|
الحرية و الديمقراطية في الماركسية ضرورة ام خيار
كمال البلعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 03:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
لا ايها السادة ليس المقصود بالحرية و الديمقراطية هنا الحرية و الديمقراطية الاجتماعية التي نظر لها و مارسها – الى حد ما – الاتحاد السوفييتي و من دار في فلكه من الدول الاشتراكية بل المقصود الحرية و الديمقراطية السياسية بمعناها الليبرالي – و العياذ بالله – و التي كان تجاهلها و محاربتها احدى الاسباب الرئيسية لانهيار التجربة الاشتراكية , و بالرغم من ان هذه المفاهيم اعتبرت لعشرات السنوات من التابوهات و المحرمات التي يستوجب القول بها الذهاب الى معسكرات اعادة التأهيل لإنتزاع بقايا الفكر البرجوازي من بعض الرؤوس الحامية, إلا ان انهيار الاتحاد السوفييتي مهد الطريق لإعادة النظر فيها و لكن للأسف لم يتم اعادة الاعتبار للحرية و الديمقراطية السياسية في الاوساط الماركسية بالشكل الكافي و يرجع ذلك الى جملة من العوامل تمثلت في استمرار الخلط و اقامة التناقض بين المعنى السياسي و المعنى الاجتماعي للحرية و الديمقراطية و التي عززها العداء للغرب و امبرياليته و الضعف الفكري الذي ساد و ما زال يسود الاوساط الماركسية الامر الذي منعها من الفهم الصحيح للنظرية و منعها بالتالي من اعادة انتاجها و استمرت هذه الاوساط باجترار غذاءها الفكري من المخزون السوفييتي لتمضغها و تعيد طرحها بقوالب جديدة مضافا لها نكهة الحرية و الديمقراطية السياسية . و حتى لا تبدأ اتهامات الهرطقة بالتطاير لا بد من توضيح مفاهيم الحرية و الديمقراطية الاجتماعية و السياسية و علاقتهما ببعضهما فالمفهوم السياسي الحديث للحرية و الديمقراطية ظهر مع انتقال المجتمع من التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الاقطاعية الى التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية الرأسمالية كضرورة حتمية لانتصار الاخيرة و انتشارها و عنا ذلك التأكيد على ان الحرية حق الانسان في ان يفعل و يمارس و يقول ما يريد طالما لا يتعدى على حريات الاخرين و ان الديمقراطية هي حكم الشعب نفسه بنفسه بواسطة ممثلين عنه في البرلمان فأسهمت الحرية و الديمقراطية بدورها في تغلب الرأسمالية على الانظمة الاخرى بما وفرته من مناخ مؤاتي جددت فيه علاقات الانتاج لتتناسب مع مستوى تطور ادوات الانتاج الامر الذي فتح الباب واسعا امام تطور هائل على صعيد الانتاج الصناعي و حتى الزراعي و الاهم من ذلك التكنولوجي . فالحرية و الديمقراطية هي التي حررت المجتمعات من اغلال الفكر التي اثقلت مركب التطور العلمي فمنعته من الحركة لفترة طوبلة و كان انعتاق المجتمع من هذه الاغلال التي فرضتها الكنيسة الفرصة ليشق العلم طريقه خالقا الادوات التي وصلت بها الرأسمالية الى ما وصلت اليه كما انها هي التي سمحت لاعداد غفيرة من الناس بالخروج من اسر الاقطاع و العبودية و الانتقال الى المدن لكي يمدوا الات الانتاج بما تحتاجه من ايدي عاملة و اعطت الانسان الاحساس بأنه سيد نفسه و ان ما يفعله هو في مصلحته الشخصية – على عكس العبودية و الاقطاع - فحري به ان يفعله بافضل ما يستطيع الامر الذي سمح للرأسمالية و السوق الحر بالتمدد و التقدم المطرد . و قد انتقدت الحرية و الديمقراطية السياسية من قبل ماركس بما هي اهل له و بما تستحقه فهي فعلا حرية و ديمقراطية منقوصة و في العديد من الحالات شكلية ليس اكثر – فهي كما يقال حرية الدجاج الحر في قفص الثعالب الحرة – كما اشار ماركس الى نواقصها و علاتها و وضح انها انما هي علل بنوية في الرأسمالية نفسها التي تجرد الحرية و الديمقراطية من معناها الحقيقي لتمسخها و تقولبها الى ادوات في خدمة الرأسمال . فالرأسمالية بما هي تشكيلة اقتصادية – اجتماعية مكرسة لخدمة هدف جمع الاموال عن طريق شراء قوة عمل العامل الحر تقتضي وجود الحرية و الرأسمالية كما اشرنا سابقا إلا انها تضعها ضمن حدود معينة في مساقات محددة لخدمة اهدافها فلكل انسان الحق في ان يقول ما يريد وقتما يريد و لكن في حال لم يكن يمتلك رأس المال فمن سيسمعه و يتأثر بما يقول ربما في افضل الاحوال ليس اكثر من دائرة ضيقة من الناس و لكن اذا امتلك هذا الشخص رأس المال فعندها يكون قد امتلك لسانا و صوتا يوصله الى شتى اصقاع الارض , مع ان هذا الصوت ليس بالضرورة ان يكون صوتا يستحق ان يسمع و لكن ما دام يمتلك النقود يستطبع ان يمتلك كل وسائل الاعلام الاكثر تأثيرا و الفقير قد يصرخ و لكن و إن امتلك صوتا جهورا فلن يسمعه احد اما الغني فقد يصل بصوته المبحوح الى كل اذن و عقل و الحال هنا ان الديمقراطية ليست افضل حالا فلكي تنتخب ( يضم التاء ) يجب ان تمتلك المال إن كان من اجل الدعاية ( شراء الاصوات بشكل غير مباشر ) او من اجل شراء الاصوات بشكل مباشر . و قد يقول قائل اذا كان الامر كذلك – فيما يخص الحرية و الديمقراطية السياسية المنقوصة – و هو كذلك فلماذا المطالبة بها و هنا ايضا لا بد من الرجوع الى ماركس الذي هاجم الحرية و الديمقراطية الليبرالية و لا بد من الاصغاء اليه جيدا فقد اشار دائما الى الحرية و الديمقراطية الاجتماعية و قصد بها العدالة الاجتماعية و بالطبع ليس المقصود خلط المفاهيم يل المقصود ان تخدم الحرية و الديمقراطية العدالة الاجتماعية و تكون في الوقت نفسه نتيجة لها تخدمها بأن تمهد الطريق لإطلاق ابداع كل فئات الشعب في سياق التقدم المشترك و تكون نتيجة لها حين تصبح الحرية و الديمقراطية تعبيرا عن مجموع الشعب و ليس عن فئة محددة فقط . و النظرة الفاحصة الى ما سبق تشير بما لا يدع مجالا للشك ان ماركس لم يكن يقصد ان يضع العدالة الاجتماعية في مواجهة الحرية و الديمقراطية السياسية و كأنهما ضدبن في عقل احد المثاليين فينفي احدهما الاخر و لكن فهمهما كما هما متناقضين يجتمعان في وحدة جدلية في سياق تطور المجتمعات الضروري و الموضوعي فألغاء الملكية الخاصة ليس مدخلا لقمع الحريات و تقزيم الديمقراطية و لكن و بما ان تطور التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية افضى الى الرأسمالية التي كان الحرية و الديمقراطية السياسية احدى مظاهرها فلا بد و في السياق الطبيعي لتطور التشكيلات الاجتماعية – الاقتصادية من الوصول الى الاشتراكية و التي تعني ايضا فيما تعني تطور الحرية و الديمقراطية من شكلها السياسي الى شكلها السياسي – الاجتماعي . و لكن تقفز امامنا هنا اسئلة مهمة لماذا يعتبر هذا التطور ضرورة لا بد منها ؟ و هل فعلا كانت محاولة الهروب من هذه الضرورة احدى اسباب انهيار التجربة الاشتراكية ؟ و الاجابة عن هذه الاسئلة لا بد ان تأخذنا الى قراءة لهذه التشكيلة الاجتماعية – الاقتصادية التي تسمى الاشتراكية و اشكال الانتاج فيها و اشكال ممارستها في الاتحاد السوفييتي و الدول الاشتراكية فالاشتراكية كنمط انتاج تقتضي الملكية الجماعية لوسائل الانتاج و الملكية الجماعية لوسائل الانتاج لا بد لها في البداية من وجود دولة لتنظيم الحاجات الادارية الهائلة لها الامر الذي يفرض حكما تضخم الجهاز البيرقراطي الى حد كبير ليقوم بهذه المهمات التنظيمية الادارية الضخمة و هنا و في حال عدم توفر الحرية و الديمقراطية يبدأ عفن الفساد في النمو داخل الجهاز البيرقراطي فالموظف مهما قل او علا شلانه اذا لم يجد من يحاسبه و يراقبه فسوف ينتهي الى الفساد و الرقابة اذا كانت من طرف موظف اخر فهو لن ينجو من مرض الفساد ايضا و لكن الرقابة الحقيقة توفرها الرقابة الدائمة من قبل الصحافة و اجهزة الاعلام الحرة التي لا بد لها من الحرية لتعمل بشكل فعال . إن الخوف الدائم من انتقاد المسؤولين و ثقة المسؤولين ان الانتخابات الشكلية لن تفرز غيرهم هي الوصفة الاكبر لانتشار الفساد لينخر عظم اجهزة الدولة المختلفة . و نذكر ايضا ان انعدام الديمقراطية يجرد المواطن الذي يقيم في دولة اشتراكية من اهم اسس الاشتراكية التي تقول ان ادوات الانتاج هي ملك له فهو يرى بالممارسة ان ادوات الانتاج هي ملك لمجموعة من البيرقراط في قيادة الدولة و الحزب فلماذا القلق اذا تعطلت بعض الات هنا او توقف الانتاج هناك و لماذا المغامرة بتقديم شكوى ضد شخص – قد يظهر انه نافذ – او اعتراض على تقارير اذا كانت النتيجة هي الالقاء به في معسكرات الاعتقال بسبب نشره الاشاعات و الاراجيف المغرضة عن الوضع الاقتصادي في الوطن الاشتراكي و الذي يجب ان يكون دائما في احسن الاحوال – بأمر من القائد العزيز حبيب الشعوب – حتى لو كان على الورق فقط . و لماذا التطوير و الاختراع اذا كان فكر الانسان و ابداعه يجب ان بوجه الى المسار الذي يعتقد هذا البيرقراطي او ذاك انه انفع للبلاد فالفن و المسرح و الادب هي ادوات يتصرف فيها و يوجها هذا البيرقراطي الذي من الممكن انه لم يحضر معرضا او مسرحية او يقرأ كتايا في حياته . و تخيلو معي هذه المشهد الذي يدخل فيه عالم سوفييتي ليقول لأحد البيرقراطيين انه يريد ان يصنع جهازا يملأ حجم منزل كامل ليقوم بعملية حسابية بسيطة هي 1+1=2 ليصرخ فيه البيرقراطي و يتهمه بأضاعة اموال البلاد و يقول له هات ورقة و قلما لاحسب لك ذلك فلماذا التكاليف ألا تعرف ان توجهات القائد هي بذل كل الجهود و ايقاف كل البلاد على قدم واحدة لتحقيق .... فقط . و كما اشرت فهذه مشهد خيالي و لكنه كان ممكن الحدوث و اذا عدنا الى تاريخ الاتحاد السوفييتي نرى ان وطن الاشتراكية الاول مر بعدة مراحل فمنذ الخطة الخمسية الاولى في اواخر العشرينات الى بداية الحرب العالمية الثانية استطاع الاتحاد السوفيتيي ان يقفز قفزات عملاقة في مجال مراكمة ادوات الانتاج و الصناعة و يرجع ذلك الى الاسلوب المركزي الشديد الذي اتبعه ستالين . ثم تبعتها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية و التي استطاع فيها الاتحاد السوفييتي ان يكمل مسيرته التي هي اقرب للمعجزة فنفض عن نفسه غبار الحرب العالمية الثانية و تقدم ليلحق بالولايات المتحدة و يضع نفسه معها على مختلف المستويات حتى انه سبقها في يعضها مثل الوصول الى الفضاء . إلا انه و منذ نهاية عقد الستينات بدأ الاتحاد السوفييتي يدخل دائرة جهنمية من الكساد و الذي سمي كساد بريجنيف و من التقهقر الاقتصادي و العلمي التكنولوجي و الذي شكل المقدمة لخسارته امام منافسه الامبريالي و الذي استطاع الخروج من ميل الارباح للتناقص عبر التطوير التكنولوجي المستمر و ترجع اسباب بداية الانهيار الى المركزية الشديدة التي ساهمت في البدايات في ارتقاء الاتحاد السوفييتي و لكنها اضحت عقبة في طريق تطوره عندما شكل التطور العلمي ( التغييرات النوعبة ) و ليس التوسع في يناء الات ( التراكم الكمي ) المحرك الذي يدفع عربة التطور الاقتصادي فكانت المركزبة الشديدة و غياب الديمقراطية و الحرية هي التي منعت تطور الاحداث الطبيعي من تراكم كمي الى تغير نوعي . إن فشل الاتحاد السوفييتي في السباق التكنولوجي هو النتيجة المباشرة لغياب الحرية و الديمقراطية السياسية فغيابهما هو الذي اوصل الجماهير الى حالة عدم المبالاة من جهة لان ما يحدث لا يخصهم بل يخص مجموعة من القادة و البيرقراطيين و الخوف من جهة اخرى للإشارة الى الاخطاء او الخروج عن توجهات الدولة العلمية و الثقافية . و اذا كانت السوفيتتات + كهربة البلاد = الشيوعية فقد تم كهربة البلاد على حساب السوفييتات في بدايات الاتحاد السوفييتي لتغدو اطارا مفرغا من معناه هدفه اضفاء الشرعية على النظام و نسأل كيف ستتفتح زهور ماو تحت ظلال سيوف القمع و التسلط هذا ما قال به اباء الدول الاشتراكية الكبار و هذا ما تم تجاهله لاسباب كثيرة لتلصق فيما بعد تهمة القمع و غياب الحريات و الديمقراطية بالاشتراكية و ليصبح السوق الحر الصنو و التؤام للحرية و الديمقراطية السياسية فيتم ايهام الجماهير ان قائمة هذه لن تقوم إلا بتلك . مع ان تدبر الامر يشير بوضوح انه اذا كانت الديمقراطية و الحرية احدى مظاهر الرأسمالية فإنما هي مظهر هامشي لها فنحن نرى السوق الحرة في العديد من دول العالم تعمل على افضل حال بالرغم من انعدام الحريات و الديمقراطية و يسطع امامنا المثال الاكبر هنا إلا و هو – و للمفارقة – الصبن التي تمشي في طريق الرأسمالية و السوق الحر بكل نجاح بالرغم من غياب الحريات و الديمقراطية فيها . و لكن لا بد من الاشارة الى ان الفشل في موضوع الحريات و الديمقراطية انما هو جزء من ظروف معقدة و مترايطة جدليا ادت الى انهيار الاتحاد السوفييتي . و لكن مع ذلك تبقى الحرية و الديمقراطية بالنسبة للاشتراكية ضرورة لا بد منها فلا يستقيم امر الاشتراكية بدونها كما رأينا فهي المناخ السليم الذي يتيح للاشتراكية ان تصل كتشكيلة اقتصادية اجتماعية الى مداها المنطقي .
#كمال_البلعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|