|
المحكمة الجنائية السورية والدولية
بدرالدين حسن قربي
الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 09:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في كل مرة يعبّر فيها مواطن معارض عن رأيه، ويمارس فيها حريته كاتباً أو متكلماً وفي ظل حالة إعلان قانون طوارئ قرابة خمسة وأربعين عاماً متواصلة، يواجَه هذا المواطن الآبق من قبل الجهات الرسمية بتهمٍ أقلها توهين نفسية الأمة وإضعاف عزمها وأكثرها التخوين والارتباط والعمالة للأجنبي، وما بين الأكثر والأقل من التهم يبرر النظام الأمني لنفسه ضرب المعارضة تحت الحزام بالاعتقالات الواسعة والمستمرة والزجّ بها في سجونه تأكيداً أن مُعارضَه فسادُه ثابت، وتآمره مُثبت وخيانته أثبت وإن كان من الصالحين، وعدته في ذلك مجهزة من أجهزة أمن تعتقل، ومدعي عام لاأرجنتيني يتهم، وقاضي يحكم وإعلام يؤكد سلامة الإجراءات، ومثقفون وقادة أحزاب وثورييون إسلاميون وعلمانيون وليبراليون ومشايخ يباركون مايجري دعماً للمقاومة والممانعة ولمنازلة أعداء الله والأمة وانتصاراً للوطن. نقول هذا الكلام وقد صدر منذ يومين حكم محكمة الجنايات في دمشق على السجين للمرة السادسة حبيب صالح بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمتي نشر أنباء كاذبة في زمن الحرب تضعف الشعور القومي وتوقظ النعرات العنصرية والمذهبية، وهما تهمتان معادتان ومكرورتان عليه. ورغم أن فعلة هذا المعارض حقيقة لم تكن أكثر من بعض مقالات كتبها مواطن مسكون بحب وطنٍ يتآكل ويحترق بفعل قوى الاستبداد والفساد وحيتان التشبيح والنهب في إطار إيمانه بحرية التعبير عن رأيه وقناعته حباً وإخلاصاً لوطن يزوي، وأكد ذلك إفادات عددٍ من المنظمات السورية لحقوق الإنسان في سورية على أن ما قاله حبيبنا وماكتبه، يندرج في إطار ماكفله الدستور السوري لمواطنه، وأكدت عليه المواثيق والاتفاقيات الدولية التي كانت سورية طرفاً فيها، فإن الحكم الذي صدر يؤكد أن الجهات القابضة والممسكة بكل مرافق الدولة ومفاصلها قرابة أربعين عاماً، مابين والد وما ولد، مازالت تؤكد في ممارستها أنها في ريب من سلامة بنائها الذي بنت، وشكٍ من أنه مازال ضعيفاً فاقداً للمناعة، فهو رغم عقوده الأربعة لايحتمل ولايتحمّل لمسة أو إشارة، ولا حتى كلمة من نقدٍ أو تصويب خشية انفراط الأمة وذهاب هيبتها. كما يؤكد أن الجهات الرسمية رغم مذهبها الخاص والعياذ بالله في تفسير مايقوله أي كاتب معارض على طريقتها الأمنية حيث يحسَبون كل ممارسة لحريةٍ من رأي أو فكر أو نصيحةٍ صيحةً عليهم، ومن ثمّ فهي تكسيرٌ وتوهينٌ وإضعاف لنفسية أمة صامدة ومقاومة وممانعة تجسدت في نظام مستبد، لكنها في الوقت نفسه تتعامى عن عمليات القمع والتعذيب وتصفية المعارضين، ولصوصية النهابين والقراصنة من الهوامير والحيتان، وكأن ليس فيها شيئاً مذكوراً من توهينٍ وإضعافٍ للوطن والأمة، بل هي طعام وشراب ولقاحات تقوي جسدها وتشدّ عزمها. ومايثير الاستغراب حقيقةً أن كل هالمكسرين والموهنين والمضعّفين والمروّجين والمرتبطين سبحان ربي لانسمع عنهم ولانجدهم ولايجتمعون إلا في بلاد القمع والاستبداد والفساد، وأن التهم التي توجه إليهم من أوكامبو السوري تكاد تتطابق نصوصها إلا من تغيير ببعض الكلمات بين معتقل وآخر، وكأن ملف السيد المدعي العام جاهز، والتهمة معروفة ومحضرة، تنتظر وصول المتهم والمعارض الآبق. العجيب في نبأ المدّعين (بتوعنا) أن لاأحد ينبس بكلمة عن ادعاءاتهم وممارساتهم من كتاب المقاومة والممانعة ومثقفي السلطة ومشايخها عاملين ومتطوعين، مما يجعلنا نتساءل لماذا لانسعي جاهدين، ونعمل ليكون أمثال هكذا مدّعين عامّيين في المحكمة الجنائية الدولية، فنأخذ الطريق من قصيرها ، ونجنّب العالم الدربكة الأخيرة التي سببّها مدعٍ أرجنتيني، لايخافنا ولايستحي على وجهه منّا. فإلى متى تصرّ الأمم المتحدة ومجلس أمنها العتيد على المضي عكس السير. قد يقال الكثير عن سبب الهيصة التي أحدثها طلب أوكامبو وقرار محكمته، ولكن مما لاشك فيه بأنه لو كان عربياً ومن البلدان إياها، لسكتنا عليه ومشيناها له دون صخب أو ضوضاء، ولكن ألا يكون من بني قومنا، ثم يطلب اعتقال واحد منا ومن زعمائنا أيضاً، فهو مؤشر ما على انعدام النخوة والمروءة. ألا لا نامت أعين الجبناء. قد يكون في طلب لويس أوكامبو بن مورينو الأرجنتيني والمحكمة الجنائية الدولية فيه مافيه من غير شكٍ أو ريبة والعياذ بالله، ولن نجادل أحداً من المناضلين ولن نناظر أحداً من المجاهدين، لأننا نتفهم حججهم وغضبهم وثورتهم، ولكن ماذا عن المحكمة الدولية لو فاجأتنا وأخذتنا على حين غرة، وجاءت لنا بمدعٍ عام ومحكمة من (اللي بالي وبالكم)، ممن يعتبرون مقالة كاتب أو حديث معارض إضعاف لبلد ينهب ويسرق عينك عينك، وتداس فيه حقوق المواطن، وتفتقد فيه العدالة، والقضاء عيني عليه باردة. مفارقات بعضها مفهوم وأكثرها متفهم وبعضها غير ذلك، قامت فيها قيامتنا على المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها الأرجنتيني وقد تحركت بأرقام مرعبة من جرائم القتل والإبادة، ونترك فيها محاكمنا التي ترجفها مقالة وتخيفها رسالة، كتبها أو نشرها معارض حرفوش فيُعتقل ويُسجَن ويُقْهَر، ويذل وتمسح به الأرض ويكون من الصاغرين، وتفرض عليه أقصى العقوبات ليكون لمن بعده آية ولغيره عظةً وعبرةً للمعتبرين. قال الشيخ الترابي ماقال، ودخل السجن بما قال، واقترح مااقترح، وخرج من السجن وهو يؤكد ماقال. فقالوا: أما آن لهذا الهرِم أن يخرس وقد سجن دهراً ونطق كفراً...!! وقال الصادق المهدي بمثل ماقال صهره، فقالوا: خصومة سياسة وعداوة كار، وعين على السلطة. وقال نائب الرئيس البشير بمثل ماقال الأولَيان، فقالوا: يريد أن يكون رئيساً من بعد البشير، وهيهات هيهات. وقال من قال بالتآمر والمؤامرة، وحدّث من حدث عن مطامع الطامعين وضغائن الأعداء الحاقدين، وأخبر من أخبر عن تآمر المنظمات الدولية الإغاثية والأممية والصهيونية، وأبعاد النهب للثروات والتقسيم، ونحن نتفهم كل ذلك ونعي أبعاده، وإنما لم نسمع أحداً يطمئننا ويصحح في أرقام الموت والتهجير ويبرّد قلوبنا عن صحة ماقيل من عدمه شهادةً ليوم الدين في الاتهام بأن عشرات الآلاف من (زولٍ وزولة) لاقوا مصرعهم فيما تمّ تهجير مئات الآلاف من ديارهم حذر الموت، أويخبرنا مسؤول عن محاكم محلية أو عربية أو إسلامية أو مشتركة قامت بمسؤولياتها قصاصاً وعدلاً ومحاسبة، أو يفيدنا عن السبب في تأخير طرد المنظمات الإغاثية التي كان مطلعاً على تجسسها وصهيونيتها منذ عهد بعيد أو التأخير في أن يسد مسدها ويستغني عنها ويساعد أهله ومواطنيه. قد يستطيع كل الناس أو بعضهم الكلام عن المحكمة الجنائية الدولية لسبب أو آخر إلا السوريين وأنا منهم، فما عندهم كاف ووافٍ ليتكلموا عنه فهو أنفع لهم وأحسن، وما الحكم الصادر على السيد حبيب صالح عنهم ببعيد.
#بدرالدين_حسن_قربي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حكاية من زمن الحرب السورية
-
هلوسات نرفعها إلى مقام من يهمه الأمر
-
مساعدات إعمار غزة والاختلاف عليها
-
حدَثَ في أسبوع ماقبل لهيب غزة
-
الصحافي الحافي والقتيل المحامي
-
الطريقة الدانماركية لتحسين الدخل
-
ابن معتوق ضحية قاتلٍ بالقانون معتوق
-
عزف منفرد على الطبل
-
لماذا كبير الموظفين وليس الرئيس..!!
-
- كيلو ميشيل - خيرٌ وأبقى من قنطار...
-
جماعة فتح الإسلام في ضيافة تلفزيون الشام ( 1 / 2 )
-
جماعة فتح الإسلام في ضيافة تلفزيون الشام ( 2 / 2 )
-
الغارة الأمريكية والموقف السوري: ثعالب لاتهرول عبثاً
-
كَفْرُ قَاسِم..! مجزرة تذكّرنا بمجازرنا
-
آآه ياغوّار ... في وضح النهار يضيّعون الحق الهدّار
-
في بلاد غوّار لايضيع الحق الهدّار
-
ماذا عن السيارة المتفجرة أمام فرع فلسطين الأمني في دمشق
-
تساؤلات في عملٍ مرفوض ومدان
-
جنازة في مسلسل باب الحارة
-
خبر سوري من مصدره الإعلام السوري
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|