|
أبو رغال الكُردي: الإستقلال بنت أحلام القصائد
علي سيريني
الحوار المتمدن-العدد: 2598 - 2009 / 3 / 27 - 09:04
المحور:
القضية الكردية
إنشق عن الحركة الكُردية بقيادة الراحل ملّا مصطفى بارزاني، في منتصف الستينيات، بحجة قبلية القيادة ودكتاتوريتها، وعملها لصالح قوى إقليمية ودولية (رجعية) معادية للشعب الكُردي! ضرب في الأرض بعيداً بعيداً، إلى حيث ارتمى في أحضان البعث العراقي وبابتسامته العريضة، تقدم الدبابات العراقية التي كانت تقذف الحمم نحو كُردستان، دليلاً ومرشداً على نحو ما فعله أبي رغال العربي حين تقدم جيش أبرهة، الذي همّ بتسوية الكعبة مع الأرض! في ظل هيمنة التخلف التي عمّت المنطقة، ومن ضمنها كُردستان، قام أبو رغال بتجييش شباب الأكراد نحو ما سمته إذاعة أبي رغال الجبلية "... نناضل من أجل حق تقرير المصير لشعب كُردستان" في ساحات دموية إلتهمت الألوف منهم، قرابين لمغامرات أبي رغال الكُردي! لم يرض بالحكم الذاتي ونعَتَه بالصيغة المتخلفة. ولا يرقى إلى مستوى وحجم مطاليب الشعب الكُردي كما ذهب أبي رغال، فطلّق نظام البعث ثلاثاً بثلاث، مثلما قال في أربيل عام 1991، وفي ملعب الإدارة المحلية لكرة القدم (ملعب فرنسو حريري حالياً)، بُعيد لقائه وقبلاته الحارة مع الراحل صدام حسين، من أجل المفاوضات لنيل حقوق الأكراد. كان هناك خلقٌ عظيم تجمّع ملهوفاً في الملعب المذكور (كنتُ هناك)، للإستماع إلى أبي رغال، قاصدين داعين وقف دوّارة الحرب التي طحنتهم لقرن! كان السيد مسعود بارزاني في بغداد، حين قام أبو رغال بنسف مبدأ المفاوضات أساساً، ورمى يمناه طليقة، مستنكراً في رغوة الخطاب: (كيف يطلب منا صدام حسين إلقاء السلاح، وقطع العلاقة مع الخارج أيّاً كان)؟! عدنا أدراجنا إلى بيوتنا الموجومة، التي سال الخوف والغروب على جدرانها، نترقب بخوف وحذر ما ستخبئه الأيام لنا من دوّارات أخرى، كان أبو رغال على دراية ببعضها! ما لبثنا حتى أطلق أبو رغال مسلّحيه، يفتكون بالإسلاميين في كلّ مكان، بحجة "أنهم عملاء لإيران"! ثم لم يلبث طويلاً حتى جلب راجمات إيران نفسها، وحرسها الثوري الإسلامي، وانقض على الحزب الديموقراطي الكُردستاني، قاصداً تمشيطه، فتنصيب نفسه الحاكم الأوحد في كُردستان! لم يفلح فانقلبت الآية عليه، فجلب غريمه البارزاني دبابات الحرس الجمهوري العراقي عام 1996، وطارد أبا رغال إلى حيث استقر مكانه داخل حدود إيران. هناك حيث كان افراد جماعته غارقون في الحزن وثقال الهزيمة، روي عنهم أن أبا رغال كان يقهقه ملئ أوداجه لأنه أشرك في (رغاليته) غريمه، لطالما كان المنصب حكراً على إسمه منذ عام 1966، فابْيَضّتْ صفحته كما ادّعى، لأن مسعوداً سحب منه اللقب بتقدمه على فيلَة أبرهة البغدادي، وحرسه الجمهوري في عام 1996، مما استوجب فرحته الغامرة بنصره المبين! لكنه لم يستقر ولم يركن إلى هدوء، فاستمر جالباً لعساكر أبرهة من كل جانب. ذهب وتقدّم مدافع آية الله نحو السليمانية، وطار إلى تركيا وتقدّم مدافعهم لقصف مقرات حزب العمال الكُردستاني، وأغار عليهم ليعيد بعض التوازن إلى جماعته المهزوزة، التي كانت تلوك فقرها واختناقها في السليمانية! أبو رغال لم يخجل يوماً، وظل يمضغ علف الإسطوانات المشروخة، ويمد إعلامه الحزبي بها، فيصنف الأكراد: هذا رجعي قبلي، وذاك عميل، وذلكم خانع يود هدم تجربة إقليم كُردستان! صار ما صار من مُلكٍ وأحكامه، والزمان وحدثانه، فدفعته التقلبات والأحداث ليكون رئيساً في العراق. هذا الرجل مذ أن تحوّل إلى رئيس، تغيّرت طرائقه وأجندته، حتى قضى على كلّ ما يمت إلى العرف الديبلوماسي في رحاله وترحاله، وإستقباله وإستدباره! فهو كـ (رئيس)، عومِل بأدنى مراتب الإحترام والشأن الديبلوماسي لدى دول الجوار، ودولٍ أبعد. ففي تركيا استقبله موظفون حكومييون، لكنه لم يشعر بدناءة الموقف أن يركض مترهلاً ليضع أكاليل الزهور على قبر (أتاتورك: أبو الأتراك)، الذي أنكر الهوية الكُردية حتى مات! هذا العرف الرسمي، شأن من يُستقبل رسمياً لدى سلطات تركيا، وليس شأن من أدرجت رحلته ضمن زيارة عمل، ولذا لم يستقبله رئيس جمهورية تركيا، كما أضاف الأتراك! ذهب إلى كوريا الجنوبية، واستقبله سفيرها في العراق، ثم استودعه في المطار موظفون حكومييون! والأنكى، أن حكومة المالكي أبرقت إلى كوريا الجنوبية أن (رئيس الجمهورية) ليس له صلاحية إمضاء أي عقد أو إتفاقية، فعاد كما ذهب! طار إلى إيران واستقبله وزير الخارجية، ثم عاد إلى العراق واستودعه سفير العراق كأعلى موظف في صفوف المستودعين! رغم كلّ هذه الإهانات المتعمدة، والمقصودة، لكنه لم يشعر بفورة من عزّة النفس، بل تمادى في خفّة لا مثيل لها. فكلّما زار ديبلوماسي صغير، من دول الجوار التي تتعمد إهانته، وقف له في القصر مستقبِلا. وإذْ زار العراق الرئيس الإيراني، والتركي قبل أيام، ذهب مسرعاً يجلس في الإنتظار تحت الخيمة الحمراء، وفوق السجادة الحمراء (كما عرضت فضائية كُردسات تلك اللقطات الذليلة حقاً)، لئلا يفوته شرف الإستقبال في آوانه، وإحتضان الضيف بالذراعين تلفّان رقبته، لينهال عليه من دنوٍ بقبلاته، كالدراويش أمام الشيوخ! أبو رغال، ليس بهذا الشوق والحنان مع أبناء جلدته. ففي أوان رأس السنة الميلادية 1994، كان يعبر نهر خابور عائداً من سوريا إلى كُردستان. وفي نفس الوقت كان أحد أصدقائي يعبر النهر متجهاً إلى سوريا، لكنه ذهب ليقف في صف المستقبِلين القلائل من (البيشمركَة) ليصافح العائد. أثناء المصافحة يهمّ أحد البيشمركَة (فوق الخمسين من عمره، وفق ذكر الشاهد المذكور) بتقبيل وجنتي أبي رغال، فما كان منه إلّا أن دفعه بيده اليسرى في تكبّرٍ وتعجرفٍ طاغ! أبو رغال قالها علناً أمام العالمين وفي تركيا بالذات: "إستقلال كُردستان حُلمٌ في قصائد الشعراء"! أما وهو حلمٌ حسب زعمه، أليس من حقنا أن نسأله، ومن أجل ماذا قدّمت ألوف الأكراد قرابين في مطاحن الحروب؟! وإذا كان حزب العمال الكُردستاني، ولا يزال، يقاتل من أجل أدنى حقوق الإنسان للأكراد في تركيا، فما الذي حدا بك إعلان الحرب على العراق بدعم إيراني وسوري، فيما لم تكن اللغة والثقافة الكُردية ممنوعتان يوماً من الأيام؟! الحق إن الخوض في سرد الأسئلة والإستفسارات، أمرٌ عبثي مع من لا ينتفض لكرامته الشخصية، ولا خجلٌ يحتويه قاموس روحه، من كثرة التمرين على الخفاف! أوليس كذلك حقاً، ولمّا يبرد العزاء في بيوت الضحايا من حلبجة والأنفال، حتى أطلق أبو رغال سراح ذلك الطيار الذي قصف الألوف في حلبجة بالكيمياوي (الذي كان سجيناً في السليمانية)، مما دفع أحد أشهر كتّاب العراق (هادي علوي) أن يتبرّأ من عراقيته: (لكيلا يربطه رابطٌ بذلك الطيّار الذي قصف الطفولة في تلك البلدة)، كما قال في مرافعته الشهيرة عن الضحايا! أليس من حق الأكراد أن يسألوا أبا رغالهم، وهو يطلبهم إلقاء السلاح الذي حافظ على وجودهم وكرامتهم: من أجل ماذا كان يحمل هو السلاح الذي استعمل معظمه ضد الأكراد أنفسهم منذ عام 1966، وإلى بداية الألفية الثانية مروراً بأعوام 1975، 1983 ـ 1984، 1993، 1994، 1996 ـ 1998، 2000؟! ليس بين أمم الأرض وأقوامها، وعبر التأريخ، زعيمٌ استخفّ بقضيتهم إلى حد وصفها بالحلم لدى بعض الشعراء. فليس من زعيمٍ فلسطيني، يصف قضية فلسطين أنها حلم القصائد. والبقية الباقية من بضع مئات من الكاثوليك، الذين لاذوا بأقصى جبال الأندلس في أقصى الشمال أثناء فتح الأندلس، لم يستسلموا، ولم يصفوا بلادهم بحلم في القصائد. وظلوا يكافحون حتى حققوا مناهم وغايتهم، في ما رأوا أن الأرض حق لهم تحريرها. وبعد قرون صار لهم ما أرادوا! والسود في جنوب أفريقيا، لم يصفوا قضيتهم بحلمٍ في القصائد. والإيرلندييون، والفيتنامييون، والبولندييون، والجزائرييون والأقوام الأخرى التي ناضلت من أجل الإستقلال، لم تصف زعماؤهم تلك القضايا بالأحلام! وهل تناضل الشعوب من أجل الأحلام، أم الحقائق والأهداف؟! حين نعطي هذه الشهادة، فهي تأتي من تلك السبل التي هيّج لها أبو رغال الكُردي، جماهير الأكراد بسم القومية والنضال من أجل الإستقلال، ومقاومة العدوان! إنه حقاً (أبو رغال) الكُردي!
[email protected]
#علي_سيريني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوهام الأمة الإسلامية أو لكل فئة إسلامها
-
أوهام العروبة والدمار
-
مهرجان أبوظبي للسينما خواءٌ يثير الشفقة!
-
السيد مسعود بارزاني إستفاقة تنتظر الصدق!
-
ذكرى إغتيال بيار جميّل بين لبنان وكُردستان
-
حرب الأقنعة في العراق ما وراء القناع قداسة المظهر وفضاوة الج
...
-
كيف تشتري سلطة إقليم كُردستان ذمم المثقفين العرب وغيرهم؟
-
هل مازالت كركوك -قدس- كُردستان؟
-
نيتشيروان بارزاني: الأكراد كسالى 2-2
-
نيتشيروان بارزاني: الأكراد كُسالى! 1-2
المزيد.....
-
الرئيس الإسرائيلي: إصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق
...
-
فلسطين تعلق على إصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال
...
-
أول تعليق من جالانت على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار
...
-
فلسطين ترحب بقرار المحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقا
...
-
الرئيس الكولومبي: قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو منطق
...
-
الأمم المتحدة تعلق على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة ا
...
-
نشرة خاصة.. أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت من الجنائية الد
...
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|