|
متى يصبح الدين افيون الشعوب؟
يوحنا بيداويد
الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 04:17
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا شك ان تاريخ الاديان ليس حديثا، يعود الى زمن اكتشاف الانسان للنار والاخلاق والطقوس ودفن الموتى حينما بدأ الوعي والادراك لديه، منذ ان وجد الانسان نفسه عاجزا امام القوى والغاز الطبيعة، عاجزا عن تفسير الغاية من وجوده في هذا العالم. ربما يكون الخوف من المجهول بين اهم الاسباب الرئيسية التي جعلت الانسان ان يبحث عن الحقيقة. الامر الذي انتهى بأيجاد فكرة التدين والعبادة عن طريق اقامة علاقة مع القوة المطلقة او القوة الجزئية التي لها النفوذ و التأثير على الطبيعة وعلى الانسان نفسه (1). حسب علماء المدرسة التطورية الانتشارية (2) بان الانسان مر في اربع مراحل من تطوره الفكري هي مرحلة السحر و مرحلة الاسطورة والديانات الوثينة، مرحلة الفكر الفلسفي والديني ثم مرحلة الحضارة العلمية الاخيرة (3) ما يهمنا في هذا المقال هو مقولة الفيلسوف الاقتصادي ومؤسس الفكر الاشتراكي كارل ماركس ( الدين افيون الشعوب) (4). والسؤال المهم الذي يجب ان يسأله كل واحد منا بينه وبين نفسه متى يتحول الدين الى الافيون فعلا، والسؤال الثاني ماذا كانت غاية ماركس او فيورباخ او كانط او هيرس في وصف الدين بأنه افيون الشعوب؟. لا يمكن لاحد ان ينكر دور الديني في جلب السعادة والاستقرار لمجتمعات وشعوب العالم على الرغم من ان الدين احيانا كثيرة (5) كان ولازال هو السبب المباشر لحدوث حروب ومشاكل في العالم . فالدين هو القانون الالهي العادل بالنسبة للمؤمنين به بغض النظر عن صحته او خطئه ، وهو الجواب النهائي والشافي لحالة القلق التي عاشها ويعيشها الانسان، هو الحل المناسب لازالة الخوف من المجهول، والشيء الثاني هو دليل الاخلاقي لتصرفات الانسان كي يحافظ على اعتداله مع الاخرين، لذلك الدفاع عنه او الالتزام بمبادئه هو امر مطلق لدى الكثير لا سيما الشرقيين، حيث ان الشرقيين لا يقبلون الجدل والنقاش او التفكير بطريقة تعطي مجال للشك في تعاليم اديانهم بل هي تدافع عن تعاليمهم بشتى الطرق حتى وان كانت دموية . لان الالتزام بتعاليم دينه هو الطريق الوحيد لهروب هؤلاء المؤمنين من الواقع الحقيقي المتخبط الذي يعيشونه الى عالم وهمي بعيد عن الحقيقة. لكن الاديان والمعتقدات هي امام مشكلة فكرية حقيقية اليوم لان صيغها وقوالبها المطلقة التي تعارض فكرة حدوث اي تغير او تطور في الطبيعة وامكانيات الانسان، لان فكرة وجود تغير بصورة مستمرة للعالم المحيط بنا اصبحت من البديهيات لدى الفكر الانساني الحديث ، بسبب وجود براهين علمية داعمة لها، فمنذ زمن الفيلسوف الاغريقي (هيرقليدس) الذي قال (لا تستطيع ان تضع رجلك مرتين في نفس النهر) حيث كان الانسان يشك بعدم استقرارية الطبيعة والعالم، ولكن الفيلسوف الالماني (هيجل ) كان اكثر دقيقا في تفسير هذه الظاهرة حيث شرحها بصورة مفصلة في كتبه وكأنه وضع قاموس التغيرات التي يجب ان يمر فيها الوعي الانساني ليصل الى نقطة واحدة هي نقظة القمة او النهاية عندها يكون متخلصا من التناقض او النقص او الصراع ثم تبعه بقية فلاسفة وعلماء النهضة الحديثة. هذه الاطر الجامدة في الاديان جعلتها يوما بعد يوم مثقلة بمشاكل فكرية ، عاجزة عن ايجاد تحاليل او تفاسير مقنعة لها حسب مبادئها الاولية، فراحت هذه الاديان تخسر مؤمنيها لانها لا تقدم الحقيقة الصحيحة المقبولة القريبة من الواقع التي يفهمها عقل الانسان الواعي و يقبلها العقل الباطني(5) كما هو معلوم ان خلاصة الفكر الفلسفي للالمان في القرن التاسع عشر انتهى الى نتيجة حتمية لا تقبل الشك وهي انه لا توجد قوانيين او تعاليم او قواعد مطلقة في العالم، بل ان العالم المادي هو في حالة تغير وصيرورة مستمرة (هيجل) وصعود باتجاه اكتمال الوعي المطلق للعالم والالتقاء في نقطة اوميكا كما قال ( تيار دي شاردان) الفرنسي اي بكلمة اخرى ان المعرفة الانسانية ليست مطلقة بل هي نسبية حسب امكانيات استيعاب عقل الانسان ( كانط) ولا توجد بديهيات ثابتة ومطلقة في الكون كما اثبتتها النظرية النسبية (اينشتاين). لذلك نرى انه هناك تحدي حقيقي امام الاديان الحية في مجتمعات العالم وهناك نتيجة واحدة لا تقبل الجدل هي لن يبقى من هذه الاديان الا ما يكون صادق وملائم وخادم لمسيرة الحياة بكل انواعها في الطبيعة والا تصبح هذه الاديان الجامدة مثل الاساطير القديمة لا تُفهم ولايمكن الايمان بها خاصة نحن نعيش عصر كله مبني على الفكر المادي المدعوم بالفحص والبرهان العلمي. اذن على الاديان ايجاد سبل لتطوير مبادئها وتعاليمها مع تقدم الحياة والمعرفة والعلوم الانسانية كي تزاحم وتُوقف نفوذ وتأثير الفكر المادي على الانسانية. ويجب ان لاتكون هذه المبادئ الجديدة مبنية على البرهان الهش مثل ترقيع او ترهيب او خداع او التشجيع على الاستشهاد عبر حروب مقدسة ضد معارضيها، لان اساليب هذه الطرق قد انتهت الان، بل يجب ان تكون براهين مقنعة وواقعية وتناسب متطلبات الحياة في الوقت الحاضر وتشع العدالة المطلقة بين البشر بغض النظر عن وجود اختلاف مع الاخر في الدين او العرق او الشكل او الجنس . كذلك يجب ان تكون هذه البراهين مفتوحة امام النقد والبحث والتقصي من قبل العلماء والفلاسفة. والا بخلاف ذلك تصبح مقولة كارل ماركس ( الدين افيون الشعوب) حقيقية واقعية لاي دين مهما كان عدد مؤمنيه او عمق فكره او درجة الاستعداد للدفاع والتضحية من اجله . -------------- 1 بعض الاديان هي وثنية تعبد الطبيعة وبعدها فكرية ولكن الديانات السماوية تؤمن بوجود اله حقيقي وعالم اخر خارج الطبيعة المادية 2 مدرسة التطورية الانتشارية اسسها الفيلسوف الفرنسي اوغست كونت 3 المصدر: التراث الانساني في التراث الكتابي (13)، روبير بندكتي ، ص125 4 ان فكرة هذه المقولة لا تعود لماركس لوحده حيث كانت تستخدم من قبل معسكر الفلاسفة امثال فيورباخ وكانط وهيدجر وهيرنش هيد الذي كتب مقال سنة 1840 وصف فيه الدين يعمل عمل افيون في تخدير الم الشعوب، لكن عبارة ماركس الدين افيون الشعوب ظهرت في سنة 1844 في مقالة معنونة له في نقده فلسفة الحق الهيجلية.
5 بعض الاديان استخدمت القوة في نشر تعاليمها الامر الذي ينافي بديهات هذه الاديان نفسها، الايمان الذي لا ينبع من القناعة والحرية لا جدوى منه ولا تاثير له على حياة الروحية للمؤمن به. 6 هناك عقل الواعي الذي له السيطرة على جميع القرارات الصادرة من الانسان، اما عقل الباطني هو ما يتم خزن من المعلومات وما ينتج منها بدون وعي او ادراك الانسان لذلك ليس له القدرة على السيطرة عليها ولكنها مخزونة في الجينات الوراثية وتظهر في الاجيال القادمة او في لحظات معينة مثل الخوف او حدوث حادث غريب.
#يوحنا_بيداويد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة في ديالكتيكية هيجل
-
كارل ماركس والثورة الاشتراكية
-
كيف يصبح المالكي قائداً خالداً للعراقيين؟
-
حركة العصر الحديث الى اين تقود مجتمعنا ؟
-
الصراع الفكري بين الماديين والمثاليين حول طبيعة الكون
-
الصراع بين الموضوعية والذاتية
-
اسهامات فلاسفة العرب الاوائل في تطوير الفكر الفلسفي
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|