|
في سيكولوجيا الحزب الشيوعي العراقي
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2601 - 2009 / 3 / 30 - 10:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
واجه الحزب الشيوعي العراقي محنتين بعد سقوط النظام في نيسان 2003 ، الأولى : هل يشترك في الحكومة التي شكلّها المحتل.. أميركا الملطخة يداها بدماء الشيوعين العراقيين عام 63، باعتراف علي صالح السعدي القيادي في حزب البعث الذي قال: ان الحزب - البعث- جاء الى السلطة بقطار امريكي..يقصد انقلاب 63؟ أم ينأى بنفسه بعيدا عن الحكومة والمحتل ويكون في صفوف المعارضة السياسية او المقاومة؟ ولقد حلّ تلك المحنة حلّ (بلاّع الموس) فأشترك في السلطة، او بالأحرى اشركوه فيها بقدر الحجم الذي اعطاه له المحتل، وفاز في الانتخابات الاولى بعضوين في البرلمان ضمن تحالف مع القائمة العراقية. وأجمل مفارقة حققها ( حميد مجيد موسى و مفيد الجزائري) انهما جلسا في البرلمان الى جانب معممين.. يعدونهما كافرين وملحدين وزنديقين! . وأظنهم (المعممون) لايطيقون رؤيتهما، وأن شيطانين لو جلسا مكانيهما لأهون عليهم منهما. فوالد أبرز المعممين البرلمانيين كان اعطى الضوء الأخضر لإبادة الشيوعين عام 63، ولا أظن ان ابنه استغفر لأبيه، ولا أظن أن الشيوعيين ايضا قد غفروا له. ومن حلاوة هذه المفارقة أن الطرفين في البرلمان ، المعممون والشيوعيان الوحيدان، حصل لهم ترويض سيكولوجي حضاري، لا اقول بقبول احدها الآخر، وانما بتحمل أحدهما للآخر ..فالشيوعيون ايضا لايطيقون رؤية المعممين. والواقع ان كره الطرفين لبعضهما الآخر.. سخيف. فالمسألة بينهما تخص العلاقة بطرف ثالث، هو الله الذي يؤمن المعممون بوجوده فيما ينكر وجوده الشيوعيون. فماذا يضير ان ترك أحدهما الآخر على هواه.. فإن كان الله موجودا فأنه سيلعب بالشيوعين (طوبه) يوم القيامة! (ويوريهم نجوم الظهر) ولو انهم رأوها في دنياهم! نعود بعد هذا الفاصل! لموضوعنا فنقول : ان حلّ اي محنة حلّ (بلاّع الموس) ينتهي بنجاحات قليلة وخسائر كثيرة. ومن اهم نجاحات الحزب انه حافظ على كوادره، ووفر الفرصة لأن يتحدث بعلانية في البرلمان ووسائل الاعلام، خاصة لجيل من الشباب العراقي كان معظمه اما لايعرف شيئا عن الماركسية، او ان محاضرات (الثقافة القومية) في الجامعة، والاضطهاد الذي مارسه النظام السابق ضد الاحزاب والحركات الدينية جعلهم يكرهون الشيوعية او يعزفون عنها، فضلا عن الحملة الايمانية اواسط التسعينيات التي استهدفت الشباب. أما اكبر خسائره: انشقاق كثير من كوادر الحزب وتشكيل اكثر من خمسة احزاب او حركات يسارية ترى في نفسها انها تمثل المنهج الماركسي الصحيح، بغض النظر عما اذا كان لهم أو لبعض منهم رصيد بين الناس ام مجرد مجموعة افراد. وثاني خسائره ان كثيرا من المتعاطفين معه شعروا أن الحزب خذلهم وخذل قضيته لحظة اشتراكه بالحكومه " وتعاونه " مع المحتل.. ويعدّون هذا احد اهم اسباب اخفاقه ، ودليلهم في ذلك انه لم يحصل في انتخابات مجالس المحافظات ولاحتى على مقعد واحد فيما فازت تكتلات ، تشكلت قبل اشهر من موعد الانتخابات، باكثر من مقعد. وثاني مِحنه ، انه لم يحقق رصيدا له بين الناس بالمستوى الذي يتناسب وتاريخه النضالي وسمعته النزيهة . ومقياس هذا الرصيد ان الشعب الذي ناضل الحزب من اجله ثلاثة ارباع قرن وقدّم قافلة من الشهداء تجاوز عددها خمسة آلاف شيوعي فقط في عام 63 من خيرة مثقفي العراق واكثرهم نبلا وأخلاصا.. لم يوصل ولا عضوا واحدا الى الحكومات المحلية في محافظات العراق كلها!. والمؤسف أن الحزب عزا هذا الاخفاق فقط الى عمليات تزوير رافقت الانتخابات و الى ( أن بعض الكتل السياسية التي شاركت في انتخابات مجالس المحافظات ...استولت على مليوني صوت من خلال المادة 13 من قانون الانتخابات ) وكأنه بذلك يوحي أن فوزه كان مضمونا فيما الحقيقة أنه مارس تبريرا سيكولوجيا بدفع أسباب الاخفاق ، بكاملها ، عن نفسه . ان القراءة السيكولوجية لمزاج الناس وتوجهاتهم الفكرية وتوقعاتهم للأحزاب والتكتلات التي يرون انها تحقق مصالحهم، ماكانت - وما تزال - في صالح الشيوعين ، بالرغم من أن العقل الانفعالي الذي تحكّم بالعراقيين في انتخابات البرلمان الحالي تراجع اندفاعه لصالح العقل المنطقي في الانتخابات الأخيرة ( مجالس المحافظات ). والواقع ان الحزب الشيوعي العراقي خاض انتخابات في ظروف سياسية واجتماعية ونفسية ليست لصالحه. فالمجتمع العراقي شاعت فيه بعد السقوط ثلاث ظواهر من الانتماءات البدائية : العشيرة والطائفية والقومية، ناجمه عن سيكولوجيا الاحتماء. فبعد ان انهار النظام وتعطّل القانون صار العراقي يبحث عمن يحميه، فلجأ اما الى العشيرة او الطائفة او الى ابناء قومه. وعليه فأنا لااعدّ عدم فوزه في الانتخابات الاخيرة فشلا ذريعا للحزب، بل اراها نتيجة منطقية. على ان الحزب يتحمل حصة كبيرة من هذا الفشل نوجزأهمها بسببين : الأول :اساليب التثقيف لايمتلك الحزب قناة فضائية ولا اذاعة ولا صحافة بمواصفات متطورة. وليس له نشاط ثقافي مؤثر عبر وسائل الاتصال المختلفة لاسيما القنوات الفضائية. فضلا عن ان المتحدثين باسمه ينحصرون بأثنين فقط.. (حميد موسى ومفيد الجزائري ) مما يثير لدى المواطن العادي تساؤلا مشروعا : ( يعني ماكو مثقفين بالحزب بس ابو داود ومفيد!). والاهم من ذلك ان اساليبه في توعية الناس غير فاعلة، وانه مايزال مغرما بالتنظير اكثر من تناوله القضايا الاساسية المتعلقة بالحياة المعيشية للمواطنين ومتابعة حلّها ، كما يفعل التيار الصدري مثلا. وانه- في رأي كثيرين- لم يثقف الناس بمساوئ الاحتلال ، وكثير منها جرائم انسانية وأخلاقية ، بمستوى ما هو معروف عن الحزب في مقاومته الظلم والاستعمار ، ولم يمارس النقد الذاتي عبر صحافته ، بل انه عمد الى تجميل ماعدّه كثيرون اخطاء كبيرة، فضلا عن ان دوره في نقد سلبيات الحكومة كان ضعيفا ، باستثناء شيوعيي البصرة .
والثاني : المرونة السياسية. ان احد اسباب عدم نجاح الحزب في الانتخابات الاخيرة (مجالس المحافظات) هو انه تحالف مع قوتين " ميتتين " جماهيريا ، (وكنا نبهنا الى ذلك في مقالنا : البديل المنقذ ). ولا اظنه حصل على اصوات تذكر من جماهيره.. العمال والفلاحين. والمرجّح ان الاصوات التي حصل عليها كانت لعوائل اعضائه واصدقائه وقلّة من المثقفين والشيوعين القدامى من الذين ظلوا اوفياء روحيا له. فالناخبون العراقيون موزعون الان بين المنتمين سياسيا والمتعصبين مذهبيا او عرقيا لأحزاب طائفية او قومية ، والطائعين اوامر شيخ العشيرة وتوجيهات وجهائها ، والمناصرين لقوى وتكتلات وطنية وعلمانية يرون فيها انها مؤثرة وستكون قوية. وسبب آخر نضيفه هو ان الوعي الانتخابي لدى العراقيين بشكل عام تتحكّم فيه سيكولجيا (القوة) ..اي ان المواطن العادي يعطي صوته للحزب او الكيان الذي يرى فيه انه قوي، فيما الواقع الفعلي يشير الى ان الحزب الشيوعي العراقي لايمتلك تلك القوة التي تشكّل عامل جذب للناخبين. فهو في واقع الحال يغرّد خارج الاسراب السياسية ، فلاهو ملتحق بسرب تجمعه به ايقاعات مشتركة ولايوجد سرب ينوي الالتحاق به!. والعقدة المتحكمة فيه ان يبحث عن قوى نزيهة ليتحالف معها في زمن صار فيه النزيه، بالمواصفات الماركسية، اندر من الذهب الروسي. ومسألة اخرى سياسية - فكرية هي أن على الحزب أن يوظّف الماركسية لطبيعة المجتمع العراقي بصيغ يوازن فيها بين أن لا يكون " دوغماتيا " ولا " براجماتيا " مثلما وظّفها الحزب الشيوعي الهندي الذي استطاع أن يؤلف ثلاث حكومات في ثلاث ولايات مع أن المجتمع الهندي أكثر تعقيدا من المجتمع العراقي . وأن يعمل على خلق بدائل سياسية تهدف بالدرجة الأولى الى معالجة القضايا التي تخص هموم الناس وتشغل بال المواطن . وعليه فانه امام ثلاثة خيارات بخصوص انتخابات كانون اول 2009.. 1- السعي الى عقد تحالفات مع قوى علمانية ووطنية شرط أن لاتبتلعه او تهمّشه.( من المفارقات أن القائمة العراقية كانت هي التي فكت ارتباط الحزب الشيوعي بها لأربعة أسباب أحدها ما نصه: عدم التزام الحزب الشيوعي بمنهج القائمة ومشروعها الوطني واقترابهم من المشاريع الطائفية والعرقية !). 2- الاستجابة للنداءات التي تدعو الى توحيد قوى اليسار، وخوض الانتخابات بقائمة واحدة. 3- او ان يخوض الانتخابات بمفرده ، ويهيء نفسه لها من الان باساليب تثقيف جديدة. ارجو ان لايزعل ( ابناء العم ماركس) بكل فصائلهم ، من ملاحظاتنا هذه التي كتبناها بحسن نية. فنحن التقدميّون المستقلّون نريد للقوى اليسارية والعلمانية ان تأخذ دورها الفاعل في اسعاد الناس وازدهار الوطن. وثمة حقيقة مؤمن بها: ان الماضي كان (لهم)، والحاضر مرحلة انتقالية، والمستقبل للتقدميين والوطنيين النزيهين. وما ملاحظات مثل هذه من محبين الا بهدف تسريعه.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصحافة : مهنة المتاعب ..والنفاق ايضا !
-
علي الوردي ..وازدواج الشخصية العراقية
-
كلنا مصابون بحول في العقل !
-
ضمير..سز
-
عبود ..والشطره ..وحال ما تغير
-
في سيكولوجيا الناخب العراقي- قراءة نفسية سياسية -
-
اسطورة أوباما ..هل ستنتهي بانتصار الوطن ام بموت البطل ؟!
-
ثقافتا الفرد والدور ..واشكاليه السلوك
-
في سيكولوجيا تصرّف منتظر الزيدي - ثقافة التعليق
-
في سيكولوجيا تصّرف منتظر الزيدي
-
تهنئة ,,وملاحظات واقتراح
-
أمسية ..في شارع أبي نؤاس
-
مخطوطة للدكتور علي الوردي معروضة للبيع
-
تنبؤ سيكولوجي بفوز أوباما
-
الارهابيون بعيون أكاديمية - ايضاح ..واقتراح-
-
الارهابيون .. بعيون أكاديمية
-
سيكولجيا الصراع في المجتمع العراقي
-
كنت في الجولان
-
في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 3-3
-
الى الشاعرة لميعه عباس عماره
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|