عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 795 - 2004 / 4 / 5 - 08:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يا ترى ماذا كان يدور في خُلد صدام ما قبل - 17 - يناير ؟ .. ما هي حساباته ؟ .. لقد طفقَ ليلة - 15 - 16 - 1991 مُذكرا وبإستهزاء أن المُهلة المُحددة للإنسحاب قد إنقضت ولم يفعلوا شيئا : أين قواتهم , لماذا لم تهاجم ؟ .. لكنه أمر غريب حقا , فما معنى قدوم أكثر من نصف مليون جندي أميركي وبأحدث الأسلحة , غير بقية الجيوش التي قدمت !!؟ .. إن معتوها لا يمكن أن يُصدق إن كل ذلك كان عملية تمويهيه , وأن مجلس الآلهة في البيت الأبيض قد نصَبه شرطي المنطقة الجديد [ تحدث أنصار نظرية المؤامرة بهذا المنطق آنذاك , وحين بدأ الهجوم الجوي صبسحة 17 يناير وإفتتح صدام خطابه بكلمات : لقد غدر الغادرون . " أخذوا يتبجحون بصحة منطقهم هذا !!!! ] .. وسيكون أكثر عُتها إذا كان قد إعتقد أن عائق الأميركيين هو حروب جنوب شرق آسيا , حيث لم تزل جراحها ماثلة في أذهان المؤسسة السياسية والعسكرية الأميركية وعند إبن الشارع الأميركي .. كذلك فإنه أعته المعتوهين , إذا كان قد تصور أن الآلة العسكرية العراقية ستكون قادرة على حسم المعركة لصالحه !!!
يبدو أن كل تلك الإعتقادات هي التي دفعته إلى تلك الإستهانة . .. لكن يظهر كذلك أن الرأي الأخير كان أكثر سيطرة على عقله الخاوي , فبدون تلك الآراء - وكما أشير في هذا الموضوع - إنه ( بلطجي صيت ) و - هذا الصنف - إلى جانب دأبه المتواصل - والمرتكز عل حوافز من نوع ما - لترسيخ هذا ال ( Reputation )- الصيت- وبشتى الوسائل , إلى جانب ذلك يكون تفكيره منحرف , وسلوكه تحصيل حاصل لهذا الإنحراف !! .. وتشدقاته في السابق كثيرة في هذا الجانب , ووصلت الذروة حين أطلقَ تهديده الأجوف بحرق نصف إسرائيل قبل غزو الكويت بعدة أشهر . أما الآن فإنه يبدو أكثر جدية ووضوح , فقد تساءل - غير مصدق وبإستخفاف - : هل معقول أنهم يجتازون آلاف الألغام والأسلاك الشائكة , وآلاف التحصينات الكونكريتية , ثم يجتازون الساتر الأول , والساتر الثاني , والثالث .. حتى الثامن, أين أصبح جنودنا إذن , هل يرشوهم بالماء , أم يرمونهم بالحصى ؟ " .. وكما نوهت فإن إنحرافه العقلي هنا أسقطَ الهجمات البربرية االفوضوية الإيرانية سنوات الحرب الأولى على الوضع الجديد !! كل تلك الهالة الجهنمية من السلاح والجيوش .. كل تلك التقنية التكنولوجية المُذهلة التي تجتاز سماوات الله وأرضه .. كل تجارب تلك الأمم في الحروب الكونية .. - كل شيء - إنكفأ , تلاشى , أين أمسى , ليس ثمة حقيقة , لا وجود للأشياء المُهولة في عقله , عقله الماسك بزمام كل الموجودات , فأي حُمق وأية رعونة إكتنفت هذا العقل الأجرب!!.. وصحافته وصحفييه يتمايلون على ذات الإنشودة الملحمية . فقد صورَ أحدهم في صحيفة القادسية - ومن وحي خياله العقيم - صور الأضداد - متماثلات - , فلا فرق بين صحراء الجزيرة العربية وأدغال وغابات جنوب شرق آسيا - فيتنام , كمبوديا , لاوس - , كذلك الجندي العراقي - الجندي العراقي الذي يسحب أقسام بندقيته فلا يرجع إلى وضعه السابق لكثرة ما تكدس عليها من أوساخ .. والجندي العراقي الذي يبتر يده أو ساقه بنفسه لكي لا يلتحق بمؤسسة الزيف والموت العسكريه .. والجندي العراقي الذي تحدى إعدامات الساحات العامة والشوارع والجسور , وتحدى ( الحجزْ ) داخل مواقع الإنضباط العسكري المنتشرة على طول وعرض العراق , والتي يُضاهي بل يتجاوز جحيمها - معتقلات النازية والفاشية - حيث تتكدس الآلاف داخل قاعات ( جملونات ) لا تحتمل بضع مئات , وإضافة لذلك يلفظون فضلاتهم تحتهم داخل هذه المواقع , وتُمد إليهم بين فترة وأُخرى ( هوزات ) تناكر المياه من روازين تلك المواقع فتختلط الفضلات ببقايا الطعام وبقية الأوساخ , كذلك تختلط رائحة ذلك الخليط برائحة ملابسهم المليئة بالقمل وأجسادهم الممزقة من كثرة التقرحات لمختلف الأمراض الجلدية !!!! هذا الجندي الذي يتحدى كل تلك الويلات ويهرب , هذا الجندي الذي والذي والذي .... حتى إنتهاء أبجدية الأشياء .. هذا الجندي يشبه إيمانه - بقضيته - صدام - اللاقضيه - قناعة الفيتنامي حين كان يقاتل ضد الأميركي !! .. ثم إستمر هذا الصحفي يعد أوجه الشبه - اللاشبه - بين هذه وتلك !!.. إن نزيف القمع والموت للنظام البعثي برمته كان بكفة , وصلفه وفجاجته وتزييفه للحقائق بكفة أخرى !!!
الآن , بعد أن إنقلبت الموازين أمامه على هذا النحو المُفزع , حين إخترقت أصوات الإنفجارات أغشية سمعه ليلة 16 - 17 يناير فلا شك أن عملية إسقاط كُبرى قد توالت موجاتها في فضاء رأسه , فالهجوم الجوي الإيراني في سبتمبر 1980 - كان شرسا ومخيفا , ومع ذلك فقد أُختزل في زمن وجيز .. لكن مستقبل هذا - الآن - القريب حيث القصف الجوي التحالفي في أيامه الأولى , قد حدا بطيوره الأبابيلية التي كان يأمل فيها خيرا كما في سبتمبر - 80 - حدا بها إلى التفيؤ بظلال أشجار البساتين والحدائق العامة , والعبور إلى أفق الشرق , هناك نحو زنادقة العصر , عبدة الشمس والنار , ولم يحرق - سجيله - فيل - الحزب الجمهوري الأميركي الذي إكتشفه مؤخرا حين أعلن في المحافظة التاسعة عشرة بحضور محافظها - علي حسن المجيد - عن ذلك الإكتشاف القدري !!!! ..
ومع ذلك فلم تضق به الحيلُ , بل أعلنَ في حضرة - المنتفخ , أو المنظر الثوري - أبو عمار -: إن الحسم سوف يأتي على البر , وليس ما يحسم المعركة هذا الأزيز العقيم ! !.. غير إن نديمه هذا قد إزدراه وجيشه فيما بعد , حين صرحَ أن منظمته الضئيلة كان بمقدورها المقاومة والصمود مدة شهرين فكيف إنهار ذلك الجيش بكل ما يمتلكه من إمكانيات بهذه السرعة ؟
إلى حد تلك اللحظة كان صدام يحلم أن قليلا من المد الزمني - الإستنزاف - بعد إشتعال المعركة البرية , حين تتوافد الجنائز ملفوفة بالعلم الأميركي على مطارات الولايات الأميركية كفيلا بحسم المعركة لصالحه !!! .. ولقد برهنَ فشل دبلوماسية - غورباشوف - في ان لا يقع الهجوم البري , برهنَ إن صدام كان مقتنعا بذلك !! .. غير أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفنه , ولا شك إنه قد إقتنع بذلك بعد الساعات الأولى من بدء الهجوم . ومن المؤكد إنه ركزَ فقط على تلك القوة التي قوامها مائة ألف جندي من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين , والتي فتحت ثغرة في الألغام متجهة شمالا في العمق العراقي .. وكان لا بد أن يصحب تبدل القناعات هذا سلوكا مضادا , آلية جديدة وسريعة لمواجهة المُستجد الذي فاق أو قلب توقعاته رأسا على عقب .. إن أي تصرف صبياني الآن سوف يُواجَه بطيش أكثر حماقة من الطرف الآخر وسيؤدي به لا محال إلى التهلكة . إن عدم إستخدام السلاح الكيميائي الذي وُجد بكميات كبيرة في أرض المعركة قطعا يندرج ضمن هذا الإتجاه الجديد , كذلك الفلم الحي قبل وقف إطلاق النار والذي يظهر فيه صدام داخل - كرفان- مع عبد حمود- والذي كان يُعقب علىذلك الفلم - نزار الخزرجي - حيث إنه كان معه في ذات الكرفان وكيف إنه - صدام - كان قد تملكه خوف بل رعب رهيب إلى حد البكاء , أو حين وجهَ حديثه إلى الخزرجي قائلا : لا نعرف ما يخبئ الله لنا - ومن هنا فإنه حتى حرق الآبار يُرجح إنه لم يكن بأمر منه . وحين أُعلن وقف إطلاق النار ودُعي إلى التفاوض فمن الطبيعي أن يكون الخضوع مطلقا بكل أبعاده . وفي ذات الوقت سقط من حساباته أن يستحيل العراق إلى - بنما - أُخرى .. ثم ترسخَ هذا الإعتقاد بعد إشتعال الإنتفاضة . ففي تلك الإنتفاضة - وككلمة حق - صدرت حركة بسيطة منه سخرَ من خلالها بعمائم المجلس الأعلى , وبرهنَ إن هؤلاء لا يمكن أن يكونوا سياسيين بكل المقاييس ؟ . فبعد أن رُفعت بعض الشعارات في الإنتفاضة تنطوي على طائفية وتبعية ل - إيران - أرسل - طه الجزراوي إلى - إيران - ليعرض على المرحوم - محمد باقر الحكيم - منصب رئيس الوزراء لكي يُلون الإنتفاضة باللون الذي يُصيب الغرب بالغثيان , وفي ذات الوقت دفع الحكيم لكي يلونها هو كذلك بهذا اللون حين صرح من إذاعة طهران إن ما يحدث في العراق هو ثورة إسلامية وإنه سوف تنبثق عنها جمهورية إسلامية على الطراز الإيراني !! .. ولكي يُثبت صدام هذا التصريح الطائفي التبعي - عيَنَ - سعدون حمادي - وهو شيعي من أهالي كربلاء في منصب رئاسة الوزراء - بعد رفض الحكيم وتصريحه - ليختمها بذلك تماما . .. لقد دوت أصداء تلك الحركة في عواصم الغرب الكُبرى مُعلنة : إن الأصولية الإسلامية التي وضعتم كُل مقدراتكم في حرب الثماني سنوات - في يدي - لأجل أن لا تحتوي العراق ببواباته التي تطل على عالم الحلفاء والأصدقاء والأعداء على حد سواء . هذه الأصولية هي التي تحاول الآن السيطرة على هذا البلد .. فوضعهم بذلك بين أمرين : فأما التعامل مع المد الشعبي للإنتفاضة [ الذي لم يكن مبنيا على أساس طائفي كما تشدق به عناصر المجلس الأعلى ] التعامل تعاملا يتفق مع تصريحاتهم - التحالف - المحرضة على الثورة والتمرد للتخلص من النظام البعثي , تلك التصريحات التي أكدت تقولب عقولهم على ماضي العراق المليء بالحركات السياسية - نقول أما تعاملا يتفق مع تلك التحريضات بلجم القطع العسكرية العراقية عن التحرك في جميع الإتجاهات - طبعا لجمها بواسطة سلاح الجو - والواقع إن ضرب القطع العسكرية المتحركة قبل كل شيء يتفق مع تصريحاتهم التي إنطلقت من عقلية عسكرية أثناء المعركة وبعد وقف إطلاق النار - وأما السماح لتلك القطع بالتحرك بحرية بما فيها المُحاصرة من قبلهم بين - البصرة والكويت - التحرك لإخماد الإنتفاضة . وكان من الطبيعي أن يكون الأمر الثاني أسلَمْ أو أكثر ضمانة بدلا من أن يغدو العراق إمتدادا لإمبراطورية الملالي . وكانت البداية قد إنطلقت من تحرير قوات الحرس الجمهوري المحاصرة بين البصرة والكويت - كانت تلك القوات قبل حدوث هذا الأمر قد حاولت النفاذ , لكنها وُوجهت من قبل قوات التحالف وخسرت أكثر من مئة وخمسين دبابة وحوالي ألفين أسير . كان ذلك قبل تصريح - محمد باقر الحكيم - من إذاعة طهران عن الحكم الإسلامي على الطراز الإيراني , لكن بعد التصريح إنسحبت تلك القوات المحاصرة فلم تعترضها إطلاقة واحدة وكانت هي عامل الحسم في أول إخماد للإنتفاضة في مدينة البصرة . حاول الحكيم على أثرها تلافي المطب الذي ينم عن جهل سياسي ورؤية ضيقة وغير مسؤولة , فصرح من ال BBC بأن ما يجري في العراق هو إنتفاضة جماهيرة تنضوي تحت لوائها كل فئات وطوائف وأديان وقوميات الشعب العراقي , لكن - سبق السيف العذل - وأوغلت الكلاب الوحشية في رقاب عشرات اللآلاف , والمقابر الجماعية التي أُكتشفت هي عينة من تلك المجزرة البشريه.
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟