إبراهيم اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 796 - 2004 / 4 / 6 - 08:13
المحور:
القضية الكردية
تحت عنوان ( الإصلاح في سورية- بين الضرورة القصوى و الفرص المفوتة ) يكتب د. طيب تيزيني عن أحداث - قامشلي - و إن كان عنوان مقاله لا يشي بذلك , بعكس مقال - سليم عبود - المكرس للغرض نفسه , و المنشور في العدد نفسه من جريدة المحرر العربي 440 - حيث يستهل د. تيزيني مقاله بالحديث عن الأحداث الدامية في السويداء ( و قد قدمت في حينه على حد قوله ) أدلة عن أن أعداء سورية العربية الوطنية لن يتخلوا عن استراتيجية تقويضها من الداخل قبل الخارج ) كي يكتب عن الإفساد و الفساد - وهو أحد مفكرينا السوريين الأكثر أهمية ممن تنطعوا لتناول تلك الظاهرة , كي يحمل قوى من داخل السلطة مسؤولية إبقاء الأمور على ما هي عليه , خدمة لوضعها , ثم يدحض عقلية الارجاء، و المماطلة، و التسويف التي تقف حاجزاً أمام معالجة قضايا مهمة , على غاية من الخطورة، و الحساسية , ممن لا يكتفون بتعليق مثل هذه القضايا بل ( إدانة من يحاول اخراجها من دائرة (( المسكوت عنه )) إلى دائرة الخطاب المعلن، و الشفاف، و الحوار العقلاني الديمقراطي الوطني. و هذا التيار , أو النمط كما يسميه , يقابله تيار , أو نمط آخر , (( فيتمثل في انتاج مشكلات زائفة، لا تعكس حاجة حقيقية للمجتمع السوري , و هذا يدخل عموماً تحت مصطلح (( المجتمع الاستهلاكي )) و قد جاء (( الإعلام الداخلي )) ليقوم بدور المجمل , و المسوغ في حجبه للنمط الأول من المشكلات , و في تسويقه للنمط الثاني منها , و هو ما انعكس على المواطن : أفراداً، و فئات، و طبقات، و شعباً، و أقليات ، و أكثريات , و كأنهم أشباح أو تماثيل شمع , لا حراك لهم ))
على هذا النحو، من المصير الكافكوي - غريغوري سامسا - في رواية المسخ نموذجاً -يصل حال المواطن كما يرى د. تيزيني - يستوي في ذلك كافة أطياف المجتمع , أو كامل ألوان فسيفسائه , دون تفريق , إلا ممن انتمى بحكم مصالحه الوثيقة بقوى الخفاء، أو العلن، التي يشير اليها د. تيزيني , و التي تنافح عن ديمومة مصالحها، الأعلى , مغمضة العين ،عن كل ما آل إليه سواد الجماهير، على طول البلاد و عرضها ...! , و ان هذه القوى هي التي تنوب - عادة - عن الجماهير , وهي التي تنطق بأسمائهم , ومن هنا، فإن ما تقوله، يتصادى ، و على نحو منظم ،على ألسنة اعلامييها، و جهابذة مثقفيها , بل و كورس المصفقين، في آن واحد ....
و إزاء - الدرس البغدادي - الذي دعا وزير الخارجية الأمريكية الى قراءته , يؤكد - د. تيزيني - قائلاً :(( لقد قلناها واضحة صريحة صراحة الانتماء الى وطن هو في طور الاستباحة : افتحوا انتم أيها المسؤولون المؤتمنون على الوطن , الدائرة من الداخل , قبل أن يفتحها الأغيار ، افتحوا ملف الوطن، وفق جدلية الواقع و الممكنات ! راهنوا على على الشعب القوة الأعظم في التاريخ ...! ))
ضمن مثل هذه المشهدية، تبرز القضية الكردية في ضمير مفكرنا، إذ يرى الأكراد الأقرب إلى قلب الوطن، و (( تبرز المسألة الكردية، المعلقة منذ عقود : لا تجعلوا منها (( مسمار جحا )) جديداً ! .. وهذا الجحا هو اأكثر من قريب من قلب الوطن الآن , فظلت المسألة الكردية - مع غيرها - معلقة لتكبر، و تكبر، مكونة ما يمثل (( قنبلة موقوتة )) إن هناك (( شيئاً ما )) فيها , و على هذا الشيئ أن يواجه من حيث هو , أي بكل حيثياتهن واشكالياته , و على نحو تتحقق فيه العدالة و حقوق الإنسان )) ...... و من هنا، فالاصلاح برأيه، تحول من خيار سياسي، إلى خيار وجود .. ! لا سيما و أن ( الوطن الصغير كبير بقدرته على احتواء الجميع ) . و يستغرب، كيف أن فرصاً كبرى مرت دون استثمار , بسبب ( عقلية الجمود و المعاندة و الترهل التاريخي و التمترس وراء مصالح كبرى أ و صغرى ) !!!...... و بالتالي ( تجاهل المشكلات (( المعلقة )) و الأخرى (( الزائفة )) من شأنه أن يوسع رقعة الخراب , و يجعل من الداخل لقمة سائغة ).
كل هذا , يكاد لا يجد سوى حل واحد لمعالجته و هو : ( إن سوريا تحتاج إلى مبادرات تاريخية كبرى تكون بمثابة ورشة عمل، يشترك فيها الجميع من أقصى قرية إلى أقصى مدينة ) و لا بد من التوجه إلى الشعب، بكل فئاته و شرائحه و طبقاته , و ليس إلى ( الشعب الحزبية في حزب أو آخر ...! ) و كمن يقرع ناقوس الخطر، يخلص إلى القول بصدد مواجهة المؤامرة على الوطن : ( إن اهتبال الفرصة على هذا المشروع في سوريا يمر عبر طريق واحد، هو اهتبالا)لفرصة التاريخيةللبدء بشجاعة وحكمة ورؤية استراتيجية،بمشروع الاصلاح الوطني الديمقراطي ) صحيح أن الكردي , في سوريا , هاجسه الرئيس، أن يعامل ضمن حدود و سقف المواطنة , لا كضيف غير مصنف تراتبياًُ , و عبر أجراء استعلائي غير منصف , دولتياً , الأمر الذي ينعكس على هيبة الحكومة , و يترك ندوباً في العلاقة بينها و هذا المواطن , رغم ان كلمة - حكم - تعكس تماماً جذورمفردة الحكمة و الحكومة، و غير بعيد عن الحنكة، بمعناها المفعم بالإحساس و المسؤولية في آن واحد , و بهذا فإن مصداقية الحكومة، تتوقف على ذلك القدر من حكمتها .. لا تهورها ....! .
و معروف، أن هناك أكثر من سبل لتعزيز دعامة الدولة , يبرز من بينها سبيلان هما : الديمقراطية أوالاستبداد! - رغم أن أية سبل أخرى، تتدرج بين هذين القطبين، لتعد أشكالاً هجينة , غير واضحة , تخدم في جوهرها آلة الاستبداد , أولاً و أخيرا......
ثمة كثيرون من الأخوة المثقفين العرب , فهموا الدرس العراقي - كردياً - لا سيما، في ما يتعلق بالأكراد السوريين , على نحو خاطئ , و مقلوب , فاذا كان الكردي - في كردستان العراق - قد آثر العيش ضمن وحدة بلده , رغم أنه - و في المدى القريب - كان في مكنته - و على ضوء أقصى توافر للشرط الخارجي - إعلان انفصاله , و هذا درس فهمه أكراد سوريا , بدقة، و عمق , و لم يكن ذلك بعيداً البتة عن صوابية رؤيتهم التاريخية، للعلاقة مع أخوتهم في الخريطة , ممن شطب كثيرون منهم ،على تاريخ كامل، من ضريبة الدم، المشتركة بينهم , من خلال التعامل المؤدلج و الاوتوماتيكي، مع محض نتائج - لأحداث القامشلي! - لا يمكن فهمها، إلا في ضوء قراءة معمقة للمسببات و الأسباب معاً...، و هي برمتها، خارج ارادة الكردي .....!....., بل، وهي موطن كارثية القراءة الإنفعالية، من قبل من انطلت عليهم اللعبة ضدالأكراد ! , ناهيك طبعاً ،عن راسمي اللعبة، و منفذيها، ممن لهم شأن آخر .... !
إن أية مراجعة للتاريخ - تبين , أنه وعلى الدوام - كان التأريخ المدون هو تأريخ - السلطة السياسية - بيد أن المعادلة تغيرت، منذ أن كان للمحكوم تاريخه , و الذي يعد المرجعية ذات المستقبل، و المصداقية , مقابل سقوط أي تاريخ مزور , مدفوع الأجر , مسوغ للجريمة أوالخطل , أينما كان , بيد أن عصر الثورة المعلوماتية , و انتقال سلطة الكتابة، من القامع إلى المقموع , خصوصاً، في ظل امكان تصوير الحدث , و بما لا يدع أي مجال للشك , وفي لحظة رؤيته، و رغم كل هذا , نجد أن من لا يزال في منجى، من إمكان تطوير أدواته البالية , إزاء كل هذه التبدلات الهائلة , حيث التعامل مع علمنة التاريخ المعيش , بعقلية مشعوذ , أو بهلوان، أو ضارب مندل , لخدمة وجهة نظر محددة , ضمن لعبة مبتذلة , مفضوحة , لا تملك أية إمكانات تجعلها تحظى بأي احترام , خارج برهة زمكانية , و عقلية محددة بذاتها .. ! .
صحيح، أن د. تيزيني , رغم وضوح انحيازه الكامل لقضية الكردي في سوريا , بيد أنه و وفقاً لطبيعة المعادلة الدقيقة , يعفي نفسه عن ذكر تفاصيل حقوق هذا الإنسان , رغم عدالة حقه كمواطن , أو كمنتم لأقلية قومية , قياساً ،إلى الأكثرية القومية السائدة طبعاً ... ،ومن هنا ،فإننا و
رغم ما نراه في حديث د. تيزيني من جرأة بادية لتناول المسألة ضمن الإطار العام , و عدم النظر إلى الكردي على أنه : ضيف! - غير جدير بالثقة - و ينبغي اجتثاث جذوره - و لماذا يرفض أن يكون منضوياً تحت لواء القومية العربية .و ذلك، كما راح يفعل بعضهم , ممن يتوهمون حقاً طارئية الكردي في الفضاء المكاني و الزماني , بل و البشري , مع ملاحظة فارق الرؤى الوطنية الحقة عند مفكرنا د. تيزيني ،بعكس سلوك، وممارسات جوقة معروفة من قبل محيطهم . ممن يسعون جدياً لتكريس ،وتأصيل هذا التزوير .
إن ما يقول د . تيزيني - رغم أهميته القصوى - و رغم أنه ينم عن شعور وطني إنساني نبيل , بيد إنه يتراوح ضمن إطار دائرة الحد الأدنى , رغم إن للرجل تقديراته , بل و رؤاه , ذلك أنه ليس معقولاً البتة، و نحن في مطلع الألفية الثالثة، أن يأتي أحدهم , و يطالب بامحاء ملامح الكردي , و الإجهاز على خصوصيته , كي يتكيف مع الطابع العام المطلوب , تبعاً لذهنية الأكثرية , بل أن الاعتراف بهذا الجزء من الكل , يفرض على كاهل شريكه المكاني , بل شريكه في المصير من ركاب السفينة الواحدة , تصويب رؤيته الاستعلائية , و تحقيق أقصى مديات حق الطيف المتمايز , و بما يعزز وحدة وطنية فعلية , لا ورقية , فحسب .....!
#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟