جمال الدين بوزيان
الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 05:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
غريب أمر الإرهابيين الجزائريين التائبين، ففي كل مرة يتم فيها الحديث مع أحدهم و سؤاله عن المهام المكلف بها قبل توبته، إلاّ و كان جوابه: "كنت طباخا".
كلهم كانوا طباخين، لا أحد فيهم قتل و ذبح، أو سرق و أحرق، أو نهب و اغتصب، و كأنهم طيلة فترة غيابهم عن منازلهم و تواجدهم بالجبال كانوا في تربص أو تكوين بمعهد للطبخ !!!
لست ضد ما تسمى المصالحة الوطنية، و لا ضد ما يسمونه الوئام المدني، كلنا نحب السلم و الأمن و الاستقرار، و لا أنكر الفرق الكبير بين الوضعية الأمنية السابقة، و بين الوضعية الحالية بعد تطبيق أغلب محتوى تلك البرامج (الوئام و بعده بسنوات المصالحة)، لكني أتساءل دائما إن كان العفو العشوائي هو الحل الأمثل لكل ما حصل، و هل هو الجزاء المناسب لكل هؤلاء النازلين من الجبال على ما فعلوا؟
إن كان جزاءا لممارستهم الطبخ، فهو نعم الجزاء، لكن إن كان من بين أؤلئك المعفى عنهم من ذبح جاره، و اغتصب القاصرات و وضع القنابل و المتفجرات، هل نعامله كمن لم يفعل شيئا؟ هل نضعه بمرتبة من كان فعلا يطبخ للإرهابيين أو يزودهم بالمؤونة؟ مع أن هذه المهمة أيضا لا تقل قذارة عن القتل إلا بالقليل.
من بين هؤلاء النازلون من الجبال، من كان مؤطرا و مخططا و منفذا لأكبر العمليات الإرهابية و أكثرها استمرارية، هل يعقل أن يتم العفو الشامل عنه هكذا و بكل بساطة و كأن خطأه كان مجرد عنف لفظي لا يتجاوز السب و الشتم.
لست أفهم كيف يتحول أمثالهم من المطلوبين رقم واحد لدى الأمن الجزائري، إلى نجوم على صفحات الإعلام يتحدثون عن الوئام و المصالحة و يروجون لها و يحفزون من بقي بالجبال على العمل مثلهم و التمتع بامتيازات برامج العفو العشوائي الشامل.
و منهم من أصبح يتحدث أيضا عن القضية الفلسطينية، و ينظم للمظاهرات التضامنية مع قطاع غزة، و يتوعد إسرائيل، ربما يتوعدها بأن يفعل بها كما فعل هنا بأبناء وطنه، و ما يثير اشمئزازي هو نفاق بعض الصحف التي لم تفوت الفرصة لتقديم التحية لمؤطر الإرهاب هذا، و الذي يحاول غسل ذنوبه بالتضامن مع غزة، و كأنه يقتدي بالراقصات المصريات اللائي يغسلن ذنوبهن في رمضان بالعمرة و تنظيم موائد الرحمان، مع الإصرار على العودة إلى الاسترزاق من الرقص بعد رمضان.
من المفروض أن من يتوب عن ذنب يجب أن يقرّ به أولا و يصر على عدم العودة إليه، و التائب من ذنب معين يكون خجلا من فترة معصيته و ارتكابه للذنوب، لكن الواقع هنا بخصوص هذه الفئة ليس هكذا أبدا.
كغيري من أبناء الجزائر أحلم بالأمن و الاستقرار، و أؤمن فعلا بالمثل المصري الجميل الذي له أصل في السنة النبوية الشريفة، و الذي تتحفنا به الدراما المصرية دائما: "المسامح كريم"، لكن في وضعية الجزائر اليوم و بالنظر لما حصل و يحصل، أظن أن المثل يصبح "المسامح ضعيف"، لأن المسامح هنا مجبر لا حل له إلا العفو العشوائي الشامل.
#جمال_الدين_بوزيان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟