أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الناصري - تطورأنماط التدين عند الشباب في المغرب















المزيد.....


تطورأنماط التدين عند الشباب في المغرب


سعيد الناصري

الحوار المتمدن-العدد: 2600 - 2009 / 3 / 29 - 05:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعاني الشباب المغربي منذ الإستقلال من التهميش المعنوي على الرغم من الحجم الديمغرافي لهذه الفئة الإجتماعية. الإهتمام بالشباب كفئة مستقلة بذاتها تطورحديث نسبيا في العلوم الإجتماعية بالمغرب. استخدام مفهوم الشباب محدود والأبحاث التي تهتم بدراسة الشباب كفئة مستقلة بذاتها قليلة نسبيا.

قبل عهد الحماية الفرنسية كان المجتمع المغربي التقليدي متمسكا بفكرة الإنتقال المباشر من مرحلة الطفولة إلى سن الرشد. طقس الختان كان الإطار الرئيسي لانفصال الطفل عن بيئة النساء وولوج عالم الرجال، بينما كانت علامات البلوغ الأولى تُقَرٍب الفتيات من دائرة النساء.

قبل الحماية، بالإضافة إلى التسمية الأساسية المرتبطة بالسن (دَرِّي) كانت الفئات العمرية التقليدية تتضمن بعض المراحل الإنتقالية : تقييم الشاب حسب اعتماده على والديه (عَايِلْ)، حسب قدرته على الزواج (عَزْرِي) أو قدرته على الصيام خلال شهر رمضان، على العمل في الحقول، ركوب الخيل، أواستعمال السلاح للصيد.

عمليات الإحصاء التي قامت بها سلطات الحماية خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي إقتصرت على ثلاث فئات : الأطفال، البالغون والكهول. تنامي ظاهرة الهجرة من القرى إلى المراكز الحضرية للعمل، انتشار التعليم وطول مدة الدراسة، كلها عوامل أدت إلى تطور تدريجي لمفهوم الشباب في المجتمع المغربي بعد الاستقلال. خلال الخمسينيات أصبح تعبير"زُوفْرِي" المحرَّف عن تسمية العامل باللغة الفرنسية يميز الشاب المغربي العامل والمستقل ماديا عن والديه. عمل الشباب القادمين من القرى في المدن مكنهم من التحرر النسبي من السلطة الأبوية والتصرف كأفراد مستقلين عن الأطر الإجتماعية التقليدية.

1. تناقضات المعطيات الديمغرافية والركود الاقتصادي

منذ بداية السبعينيات أدت برامج ترشيد النموالسكاني وتحديد نسبة الولادات إلى بداية الإنتقال الديمغرافي بالمغرب، حيث انخفضت نسبة التزايد السكاني بسبب أزمة السكن، وبدأت الأسرالمكونة حول طفلين أو ثلاثة بالإنتشار بعد تراجع سن الزواج من 18 سنة خلال الستينيات إلى 28 سنة خلال الثمانينيات.

حاليا يمكن تصنيف حجم الساكنة المغربية في إطار النمو المقبول نسبة إلى مساحة البلاد، حيث يمَكِّن توزيع السكان على المراكز الحضرية والقروية من تفادي ظاهرة الإكتظاظ السكاني حول العاصمة والمدن الكبرى (مصر كمثال). ثلثا السكان تقل أعمارهم عن 30 سنة بينما يتمركز 58 في المائة من المغاربة في المدن. يبلغ عدد الأطفال المتمدرسين خمسة ملايين طفل تقريبا، نصف السكان قادرون على القراءة والكتابة بينما تتراوح نسبة البطالة بين 12 و35 بالمائة حسب المناطق، وتبلغ 30 بالمائة بين الشباب حاملي الشهادات. (1)

مُجمل التحولات الإجتماعية التي عرفها المغرب منذ الإستقلال أدت إلى تطور تَمَثُل الشباب للمحظورات الأساسية في المجتمعات العربية : السياسة، الدين والجنس. تطورأنماط التدين عند الشباب حاليا يتم في إطار تفشي البطالة في المراكزالحضرية والتراجع التدريجي للدولة عن التزاماتها الإجتماعية الأساسية : التعليم، التشغيل والصحة، وقيام قوى دينية صاعدة بتأطير الأحياء الفقيرة والمناطق الهامشية لتوسيع قواعدها الشعبية.


2. اكتشاف المقدس وبحث الشباب عن المعنى

وضع الشباب غير المريح يرجع بالأساس إلى استمرار التجاذب غير المحسوم بين قيم الحداثة المفروضة وقيم التراث، التقليد والمحافظة.(2) مواقف الشباب تجاه المقدس تتنوع بين اللامبالاة، الرفض، العداء، الإغتراب، التكيُّف، التطرف وغير ذلك. أشكال التدين التي يعتمدها الشباب لا تنتمي بالضرورة إلى الإطار الديني التقليدي.

التنشئة الاجتماعية والدينية داخل الأسرة تدشن احتكاك الشباب بالمقدس وتعمل على تلقين الطاعة المطلقة كقيمة، وترسيخ السلبية وانعدام الحس النقدي لدى الاطفال. تبدأ التنشئة الدينية عموما بشكل شفوي من جانب الأم عبر الإلتزام بمختلف أشكال الإسلام الشعبي : زيارة الأولياء، الإرتباط بالزوايا والطرق الصوفية، وبقايا المعتقدات السابقة للعصر الإسلامي. مرافقة الأم خلال الزيارات إلى المقامات الدينية ترسخ ارتباط المقدس الغامض، المخيف والمثير للتساؤلات بصورة الولي لدى الأطفال. انتشار الأمية بشكل خاص بين النساء في المغرب يُبقي التنشئة الدينية الأسرية بدائية وبعيدة عن الإسلام الرسمي.

في وقت لاحق تعمل المدرسة والنظام التعليمي بشكل عام على "تصحيح" التنشئة الدينية الأسرية وتوجيهها نحو القيم الدينية المكتوبة استنادا إلى النصوص المقدسة، وتعمل على تدعيم قيم الإسلام الرسمي كركيزة لشرعية النظام السياسي. اكتشاف الطلبة لأشكال التدين الحركي والخارج عن الهيمنة الرمزية للدولة يتم عادة خلال مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي، عبر محاكاة الأصدقاء وزملاء الدراسة المؤمنين بالإيديولوجيات الدينية المهمشة والمعارضة للإسلام الرسمي. انفتاح الشباب على وسائط الإتصال والمعرفة الحديثة كالقنوات الفضائية والمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت ومتابعة العلماء والدعاة الأجانب خارج الحقل الديني الرسمي، يرسخ تنوع المرجعيات الثقافية والدينية.

تدين الشباب يتسم بالتركيب والتعددية. الشعور الديني لدى الشباب غالبا ما يرتبط بالرغبة في التعبير عن النفس والتصرف حسب التعاليم الدينية والجمع بين ممارسات دينية متناقضة كتأدية الصلاة، الإيمان بالحسد والعين، قراءة الأبراج، رغم الإدانة الشكلية للممارسات "المنحرفة" كزيارة الأولياء للتوسل وقضاء الحاجات، أواللجوء إلى السحر والشعوذة. التناقض الواضح بين المرجعيات الثقافية والظروف المادية للشباب يؤدي عادة إلى التوتر والغموض، حيث يتم الإنتقال من التدين الثقافي والموروث إلى التدين الإحتجاجي كملجأً رمزي ووسيلة لانتقاد ورفض النظام الإجتماعي والسياسي عبرالعودة إلى الإسلام باعتباره ملاذا آمنا وتحديا للهياكل الإجتماعية والسياسية القائمة. من السهل متابعة نماذج تعبر عن هذا التطورعلى سبيل المثال عبر تفسير بعض الشابات للإنتقال عبر الأجيال من ارتداء الزي التقليدي المغربي النسوي إلى اعتماد "الزي الإسلامي الموحد" رغم ارتباط الحالتين بالإحتشام كقيمة رئيسية وموحدة.

تدين الشباب كثيرا ما يرتبط بالرغبة في التعبير والتصرف وفقا لمبادئ الإسلام الأخلاقية. الشاب المغربي قد يمارس معتقده الديني في دائرة الخصوصية والحميمية وقد يلتزم من خلال الرموز والمظاهر الخارجية للتدين كارتداء القميص أوالحجاب. العلاقة بين الإيمان ودرجة الممارسة الدينية غائبة وليست حتمية حيث يؤمن غالبية الشباب بالإسلام كمثل أعلى وقيمة مطلقة وخزان للقيم لا ينسجم بالضرورة مع تصورات الجماعات الدينية للإسلام السياسي. الإيمان بالعدالة الإجتماعية كقيمة غالبا ما يميز الزبناء المحتملين لهذه التنظيمات بين أوساط الشباب. تمسك الشباب بالهوية الإسلامية متقدم بالمقارنة مع الهوية الوطنية المغربية. التقييم الإيجابي للدين الإسلامي يلاحظ حتى بين أوساط الشباب غيرالمتدينين حيث ترتبط صورة "المسلم الصالح" بأي شخص يحترم الأخلاق الإسلامية بشكل عام بدلا من ممارسة كافة الطقوس بشكل حرفي.(3)

3. التنشئة الدينية المركبة للشباب تنتج تَمَثُّلات متناقضة وأطرا معرفية ضعيفة

يتشبت الشباب بشكل عام بالماضي كأداة لفهم وتأويل النصوص المقدسة، حيث ترتكز المقاربة الماضوية للدين على ماض مُتَخَيَّل، مثالي وغير واقعي، وتبقى ملامح الشخصيات الدينية الرئيسية تقريبية، غير دقيقة وخارج التاريخ. يبدأ الكثير من الشباب حديثهم عن معتقداتهم الدينية بعبارة "يُقال، سمعت بأن" حيث يغلب الإنتماء والعواطف على الجوانب المعرفية وتختلط التمثلات بالوقائع التاريخية المجتزأة والخرافات والروايات الأسطورية.

مساندة الشباب للحركات الإسلامية يعبر عن تنامي النزعات الفردية داخل الأسر لاعتماد قيم دينية بديلة كشكل من أشكال الإحتجاج والثورة على القيم الأبوية السائدة في المجتمع والداعمة لاستمرار الإستبداد السياسي.(4)

التطرف الديني يفترض انسجاما تاما بين مختلف التصرفات والمواقف ويظل هامشيا على العموم. وضع الشباب المتذبذب بين أنماط التدين المركبة والمتناقضة وعدم القدرة على الإصطفاف والحسم بين قيم الإسلام الشعبي، الرسمي والإحتجاجي يمنع ظهور أي حركة دينية قادرة بمفردها على اختراق المدن والقرى والهيمنة على الحقل السياسي.

4. التعايش بين الحرية الفردية ومبادئ المجتمع الذكوري الأبوي

تلعب الأسرة دورا أساسيا في نقل القيم إلى الشباب بما تمثله من إطار اجتماعي للتعليم الشفوي والتشاور والدعم المادي. تطور علاقات التشاور داخل الأسر يشجع الإستقلالية والمبادرة الفردية لدى الشباب مع تفادي خروج الأفراد عن التأطير الإجتماعي بشكل كامل.

داخل الأسر المغربية يسود نوع من الإجماع المبهم حول الدين كقيمة اجتماعية، حيث يُقْبِلُ الشباب على التفاوض والمرونة لضمان التوافق مع الآباء حول السلطة الرمزية وتحديد فضاءات للحرية الشخصية. في هذا الإطار من الممكن الحديث عن نوع من التعايش بين الحرية الفردية للشباب ومبادئ المجتمع الذكوري الأبوي.(5) لجوء الشباب للتوافق كحل وسط يُمَكِّنهم من مواجهة التناقضات بين القيم الرمزية السائدة وإكراهات الواقع والحفاظ على الدعم الأسري، مع عدم التنازل عن هوامش مخصصة للحميمية وللحرية الشخصية.(6)

الهوة بين الأجيال تؤدي عادة إلى بروز تعقيدات على مستوى التواصل بين الآباء والأبناء، وتعمل على تقوية مجموعات موازية ينتمي إليها الشباب على أساس التساوي والإنتقال الأفقي للقيم والأعراف بين الأفراد، كتعبيرعن التمرد على قيم الأسرة والمجتمع وهياكلهما العمودية. هذه المجموعات قد تأخذ أشكالا متعددة : فرق موسيقية، نوادي رياضية، طرق صوفية، تنظيمات دينية متطرفة، عصابات إجرامية، وفي كثير من الأحيان تصبح عنوانا لولاء الشباب بدل الأسرة أوالمجتمع ككل. الإحساس المتنامي بالتهميش الرمزي والإغتراب غالبا ما يؤدي إلى لجوء الشباب إلى الهجرة الفكرية والعَقَدية للتميز والإحتماء من المحيط : "التكفير والهجرة"، اعتناق مذاهب أوفلسفات أو ديانات أخرى بشكل سري كالتشيع، البوذية والمسيحية، الإلحاد غيرالمعلن، أو عبر الإبتعاد المادي والتفكير في الهجرة الشرعية أوالسرية.

5. بين إدارة التنوع والفوضى الدينية المنظمة

عمل النظام السياسي المغربي منذ الإستقلال على احتكار أدوات الإنتاج الرمزي والفكري واجتياح الحقل الديني لشرعنة هياكل الدولة. إخضاع الدين للسياسة مَكَّن الدولة من تأطير المؤسسات الدينية والفاعلين الرئيسيين وفَرْض قراءات وتأويلات رسمية للنصوص المقدسة لاستعمالها ضد الخصوم السياسيين ولضمان الإستقرار والركود الإجتماعي.

توقيع معاهدة الحماية الفرنسية سنة 1912 أدى إلى تخفيف المنافسة الحادة حول الشرعية السياسية والدينية بين الملكية، علماء الدين والزوايا الصوفية. إضعاف المنافسة مكن الملكية من السيطرة على الحقل الديني بشكل تدريجي وتحديد صلاحيات رجال الدين. إستعادة الملكية لصلاحيات سلطات الحماية في المجال الديني بدأ بالإشراف المباشرعلى الأوقاف مما أدى إلى حرمان العلماء ورجال الدين من استقلالهم المادي عن الدولة. تأميم سلطات الحماية للأوقاف تم بموجب ظهير صدر سنة 1915، بعد الإستقلال لم يصدرظهير مماثل حتى سنة 1967 نظرا لحساسية القرار على المستوى الرسمى وارتباطه بالشرعية الدينية بشكل مباشر.(7) إنشاء وزارة خاصة بالأوقاف والشؤون الإسلامية والحاقُها بالوزارات التابعة للقصرالملكي بشكل مباشر مكن الدولة من إدارة شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية. نصف الأراضي الصالحة للزراعة تابع للدولة بشكل أو بآخر بينما تدير وزارة الأوقاف بمفردها مساحة تتراوح بين 80 و84 ألف هكتار كأحد أغنى الدوائرالحكومية بالمغرب.(8)

خلال الستينييات خَلُصت مجموعة من الدراسات الميدانية إلى تراجع التدين لدى الشباب ومحدودية الممارسات المرتبطة بالتدين الثقافي كتأدية الصلاة أوالصوم في إطار تفشي الأمية في القرى وهيمنة الأحزاب والتنظيمات اليسارية على المدارس الثانوية والجامعات في المراكز الحضرية (9) حيث أدى انتشار التعليم الحديث إلى تهميش المدارس القرآنية العتيقة.(10)

تدبير الدولة للحقل الديني أدى إلى إنشاء مجموعة من المؤسسات الدينية الضعيفة والمفتتة وغير القادرة على اتخاذ مبادرات أو مواقف موحدة مغايرة أو معارضة لسياسات الدولة : إنشاء دار الحديث الحسنية سنة 1964 كممؤسسة للتعليم الديني العالي منافِسة لجامعة القرويين، دعم مؤسسات التعليم العتيق، إنشاء شُعب للدراسات الإسلامية في الجامعات، تأسيس مجلس أعلى ومجالس جهوية للعلماء، ومراقبة المساجد والدعاة. جامعة القرويين بغض النظر عن دورها في نشرالمعرفة الدينية لم تتحول إلى مؤسسة قادرة على تمثيل العلماء أو التحدث باسم الإسلام المغربي.

على الصعيد الدولي دفعت أجواء الحرب الباردة إلى بروز تحالف سياسي وإيديولوجي بين المغرب والمملكة العربية السعودية كقطب ديني ومالي لمواجهة المد القومي والشيوعي وقيام الثورة الإسلامية في إيران خلال الثمانينيات.

في هذا الإطار أدت التجاذبات بين القوى السياسية إلى انتقال أشكال الصراع إلى المجال الديني والنظام التعليمي حيث تم دعم التعليم العتيق منذ سنة 1968، إقرارسياسة تعريب المواد الدراسية سنة 1972 بإشراف التيارالسلفي المحافظ، إلغاء أقسام الفلسفة وعلم الإجتماع واستبدالها بشُعب الدراسات الإسلامية في كليات الآداب، واستيراد الإيديولوجية السلفية في صيغتها الوهابية عبر ضخ المملكة العربية السعودية لرساميل ضخمة بغرض إنشاء مؤسسات ومراكز ثقافية ودينية بعد ارتفاع أسعار النفط مع بداية الثمانينيات، وقيام مجموعة من الأساتذة والدعاة المغاربة بدورات تدريبية في المعاهد والكليات الدينية السعودية.

تعريب التعليم بشكل متسرع وغير مدروس أدى إلى الإفقارالفكري والمعرفي للجامعات المغربية كأحد روافد النُّخب المثقفة المعارضة للنظام السياسي، وتجفيف أحد منابع الدعم الشعبي لقوى اليسار. أغلب أطر التيارات الدينية الحالية تم تكوينها في أقسام الدراسات الإسلامية بالكليات المغربية على نفقة الدولة. هذه الأقسام انضافت إلى مؤسسات التعليم الديني التقليدية المختصة بتأطير العلماء والدعاة وأئمة المساجد.

في هذا السياق لم يكن من الصعب استغلال الفضاء التعليمي لنشرالتطرف الديني وقيم المحافظة الإجتماعية والسياسية بين الشباب عبر السماح بافتتاح قاعات للصلاة داخل المؤسسات التعليمية واستغلالها من طرف تيارات معينة من خلال المجلات الحائطية ولم يكن مستغربا ارتداء بعض أساتذة التعليم الإبتدائي والإعدادي للزي الأفغاني داخل الأقسام في بعض المناطق المهمشة. بعض الدراسات الميدانية خَلُصَت إلى سماح أو حثِّ ما يقارب 50 بالمائة من الأساتذة للتلاميذ على أداء الصلاة خلال أوقات الدراسة.(11) عدم اهتمام الدولة بالمؤسسات التعليمية خلال التسعينيات أدى إلى انتشار الأسابيع الثقافية ومعارض الكتب المنظمة لأغراض دعائية ولنشر أفكار التيارات الدينية، بينما لم تكن التنظيمات السياسية والمدنية الأخرى تحظى بنفس الفرص. في نفس السياق أدى قلق السلطات من سيطرة قوى اليسار واليسار المتطرف على الجامعات خلال السبعينيات وبداية الثمانينيات إلى تسهيل اختراق التيارات الدينية للهياكل التنظيمية داخل الكليات والمعاهد المغربية وعزوف الطلبة عن النشاط والإنتماء السياسي.

سنة 2004 احتفلت أقسام الدراسات الإسلامية بتخريج دفعتها العشرين حيث تم تأطير ما يقارب 20.000 طالب متخصص في الفقه والعلوم الشرعية دون احتساب آلاف الشباب المُؤَطَّرين داخل المؤسسات الدينية التقليدية كدارالحديث الحسنية، كليات الشريعة الأربع التابعة لجامعة القرويين ومئات المدارس المخصصة للتعليم العتيق في مختلف مناطق المغرب. هؤلاء الشباب تم صب أغلبهم بشكل تدريجي في سوق الشغل الذي لا يوفر فرصا حقيقية وكافية لهذه الفئات.

تطور سوق الأفكار والمواد الرمزية أدى إلى تراجع إيديولوجيات اليسار وصعود التنظيمات الدينية الأصولية منذ نهاية السبعينيات. سوء تدبير الدولة ومقاربتها النفعية أدى إلى تنامي تيار ديني حركي حول مشروع أصولي يرمي إلى إخضاع كامل للنظام السياسي، الإقتصادي والإجتماعي للإيديولوجيات الدينية.

سوء تدبير الدولة للحقل الديني أدى بشكل غيرمباشر إلى تمظهرات العنف الديني الفُرْجَوِي في مدينة الدارالبيضاء عبرعمليات إنتحارية متزامنة قامت بتنفيذها خلايا مكونة من شبان نشطين في الأحياء الفقيرة والمناطق المهمشة.

تطور أنماط التدين لدى الشباب كفئة قادرة على بلورة التغيير الإجتماعي ينحو نحو رفض وإعادة تشكيل الثقافة الدينية التقليدية عبر تخطي الوسطاء والتأويل المباشر والفردي للنصوص الدينية المقدسة. مواقف الشباب لا يمكن تفسيرها بشكل كامل في إطار عَلْمَنَة تدريجية للمجتمع المغربي أو زحف جارف للتيارالديني. معتقدات الشباب تتسم بالغموض والتناقض. الصيغة النمطية للتدين الرسمي لا تتمتع بالجاذبية وغير قادرة على تأطير تطورالمعتقدات لدى الشباب دون أن يعني ذلك خدمة لمصالح التيارات الدينية المعارضة.

سعيد الناصري
باحث في العلوم السياسية
[email protected]
http://volvbilis.wordpress.com
______________________________

(1) CNJA, Enquête nationale auprès des jeunes, vol 2, 1993, pp.2 -10
(2) Hassan Rachik, «Jeunesse et changement social», Rapport du cinquantenaire
(3)Saïd Nassiri « Religion et violences urbaines à Casablanca. Essai sur les représentations de l’orthodoxie religieueuse parmi les jeunes », Institut d’Etudes Politiques, Aix-en-Provence
(4) Mounia Bennani-Chraïbi, « Soumis et rebelles : les jeunes au Maroc », Casablanca, Le Fennec, 1994
(5) Mounia Bennani-Chraïbi, 1994, ibid., p.283
(6) Driss Bensaïd, (dir.), « Jeunesse estudiantine marocaine : valeurs et stratégies », Publications de la Faculté des lettres et des sciences humaines », Série essais et études, n°14, 1995, p. 51
(7) Abdallah Laroui, « Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocain, 1830-1912», Paris, F. Maspero, 1980
(8) Zakya Daoud, La vie économique, 4 et 11 février 2005
(9)André Adam, « Une enquête auprès de la jeunesse musulmane du Maroc», Aix-en-Provence, La Pensée universitaire, 1963. Paul Pascon, Mekki Bentahar « Ce que disent 296 jeunes ruraux » in Etudes sociologiques sur le Maroc : recueil d articles conçu et préparé par Abdelkébir Khatibi, Tanger, Editions marocaines et internationales, 1978
(10) MOUNIR (S.), 1972, «Esquisse d’une théorie générale de la jeunesse marocaine», n° 54, août, pp. 16-22
(11) Abdellatif Felk, « Les représentations des droits humains chez les enseignants et les enseignantes », OMDH, 2004



#سعيد_الناصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الناصري - تطورأنماط التدين عند الشباب في المغرب