|
قراءة في المبادرات نحو شرق أوسط أفضل
جورج كتن
الحوار المتمدن-العدد: 798 - 2004 / 4 / 8 - 11:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
جورج كتن ووليد مبيض- نيسان 2004 تعددت المبادرات الهادفة لإصلاح الشرق الأوسط، وجاءت المبادرة الأمريكية في هذا السياق، ونظن أن من الضروري إجراء قراءة متأنية لهذه المبادرات، قبل رفضها أو قبولها، فالرفض على أساس أنها مشاريع استعمارية، وأن كل ما هو قادم من الغرب شر مطلق، موقف متعصب لا يؤدي إلى نتائج مقبولة، كما أن القبول بها دون دراستها، يعكس موقف تبعية، لذلك فإننا نرى أن من الضروري دراستها، قبل إصدار أحكام عليها، فأوان الأحكام المسبقة قد ولى، في عصر بات فيه العالم مترابطاً أكثر من أي وقت مضى. ونظن أن المبادرات الغربية تؤسس فعلاً لانعطاف نوعي في أفكار وآليات تعامل الغرب مع منطقتنا، وكانت البداية حادثة نيويورك في 11/9، التي أفرزت في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً قناعة مفادها أن أمن العالم ـ والغرب من ضمنه ـ بات مترابطاً، فالإرهاب يطال الجميع، بما في ذلك المجتمعات العربية والإسلامية، وهو يستمد جذوره من واقع الاستبداد المعمم في المجتمعات المتخلفة، وبالتالي فإن أمن العالم أصبح يشمل كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، "فطالما تزايد عدد الأفراد المحرومين من حقوقهم السياسية والاقتصادية في المنطقة، فسنشهد زيادة في التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة غير الشرعية". ومحاربة الإرهاب، الذي يسعى لتوريط العالم في حرب حضارات، لن تكون مهمة أمنية وعسكرية فقط، بل تحتاج لكي تنجح لحلف عالمي يعمل على تحديث المناطق المتخلفة، لأن أي وضع سيئ ومتخلف في أي بلد أصبح يؤثر على الكثير من دول العالم، فمصلحة الغرب ألا يترك دولاً غارقة في التخلف السياسي والاقتصادي والثقافي. دوافع المبادرات واضحة وهي صيانة مصالح الغرب أساساً، لكنها أيضاً تحدياً وفرصة لإمكانية قيام تقاطع بين مصالح الغرب وشعوب المنطقة لولوج عصر الديمقراطية والتنمية، وهذا ما جرى في أفغانستان والعراق، فما حرّك الغرب أمنه ومصالحه، ولكن الشعبين استفادا من جهة تخلصهما من نظامين متخلفين قمعيين. أما استمرار شعوب المنطقة في الافتقار للحقوق السياسية والمعرفة ولفرص العمل والتعليم، فسيمثل تهديداً مباشراً لاستقرار المنطقة، وللمصالح المشتركة للعالم، فتوجه الغرب نحو تحويل شعار الديمقراطية إلى هدف مركزي له، وانتقاد سياساته السابقة في دعم الأنظمة الاستبدادية، ليس لسواد عيون شعوب المنطقة، ولكن لقناعته أن مصالحه ستتضرر من بقاء الأمور على حالها، وهذا مؤشر آخر على أننا في عصر أدرك فيه الغرب أن الاستبداد لا يضر بأهل المنطقة فقط، وإنما تصل تأثيراته إليه.
مشروع "الشرق الأوسط الأكبر" الأمريكي: يشير المشروع إلى أن "القوة الدافعة للإصلاح الحقيقي في الشرق الأوسط الكبير يجب أن تأتي من الداخل" مع وضع برنامج لمساعدة شعوب المنطقة في تحقيق الإصلاح معتمدة على تقريري الأمم المتحدة حول التنمية الإنسانية العربية للعامين 2002 و2003، وهو يفصل وسائل المساعدة في النواقص الثلاث للوضع العربي التي حددها التقريران، الحرية، المعرفة، وتمكين النساء: أولاً ـ تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح: يطالب المشروع الدول الصناعية الثمانية بالالتزام في مساعدة شعوب المنطقة بتقديم مساعدات تقنية لانتخابات حرة وتنظيم زيارات متبادلة والتدريب على الصعيد البرلماني، ومعاهد للتدريب على القيادة خاصة بالنساء، وإنشاء مراكز يمكن للأفراد فيها أن يحصلوا على مشورة قانونية، وتشجيع وسائل الإعلام المستقلة، ومكافحة الفساد، وتطوير منظمات فاعلة للمجتمع المدني، "أفضل الوسائل لتشجيع الإصلاح هي عبر منظمات تمثيلية" وخاصة المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وزيادة القدرة التقنية للمنظمات غير الحكومية... إذن المشروع لا يطرح مسألة فرض الديمقراطية، ولكن المساعدة في إنشاء وضع ديمقراطي، ففي كل الفقرات المتعلقة بالموضوع لا نلاحظ سوى كلمات: تشجيع، مساعدة، رعاية، تمويل...ونظن أن هذا جزء صغير من واجب الغرب تجاه شعوب المنطقة، التي عانت من سياساته السابقة في دعم الاستبداد، ولا يمكن رفض أي مساعدة في هذا المجال من باب أنه قادم من الخارج، فنحن نتقبل مساعدته في أمور كثيرة من القروض وحتى المواد الاستهلاكية. كما أنه لا يمكن تجاهل الدور الأساسي للخارج في التغيير في المنعطفات التاريخية على امتداد العالم. والوضع المزري الذي وصلت إليه الحريات في المنطقة، يجعل من المستحيل من قوى داخلية إجراء تغيير ديمقراطي جذري، دون مساعدة، لوجود ثلاثة عوامل: أولها: القوى المسيطرة التي تعتمد الحل الأمني في مواجهة المشكلات السياسية وحتى الاجتماعية، وثانيها: ضعف المجتمع المدني، الذي انهارت خلال عقود طويلة منظماته السياسية والنقابية والمهنية والأهلية، وباتت جزءاً من أداة قمع الأنظمة، وفي أحسن الأحوال مجرد ديكور، وثالثها: تحلل قوى المعارضة، التي عانت من القمع المتواصل، مما أفقدها بعدها الشعبي، وحولها مع الأيام للمحافظة على وجودها فقط، فأصبحت مجرد جزر صغيرة معزولة عصية على التطور. وحتى اليوم لم تظهر مؤشرات في المنطقة تشجع على الاعتقاد بإمكانية تحقيق الديمقراطية بمعزل عن دور الخارج، مع أننا نعترف بأن الخارج لا يمكن له أن يلعب دوراً سوى فتح الباب، أما بناء الديمقراطية فسيتم بجهود الشعوب المعنية أساساً، مع الاستعانة بتجارب الشعوب الأخرى، وما توصلت إليه من إنجازات. ثانياً ـ بناء مجتمع معرفي: يشير المشروع إلى أن منطقتنا "كانت في وقت مضى مهد الاكتشاف العلمي والمعرفة" وأنها اليوم قد أخفقت في مواكبة العالم الحالي ذي التوجه المعرفي، ويقترح في هذا المجال تقديم "مساعدات لمعالجة تحديات التعليم، ومساعدة الطلاب على اكتساب المهارات الضرورية للنجاح في السوق المعولمة لعصرنا الحاضر". ففي مبادرة التعليم الأساسي يطالب المشروع باعتماد محو الأمية، الذي تضمنه برنامج الأمم المتحدة تحت شعار "محو الأمية كحرية"، وتمويل برنامج للترجمة، والمساعدة في نشر "مدارس الاكتشاف" التي تؤهل الطلاب لدور ريادي في المجتمع، وتوسيع مبادرة التعليم في الإنترنت لردم الهوة الكومبيوترية، ومبادرة تدريس إدارة الأعمال... وبالفعل فإننا إذا نظرنا إلى واقعنا التعليمي بموضوعية، سنلاحظ مستواه المتدني، وخاصة في عصر لا يمر فيه يوم دون اكتشاف أو اختراع جديد، ونحن فعلاً نحتاج للمساعدة في النهوض بمجتمعنا، وليس عيباً تلقي المساعدة من الشعوب التي تقدمت علينا حضارياً، فالحضارة الإنسانية لم تكن في يوم من الأيام ملك أمة منفردة، دون أن تستفيد منها بقية الشعوب، ومشعلها ينتقل من منطقة لأخرى، فالحضارة العربية الإسلامية استقت من الحضارة اليونانية والرومانية والفارسية، ثم نقلت إنجازاتها إلى أوروبا. ونظن أن العلم أكثر من غيره ليس له جنسية، ولا يجوز لنا أن ندعي أن الدين أو خصائصنا القومية، تقف في وجه التعلم من الأجنبي، ما دام ذلك سيؤدي لتقدمنا، وإذا كنا نشعر أن هذه المساعدة يمكن أن تحمل في طياتها نيات استعمارية، فإن المعول في ذلك علينا بأن يكون وعينا حاجزاً أمام استغلال الآخرين لنا، وما دمنا متخلفين وضعفاء فليس من المنطق أن نرفض مساعدة، تمكننا إلى جانب إرادتنا الحرة من تجاوز حالة التخلف والعجز اللذين نعاني منهما. ثالثاً ـ توسيع الفرص الاقتصادية: يركز المشروع على إطلاق قدرات القطاع الخاص، وخصوصاً إقراض مشاريع الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ويتضمن: تقوية القطاع المالي، وإنشاء مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير، وبنك تنمية، وتشجيع التجارة البينية "فالتبادل التجاري في الشرق الأوسط لا يشكل سوى 6% من كل التجارة العربية..." وحيث الحواجز الجمركية وغير الجمركية تقطع وتقسم المنطقة. من هذه الحقيقة، ينطلق المشروع لاقتراح مجموعة خطوات: الانضمام لمنظمة التجارة الدولية وتسهيل التجارة، وإنشاء مناطق تجارية، ومناطق لرعاية الأعمال، ومنبر لتشجيع التعاون الإقليمي... وهي مقترحات تستلزم رأي خبراء اقتصاديين، يساهموا في تطويرها، بما يتناسب مع مصالح عموم شعوب المنطقة وتنميتها، ورفع المستوى المعيشي لشعوبها.
المشاريع الأوروبية: رغم أن المشروع الأمريكي يلقى الاهتمام الأكبر من الجهات السياسية الرسمية والمدنية ووسائل الإعلام، فإنه لا يمكن تجاهل أن أوروبا طرحت مبادرات مشابهة بخصوص تطوير وتحديث ودمقرطة المنطقة ولو على مساحة أقل في العالم العربي، نذكر منها "المبادرة الألمانية لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط" التي اقترحها وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر في شباط الماضي، و"المبادرة البريطانية للإصلاح في العالم العربي" و"المشروع الفرنسي ـ الألماني من أجل مستقبل مشترك مع الشرق الأوسط" في أوائل آذار، وهي جميعها تسعى للتكامل مع المشروع الأمريكي، إذ أن أوروبا لا تستطيع فعل الكثير بمعزل عن أمريكا، ولكن يمكنها دفع أمريكا لإجراء تعديلات على مشروعها لتأمين موافقة الأنظمة العربية، فهي ترحب بمبادرة عربية تتلاقى مع المبادرات الغربية بحيث تتكامل في خطة موحدة، علماً أن أوروبا ليست جديدة في مجال طرح مبادرات موجهة للشرق الأوسط منذ أوائل تسعينات القرن الماضي: "إعلان برشلونة" و"الحوار المتوسطي" و"الشراكة الأوروبية المتوسطية"... وهي مبادرات تتماثل مع مشروع "الشراكة من أجل السلام" الذي طرح للتطبيق في أوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو دليل على أن المبادرات ليست مؤامرة موجهة ضد الشعوب الإسلامية. والمبادرات الأوروبية الحالية تتفق مع المشروع الأمريكي، حول ضرورة الإصلاح والتغيير الديمقراطي، كضرورة للأمن والاستقرار العالمي، ولمواجهة الإرهاب، ولمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ولمكافحة الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية، وتتميز بأنها تركز على دور محوري للأمم المتحدة، وعلى التوصل لاستراتيجية مشتركة مع شركاء أوروبا في المنطقة حول مختلف القضايا، وهي ترى أن العمل الرئيس يأتي من الداخل مع التشجيع والدعم، فهي بهذا ترفض طريقة التغيير بالصدمة. التغيير في المبادرات لن يكون سريعاً فالمهمة تتطلب جيلاً بكامله، وتخطيطاً بعيد المدى، دون فرض نموذج ما من الخارج، وضرورة الأخذ بالاعتبار المشاعر الوطنية والهوية، مع قناعة بأن الإسلام قابل للحداثة، وأن التوافق يتم بالحوار من أجل سلام واستقرار وديمقراطية وحقوق إنسان ودولة قانون وحكم صالح وحرية إعلامية وإصلاحات هيكلية في المجال الاقتصادي وتطوير اجتماعي وتعليمي ومساواة المرأة بالرجل وتسهيل انبثاق مجتمعات مدنية...وتدعو للبدء بورشة حوار تعمل للتقارب بين المشاريع والمبادرات المختلفة الأوروبية والأميركية والعربية. ولا يمكن تجاهل أن أوروبا بشكل خاص، تنطلق في مبادرتها من تجربة طويلة استغرقت ما يزيد عن نصف قرن في الاتحاد والدمقرطة والتقدم في كافة المجالات، وفي تحويل أوروبا إلى مجال آمن خال من الحروب يؤمن حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية، مما جعلها قبلة للفارين من مجتمعات الاستبداد والتخلف والفقر والفساد.
لا أرحمك ولا أدع رحمة تنزل عليك: يمكن تفهم الخشية من الغرب المعروف في المنطقة بتاريخه الاستعماري، ولكنه من غير المنطقي عدم أخذ الظروف الراهنة –العولمة- بعين الاعتبار، التي تفرض التعامل معها في كافة النواحي، فالعالم لم يعد يتحمل عزلة أي بلد بحجة الشؤون الخاصة، وليس في كل المبادرات ما يشير إلى فرض طرق الغرب علينا، فالخصوصية والهوية محترمة ولا تتضرر من نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، بالعكس من ذلك فإنها ستتعزز وتترسخ أكثر، فاليابان مثلاً بعد الحرب انتقلت للديمقراطية الشاملة ولكنها لم تفقد أي من خصوصياتها وهويتها المتميزة، فالتغيير المنشود يحافظ على كل ما هو جيد في التراث، الذي لا يفيدنا بشيء التشبث بمجمله، بل انتقاء الصالح للعصر الراهن. كما أن لا شيء في المبادرات يشير إلى المس بالمشاعر والمعتقدات التراثية الدينية الإسلامية والقومية، أو إلى مطالبة العرب والمسلمين "بالخروج من جلودهم"، فليس الإسلام هو المستهدف، بل الإرهاب الذي تمارسه قلة، تعمل على تشويه مفاهيم الإسلام الإنسانية المتسامحة. والعلمانية لم تمنع في تركيا حزباً إسلامياً -العدالة والتنمية- من الوصول للسلطة، حيث جرى توافق بين الإسلام والعلمانية والديمقراطية، مع استعداد الإسلاميين لتداول السلطة حسب صناديق الاقتراع ـ عكس ما يجري في إيران ـ، كما أنهم يشاركون في الحلف الأطلسي، ويقرعون أبواب أوروبا للدخول في اتحادها، وقد صرح عبد الله غول "نحن ديمقراطيون مسلمون تماماً مثل الديمقراطيين المسيحيين في أوروبا". كما أن الدعوى المناقضة التي تلوح بأن التغيير الديمقراطي سيأتي بالإسلاميين للسلطة مما يزيد التطرف، ذريعة غير مقبولة، فمعظم دول الشرق الأوسط تتشكل من فئات متعددة دينية وقومية، مما يدحض هذا الافتراض، كما أن هناك مخاطر ترافق أي تغيير، ولكن ما سيأتي من رفض التغيير سيكون أعظم، والديمقراطية هي السبيل الوحيد لإيصال الوعي إلى العقول المتحجرة. وهناك تهويل آخر يدعي أن المبادرات ستغير الجغرافيا العربية والإسلامية وأن هناك "مؤامرات" و"مخططات خبيثة" لإعادة رسم خارطة المنطقة والهيمنة عليها، وأنها مشروع "إمبريالي ـ صهيوني" سيعيد الاستعمار إلى المنطقة، والحقيقة أن المبادرات لا تتضمن أي تعرض لأي خرائط أو كيانات جديدة، بل تسعى لإعادة الاعتبار لوحدة المنطقة، إذ تطرح مشاريع لإلغاء حواجزها الجمركية البينية، كما أن المشروع الأمريكي موجه أصلاً للدول الثماني لتقديم عون مشترك، كما ينتظر رأياً وحواراً ومبادرات تنطلق من المنطقة للوصول لتوجه مشترك. ويرفض البعض تقريري الأمم المتحدة للتنمية، - رغم أنهما صدرا عن مجموعة باحثين عرب لا غبار على كفاءتهم وإخلاصهم لبلدانهم، طبعاً لم يكتبوها لأغراض استعمارية ـ بدل الاعتماد عليها والخروج بمشاريع نابعة من الداخل لتجاوز عوامل النقص والتخلف، قبل أن يتنطح الخارج للاستفادة منها في مبادراته المطروحة. أما وصف المبادرات بأنها إملاءات تنطلق من نظرة استعلائية فوقية تجاه المنطقة، فهو يخالف الحقيقة، فالمبادرات مشاريع للمساعدة خاضعة للمناقشة والحوار مع الأطراف المختلفة، وقابلة للتعديل والتطوير والتوافق عليها، وهي تهدف لشراكة تعتمد على القبول والاقتناع، وهي تحرك العقل العربي وتنشط النقاش والحراك حول سبل تجاوز الأوضاع السيئة، وليس هناك ما يشين حين يبادر الخارج لتنشيط الحوار والحراك، بحيث يؤدي لانبثاق التغيير الديمقراطي من الداخل كحاجة ضرورية. وهي مسألة ليست جديدة على المنطقة فالأفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان تغزو العالمين العربي والإسلامي بشكل غير مسبوق رغم الحواجز التي يضعها المتضررون منها. أما أهم الاعتراضات على المشروع الأمريكي فهي تجاهله قضية السلام في المنطقة، والتي تعد من أهم الإشكاليات التي تعيق حركة تقدم شعوبنا، ونرى أن الإدارة الأمريكية تسيء إلى شعوب المنطقة بدعمها السياسة المتعنتة لليمين الإسرائيلي الحاكم، الذي يساهم في تدمير فرص السلام، وبالتالي في إعاقة نمو المنطقة وتقدمها، مع ملاحظة أن المشاريع الأوروبية تلحظ هذه المسألة، وتؤكد على أن تسوية الصراع أولوية استراتيجية لها، وعلى العمل المستمر من أجل سلام عادل ودائم، ولا تتوقع النجاح الكامل للمبادرات ما لم تتقدم مسيرة السلام في الشرق الأوسط، وكذلك إنشاء حكومة ذات سيادة في العراق، إلا أنها تعتبر أن هاتين المسألتين ينبغي ألا تعرقلا تطوير الشراكة مع المنطقة، على أن يجري العمل المشترك لتحقيق تقدم في حل سلمي للصراع مواز للعمل المشترك في دعم الإصلاح والتغيير الديمقراطي، وعلى ألا يسمح لهذا الصراع بسد الطريق أمام مبادرات الإصلاح منذ البداية، فلا يمكن مقايضة الإصلاح بحل عاجل للقضية الفلسطينية، لأنه ضرورة لا تنتظر التأجيل. فشلت الحكومات العربية حتى الآن في التعاطي الإيجابي مع عصر العولمة، فأنظمة كثيرة ترفض المبادرات حتى لو أتت من الداخل خوفاً على سلطاتها المطلقة، فهي تدافع عن سيادتها المطلقة على الشعب وثرواته، عندما تدعي الدفاع عن سيادة البلد، فالانتقال للديمقراطية والتنمية هي التي تعيد السيادة والثروة لأصحابها الحقيقيين. وهي حين تعترف بضرورة الإصلاح، لا تقدم بديلاً عما هو مطروح عالمياً، وتكتفي بإجراءات شكلية، وتستمر في التعاطي مع شعوبها بالطريقة الأمنية فترفض وتغرق في القمع أو الإهمال أي محاولات لمؤسسات مدنية داخلية للإصلاح، ومنها مثلاً "وثيقة الإسكندرية" كمشروع عربي للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، الصادرة في آذار الماضي عن مؤتمر "قضايا الإصلاح العربي: الرؤية والتنفيذ" باشتراك مؤسسات أكاديمية وبحثية ومنظمات مدنية لحقوق الإنسان. وما انفراط عقد القمة العربية الأخيرة سوى دليلاً آخر على عجز الأنظمة عن التوافق حول الإصلاحات الضرورية في العالم العربي. الأهم عند اتخاذ مواقف من مشاريع الخارج عدم البحث عن مسافة تمييزية، بل عن نقاط التقاء، والاستفادة قدر المستطاع منها، والتخوف الرئيس الذي يمكن أن يطرح حول المبادرات الغربية، هو إمكانية تراجع أصحابها عنها عند نوصلهم لتفاهمات مع الأنظمة تتضمن تأمين مصالح الغرب المباشرة، كما حدث مؤخراً مع ليبيا، مما يجعل من قضية الإصلاح مسألة العرب مع أنفسهم قبل أن تكون مع الغرب.
#جورج_كتن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نثمن تخلي رياض الترك عن الأمانة العامة
-
حزب ديمقراطي كنموذج مصغر لنظام ديمقراطي قادم
-
مزيد من الحوار حول المسألة الكردية العراقية
-
حلاً إنسانيا للمسألة الكردية العراقية
-
نحو قطع آخر خيوط أوهام الأيديولوجيا وجهة نظر حول مشروع موضوع
...
-
هل نشهد نهاية الديمقراطية الإسلامية؟
-
تفكيك السياسة الخارجية الأميركية
-
أولوية النصوص على الوقائع! ماذا تبقى من الماركسية؟
-
نحو أحزاب ديمقراطية تزيح حزب -ما العمل- المركزي والشمولي
-
المخاض العسير- لعراق ديمقراطي عقبات وحلول
-
وثيقة جنيف والنخب العدمية
-
أممية شعبية قيد التشكيل
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|