|
محاولة في تعريف الدين والمقدس
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأصل في كلّ شيء هو المعرفة، والمعرفة صورة للعقل، والتعبير عنها يكون باللغة، ولازمتها الفهم. فلا معرفة بغير عقل، ولا لغة بغير فهم. شرطية الوجود هنا، تقابل شرطية النفي هناك. تعلن المعرفة عن نفسها عبر المصطلح، أما شرح المصطلح فهو وظيفة اللغة. المعرفة هي المطلق، وقد اختلف الفلاسفة في تعريفها فاعتقد بعضهم أنها في أصل العقل، ولكل مخلوق منه نصيب بحسب الضرورة وحسب الكائن المخلوق. يفهم من هذا اختلاف العقول من مخلوق لآخر، واختلاف الأفهام بين المخلوقات في الجنس الواحد. وثمة.. فأن فهم المصطلح ليس واحدا في العموم، ومنه مفاهيم الأقدس، الدين، الانسان ، والعنف. * محاولة في تعريف الدين.. 1- يمثل الدين حلقة في تطور الميثولوجيا التي اخترعها الانسان الأول لتوصيف نفسه في الطبيعة وتنظيم صلته بالظواهر الطبيعية. ولأدراكه المبكر أن لا معلول بلا علّة، فقد اجتهد خيال الانسان في تقدير علّة كل شيء، حتى توصل إلى وجود وحدة صميمة بين المعلولات جميعا، وبين عللها بالنتيجة أو الاستنتاج. فالقول بالعلّة العظمى استنتاج منطقي نجم عن مراقبة الظواهر وتأملها عبر حقبة مديدة، واختراع بشري تطمئن إليه أسئلته غير المنتهية في الوجود والعدم، الصيرورة والسيرورة، الغريزة والحاجة، الحتمية والمصادفة. اعتمدت الميثولوجيا في تشبيه الآلهة بالحيوانات، وأهالت عليها صفات بشرية، كانت قوام القصص المنسوجة عنها لوصف علائقها البينية (العلّية) وانعكاسها على حياة الأرض. وقد انتقل كثير من خصائص ميثولوجيا ما وراء الطبيعة إلى ترسيم الفكر الديني من بعد. ان السؤال الأكثر الحاحا هنا، هو تردد فكرة الدين بين نقطتين دون توصل إلى حالة انسجام بين الطرفين، العلّة والمعلول، السبب والنتيجة. فلم يكتفِ الدين بالاجتهاد في ما وراء الطبيعة. ولا اقتصر التركيز في المطبوع. ونظرا لبدائية فكرة الدين، فأن الصلة المفترَضة بين الطرفين لن تخرج من دائرة الغريزة. القائمة على دعامتين رئيستين لأنوية الذات : الحاجة والإشباع، الحب والاعتداء. 2- لا حصر للميثولوجيات في تاريخ البشرية، ومثل ذلك تعددية الأديان في العالم، إلا أن الظاهرة المتفردة بين هاتيك جميعا هي نبرة المفاضلة والتعدية على الآخر. ان خطاب الواحدية أو التوحيد ذي نبرة الاستعلاء والحتمية اقتصر على منطقة الشرق الأوسط. حيث ظهر استخدام الديانات الكتابية أو السماوية، وحاولت الديانات ذات العلاقة، مع الزمن، توحيد لفظ الجلالة فيما بينها على صعيد الأدب واللغة على أقل تقدير. ومع تأكيد هاته الأديان على عامل القومية المقترن بفكرها وتطورها، فقد أطلقت لنفسها عنصر المفاضلة على غيرها، ووسمت نفسها بالعالمية والشمولية والاطلاق (في الزمان والمكان)، دون أن تجد حلاً لمعضلة القبلية المتحكمة فيها. الأفضلية والعالمية والشمولية والاطلاق ليست غير ترجمة لعصبية القبيلة التي تحولت إلى (أمة) بنعمة الدين، ثم اختارت فرض نفسها على العالمين بنفس الفكرة. ان اقتران التحوّل الى مرحلة الأمة أو القومية بنزعة الهيمنة والسيادة الشاملة، مثل دالة رئيسة في مفهوم القومية العنصرية والشوفونية (غير المنفصلة عن الدين تاريخيا). وقد أسيلت دماء كثيرة وتمت التضحية بقرابين لا تحصى على مذابح الدين والواحدية وما تزال. تشترك الديانات الكتابية أو السماوية بظهورها في منطقة جغرافية واحدة هي منطقة شرق المتوسط وانتمائها إلى ثقافة قبلية واحدة، وحقبة من الزمن تتصل على مدى ألفي سنة. ويسم المستشرقون هذه الديانات بسمة أخرى هي الساميّة، نسبة إلى سام ابن نوح. تمييزا عن كل من حام ويافث. وهي ظاهرة تعارف عليها كتاب التوراة بفكرة (البكورية) من بقايا المنظومة القبلية حيث يقتضي تحديد أحد الأبناء لوراثة أبيه في قيادة العائلة أو القبيلة. ووفق مبدأ التوريث -(البكوري)- هذا يحق لبني سام وحدهم وراثة الملك السماوي على الأرض (الشعب المختار/ شعب المسيح/ خير أمة..). وقد اندرجت ديانات بني سام في سلسلة التطور الاقتصادي الاجتماعي من مرحلة البداوة (اسلام)، ومرحلة التحول والانتقال من البداوة والصيد إلى الاستقرار والزراعة (يهودية)، إلى المرحلة المدينية (مسيحية). فلا غرو أن تتجاوز المسيحية مفهوم القبلية إلى الأممية في فكرها، نصا وسلوكا، آخذة بمبدأ تعددية اللغة والتراث الاجتماعي. لكن هذا كلّه لا يلغي السؤال.. لماذا هذا الدين دون غيره، وهذه الملّة أكثر من غيرها؟.. * قامت فكرة الدين على زعم ترجمة الفكر الالهي بلغة البشر، وعلى مدى التاريخ تسبب الدين في كوارث وانحرافات كثيرة دون أن يتحقق الحد الأدنى من ترجمة المبادئ السامية والنبيلة، وبدلا من ارتفاع الانسان لمستوى يليق بإنسانيته، تم خفض الصورة الالهية لمستوى بشري غير لائق. ففي حين يُؤاخَذ الانسان على تسرعه وغضبه ونزعته في الانتقام، يُوصف الاله بتلك الصفات، وبالتالي يمكن تبرير انحطاط بشر، تكون لألههم هذه الصورة!. ان المقومات الرئيسة التي يمكن توخيها في نهضة المجتمع الانساني الراقي هي.. الخير.. المحبة.. العدل.. المساواة. لا يمكن تصور إله بما يخالف هاته الصفات، ولا جدارة لحياة بشرية بغيرها. * اين هو الدم والعنف والكراهة والعدوان والانتقام والازدراء والمفاضلة والتفاخر والمنافسة والاستعباد والاستهانة من القيم السامية، وما علاقة فكرة تبرر وتشرعن هذه المشاعر والأمثال أو تتخذها وسيلة، بمفهوم الدين والسمو؟. ان الوسيلة من جنس الغاية والغاية من جنس الوسيلة، والثمرة من جنس الشجرة، والاله الحق يكون طريقه الحق، واله الخير يكون طريقه الخير وما يخالف ذلك يختلف بالنتيجة. إذا كان العقل البشري يسعى لتحسين صورة الحياة وتنقيتها من الزؤان، فلابد من نفي الزؤان وسيلة وغاية، والحث على ارتقاء الانسان عقلا وجسدا، فكرا وسلوكا.. غاية ووسيلة. ينبغي توخي ما يقرب الانسان من خالقه، ما يجمع بينهما وليس ما يفرّق. فأين هي الأديان السائدة من كل هذا؟!!. * لندن الثلاثين من مارس 2009
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العنف والمقدس (2)
-
(كوتا.. كم.. نوع!!..) المرأة العراقية والمرحلة..!
-
دعوة لحماية الحيوان وحفظ كرامته واحترام حقوقه..!
-
الكلام.. جدلية الكم والنوع
-
العنف والمقدس
-
فصل الدين عن الدنيا
-
فكرة الاشتراكية.. بين صنمية النظرية وأسواء التطبيق
-
ثورة أكتوبر .. (نعم) أو (لا)
-
من قتل فيصل الثاني؟..
-
تأملات في الحالة العراقية - 5
-
نحو يسار اجتماعي.. ومجتمع مؤسسات دمقراطية
-
تأملات في الحالة العراقية (4)
-
تأملات في الحالة العراقية (3)
-
تأملات في الحالة العراقية (2)
-
دين.. دولة ومجتمع
-
عوامل الطرد السكاني وعوامل الجذب
-
العلاقة الطردية بين التعليم والأمية
-
التجارة العربية في لندن
-
مندَم
-
بين سقوط الحضارة ونهاية التاريخ
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|