرق الاستواء وغرب الاستواء، والامتداد الطبيعي للقبائل وانتشارها عبر حدود دول متعددة. من هنا تحظى بالأهمية احترام الخصوصية الثقافية واللغوية والقومية، بما يمنحهم حقوق في ذلك ضمن النظام السوداني الموحد والوطن السوداني كامل السيادة.
3- الحريات العامة والديمقراطية – أن الحريات العامة وإشاعة الديمقراطية ومشاركة المواطنين في تحديد الأهداف العامة والأولويات هي احد الآليات الهامة في إفشال التدخل الخارجي، وتؤدي إلى تعزيز مبادئ الحقوق والواجبات والمسؤولية بما يؤصل الانتماء للوطن السوداني.
4- التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة – أن السودان بلد غني بموارده الطبيعية وثرواته الاقتصادية المتعددة. لذا يجب أعادة النظر في دور منظمات الإغاثة الدولية العاملة في السودان وعددها 180 منظمة وتوظف 16 ألاف شخص تعمل بناءا على مذكرات تفاهم مع وزارتي التعاون الدولي أو الشؤون الإنسانية. فالإحداث الأخيرة يجب أن تضع حدا فاصلا بين العشرين عاما الماضية والمرحلة القادمة. وذلك باعتماد جملة من الاستراتيجيات الوطنية والمحلية تهدف لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة دون تمييز أو تركيز على المراكز الإدارية. فإقليم دارفور مثلا الواقع بين تشاد وليبا ومصر ومساحته تساوي مساحة فرنسا، 510 آلاف كيلومتر مربع، وعدد سكانه 6 ملايين نسمة فقط. فهل يعقل أن يتقاتل سكان الإقليم رعاة ومزارعين، أو أن يسكن الناس في منازل من الطين أو أغصان الأشجار والخشب أو في الخيام، منذ سنين عجاف، أو أن تكون مستويات الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية غاية في التخلف وغير مناسبة ولا إنسانية. كما يجب صياغة القوانين التي تشجع وتؤدي إلى التوسع في الاقتصاد المنزلي من خلال توزيع الأراضي والتوجه نحو زراعة الحاصلات الزراعية الصناعية والزراعية الإستراتيجية. فلا بد من صياغة نظام للحيازات الزراعية وتوزيعها كأحد إشكال الاعتماد على الذات.
5- أن مذكرة التوقيف تتطلب أعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والحكم المحلي، بما يؤدي إلى الاعتماد على الذات وتحقيق مبادئ العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان وحقوق القوميات، والالتزام ببرامج ومشاريع تنموية تؤدي إلى تحقيق الرفاه ورفع مستوى المعيشة ومكافحة الجوع والفقر والأمراض الوبائية وتوطين القبائل، من خلال تحسين الخدمات الاجتماعية والصحية، وإنشاء شبكات المياه والصرف الصحي والدوائر الحكومية وشق الطرق.
أما المطلوب عربيا وأفريقيا للتضامن مع السودان فيكمن في مسألتين: الأولى رفض الاستجابة لمذكرة المدعي العام، ويجب تقديم الحماية للرئيس السوداني واستقباله ورفض أية اجراءت لعزل السودان ومحاصرته، بما في ذلك توفير الحماية للرئيس لكي يتمكن من المشاركة في مؤتمر القمة العربي في الدوحة. والمسألة الثانية، توجيه الأموال العربية للاستثمار في السودان بدلا من دعم الاقتصاد الأمريكي والغربي الطفيلي المفلس، الذي تسبب في شطب المليارات من الودائع العربية .
وأخيرا أن ادعاءات مدعي عام المحكمة الجنائية باطلة وكاذبة. وهذا شيء طبيعي ومألوف فقد تم استخدام أكاذيب ملفقة ضد العراق وضد غزة وضد أفغانستان وضد إيران وضد القبائل على الحدود الباكستانية. وفي إقليم دارفور لم تقع أحداث إبادة جماعية أو قتل أو تشريد الناس أو الاغتصاب. هذا كله بشهادة كل المحايدين تحت الشمس. بل أن المقصود هو محاصرة السودان والتدخل في شؤونه الداخلية. فكل التحية للشعب السوداني العظيم .
#عدنان_الأسمر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل الورود والرياحين لسمير قنطار
-
المرأة المعاقة في يوم المرأة العالمي
-
القدس، ثقافة العواصم
-
الجزائر إلى أين؟
-
ما بعد الحرب على غزة: الإصلاح السياسي فلسطينيا
-
بعد الحرب على غزة، المطلوب أردنيا
-
المطلوب أردنيا : في ضوء المتغيرات الأمريكية الجديدة
المزيد.....
-
جنوب إفريقيا: مذكرات المحكمة الجنائية الدولية خطوة نحو تحقيق
...
-
ماذا قالت حماس عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.. كندا: عل
...
-
مدعي المحكمة الجنائية الدولية: نعول على تعاون الأطراف بشأن م
...
-
شاهد.. دول اوروبية تعلن امتثالها لحكم الجنائية الدولية باعتق
...
-
أول تعليق لكريم خان بعد مذكرة اعتقال نتانياهو
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|