أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نقولا الزهر - مداخلة في موضوعات المؤتمر السادس - الحزب الشيوعي السوري /المكتب السياسي















المزيد.....



مداخلة في موضوعات المؤتمر السادس - الحزب الشيوعي السوري /المكتب السياسي


نقولا الزهر

الحوار المتمدن-العدد: 796 - 2004 / 4 / 6 - 08:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كانت خطوةً نوعيةً، أن يطرح الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي)، موضوعاتِ مؤتمره السادس للنقاش العام داخل الحزب وخارجه، وأن يطلب من قواعده وأصدقائه إسهامَهم في إغناء وتطوير موضوعاته وتصوراته للوضع الراهن الدولي والعربي والداخلي واتجاهاته المستقبلية.
اتسمت الموضوعات عموماً بالانفتاح، وإعادة النظر، في مجالات الفكر والسياسة والتنظيم، وأقدمت على انعطافات هامة جديرة بالاهتمام والنقاش، ولو أن النص بشكله وأسلوبه ولغته قد شوَّش بعض الشيء على بروزها واتضاحها. وبالفعل فقد طغى على النص في كثيرٍ من الأحيان الأسلوب الأكاديمي والسوسيولوجي والإطناب التاريخي، بالإضافة إلى (التفقير الرقمي المركب) الذي يبدو أنه لا يصلح لوثيقة سياسية يتوجه بها الحزب إلى الناس على مختلف فئاتهم وسوياتهم الثقافية.
وإذا بقينا في إطار الشكل، أرى أن بعض العناوين الرئيسة في متن النص، ورغم ما تتسم به من جمالٍ أدبي، فهي تعاني من بعدها عن لغة السياسة. وخاصة بالنسبة للعنوان الافتتاحي: "العالم يتغير.. والتاريخ يستمر"؛ لا نعرف ما عنى به كاتب النص ؟ فمنذ الأزل، العالم يتغير والتاريخ يستمر. ولا أعتقد أنه كان رداً على مقولة فوكوياما حول نهاية التاريخ!! أما إذا كان المقصود هو أن في الغرب يتغيرون ونحن هنا في العالم العربي ثابتون؟ ففي الواقع كلانا يتغير، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن التغير الاجتماعي محدود باتجاهين الأمام والخلف. الفرق بكل بساطة هنا بين تغير تقدمي وتغير نكوصي وليس بين تغيرٍ وثبات.
-1-

بعد قراءتي للنص، ارتأيت أن ابدأ من نهايته، من فقرة الحزب، التي تسترعي الانتباه، وتستوجب مناقشتها؛ وأهميتها لا تنبع من كونِها كاملة ومكتملة، بل لأنها فتحت ورشة نقاشٍ فكري وسياسي من أجل إعادة تأسيس حزبٍ ديموقراطيٍ في سوريا. فالمرحلة التي تمر بها سورية تتطلب إطاراً سياسياً أوسعَ وأرحب من الأحزاب اليسارية العقائدية الضيقة، إطاراً يمكنه أن يستوعب في داخلِه فئاتٍ اجتماعيةٍ مختلفة، ومشاربَ فكرية مختلفة، يمكن أن تتفق على برنامجٍ سياسي مرحلي لدفع المجتمع السوري خطواتٍ ملموسةٍ باتجاه مجتمع المواطنة والديموقراطية. فإعادة التأسيس ليسارٍ ديموقراطي رحبٍ منفتحٍ على شرائحَ واسعة من المجتمع السوري بات ضرورة موضوعية، تستوجب من كل هذه الفئات الواسعة الطيف تهيئة كل العوامل الذاتية الفكرية والسياسية والتنظيمية لإنجازها.
ومن النقاط البارزة التي أوردتها الموضوعات في فقرة الحزب، والتي هذه المهمة المطروحة هي:
1- الدعوة إلى تحرير الحزب من "المركزية الديموقراطية" أو "الديموقراطية المركزية" لا فرق؛ ففي كل الأحوال، كانت هذه المركزية في الممارسة، وعبر عقودٍ طويلة، ماحقةً للديموقراطية، في أغلب الأحزاب الشيوعية. وكان للحزب الشيوعي السوري في مجال (التهام المركزية للديموقراطية) باعٌ طويل على مدى تاريخه. والكل يعرف مصيرَ الذين عارضوا مواقف الحزب السياسية في أواخر الأربعينات، ومصيرَ الذين قاموا يطالبون بالديموقراطية وعقد المؤتمرات في أواخر الخمسينات.
2- النظر إلى الحزب على أنه مؤسسة ديموقراطية ينتمي إليها الأفراد ليس لكي يعيشوا حالة عبودية إزاء صنميةِ الحزب، بل ليكونوا قادرين على طرحِِ وجهاتِ نظرهم الفكرية والسياسية، والدفاع عنها بكل حرية.
3- التنازل عن لقب الحزب "الطليعي"، بعد أن بيَّنت التجربة الطويلة أن مفهوم "الطليعة" في الممارسة، يحيل إلى البارانويا والتعالي والنرجسية والتفاخر على الآخرين، ويجعل الحزبَ أقربَ إلى شكل العصبةِ والطائفةِ والعشيرة.
4- الدعوة إلى البحث عن وسائلَ وأشكالٍ تنظيمية مرنة وواقعية ملائمة للعصر.
ولكن ما لم يكن مفهوماً، هو تجاهل الموضوعات لإشكالية اسم الحزب، إذ لم تتطرق إليها لا من بعيد ولا من قريب. فأقل ما يقال في هذا المجال، هو إعادة تأجيلِ معالجةََ قضيةٍ في مثل هذه الأهمية، تتعلق بإزالة تناقضٍ بين الشكل والمضمون ما زال مستمراً منذ حوالي ثلاثة عقود.
لا أرى أن اسم الحزب هو إشكال ثانوي، فالاسم ينتمي إلى مفهوم الشكل الذي على علاقةٍ جوانية مع المحتوى، ولا ينتمي مفهوم الصورة أو الإيقونة. ما طرحته الموضوعات من مضامين وتوجهات تتطلب موضوعياً شكلاً مغايراً. والجانب العملي يدعم الجانب النظري في هذا المجال، وفي الواقع يجب ألا نستهينَ بإشكاليةِ وجود خمسة أحزاب شيوعية في الساحة السورية، كلها تتنازع على إرث هذه (الإيقونة المقدسة). الأمر هنا يتعلق بكل بساطة بأصولية مستحكمة، لكنها من لون آخر، ولا يتعلق على الإطلاق، بتغيير الجلود أو التنكر للماضي!
في كل الأحوال، كانت فقرة الحزب نقلة نوعية إلى حدٍ كبير، فهي تجعل الأبوابَ مشرعة أمام الحوار والاعتراف بموضوعيةِ الاختلاف داخل الحزب. فالحزب الذي يفسح في المجال لمفاصلَ مرنة بعيدة عن التكلس، ويؤسس لتقاليد السماح بالاختلاف والمعارضة في داخله، يؤسس في الوقت ذاته لمتانتِه ومناعتِه على الانقسام والتشظي والتذرر، على عكس تصورِ الذين مازالوا مغرمين كثيراً بمفاهيم "الحزب الفولاذي" و"الطاعة الحديدية". ومثل هذا الحزب يمكنه أن يمتلك القدرة دائماً على نقدِ خلفياته الفكرية وتقليمِ الشائخ منها، وعلى عدم تحويلها إلى (علمٍ كامل) وعقيدةٍ مقدسة لها طقوسُها وغيبياتها ووثنياتها. ومثل هذا الحزب يمكنه أيضاً أن ينهلَ كلَ ما هو فعال وراهن وله علاقة بالواقع سواءً من التراث الماركسي، أو من التراث الإنساني قبل الماركسية وبعدها؛ فالماركسية ليست كل العلم وليست كل الفلسفة. وهكذا تتحرر الماركسية من كونها عقيدة ومن كونها ملكية لحزب محدد، و تنتهي قصة تجيير كل ما هو واقعي وعقلاني وخلاق وتقدمي من الفكر الإنساني لوضعه تحت خيمتها كما كانت تعلِّم "المادية التاريخية السوفياتية"، وهكذا تعاد حقوق الإبداع لأصحابِِها. وإن "الحزب الديموقراطي" الذي تطمح إليه الموضوعات، لا بدَّ أن يقيمَ فصلاً نسبياً ومسافة ضرورية ما بين خلفياته الفكرية وبرنامجه السياسي المرحلي، وفي آن لا يبتر العلاقات بين هذه الخلفيات وتوجهِِه السياسي، حتى لا يقع في مستنقع التجريبيية، والنفاجية الشعاراتية(snobism ). كما حدث في يوم من الأيام.
-3-
يبدو أن التحديث كان هاجساً أساسياً بالنسبة للموضوعات، وهذا ما جعلها تفتتح به فقرتها الأولى(العالم يتغير.والتاريخ يستمر): "كانت أوربا أرض التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي أدى إلى التحديث، وشروط هذا التحول كانت الشروط الأوربية. ومن نمو الرأسمالية التجارية والإصلاح الديني وعصر النهضة والتنوير انبثق نوع جديد من أسواق التبادل....". ثم تعود مرة ثانية إلى التحديث في فقرتها الثالثة" القومية العربية: محاولات وأحوال"، وبعد أن تتكلم على محاولات النهضة على يد محمد علي في مصر وابنه ابراهيم باشا في سوريا ومحاولات الإصلاح الديني في نجد تقول :في جميع تلك المسارات، هنالك ما هو مشترك وجامع. لم تستطع محاولات التحديث أن تنتقل إلى مستوى الحداثة. فلم ينشا أو يسهل الطريق أمام اقتصاد السوق، وأمام مفاهيم رأس المال والربح والعمل والقيمة، ولم يفتح الباب للتواصل الاجتماعي واللحمة الاجتماعية البديلة ولم يتأسس مفهوم الفرد والمواطن والديموقراطية وحقوق الإنسان ومفهوم الاختصاص وحكم القانون".
فتحْتَ هذه السطور وفيما بينها اعتراف واضح بالدور التاريخي التقدمي الذي لعبته الرأسمالية والليبرالية في أوربا، وهذا صحيح. ثم تعود لتقول في فقرة أخرى، أن البرجوازية التقليدية لم تستطع إنجاز التحديث لضعفها الاقتصادي والمعرفي ولتحالفها مع الإقطاعيين، طبعاً كل هذه الأمور صحيحة، فلم تستطع محاولتا النهضة العربية الأولى والثانية إنجاز التحديث وأوصلتا العالم العربي إلى ما نحن عليه الآن من مأسوية وهلهلة؛ ولكن رغم صحة هذا الكلام على التحديث ورغم أهميته، لا يزال السؤال التاريخي يطرح نفسه: لماذا لم ينجح التحديث والديموقراطية في العالمين العربي والإسلامي؟ هل لعدم نضوج الوضع الاجتماعي والاقتصادي المؤهب للليبرالية والعلمانية والديموقراطية؟ أم لعدم توفر المستوى الفكري اللازم والضروري (بما فيه الإصلاح الديني)، ليقوم بدور العتلة في دفع الوضع الاقتصادي والحامل الاجتماعي إلى المستوى المطلوب؟ أم بسبب الاستعمار الذي عمل على كبح أية محاولة للتحديث في منطقتنا العربية؟
في الحقيقة كل هذه العوامل مجتمعة هي من أسباب تخلفنا، وفشل التحديث يكمن في أن القوى السياسية والنخب الثقافية العربية لم تؤسس حتى الآن لقواسمَ مشتركة للإجابة على هذه الأسئلة مجتمعة. فكل فصيل من الطيف السياسي بقي لفترة طويلة ولا يزال يركِّز إجابته على سؤالٍ واحد منها، يعتقد أنه السبب الوحيد لتخلفنا، وينفي أجوبة الآخرين.فقسم كبير من الماركسيين كان ولا يزال متمسكاً بنظرية انعكاس البناء الفوقي عن البناء التحتي: فإذا لم يتغير الاقتصاد فلا تتغير الدولة والسياسة والقانون والفكر، وكل من يتكلم على الدور الاستباقي الذي يمكن أن يلعبه الفكر يصبح في نظرهم من "الطوباويين". وقسم كبير من القوميين ربط التحديث بالوحدة العربية، والقسم الأكبر من الإسلاميين ربط تطورنا بالعودة إلى الأصول ونفي الفكر الآخر. يغلب على منطق هذه الأجوبة السببية الميكانيكية أولا وتقديس النصوص ثانياً، وهذا ما سهََّلَ مجيء الجواب من الخارج، الذي يدعو لفرض ديموقراطيته بالقوة في الشرق الأوسط. وهذه طبيعة الأمور، فالأرض البور تصبح نهباً للآخرين.
-4-
وفي سياق توصيف الوضع الداخلي السوري كان موقف الموضوعات حاسماً من موضوعة الاستبداد، وقد ناقشت نقاشاً مطولاً دور عزل المجتمع السوري من المجال السياسي في تفاقم التخلف الاجتماعي على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والفكرية والثقافية. ولم تنس أن تنوه إلى أن الوطنية لا تعني فقط الدفاع عن الوطن والسيادة.
لكن كان يمكن أن تحدد بشكل أوضح مدى العلاقة بين الوطنية والمواطنة، فكلا المفهومين يحيلان إلى بعضهما. وفي الأساس مفاهيم الوطن والمواطن والوطنية هي مفاهيم حديثة، تزامنت مع التحديث في الغرب.
وفي العصر الحديث، المجتمع الذي يُقهر أفرادُه، فعلى الرغم من امتلاكه سلطةً قمعيةً قويةً على الشعب في الداخل، يبقى ضعيفاً جداً إزاء الخارج. وإذا ميزنا بين مفهومي السلطة والدولة، نرى مجتمع المقموعين والمقهورين بقي في الواقع عاجزاً عن تأسيس دولةٍ وطنية قوية في مجتمعها المدني واقتصادِها وثقافتها وفكرِها و دفاعها عن سيادتها. وهذا ما رأيناه إبان الانهيارات الكبرى في نهاية الثمانينات في الاتحاد السوفييتي ودول أوربا الشرقية، وهو ما نراه الآن بشكل درامي أكثر في العالم العربي.
وعلى العموم فالدولة الشمولية الاستبدادية في هذا العصر، بعد حقبة من الزمن يمكن أن تطول أو تقصر، وبعد أن تكون قد أضعفت كل القوى السياسية في المجتمع إلى درجة الإنهاك، تغدو ضعيفة لا حول لها ولا قوة، وتمسي حتى عاجزة عن إعادة إنتاج نفسها. فدولة التحديث تحديداً تتألف من حكومة ومواطنين، لذلك مهما كانت الوظيفة القمعية للحكومة قوية ومتطورة، لا يمكنها بناء دولة التحديث؛ طالما الجزء الآخر منها مفتقداً وهو المواطنون. ويجب أن نعترف بان الفكر القومي واليساري والإسلامي في عالمن العربي لم يقِمْ، لفترة طويلة من الزمن، وزناً لهذا الجزء الآخر من الدولة، بل كان يُسْحق بطاحون الشعارات من نمط: "مصلحة الجماهير" و"مصلحة الجماعة"، و"مصلحة الكل قبل مصلحة الفرد".
هكذا يمكننا الربط بين الوطنية والمواطنة، و بين الديموقراطية والوطنية، ويمكننا المقارنة بين مستوى الحريات وحقوق الفرد من جانب ومستوى الدفاع عن الوطن والسيادة من جانب آخر. لذلك فالاستبداد حتى لو كان زمنه حديثاً، لا يؤسس إلا لدولةِ الراعي والرعية والرعاع، في الوقت الذي تؤسس الديموقراطية لدولة المواطن والوطن والوطنية.
-5-
ولقد أكدت الموضوعات على عدم تناقض الديموقراطية مع الاشتراكية، وقدمت قضية الديموقراطية على كل القضايا والأهداف الأخرى، وجعلتها حجر الزاوية في المجتمعات المدنية الحديثة المتقدمة. ولقد أشارت إلىالدور الرئيس والمركزي الذي لعبه فكر النهضة والإصلاح الديني والرأسمالية والليبرالية والديموقراطية في تحديث أوربا وتقدمها.
وقد كانت إعادة النظر في الموقف من "الديموقراطية الاشتراكية"، (التي بقيت لفترة طويلة تهمة الشيوعيون لكل الذين يختلفون معهم في داخل أحزابهم)، مدخلاً للكلام مطولاً على الصراع التاريخي بين الاشتراكيين الديموقراطيين والأحزاب الشيوعية، إلى أن وصلت في كلامها إلى نهاية الحرب الباردة وهزيمة الاتحاد السوفياتي.
وغلب على الكلام هنا السرد التاريخي المحض، ، فعلى الرغم من الانهيارات التاريخية الكبرى، بقيت وجهة نظرالموضوعات شبه محايدة، وبقول آخر تفتقر لوضوح الموقف من ذلك الانشقاق الكبير. ففي كلامها على المرحلة لم تتكلم على ذيول عزل الاشتراكية عن الديموقراطية في الاتحاد السوفييتي وعلى الكلف البشرية التي قدرت بالملايين. ولم تتكلم على الصراعات الفكرية التي رافقت هذه المرحلة، بدءاً من التراجعات التي قام بها لينين حينما ابتدأ بالسياسة الاقتصادية الجديدة (النيب) والتي أقلع عنها ستالين تماماً فيما بعد، وكذلك شكوك لينين قبل وفاته في فترة (1923-1924) حول النظام الذي يبنونه في روسيا فيما إذا كان اشتراكياً أم رأسماليا(وهذا ما أدى إلى عدم نشر وصيته). وموقف بليخانوف (في وصيته التي نشرت قبل سنوات) الذي اعتبر أن المرحلة في روسيا(نصف الرأسمالية ونصف الإقطاعية) لم تكن مرحلة الثورة الاشتراكية إنما مرحلة الثورة الديموقراطية البرجوازية. وكذلك لم تشِر الموضوعات في سردها التاريخي إلى مفْصلٍ بارز في سيرورة هذه المرحلة وهو الخلاف الكبير بين ستالين وبوخارين حول المسألة الزراعية، إذ كان الأول يصِّر على مصادرة الأراضي وتجميعها وإشراف الدولة على استثمارها، في الوقت الذي كان الثاني يرى الإبقاء على الزراعة قطاعاً خاصاً وقد ساقه موقفه هذا إلى ساحة الإعدام.
في الواقع كان هنالك أكثر من نسخة للماركسية في روسيا السوفياتية. وقد حجب تعدد النسخ والقراءات المتعددة للماركسية، الاستبداد الشمولي وقوافل الإعدام وتحريم الفكر والجدل والاجتهاد.
-6-
وبالنسبة إلى العلاقة بين فكر الحزب وبرنامجه السياسي، فقد بقيت في الموضوعات مفككة إلى حدٍ ما، وهي ربما تحتاج لتحديدٍ وتوضيح أكثر لتجيب على بعض الأسئلة التي يمكن أن تطرح: ما هي العلاقة بين الفكر والسياسة؟ وبتحديد أكثر هل من ضرورة أن يكون للحزب خلفية فكرية، وما مدى علاقتها ببرنامجه السياسي؟
إني أرى أنه لا يمكن تصور حزب، أي حزب، دون خلفية فكرية؛ ولا أتصور ممارسة سياسية منقطعة عن منظومة فكرية، وإن كان مستوى الفكر غير مستوى السياسة في المجتمع. لذلك أرى أن حزباً يسارياً ديموقراطياً، وإن كان ليس بالضرورة أن تكون خلفيته فقط الماركسية، لكن لابد لهذا الحزب من نظرية فكرية يقوم هو بإنتاجها وتطويرها ونقدها باستمرار، وبين هذه النظرية الفكرية والبرنامج السياسي هنالك علاقة تقاطع، وهي ليست علاقة تناقض بينهما على المستوى الاستراتيجي، كما هي في آن ليست علاقة تطابق في النشاطات السياسية المرحلية والتكتيكية. بمعنى آخر هي ليست علاقة مستوى واحد، إنما علاقة مستويين متقاطعين غير متطابقين وفي آن ليسا متوازيين لا يتلاقيان. هذا هو الفرق بين الأحزاب الأصولية التمامية (الدينية أو العقائدية) والأحزاب الديموقراطية. فالأولى فيها العلاقة بين نظرية فكر الحزب وسياساته علاقة تطابق وتآسر، الفكر يأسر السياسة والسياسة تأسر الفكر؛ بينما الأحزاب من النوع الثاني يبقى مشرعاً فيها باب الاجتهاد، ومقاماً لديها الفصل النسبي والمسافة الضرورية بين مرجعيتها الفكرية وبرنامجها السياسي. وحزب لديه مثل هذا الفصل النسبي يمكن لممارسته السياسية أن تنقد الفكر، ولفكر الحزب أن ينقد سياساته.
طبعاً هنالك من يدعو لتحرير الحزب من الإيديولوجية وبقول آخر من العقيدة، فإني من هؤلاء، ولكن لست على الإطلاق من الذين يتصورون حزباً سياسياً دون خلفية فكرية يحذف منها ويضيف إليها على ضوء الواقع. طبعاً في الممارسة التاريخية للحزب الشيوعي السوري حوِّل الفكر الماركسي لحقبة زمنية طويلة إلى عقيدة وهذا ما أكسبه سمةً نابذة وطاردة. وعلى مدى تاريخه لم يستطع أن يؤسس مركزاً لإنتاج فكره، وربما لو كان يمتلك استقلاله الفكري ما كان ليعاني من هذه الانقسامات السرطانية المتواترة بين فترة وأخرى.
وبالنسبة إلى الماركسية فهي بالفعل بقيت، شاغلة الدنيا في أربع أطرافه، وفكراً رئيساً في العالم لحقبة طويلة من الزمن. وفي اعتقادي لا يزال التراث الماركسي مهماً وأحد المناهج الأساسية في إنتاج الفكر. لكن هي مثل أي فكر إنساني، قديم أو حديث، تشيخ فيه أشياء وتبقى فيه أشياء أخرى راهنة ومستقبلية. وعلى سبيل المثال، لا يمكنني في هذا الوقت الذي يطغى فيه الفقه على الاجتهاد، و التكفير على الفكر، إلا أن استحضرَ الآية الكريمة التي تقول: (وقلِ الحقُ من ربِكم من شاء منكم فليكفر ومن شاء منكم فليؤمن إنا أعْتدنا للظالمين نارا....). فالله الذي يقوم بتنفيذ العقاب وليس الذين يمارسون الفتوى. فالله هنا يخير الناس في اعتناقهم أفكارهم. وكذلك في الأحزاب الماركسية كان هنالك فقهاء ودهاقنة وقضاة يكفرون هذا ويطلقون تهمة التحريف على ذاك.
ومهما كان الحزب بدائيا ومتخلفا، ففي كل الأحوال في لا شعوره خلفية فكرية تؤثر على سياساته، وعلى خلفية هذه العلاقة بين الفكر والمعرفة من جهة والسياسة من جهة أخرى، يقال أن زعيم حزب الشعب في سوريا المرحوم رشدي الكيخيا قد نصحه أحد أصدقائه من العارفين بالاقتصاد، لكي يشرعَ في إصلاح زراعي ليخفف من وطأة الأزمة الفلاحية في الريف السوري، لكن لم يقتنع بتطبيق النصيحة لأن أنصاره في هذا الحزب كانوا يعتبرون الإصلاح الزراعي له علاقة بالشيوعية، في الوقت الذي كان بدايةََ رسملةِ الزراعة ووسيلة لتوسيع السوق الرأسمالية. فالرأسماليون والإقطاعيون السوريون لم يكن لديهما الفكر والمعرفة وبعد النظر ليفهما مصالحهما الاستراتيجية في تلك الفترة، وكرروا خطيئتهما التاريخية الكبرى بعد الانفصال في 1961. وهكذا فهم لهم دور كبير في مجيء العسكر إلى الحكم.
-7-
وفي معرض الكلام عن الفكر وأدوات المعرفة الجديدة، كانت إشارة الموضوعات حول الاستغناء عن مفهوم "ديكتاتورية البروليتاريا" ونزع القداسة عن مفهوم "الصراع الطبقي"، مبتورة تقريباً ودون أي معالجة فكرية ونظرية، وبدت المسألة وكأنها فقط محصلة حاصل لهزائم التجارب الاشتراكية التاريخية. فلم توضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالأسباب الاجتماعية والفكرية والسياسية التي أدت إلى هذا الفشل التاريخي. ودخول الموضوعات في قضايا معرفية يتطلب منها في المقابل الكلام على بعض الأدوات المعرفية الجديدة التي يتداولها النقد الماركسي الراهن، مثل الكلام عن صراعٍ اجتماعي "لاطبقي" محايث للصراع الطبقي، و الكلام على مفهوم "التشكيلة الاجتماعية" الذي بدأ يطغى في الفترة الراهنة على مفهوم نمط الانتاج(فالرشتاين وباليبار)، وكذلك مفهوم العلاقات الاجتماعية الذي بدأ يطغى على علاقات الانتاج. وفي الماركسية النقدية الجديدة هنالك طروحات تتعلق بإعادة النظر في مفهوم المادية التاريخية، ومفهومي البناء الفوقي والبناء التحتي وتركيب كل منهما . والكلام على العولمة والاقتصاد المعرفي الذي ورد في الموضوعات، على أهميته ، لا أرى أنه قد غطى على قصورٍ في الجهدِ الفكريٍ والنظريٍ يجب تجاوزه.
-8-
ورغم أشارة الموضوعات بجلاء إلى مسألة التطرف الديني في العالم العربي وإلى دور أنظمة الاستبداد العربية في توليد وتعاظم هذا التطرف، لكنها من جانب آخر، لم تدخل في موضوع الدور الانعطافي الذي يمكن أن يلعبه إصلاح إسلامي في مسألة التحديث والتقدم العربي، في الوقت الذي أشارت إلى الدور الرئيس الذي لعبه الإصلاح الديني في تقدم أوربا وتحديثها، وأيضاً في الوقت الذي يركز على هذه المسألة المركزية، كتاب ومثقفون إسلاميون متنورون، وقد قالها بصراحة وجرأة في الفترة الأخيرة الكاتب الإسلامي السوري (محمد شحرور) حينما ربط أي تقدم استراتيجي في العالم العربي بالإصلاح الديني. لماذا نستغرب، إذا جاءت الدعوة إلى إصلاح الفكر الديني من كاتب إسلامي، فعلينا ألا ننسى لحظة واحدة أن الفلسفة الحديثة في أوربا بما فيها الماركسية، قد أسهم فيها أساتذة كبار لللاهوت في الجامعات الأوربية من نمط هيجل وفيورباخ وغيرهما.... ربما يقول البعض إن هذه المسألة تقع على عاتق المثقفين والمفكرين وليس على عاتق السياسيين؛ في رأينا أن المستوى السياسي الذي يدير المجتمع يتأثر بشكل متزامن وجدلي بالاقتصاد والعلاقات الاجتماعية من جانب وبمستوى المعرفة والفكر من جانب آخر، وربما يمكننا القول: للسياسة (لا شعوران)، الاقتصاد والفكر. وهل يمكن تصور نضال سياسي لا يتزامن مع نضال فكري؟ طبعا هنالك الكثير من النضالات السياسية التي لم يرافقها جهاد فكري أو مجاهدة فكرية كما يقول المرحوم الياس مرقص، وما أكثرها في العالم العربي؛ ولكن أهم عيبٍ لهذه النضالات أنها كانت تجنح في معظم الأحيان للغرق في فردوس التكتيك على حساب الاستراتيجية، وتقع في مطبِ التجريب ودهاليزِ مكر العقل أو مكر الله، و تحصد في النهاية خيبة أمل الفروق الكبيرة بين الحقل والبيدر.
-9-
أما بالنسبة إلى الوضع العربي، فرغم السرد التاريخي الطويل حوله ، فما هو إيجابي في هذه الفقرة، أنها في الوقت الذي لم تعلق حالة الضعف العربي المريع والشامل على مشجب الاستعمار والصهيونية والأمبريالية والمؤامرات الخارجية، طلبت من الحركة السياسية العربية لكي تكون قادرة على مواجهة الاستبداد والتعامل مع المتغيرات الجارية في العالم أن تقْدم على"مراجعة شاملة لأوضاعها وأدواتها المعرفية وأدوات عملها وأشكال صلتها بالناس". و أصابت حينما اعتبرت "أن إلقاء مسؤولية تأخرنا على العوامل الخارجية أمر يدخل في باب التضليل وإخفاء الواقع الموضوعي لمجتمعاتنا". ودعوتها هذه بطبيعة الحال، ليست موجهة للأنظمة العربية بقدر ما هي موجهة للمعارضات العربية وللمثقفين العرب عموماً.
لكن لابد لقارئ الموضوعات من أن يستغرب تجاهلها الشديد الأقرب إلى القطيعة لمسألة الوحدة العربية، التي كانت بنداً رئيساً في مشروع برنامج المؤتمر الثالث للحزب(1969) وإحدى نقاط الخلاف المركزية مع الأطراف الأخرى، و مع (العلماءالسوفييت)، والتي بقيت أحد شعارات الحزب في المؤتمرين الرابع والخامس. هذا الشعار الرئيسي، لم يظهر سوى نعيه ودون تقرير وفاة في موضوعات المؤتمر السادس!! نعم أنا مع الموضوعات تماماً؛ بالنسبة إلى التوحيد العربي، ففي ظل هذا التهلهل العربي المريع، لا يبدو منظوراً لا في الأفق القريب ولا حتى في الأفق البعيد. ولكن غيابه وراء الأفق لا يبرر تجاهل هذه المسألة الاستراتيجية الكبرى، والتي أرى أنها لا تزال استراتيجية بالنسبة إلى عالمنا العربي. فأوربا تطلب الآن من المغرب العربي أن يتوحد وتقول أنها تفضل التعامل مع كيان موحد. وعالم اليوم عالم وحدات وليس عالم دول صغيرة. لذلك علينا أن نوضح تماماً أسباب فشل التوحد العربي وأسباب تفاقم القطرية والجنوح إلى الانفصالات؛ فهذا الفشل أول ما يتطلب: نقد الفكر الوحدوي السائد وإخراجه من قداساته. والمسألة تتطلب منا الكلام على مفهوم الوحدة، أية وحدة، بشكل عام، ومن ثم الكلام على الوحدة العربية وخصوصياتها. فغياب الديموقراطية ومفهوم المواطنة في كل قطر عربي كان من أهم أسباب فشل الوحدة العربية، والفكر القومي الرومانسي لم يربط مسألة الوحدة العربية مع الديموقراطية والمواطنة لا في النص الفكري ولا في ممارسة الحكم، لا في القاهرة ولا في بغداد ولا في دمشق. نحن أمة عربية لها كل مقومات الأمة، لغة وتاريخاً وجغرافيةً و ومصالح، ولكن في آن، نحن شعوب عربية بينها فروق وسمات مختلفة، وثقافات وأثنيات مختلفة، ومعتقدات وأديان ومذاهب مختلفة. ولا أرى أن التوحد العربي بين هذه الشعوب العربية يتعلق بلغة مقدسة، أو بشيء من الرسالية، فلا خلود إلا لله، ولا بنظرية وحدوية علمية جامعة بحسب (نديم البيطار). فإلحاق (العلم) بمفهوم ما لا يكفي لوقعنته. ولماذا نذهب بعيداً فالاشتراكية التي ألحقت بها صفة العلم ماتت قبل أن تتحقق. والوحدة العربية العتيدة لا تستخلص من التاريخ، فهي حالة عيانية محددة لها واقع محدد وظروف محددة. وإن الخطوة الأولى على هذا الطريق، وفي الظروف الدولية الراهنة، هي أن يتوحدَ أولاً كل قطر من الأقطار العربية ليكوِّن وطنَ مواطنة ومجتمع مدني وحقوق مدنية وسياسية، حينئذ أرى أنه يمكن الشروع في توحيد الأقطار العربية التي انتصرت فيها قضية المواطنة والديموقراطية.
-10-
لم تترك الموضوعات من بين فصولها فصلاً للمراجعة والنقد. لمراجعة ونقد المعارضة السورية عموماً ومراجعة ونقد الحزب الشيوعي السوري(المكتب السياسي) خصوصاً بعد ربع قرن على انعقاد مؤتمره الخامس، وتحديدَ صواباته وأخطائه في هذه الحقبة الطويلة من الزمن، المليئةِ بالأحداث والحروب والتغيرات الاستراتيجية التاريخية. وإذا اعتبرنا أن الشعار الرئيس المطروح في الموضوعات، والمقدم فيها على كل الشعارات الأخرى هو الديموقراطية، فهذا الطرح الديموقراطي لا تكتمل مصداقيته ما لم يترافق مع مراجعةٍ ونقدٍ للذات، سواءً على مستوى المواقف السياسية أو على مستوى التنظيم.
ولخروج سوريا من أزمتها، وللوصول إلى نتائج ملموسة على هذا الطريق، لابد من أن تقوم كل فصائل المعارضة من أن تنقد ذاتها على مستوى الفكر والسياسة والتنظيم. فإعادة التأسيس وطرح موضوعات جديدة يتطلبان نقد التجربة الماضية، وعدم نقدها يعني الدخول في تجربة جديدة دون استخلاص الدروس، وهذا يعني الاستمرار في التجريبية وسياسة التجريب.
بالنسبة للسرية لا يمكننا نفي دور الاستبداد في لجوء القوى السياسية المعارِضة للنظام الحاكم إلى السرية والتقية في نشاطها؛ ولكن ما يجب التركيز عليه في هذا الموضوع، هو أن للسرية عوامل أخرى لإنتاجها من أهمها: قدم الاستبداد وتقاليد التقية والعمل السري في العالم العربي والإسلامي؛ ، وفكر تنظيمي منقول ومتوارث، أصبح قاصراً عن اكتشاف وسائل بديلة علنية ومؤثرة.
ولقد نقدت الموضوعات بقوة النضال السياسي القائم على العنف, والأصح القائم على الإرهاب. لأن مفهوم العنف أوسع من مفهوم الإرهاب. أرى أن هذا النقد قد جاء متأخراً. فالنضال السياسي القائم على الإرهاب والاغتيالات الفردية هو انعكاس لفكر قبل أن ينتقل إلى مستوى الممارسة السياسية، وهذا الفكر على طرفٍ نقيض من الفكر الديموقراطي.والموقف من النضال السياسي الإرهابي هو موقف يدخل في إطار الاستراتيجية أكثر من كونه مجردَ موقف تكتيكي. وتنبع استراتيجية هذا الموقف بالنسبة إلى حزب ديموقراطي، من كون النضال السياسي القائم على الإرهاب يخدم في نهاية المطاف النظام القائم أكثر من أي جهة أخرى، و يقدم له على طبق من فضة كل المبررات لكي يقمع أي معارضة أخرى ديموقراطية وسلمية ولكي يقمع الشعب كله. والنضال السياسي القائم على الإرهاب في كل العالم العربي، وعلى وجه الخصوص، في سوريا ومصر والجزائر، قد أمَدَّ في عمر الأنظمة القائمة. وفوق كل هذا وذاك فالنضال السياسي الإرهابي يتناقض تناقضاً صارخاً مع استراتيجية النضال الديموقراطي السلمي التي طرحت في بيان التجمع في نيسان 1980.
وهنالك مسألة هامة يجب التركيز عليها في ممارسة القوى السياسية المعارضة العربية؛ وهي انتقائية مواقفها من قضية الديموقراطية بالنسبة إلى هذا القطر العربي أو ذاك، وهذا ما جعل الكثير من الفصائل المعارضة لنظام أدواتٍ لنظام آخر. وفي كثير من الأحيان كان المشهد دراماتيكيا حينما كنا نرى فصيلاً سياسياً يعارض نظاماً ويتهمه بالاستبداد وفي أن يكيل المديح لنظام عربي آخر لا يقل عنه استبداداً أو يفوقه. وفي معظم الأحيان لم تكن هذه الفصائل المعارضة تشعر للحظة واحدة بمشاعر هذا الشعب العربي الذي يعاني ويكابد من قمع نظامه. بقول آخر هذه الفصائل المعارضة، التي تضع الشتاء والصيف على مستوى واحد، والتي تتكلم كثيراُ عن الوحدة العربية، لم تفكر للحظة واحدة بوحدة عربية بين الفصائل السياسية المعارضة حول الموقف من الديموقراطية وحقوق الإنسان العربي وقيمة كيانه كفرد.
لقد أثرت هذه الممارسة الانتهازية كثيراً على مصداقية الخطاب الديموقراطي لهذه الفصائل المعارضة. وعلى الأغلب تكمن خلفية هذه المواقف في موقف فكري في الأساس يتعلق بفصل الوطنية والقومية عن الديموقراطية.
وبالنسبة إلى الحزب أرى أنه لم تتوفر في بعض مواقفه السياسية وخاصة إزاء الحرب العراقية الإيرانية وإزاء دخول الجيش العراقي إلى الكويت رؤيا استراتيجية حول النتائج الكارثية التي يمكن أن تجلبها الحرب الأولى أو الثانية للعالم العربي. وربما يمكننا الافتراض أن بعض الأوساط في الحزب قد وقعت في تلك الفترة تحت وطأة تهويمات قومجية ووحدوية لا تمت إلى الواقع بصلة. وهذا يعيدنا إلى علاقة الفكر بالممارسة السياسية؛ فالفكر بطبيعة الحال لا يمكن أن يلعب دوراً تنجيمياً، ولكنه يتسم بشيء من الاستباقية، ولولا هذه الصفة الاستباقية ما كان فكراً، وسمته هذه بالضبط هي التي تعطي للممارسة واقعية أكثر وعقلانية أكثر.
وفي النهاية، لابد من القول أن للنقد في هذه المرحلة دور مضاعف؛ إذ لا يمكن الانتقال من المجتمعات الرأسمالية السلطانية والرعوية، إلى مجتمعاتٍ رأسمالية ديموقراطية حديثة، وإلى مجتمعاتِ مواطنة، دون نضال سياسيٍ متزامنٍ مع نضال فكري؛ ودون شروعِ القوى السياسية العربية المعارضة في نقد خلفياتها الفكرية وتجاربِها السياسية السابقة.





#نقولا_الزهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور العراق المؤقت.... يقسِّم أكثر مما يجْمع
- مداخلة حول الإصلاح والتصليح
- صور متقاطعة من شرقِ المتوسط
- ليلة أحلام وثلوج وشموع في البرج السادس
- أبوسلمى
- لجوء الموتى - قصة قصيرة جداً -
- رسالة إلى أمي
- فنجان القهوة -قصة قصيرة جداً-
- أبو شمعة - قصة قصيرة جداً
- مصلحة كل التنويعة العراقية في دولة قائمة على الوِفاق والمواط ...
- رسالةإلى وردةٍ بيضاءْ
- ساحة ...في عاصمةٍ مملوكية
- مداخلة في مفهوم الفصل


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نقولا الزهر - مداخلة في موضوعات المؤتمر السادس - الحزب الشيوعي السوري /المكتب السياسي