|
عمال الكنيست - اين الحبة واين القبة
اساف اديب
الحوار المتمدن-العدد: 797 - 2004 / 4 / 7 - 10:05
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قضية خوذ عمال الكنيست التي عُلّمت بعلامات حمراء، ضُخّمت بشكل غير معقول، ولكن الصحيفة زادت مبيعاتها، واعضاء الكنيست العرب عادوا الى اضواء الاعلام من جديد؛ العمال كانوا الطرف الخاسر - فبعد ان حُلّت المشكلة العينية، نسي الجميع من جديد ال30 الف عامل بناء عربي الذين يصطفون منذ سنوات في طوابير مكاتب العمل.
اساف اديب
مع صدور عدد يوم الثلاثاء، 9 آذار، من صحيفة "معاريف"، وفي صفحتها الاولى خبر وصورة لخوذ عمال بناء عرب في الكنيست معلمة باشارات حمراء، بدأت ضجة اعلامية غير عادية، شارك فيها العرب من اعضاء الكنيست ورئيسها روبي ريفلين، وكافة وسائل الاعلام.
وقد ضخّمت معاريف الموضوع بشكل غير معقول، وصوّرت وضعا خطيرا، يقوم فيه قناص من على شرفة الكنيست، بمراقبة عمال البناء العرب بعد ان تم تعليم خوذتهم باشارةX . وذلك، حسب الصحيفة، بهدف تسهيل استهدافهم.
النقطة الاولى التي يجب ان نوضحها هي، الى اي مدى كان هناك بالفعل وضع خطير استحق هذه الضجة الاعلامية؟
ماذا حدث بالفعل؟
الرواية الحقيقية تبدأ مع وصول عمال البناء العرب للعمل في الكنسيت، بعد نضال عنيد قادته جمعية معاً النقابية منذ شهرين، في سبيل انتزاع مكان عمل محترم للعمال العرب. مندوبو الجمعية التي تتابع احوال العمال يوميا، كانوا على علم بان اجراءات الفحص الامنية المشددة المطلوبة في ورشة الكنيست، قد تضع عراقيل امام سهولة استيعاب العمال.
التجربة السابقة في ادخال عمال للورشة، كلفت غاليا: فقد استغرق الفحص الامني شهرا كاملا، طيلة كانون اول (يناير) هذا العام. وبعدما وصلت الموافقة على 24 عاملا من ال35 المسجلين، كانت الاغلبية قد فقدت الرجاء، واوجدت لنفسها بدائل وفقدت امكانية العمل المنظم. هكذا بدأت المجموعة الاولى بخمسة عمال فقط.
بناء على هذه التجربة اصرت معاً وعمالها، على مواجهة الصعوبات، لتحقيق الهدف الرئيسي وهو: كسب مكان العمل، والبرهان على وجود عمال عرب مهنيين ومستعدين للعمل، وتفنيد ادعاءات اتحاد المقاولين الذي يصر على العكس ليُديم استيراد العمال الاجانب الارخص.
مدفوعةً بهذه الروح مارست الجمعية ضغطا كبيرا على مكتب رئيس الكنيست، بهدف الغاء فترة الانتظار الطويلة التي يتطلبها الفحص الامني. وكانت النتيجة انجازا هاما جدا عندما وافق حراس الكنيست على منح العمال تأشيرات مؤقتة تسمح لهم بمباشرة العمل خلال 24 ساعة، وعدم اشتراط الامر باجراءات الفحص الامني.
في هذا السياق وافقت الجمعية بعد التشاور مع العمال، على ان يرتدي العمال الجدد "اوفيرول" خاصا قامت الشركة بشرائه، وذلك كخطوة مؤقتة حتى يتم استنفاذ الاجراءات الامنية. وكان استيعاب العامل بسرعة في مكان العمل، الاعتبار الاهم وراء اتخاذ هذه الخطوة المؤقتة التي لا تمس بكرامة العامل او حقوقه.
تعليم خوذ العمال بشارات حمراء، كان اجراء اضافيا لم تنص عليه الشروط التي كتبها حراس الكنيست. دون شك، كان ذلك اجراء غير مقبول، ولكنه لم يثر لدى العمال الخوف والشعور بالاهانة التي صورتها وسائل الاعلام في محاولة لتضخيم المشكلة.
وقد قمت، بصفتي مسؤول عن مشروع معاً في الكنيست، بزيارة لورشة العمل عدة مرات خلال الشهرين الاخيرين، ولم استمع من العمال ابدا الى شكوى حول وجود قناصة، كما لم ير اثرا لاشارة الX بالتحديد، على خوذهم. ويبدو ان صحيفة معاريف التقطت صورة لخوذة واحدة حملت الاشارة المذكورة لاسباب غير معروفة. لم يكن هناك خطر على حياة العمال، ولم يكن من الممكن ان تسمح الجمعية بترك مجموعة عمال منظمة في اطارها ضحية لتهديدات على حياتهم او لممارسات عنصرية خطيرة.
ضجة مفتعلة
ولكن يبدو ان الحقائق بكل قوتها لم تتمكن من وقف الهرولة وراء العناوين. اول المهرولين كانوا بطبيعة الحال، النواب العرب. النائب عصام مخول مثلا صرّح انه "اذا لم يتم ازالة الاشارات الحمراء، فسوف يطلب استبدالها بقطع قماش صفراء"، في اشارة الى ما قامت به السلطات النازية باليهود، ابان الحرب العالمية الثانية.
شبكات التلفزيون والراديو الاسرائيلية التي تتجاهل في العادة قضايا العرب، ناهيك عن قضايا العمال العرب، قفزت على الموجة وضخمت الحدث "لتبيع اكثر". موقع الانترنت التابع لصحيفة "يديعوت احرونوت" ابرز القضية واجرى لقاءات لرئيس الكنيست والنواب العرب. كما تم تخصيص نشرات الاخبار التلفزيونية في الساعة الخامسة والسادسة لتداول الموضوع. وحرص الجميع على عدم الاتصال بجمعية معاً التي تنظم هؤلاء العمال، والتي تعرف كل صغيرة وكبيرة في الموضوع.
المفارقة ان معاريف التي اوردت الخبر كانت الوحيدة التي اطلعت على ما يحدث في الموقع، ووصلت للموضوع من خلال جمعية معاً وبالتنسيق معها. مع هذا قررت الصحيفة اثارة الصخب الاعلامي المفتعل، دون الاستشارة بالجمعية، وذلك لان اعتبارها كان جذب القراء. واذا كان هدف جمعية معاً من المقال ابراز دور العمال العرب في الجهود لفتح اماكن عمل اخرى، فان لصحيفة معاريف كان جدول عمل مختلف كما تبين.
الصحافة العربية ايضا كرّست اهتماما للموضوع. صحيفة "الصنارة" (12 آذار) اجرت مقابلة مع رئيس الكنيست، روبي ريفلين، الذي اصر على عدم ذكر دور الجمعية في تجنيد العمال العرب. حسب ريفلين: "قبل شهرين نظمت "لجنة الكنيست للعمال الاجانب"، جولة في رحاب الكنيست... واثناء الجولة سألت لم لا يتم تشغيل عمال اسرائيليين بدلا من الاجانب المتواجدين هناك، فأُجبت بان اليهود لا يريدون العمل في هذا المجال. عندها توجه الي احد المشاركين في الجولة (لا يذكر من)، قائلا ان هناك مجموعة من عمال البناء العرب من منطقة الناصرة يطلبون منحهم الفرصة للعمل في الكنيست. فقلت اهلا وسهلا، وطلبت ان يسرعوا في عملية استيعابهم للعمل اذا كانت لديهم المهارة المطلوبة".
لكن الحقيقة ان ريفلين يعرف جيدا ان مندوب معاً هو الذي اقترح خلال الجولة، تجنيد العمال العرب للكنيست. فخلال الشهرين الاخيرين توجهت الجمعية اكثر من مرة الى مكتب ريفلين ليمارس الضغط على حراس الكنيست، بهدف الاسراع في اصدار تأشيرات الدخول للعمال. كما ان مندوب الجمعية لم يشارك في الجولة المذكورة مصادفة، بل تواجد في اطار مشاركته الدائمة في اجتماعات اللجنة وذلك بدعوة رسمية منها. واذا كان ريفلين قد نسي اسم الجمعية او مندوبيها، فبامكانه قراءة محاضر جلسات اللجنة، ليرى من كان الطرف الذي اقترح تجنيد العمال لورشة البناء في الكنيست.
وقد تزامن تجاهل رئيس الكنيست لدور الجمعية، مع التحريض على الجمعية وعلى العمال العرب الذي يمارسه يهودا سيغف، مدير عام اتحاد المقاولين. فقد صرح الاخير لصحيفة "يديعوت احرونوت" (10 آذار) وللقناة الثانية (النشرة الاخبارية، 8 آذار) بانه "ليس هناك عمال مهنيون محليون لفرع البناء.. وان جمعية معاً توجّه للشركات عمال غير مهنيين، وانها مجرد شركة قوى بشرية".
هذه التصريحات الناقمة على جمعية معاً وعلى العمال، هي رد فعل يائس على موقف الجمعية الذي ينص على وجود مخزون كبير من العمال ينتظرون فرصة العودة من جديد لمسار العمل المنظم الكريم. المقالان في يديعوت والخبر في القناة الثانية، ابرزا دور جمعية معاً الذي يحظى بمصداقية كبيرة، رغم التصريحات العدائية.
العمال وقعوا ضحية
ازاء الضجة الاعلامية الضخمة تصرف بعض العمال في ورشة الكنيست بطريقة غير حكيمة، فوقعوا فريسة سهلة لوسائل الاعلام واعضاء الكنيست الذين فازوا بالعناوين. فعندما قامت وسائل الاعلام المختلفة بالاتصال بالعمال للاستفسار حول الاشارات الحمراء، لم يخطر ببالهم الاستفادة من الفرصة الاعلامية لتكثيف حملة فتح اماكن العمل ومواجهة البطالة. وبدل ذلك راح بعضهم يروي اساطير مثال ان الشركة تعذبهم ولا تقدم لهم الطعام والشراب.
ولم تكتف هذه المجموعة من العمال بتصريحاتها، بل ضاعفت من سوء الوضع بمبادرتها لاعلان الاضراب عن العمل، دون التنسيق مع الجمعية، بسبب مشكلة لا علاقة لها بموضوع الخوذ، بل بقيام احد مدراء العمل الفرعيين بتدوين خاطئ لساعات العمل. وكانت المشكلة قد اتضحت لاول مرة يوم الاثنين 8 آذار، وعلى الفور قررت المجموعة اعلان الاضراب ابتداء من اليوم التالي، علما ان الاضراب يعتبر اقصى الاجراءات، بعد استنفاذ بقية الوسائل.
الاهم: 30 الف عاطل عن العمل
الاهتمام المفاجئ من قبل اعضاء الكنيست والصحافة بالعمال العرب، لم يكن ابدا اشارة الى تغيير في جدول عمل هؤلاء تجاه الطبقة العاملة. فعشرات آلاف عمال البناء العرب الذين فقدوا اماكن عملهم خلال العقد الاخير، بسبب سياسة استيراد العمال الاجانب الارخص، مشطوبون من جدول العمل البرلماني والاعلامي. ومن المتوقع ان يستمر تجاهلهم بعد ان يهدأ ضجيج الخوذ.
ما قامت به جمعية معاً من عمل ومجهود لاعادة الاعتبار للطبقة العاملة العربية، وطرح الموضوع على كافة الاصعدة، ليس مجرد ضجة اعلامية مفبركة او مؤقتة. عمل الجمعية مبني على اتخاذ خطوات ملموسة، ولو صغيرة، الى الامام. وذلك بناء على الموقف الذي يرى في كل انجاز صغير خطوة على الطريق الطويلة باتجاه تحقيق الهدف. الجهود الكبيرة التي تقوم بها جمعية معاً لاختراق شركات البناء، وضمان العمل المنظم والثابت للعمال العرب، هي التي فتحت المجال امام العمال العرب للوصول الى ورشة العمل في الكنيست، وهذا هو الانجاز الاهم.
ان الهدف الكبير الذي تعمل من اجله جمعية معاً، هو بناء اطار نقابي قوي لعمال البناء ولسائر العمال، حتى يتمكن هذا الاطار من تغيير الوضع الحالي في سوق العمل، وتوفير فرص عمل متساوية لكافة العمال، دون علاقة بقوميتهم او دينهم. في سعيها لتحقيق هذا الهدف، لا يفيد الجمعية تضخيم المشاكل او افتعال معارك سابقة لاوانها دون تحضير كاف. ما يخدم الطبقة العاملة في الوقت الراهن هو التصرف بمسؤولية كبيرة والتحلي بروح جماعية، ودراسة كل خطوة قبل اتخاذها، وذلك حتى يضمن كل عامل لنفسه مكان عمله الحالي، وكي يفتح الطريق امام زملائه الذين لا يزالون مصطفين في طوابير مكاتب العمل.
المقالات التي صدرت خلال اسبوع واحد في الصحف والقناة الثانية، جاءت دون شك ثمرة لانجازات الجمعية وللمجهود الذي يقوم به طاقم الجمعية ومن ورائهم 600 عامل منظمين تحت مسؤولية اكثر من 50 رئيس فرقة، يقومون بدور مسؤول وناضج في بناء قوة عمالية منظمة، ويبنون الاطار النقابي الجماعي الذي يضمن لهم وللآخرين المستقبل.
#اساف_اديب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تبعية الاقتصاد الفلسطيني تمنع الاستقلال السياسي
-
مقابلة مع د. يوسي دهان - كيف تقضي الهستدروت على نفسها
-
قضايا عمالية - لماذا الغي الاضراب في اسرائيل؟
-
ميزانية نتانياهو تدعم رأس المال وتهمش العمال
-
خطة نتانياهو تعجل الانهيار الاقتصادي
-
النقابة – الاساس للعمل الثوري
-
الساحة الاسرائيلية تتجه نحو اليمين
-
اقتصاد اسرائيل ينجو.. مؤقتا
-
عمال غزة بين الاحتلال وفوضى السلطة
-
كيف تحول الرفاه الاسرائيلي الى قنبلة موقوتة؟
-
الاقتصاد الاسرائيلي في ورطة
-
مأزق الاقتصاد الاسرائيلي وانهيار وهم العولمة
-
اتفاق الدوحة محطة في الطريق لنهاية العولمة
-
مناهضة العولمة تمهد لبناء حركة عالمية ضد الحرب
-
نقابيون بريطانيون يبادرون لبناء تيار نضالي جديد
المزيد.....
-
نقابة الصحفيين الفلسطينيين تطلق حملة صحفيات بزمن الحرب
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|