|
هل ستنجح سياسة أوباما مع إيران؟
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 09:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ تسلم الرئيس باراك أوباما منصب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، راح يبشر بعهد جديد في السياسة الخارجية، تعتمد على الدبلوماسية الناعمة والهادئة بدلاً من سياسة سلفه الرئيس السابق جورج دبليو بوش الخشنة والعصا الغليظة والمواجهات العسكرية. والغرض من هذه السياسة الجديدة هو تحسين صورة أمريكا في العالم!!
وكنا قد أكدنا مع غيرنا مراراً، أن السياسة الأمريكية الخارجية لن تتغير بانتقال الإدارة من حزب إلى آخر، لأن هناك إستراتيجية ثابتة فرضتها المصالح الأمريكية لعشرات السنين، ولا يمكن أن تتغير في الجوهر، بل إذا ما حصل أي تغيير، فهو في الأسلوب والمظهر الخارجي فقط . ومن ضمن ما أعلنه الرئيس أوباما في هذا المضمار، احتمال فتح قنوات الحوار حتى مع طالبان أفغانستان، على أساس تقسيمهم إلى جناح شر وجناح أقل شراً، فيمكن التفاوض مع الجناح الأقل شراً. بطبيعة الحال نعتقد أن هذه السياسية ستبوء بالفشل الذريع.
كما وفتح أوباما عهداً جديداً في سياسته الخارجية مع إيران، حيث استغل مناسبة عيد نوروز والعام الجديد الإيراني، فوجه خطاباً متلفزاً ومترجماً إلى اللغة الفارسية، قدم فيه التهنئة للشعب الإيراني بهذه المناسبة، ومما قال: "إن إدارتي ملتزمة الآن بالدبلوماسية التي تتعامل مع طيف كامل من القضايا الماثلة أمامنا." و"إن إيران أمة ذات حضارة عظيمة، ويجب أن تتبوأ مكانها الصحيح في العالم، ولكن بالسلام وليس بالقوة والإرهاب." كما ودعا أوباما القيادة الإيرانية إلى "فتح صفحة جديدة" في العلاقات مع الولايات المتحدة، وقال: "أريد أن أخاطب الشعب والقيادة في إيران مباشرة وأقول لهم نحن نسعى إلى بداية جديدة في العلاقات بين بلدينا".
المهمة المستحيلة Mission impossible والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل سينجح أوباما في مهمته هذه وسياسته الودية مع قادة إيران؟ لنرى بماذا أجاب الإيرانيون.
هناك نوع من الترحيب الخجول من قبل مسؤولين من الدرجة الثانية أو الثالثة، كبعض المستشارين لرئيس الجمهورية، ولكن المهم هنا هو موقف المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي أجاب على تصريحات أوباما أنه لا يرى تغييرا في الموقف الأمريكي تجاه إيران، وأكد إن إيران مستعدة للتغيير في حال غيَّر الرئيس الأمريكي موقف بلاده منها.
والتغيير الذي تنشده القيادة الإيرانية من أمريكا هو إيقاف دعمها لإسرائيل والسماح لإيران بالاستمرار في برنامجها النووي دون معارضة من أمريكا أو أي دولة أخرى. علماً بأن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد صرح مراراً بإزالة إسرائيل من الخارطة!!
ولذلك أعتقد أن الرئيس الأمريكي تصرف بمنتهى الذكاء في تصريحاته الدبلوماسية الودية إزاء إيران، وأنه يعرف مسبقاً أن هذه الدبلوماسية سوف لن تنجح ولكن تخدمه كثيراً في أخذ إجراءات لاحقة ضد إيران بما فيها شن الحرب عليها. فالغرض الرئيسي من هذه السياسة هو سحب البساط من تحت أقدام القادة الإيرانيين وتجريدهم من كل عذر، وإظهارهم أما العالم بالتشدد والتطرف، وأنهم عازمون على دعم الإرهاب وتهديد أمن إسرائيل، والاستمرار في عملية تخصيب اليورانيوم وصولاً إلى امتلاك السلاح النووي، السياسات التي لن تتخلى عنها إيران ولن ترضاها أمريكا.
فكما ذكرنا سابقاً، أن إستراتيجية أمريكا في الشرق الأوسط هي ثابتة وغير قابلة للتغيير بتغيير الإدارة، وتتلخص بما يلي: 1- ضمان تدفق النفط، 2- ضمان أمن وحماية إسرائيل، 3- ضمان أمن وحماية الدول الصديقة لأمريكا في المنطقة، وبالأخص الدول الخليجية النفطية، 4- منع أية دولة في المنطقة من امتلاك السلاح النووي (عدا تلك التي تمتلكها الآن مثل إسرائيل وباكستان والهند). ومن الجانب الآخر، ترفض القيادة الإيرانية الإستراتيجية الأمريكية هذه جملة وتفصيلاً، وتعمل ضدها، وملتزمة بهذا الرفض أيديولوجياً.
ولذلك فإن الرئيس أوبابا تصرف وفق مبدأ أمريكي قديم، سنه الرئيس الأسبق أوائل القرن العشرين، تيودور روزفلت بقوله: " تحدث بنعومة واحمل عصاً غليظة." وهذا ما يفعله أوباما بالضبط. وعلى هذا الأساس اتفق مع ما قاله الأستاذ عبدالرحمن الراشد في الشرق الأوسط: "أن نعومة أوباما هي أخطر من شراسة بوش." لأن بوش كان صريحاً وقلبه على لسانه، كما يقول العرب. ورغم تصريحاته الشرسة ضد إيران حيث وضعها مع سوريا وكوريا الشمالية ضمن قائمة دول (محور الشر) إلا إن الرئيس بوش لم يقم بأي عمل عسكري ضد إيران، بل منع إسرائيل من توجيه ضربة جوية للمؤسسات النووية الإيرانية كما عملت ضد المفاعل النووي في العراق عام 1981.
وعليه أعتقد أن أوباما بتصريحاته الودية هذه اتجاه إيران لأغراض سياسية تخدمه كثيراً، حيث يكسب بها الرأي العام الأمريكي والعالمي على حد سواء في تهيئة الأجواء لأية حملة عسكرية قادمة يوجهها لإيران عند الضرورة، ليقول أنه بذل كل ما في وسعه لإقناع القيادة الإيرانية إلى التعايش السلمي مع العالم، إلا إن هذه القيادة رفضت ذلك، فماذا عسانا أن نعمل إذا كانت إيران تهدد مصالحنا وأمن وسلامة أصدقائنا في المنطقة ولن تجدِ معها الوسائل الدبلوماسية؟
ومن هنا نرى أن أوباما لا يقل شراسة عن سلفه الرئيس بوش (الابن) في التعامل مع إيران أو مع الإرهاب العالمي الذي تقوده القاعدة وطالبان إلا في المظهر وأسلوب التعبير. فالمحرك الرئيسي وراء سياسة أي رئيس أمريكي هو المصالح الأمريكية الدائمة.
والخطر الأكبر الذي يقلق أوباما والعالم الآن هو قادم من تردي الوضع الأمني في باكستان وتصاعد حركة طالبان فيها حيث ظهر ذلك بكل جلاء عندما تنازلت الحكومة الباكستانية للمتشددين (طالبان باكستان) بفرض حكم الشريعة في المناطق القبلية الباكستانية المحاذية للأقاليم الأفغانية الجنوبية، وتحديدا في إقليمي وزيرستان ووادي سوات، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن وفرض النقاب عليهن، ومنع تعليم البنات. كما وتفيد الأنباء عن قيام طالبان باكستان بهدم أكثر من مائتي مدرسة حكومية في الآونة الأخيرة (برنامج على القناة الرابعة البريطانية). فإذا ما انهارت حكومة باكستان وهي دولة نووية، وسيطرت طالبان عليها، فهذا يعني انتقال السلاح النووي إلى أيدي الإرهاب الإسلامي، وعندئذِ سنقرأ على الأمن العالمي السلام. وهذا ما لم ولن ولا تسمح به أمريكا أن تحدث وتحت أي رئيس كان.
ومن كل ما تقدم، نعرف أن أمام أوباما مسؤوليات صعبة جداً وسوف تثبت الأيام القريبة القادمة أن سياسة الرئيس السابق جورج دبليو بوش كانت صحيحة ولم يكن منها بد، وأن الفرق بين أوباما وبوش هو الفرق في التعبير فقط، أي التحدث بنعومة واستخدام العصا الغليظة.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من جدوى في الحوار مع البعث؟
-
هل سيعود البعث لحكم العراق؟
-
قراءة في كتاب: خرافة Superstition
-
حوار حول تقديم حسن البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية
-
حول العلاقات العراقية - الإيرانية
-
دلالات جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق
-
عودة إلى موضوع تسلح العراق
-
لماذا الخوف من تسلح العراق الديمقراطي؟؟
-
الثورة الخمينية ضد مسار التاريخ
-
هل محمد خاتمي، إصلاحي حقيقي أم مزيف؟
-
أهمية انتخابات مجالس المحافظات العراقية
-
حوار مع القراء حول محرقة غزة
-
انتصارات إلهية، أم كوارث؟
-
لماذا أرى ميسون الدملوجي أولى برئاسة البرلمان؟
-
إلى متى تنجح إيران في سياساتها العبثية؟
-
انتقادنا لحماس لا يعني تأييداً لإسرائيل
-
ماذا لو كان القائل عراقياً؟
-
من المسؤول عن مجزرة غزة؟
-
دعوة لحظر العقوبات الجسدية في المدارس
-
لولا بوش لكان صدام يحكمهم الآن ب-القندرة-
المزيد.....
-
بعد استخدامه في أوكرانيا لأول مرة.. لماذا أثار صاروخ -أوريشن
...
-
مراسلتنا في لبنان: غارات إسرائيلية تستهدف مناطق عدة في ضاحية
...
-
انتشال جثة شاب سعودي من البحر في إيطاليا
-
أوربان يدعو نتنياهو لزيارة هنغاريا وسط انقسام أوروبي بشأن مذ
...
-
الرئيس المصري يبحث مع رئيس وزراء إسبانيا الوضع في الشرق الأو
...
-
-يينها موقعان عسكريان على قمة جبل الشيخ-.. -حزب الله- ينفذ 2
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب ويلتقي ولي العهد
-
عدوى الإشريكية القولونية تتفاقم.. سحب 75 ألف كغ من اللحم الم
...
-
فولودين: سماح الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا باستخدام أ
...
-
لافروف: رسالة استخدام أوريشنيك وصلت
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|