|
متسول ... ولكن ؟؟؟
إبتهال بليبل
الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 05:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يمر العالم اليوم بأزمات ومآس والآم شديدة ، فالعالم يعيش حالة من البؤس التام ، والضنك الشديد ، والاضطراب المحٌير .. و مازال يحدونا الأمل ، وفي نفوسنا أستشراق لواقع مشرق ، وتطلع لآن يعم الحق والخير أرجاء الدنيا ، لكن حديثنا الآن عن واقع نحياه ، عن واقع نراه ، عن واقع نعلمه جيداً ، وأحسب أن من الحكمة والواقعية عد م التغاضي عن وصف المرض بزعم غرس أمل الشفاء في نفس المريض ، فأن إدراك الواقع يرشدنا لرسم صورة التغيير المنشود فالتوصيف خطوة على طريق الأمل ...وكما قيل "إن الحقيقة هي كل متكامل ، وليست جزءاً قائماً بذاته ، وبعض الحقائق ليست كلها حقائق" فكثير من الناس يشوهون الحقيقة ، ولا يقدمون لها صورة سليمة ، بسبب استخدامهم لبعض من تلك الحقائق، ففي كل قضية أو ظاهرة نجد كل طرف فيها يقدم جزء من الحقيقة ، يصورها تصويراً خاصاً ، و يقدم الطرف الآخر جزءاً آخر وهكذا ، ولا تظهر الحقيقة لنا إلا بإجماع الحقائق كلها ، لأن الذي يقدم جزءاً من الحقيقة لا يكون منصفاً فتقديم الأنصاف ليس فيه إنصاف ، لذا ، فمن الصعب جدا التعميم في كيف وأين يبدأ الاستجداء في حياة المتسول أو كون ظاهرة التسول موروثة عن أجدادهم ، فكل أنواع المتسولين الذين يتسولون لفترة قد تمتد من خمس دقائق إلى خمسين عاما تخضع لظروف وغايات معينة ، فالصبي مثلاً الذي يبيع ( علك اللبان ) أو أي متصفح لأية ذكر الله الحكيم أو الأدعية وغيرها ، ما هي إلا أحد طرق التسول في الشوارع ، ولكن عندما يحاول شخص ما عرض المال عليه بدون حاجة منه لتلك الأشياء التي يحملها لغاية البيع نجده يرفض استلام المال منه دون شراءه لتلك الأشياء ، عند ذلك سيكون الأمر مختلف فهنا لن يدخل ضمن التسول كما من الممكن اعتباره حالة شاذة أو نادرة ، لكونه له احتياجات محددة للغاية ، لكن ذلك لن يمنعهُ يوماً من مد يديه للمال أن أرغم لقسوة الظروف فهو يسير في دروبها وحتماً سينصاع لقوانين الشارع ، أي بمعنى أصح أنه في خطر مستمر للنزوح إلى التسول ... ومن الملاحظ أيضاً أن المسنين والمعاقين والعاطلين عن العمل هم من أهم الشخصيات التي تمثل ظاهرة التسول ، وهذا طبعاً يخضع لأسس خاصة وبديهيات فالكثير من الدراسات النفسية أكدت أن الفرد في بداية حياته يعتاد على مد يديه والسرقة ولو مؤقتاً ـ نجده في النهاية أو عند وصوله إلى سن الشيخوخة والعجز يلجئ إلى التسول ، هناك شخصيات في الوسط الاجتماعي تمتهن صفة التسول لكن دون معرفتها لحقيقة ذلك ، منهم مثلاً لا حصرا من يحمل صفة رجل القانون يتسكع في قاعات المحاكم للبحث عن قضايا يترافع عنها بطريقة تحد من قيمة ما يحمله من مبادئ وقيم لتلك المهنة الشريفة ، أما الذين يتسولون حول الأماكن السياحية فهؤلاء قصتهم قصة ، حيث لو نعود إلى بداية شبابهم نجد أنهم كانوا يمتهنون مهنة قريبة كحمل أمتعة السياح ، أذاً من هذا المنطلق يتبين لنا أن كل شخص يلجأ إلى التسول عند شيخوخته أو عجزه كانت له مواقف في شبابه قريبة لمد يديه أو الاستجداء والسرقة ...... التسول بالإدعاء هو حاجة هذا الشخص المتسول إلى المساعدة من أشخاص آخرين لطلب الطعام أو المال ، التسول من أقدم المهن في العالم وله أشكالاً تتغير حسب الوضع والعمر ، إلا أنها عموماً تنصب في الحاجة إلى المساعدة ، أهم عامل تقوم على أساسه هذا المهنة هي مشاعر المجتمع من رحمة وخير وتقوى ، لتكون محط استغلال من قبل هؤلاء المتسولين للحصول على مكسب حرام ... حيث نجدهم يسافرون في الشوارع ، وأمام المحلات التجارية ، ومواقف الحافلات والأماكن المزدحمة لتحصيل ما يمكن تحصيله من عملية التسول ، كثيراً ما نسمع عن المتسولين وما نسمع إلا أنصاف حقائق فقط وقد لا نتصور أن للمجتمع دور كبير في فرزهم على الساحة ، فالمتسول هو ضحية أنصاف الحقائق ، خلق الإنسان محباً للخير بطبيعته ، و ما الشر إلا دخيل عليه ، و للشر في حياة الإنسان أسباب كثيرة ، ربما يكون بعضها خارجاً عن إرادته و قد يرجع بعضها إلى عوامل بيئية ، أو وراثية ، أو لأمور ضاغطة يعلمها الله وحده ، و قد يكسر إنسان قانوناً من القوانين ، أو نظاماً من الأنظمة ، وربما يكون هذا الكسر هو نصف الحقيقة ، و يكون النصف الآخر هو خطأ في هذا القانون أو في هذا النظام يحتاج إلى تعديل، لهذا كانت كثير من الدول تعدل في أنظمتها ، و تطور في قوانينها ، لأن المشرعين ليسوا آلهة ، و لهذا أيضاً كان المنصفون ينظرون دائماً إلى روح القانون و ليس إلى حرفيته ، إن الذين يتمسكون بحرفية القوانين و ينسون روحها ، لا يكونون عادلين في أحكامهم و من أمثال هؤلاء الذين يتمسكون بحرفية وصية من وصايا الله ، دون أن يدخلوا إلى روح الدين و عمقه ، و دون أن يكتشفوا الأسباب و الأهداف التي من أجلها وضع الله تلك الوصية ، و الذين يتمسكون بأنصاف الحقائق ، إما يفعلون ذلك عن جهل أو عن عمد وعن معرفة ، فإن فعلوا ذلك عن معرفة يكونون مدانين ، لأنهم أخفوا الحقيقة ، وقد يكون وراء الإخفاء خطأ آخر أبشع .. ليظل السؤال قائماً عن التسول ، لماذا يتخذ الفرد التسول كحرفة أو ملاذ له ؟؟ كلنا نعرف أن في زمن الحرب لا أحد يطلب من الخباز ترك الفرن وحمل السلاح ، فالخبز ضروري للمقاتلين ، ولكن ماذا عن خبز الروح والفكر الذي يقدمه ولي الأمر أو المسئول عن أسرة ، لينصب هنا حديثي ويأخذ مساراً آخر نحو المرآة والتي تتمثل في الأم والمربية والزوجة ، وأقول لماذا يكسر فرن عطائكِ ؟ وما جدوى أن تدمر السفينة بوصلتها لتقذف بها بالمنجنيق بدلاً من الحجارة ؟ ... سيدتي ما زلت لا أدري تماماً ما هي نظرتكِ عن واجبكِ تجاه نفسكِ ومن حولكِ ، تجاه أطفالك ، أنت من يمسك زمام هذه الأمور وأنت من يضيعها ، أن هذا الكون الفسيح أنتج أطفالاً مشردين ومتسولين فكانت أصابع الاتهام تشير إليك ، نعم أنتِ السبب في ذلك ؟؟ ولا تحاولي ذكر الوضع العام أو نقص المال وغيرها فتلك حجج واهية تحاولين أقناع نفسكِ بها ، فهناك نساء مل الصبر منهن وتجلد جسدهن لقسوة الدهر لكنهن ما برحن أن أنتجن جيلاً مكافحاً يتصف بكل صفات النجاح وعزة النفس جيلاً صالحاً غارفاً في مصلحة الوطن والمجتمع ... التسول نتاج جهل فكري وتربية خاطئة ، نتاج بيئة تفتقر إلى من يديرها على أكمل وجه ، فالمرآة التي تتصف بجهالة الفكر هي من تسحب أبناءها إلى الضياع ، سيدتي يجب عليكِ الابتعاد عن الالتزام الفج الالتزام (الصوري) الشكلي نحو أسرتكِ الالتزام المسعور وأحادي النظرة العاجز عن الإنصات إلى وجهات النظر الأخرى ، لأنني أؤمن أن الإنصات إلى ما يقوله الآخرين قد يقودنا إلى إزالة سوء الفكرة القائمة في داخلنا وقد يصحح الكثير من الخطوط التي رسمتها عقولنا من قبل وقد نكون غائبين عنها لفترات قد تجمع حياة بأكملها ، يجب أن تستمري بمنأى عن ذلك الالتزام الذي يحرمك من إنسانيتك في كونكِ أم أو مربية ، لا تلغي حقكِ بالنظر إلى وجوديتكِ بحب والى أطفالكِ كبشر من حقهم أن يحبوا الحياة وينعموا بأم كفيلة بأن تتحمل مسؤولية وجودهم على أكمل وجه ... وأؤمنِ دوماً بأن الثائر الكبير هو عاشق كبير يعشق قيم الحق والخير والعدالة ـ وهو على استعداد للحياة من أجلها والموت من أجلها أذا كان لا مفر ، والآن وقبل نهاية حديثي معكِ ، أرجوا منك تذكر وجوديتكِ في هذا الكون الواسع وأرجوا منك أن تلملمي ما تبقى من أطفالك واستعادتهم للترميم بأقصى سرعة قبل ضياعهم ...
#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفكر شريان الحياة
-
إخطبوط الرشوة !!! جريمة وأسلوب منحرف
-
أسطورة الأنوثة
-
المرأة المثقفة تخفق في تصوير تجربة المرأة الشرقية !!!
-
حوار مع وزير المراة الدكتور نوال السامرائي
-
تحقيق / وظيفة المرأة ليلاً .. ونظرة المجتمع ؟!!
-
تحقيق / الأنوثة للفنون !!!
-
الحروب الإنسانية
-
غَثَيَان الليل
-
مساحه ل احتساء الوجع
-
الشعور بالسعادة
-
خنساء العرب الجريحة
-
أنهم يعملون لخدمتنا ؟!!
-
الباب الشرقي .... سوق المشانق والظلام
-
من سيصنع المستقبل ؟؟؟
-
الإنسانية محور وجودنا الأبدي
-
لكل حدث حديث
-
حقوق الإنسان ... الحلقة المفقودة
-
اليوم ذاكرتنا مخدرة باليأس
-
مظلمة للكاتب
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|