تعليق
29/5/2002
قال مصدر في وزارة الخارجية ببغداد ان النظام يعترض على التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة للتعويضات، والمتضمن تقديم تعويضات عن الآلام والأضرار النفسية والذهنية وعن الأضرار التي لحقت بالبيئة. واضاف المصدر ان النظام طالب بعدم استقطاع نسبة 30% من صادرات النفط لحساب صندوق التعويضات، لمدة خمس سنوات في الأقل، لكي يتمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي.
مما لاشك فيه ان القرارات الدولية ذات الصلة بغزو الكويت، سيما القرار 687 حمّلت شعبنا مسؤولية جرائم لم يرتكبها، في حين ظل مرتكبها طليق اليد. واذا كان القرار 687 عالج بعض عواقب الغزو والحرب التي أعقبته، فانه فرض على شعبنا عقوبات قاسية، وحمّله التزامات مرهقة تثقل كاهله لآماد طويلة، خاصة فيما يتعلق بالتعويضات.
بالطبع فان صدام حسين الذي رفض كل قرارات مجلس الأمن قبل أم معاركه، لم يكن بعدها في وضع يتيح له مراجعة تلك القرارات والتوقف عند تفاصيلها، بل وافق عليها جملةً وتفصيلاً، حفاظاً على نفسه وعلى كرسي حكمه ونظامه.
وبعد ان سبق السيف العذل كما يقول المثل، راح هو ورهطه، لاثبات "رجولتهم"، يتهربون ويماطلون في تنفيذ تلك القرارات، ويصطنعون الحرص على مصالح العراق وشعبه واحتياجاته الأساسية، وبطريقة يقصدون فيها إظهار ان جوهر المشكلة والأزمات مرهون بالتعويضات أو بتفاصيلها.
فالدكتاتور وزمرته دأبوا، وهم يتحدثون عما لحق بالعراق وشعبه من خسائر وأضرار جراء الحصار، على إغفال وتجاهل ما لحق بهما جراء حروبهم وسياساتهم المستهترة.
فالعراق يحتاج الى نحو 67 مليار دولار لغرض أعمار ما خربته الحرب العراقية – الإيرانية وحدها، و232 مليار دولار لاعمار ما خربته "أم المعارك" و97 مليار دولار لتعويض إيران عما سببته لها قادسية الشؤم، و200 مليار دولار لتعويض المتضررين من غزو الكويت و82 مليار دولار لإطفاء ديون العراق الخارجية في أواخر الثمانينات. ولا تتضمن هذه المحصلة بالطبع ما جرى تبديده من موارد البلاد، كاستنزاف الرصيد الاحتياطي من الذهب والعملات الأجنبية البالغ 36 مليار دولار قبل القادسية الكارثية.
كل هذه الأرقام الفلكية يتجاهلها الطاغية حين يتحدث عن الخسائر الناجمة عن الحصار والتعويضات.
ومعلوم ان حزبنا الشيوعي دعا منذ الإعلان عن مذكرة التفاهم، وفي مؤتمره السادس في تموز 1997، الى خفض نسبة استقطاع الموارد، أو تأجيل هذا الاستقطاع الى اجل يتيح استخدام موارد النفط لتأمين حد أدنى مقبول لمعيشة شعبنا، ولتأمين استعادة الاقتصاد الوطني لجزء من عافيته، وإنهاض الزراعة والصناعة …الخ.
على ان ما يلقي ظلالاً إضافية من الشك على تظاهر النظام بالحرص على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي كون ما يزيد على 15 مليار دولار تبقى مكدسة في حسابات الأمم المتحدة، دون ان يفكر الطاغية ونظامه بتسخيرها لتلبية تلك الاحتياجات.
ويبرز بعد ذلك السؤال: أين تكمن الحاجات الأساسية للشعب العراقي، التي يريد صدام حسين ونظامه تلبيتها؟ هل في القصور الأسطورية، التي التهمت الملايين والملايين من الدولارات؟ أم في احتفالاته ومهرجاناته الباذخة؟ أم في السيارات والسلع الباهضة الأثمان، التي يستوردها باسم حاجة الوزارات والدوائر اليها، لتوزع في النهاية على الأعوان والمرتزقة والحواشي؟ أم في الرشاوي والهبات التي يوزعها دون حسيب أورقيب داخل العراق وخارجه لشراء الأعوان وتعزيز سطوة النظام وتبييض وجههه الكالح؟
تلك هي أولويات الطاغية. فهل فيها ما يلبي احتياجات شعبنا الأساسية؟.