|
حول الموقف من البعثيين
عادل حبه
الحوار المتمدن-العدد: 2591 - 2009 / 3 / 20 - 09:55
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نص الباب الأول، المادة 7، البند الأول من الدستور العراقي على ما يلي: اولاً :ـ يُحظر كل كيانٍ أو نهجٍ يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يُحرض أو يُمهد أو يُمجد أو يُروج أو يُبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.(التشديد من قبل الكاتب).
ولم يأت هذا النص عفوياً أو تلبية لمزاج طرف معين، بل نتيجة لما أرتكب باسم هذا الحزب من انتهاكات خطيرة بحق العراق وشعبه خلال فترة قاربت الأربعة عقود من تسلطه على رقاب العراقيين. ولعل بواكير هذه الانتهاكات الخطيرة تمثلت في انقلاب شباط المشين عام 1963. فقد مارس رموز هذا الانقلاب أفعال وجرائم لم يعهدها العراق في كل تاريخه، وخاصة ضد المرأة وضد رموز العلم والثقافة العراقية. ووضع هذا الحزب بممارساته البلاد على حافة التدهور الأخلاقي والسياسي والرجوع إلى الوراء بإحياء قيم وممارسات قد تجاوزها العراقيون منذ عقود سبقت هذا الانقلاب الدامي الرجعي.
وعندما سطا هذا الحزب من جديد على السلطة في عام 1968، زاد وتفنن في استعباد الشعب العراقي وتبديد ثرواته وصولاً إلى بناء دولة غريبة في مقوماتها. فالعراق تحول إلى عراق البعث ثم عراق لصدام وليس عراق للعراقيين. وهذه ظاهرة خطيرة استنسخها البعث من تراث الأنظمة الشمولية والفاشية والنازية. وبما أن هذا الحزب لم يكن يتمتع بالقاعدة الشعبية عند العراقيين، فما كان من طريق أمامه لفرض تسلطه سوى اللجوء إلى أكثر أساليب العسف وانتهاك القيم الاإنسانية. وفرض على العراقيين الانتماء إلى هذا الحزب أو إلى منظماته الأخرى على قاعدة عجيبة فرضها هذا الحزب تقول "كل عراقي بعثي وإن لم ينتم"!!. وفي ظل هذه القاعدة يكثر المنافقون والمتزلفون واللاهثون على مضض وراء لقمة عيشهم، أو الذين يسعون لتفادي شر حزب البعث، كي ينجروا إلى هذه الموجة وينظموا إلى هذا الحزب ليس عن قناعة، بعد أن سدت أبواب العمل والرزق والتعليم أمامهم وأمام عوائلهم. فالسلك التعليمي أصبح حكراً على من ينتمي حتى ولو نفاقاً وزيفاً إلى هذه الحزب. والقبول في الجامعات هو الآخر أصبح ميداناً لمن يتسابق على نيل هذا "الشرف". إن وجود جمهرة من المواطنين تربوا على النفاق والقبول مجبرين لا مخيّرين بدخول هذا الحزب، يشكل ضربة مدمرة وتشويه خطير لقيم الوطن والحقوق المدنية والمواطنة والصدق.
فقد أصبح الحاكم والمحكوم يتباريان في تبادل الكذب والرياء مما كان له أثراً خطيراً على عموم المجتمع وحتى على العائلة الواحدة، ومازالت آثارها إلى حد الآن. ونتيجة لذلك تحوّلت أخطر أجهزة الدولة وخاصة الجيش والتعليم والقضاء إلى حاضنات حزبية للتزلف والزيف. وهذا أخطر داء اجتماعي ورثناه من هذا النظام. ولا نريد هنا أن نكرر ونتحدث عن المظالم المريعة التي تعرّض لها العراقيون في ظل البعث ورسالته الخالدة، ويقف في مقدمتها ظاهرة القبور الجماعية والإعدامات الجماعية ودولة اللاقانون واستخدام السموم والأسلحة الكيمياوية ضد العراقيين.. وقد امتدت هذه الظواهر السلبية حتى إلى الأحزاب السياسية التي سنحت لها الفرصة بالنشاط بعد انهيار الطغيان، والتي يمارس بعضها الآن بعض أساليب ومخلفات العهد المنهار. لقد تحوّلت تلك التركة إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة في العراق شهدنا تجلياتها خلال السنوات الست الماضية، ويحتاج العراقيون إلى أجيال لطي هذه الصفحة السوداء.
إن ما ارتكبه حزب البعث في العراق وقيادته خلال فترتين من تسلطه من جرائم ودمار فاقت حتى ما ارتكبته أنظمة مشابهة في البلدان العربية أو في الأنظمة الفاشية في ألمانيا وإيطاليا واليابان، ناهيك عن جرائم الخمير الحمر في كمبوديا، عمقت مشاعر الحقد والانتقام لدى العراقيين بشكل لم يحدث في تاريخ العراق الحديث. إن هذه التركة الثقيلة والفريدة والمتعددة الجوانب هي التي تواجه الجمهورية العراقية الخامسة لمعالجة آثارها وثقلها وتبعياتها، وأصبحت جزءاً من التحديات التي تواجه كل المجتمع العراقي في كيفية التعامل معها ومعالجتها. فكيف ينبغي على الحكم الجديد التعامل مع ضحايا بأعداد كبيرة لهذه الممارسات الشائنة للحكم السابق. وكيف يتم معالجة مشاعر متوقعة من الثأر والانتقام والمطالبة بالعدل وإنصاف ضحايا ذلك الطغيان.
أما التحدي الآخر فهو كيفية التعامل مع مئات الآلاف من العراقيين ممن اضطروا إلى الدخول إلى هذا الحزب وتفرعاته الكثيرة أو انتفعوا من ذلك الحكم. وكيف يجري التعامل مع من فرض عليهم النظام المشاركة في الجريمة بشكل مباشر كي يفرض عليهم الولاء الدائم له وحتى بعد سقوطه؟. ويزداد طرح هذا السؤال أهمية في أن غالبية من هم على قائمة أنصار النظام المنهار هم الآن يشكلون غالبية من منتسبي الجهاز الإداري وجهاز التربية والتعليم، وبعضهم من يمارس دوراً سلبياً وحتى تخريبياً بعد الإطاحة بالنظام سواء عن قصد ووعي أو خوفاً من أسياده السابقين. لقد انخرط آلاف من البعثيين أثناء الحرب العراقية الإيرانية في فيلق بدر تحت "يافطة التوّابين" بعد أسرهم من قبل القوات الإيرانية. وهناك جمهرة واسعة من البعثيين انضموا إلى الحركات السياسية، مثل التيار الصدري وبعض أطراف جبهة التوافق. ووصل البعض منهم إلى مناصب في مجالس المحافظات وحتى في مجلس النواب، وبعضهم يمارس التخريب في البلاد على شاكلة محمد الدايني.
ويضاف إلى كل هؤلاء جمهرة أخرى تخلت عن علاقاتها بالحكم السابق، واختارت طريق المعارضة قبل سقوط النظام بوقت مبكر. وتبوأ البعض منهم مراكز مهمة في بعض أحزاب المعارضة، مثل السيد عادل عبد المهدي، أو شكلوا لهم أحزاباً لا علاقة لها باسم حزب البعث مثل الدكتور أياد علاوي. في حين انشق فريق أخر عن حزب البعث العراقي منذ البداية، وشكلوا في سوريا حزباً أخراً للبعث موالي لحزب البعث السوري تحت لافتة "قيادة قطر العراق"، وكان هذا الحزب قد ساهم قبل التاسع من نيسان عام 2003 في كل نشاطات المعارضة العراقية في الخارج، لما يزيد على ربع قرن، وقدم ضحايا على طريق معارضة الحكم.
إذن نحن أمام شبكة معقدة من " الواجهات البعثية" التي ينبغي على الوضع الجديد التعامل معها، ومع ذيول الحكم السابق من أجل سحب البساط من تحت أقدام من يحاول استخدام هذه الشريحة بهدف إحداث المتاعب للعهد الجديد وللديمقراطية الفتية، وعرقلة الاستقرار الاجتماعي ومنع الجهود الرامية إلى تصفية حالات الاحتقان والتمزق الاجتماعي والكراهية التي سادت في المجتمع بسبب ممارسات العهد السابق. ومن هنا ينبغي بإعتقادي التوقف عند الأمور التالية عند معالجة هذه المشكلة الشائكة، وبالارتباط مع الجدال الدائر الآن حول دعوات "المصالحة" مع البعثيين:
أولاً: لا بد من الرجوع إلى نص الدستور الذي نص بصراحة على التركيز على البعث الصدامي ورموزه. وبهذا يحدد المشرّع العراقي ملاحقة القضاء لزمرة وليس لكل أعضاء حزب البعث. كما نص المشرّع على حظر مثل هذا الكيان السياسي ومن يروّج لأفكاره. وبهذا سلك المشرّع نفس سلوك المشرّع الألماني والإيطالي والياباني بتحريم نشاط والدعاية للحزب النازي والفاشي وللعسكرية اليابانية. ويستند هذا التحريم إلى مطالبة شعبية واسعة في العراق. ألاّ أن النص الوارد في الدستور ينطوي على ثغرة جدية في الصياغة، شأنها في ذلك شأن العديد من الصياغات المتضاربة وغير الدقيقة والتي صيغت بأيادي غير قانونية والواردة في الدستور، حيث أن النص يشير إلى "حزب البعث الصدامي"، وليس إلى حزب "البعث العربي الاشتراكي"، وهو الاسم الرسمي لمن عبث في العراق خلال العقود الماضية. إذ لا وجود رسمياً لحزب باسم "حزب البعث الصدامي"، وهذا ما يعطي الفرصة لأي طرف في التحايل والمطالبة بالسماح بعودة حزب البعث للنشاط القانوني باعتبار أن النص الوارد في الدستور لا يشمله.
ثانياً: ومع ذلك يركز التشريع بالأساس على من خطط لكل هذه الجرائم من رموز البعث، وهم لا يتعدون العشرات وربما المئات وبعضهم يمثل الآن أمام محكمة الجنايات العراقية. ولم ينص التشريع على من نفذ هذه الجرائم الخطيرة بأمر من الحاكم، وهم بالآلاف من رجال الأمن والمخابرات والحرس الخاص والحرس الجمهوري ورجال أمن الحزب وغيرهم من المنتمين إلى التشكيلات القمعية التي تفنن النظام السابق في تشكيلها. فمن غير الممكن متابعة هؤلاء جميعاً إلاّ من كان يمثل الأعضاء الأكثر شراسة في تنفيذ توجيهات الطغيان السابق، أو ما زال يمعن في التخريب ضد النظام الجديد، وقسم منهم في قبضة العدالة.
ثالثاً: كما لم ينص التشريع على متابعة ومعاقبة كل من انتمى إلى حزب البعث الصدامي والمنظمات المهنية المتعلقة به، وغالبيتهم انخرطوا لأسباب انتهازية أو نفعية أو بالإجبار، ولم يكن لهم دور يذكر في التخطيط للجرائم ولا في التنفيذ. وهم الآن يشكلون جمهرة واسعة في المجتمع العراقي. وفي هذا الإطار تقع على المجتمع مهمة الحوار الجاد مع هذه الجمهرة الواسعة وتمييزهم عن القتلة، وإتاحة الفرصة لهم كي يبتعدوا عن الوزر المخجل السابق ويدينوه، وينخرطوا في العملية الديمقراطية حفاظاً على مستقبلهم ومستقبل أولادهم ومستقبل البلاد.
رابعاً: حسناً فعل المسؤولون بمد الجسور ودعوة ممثلي قيادة قطر العراق وأطراف قومية أخرى معارضة وغير مسلحة لزيارة العراق أخيراً للمشاركة في العملية السياسية السلمية الجارية في العراق، حتى ولو اتخذت موقف المعارضة للحكومة. فالموقف المعارض حق من حقوقها ومن صلب مقومات النظام الديمقراطي الذي يحتّم وجود معارضة أيضاً للحكومة ونقدها والمشاركة في الانتخابات كمعارضين، دون حمل لافتة حزب البعث المحظور قانونياً. فسيصطدم هؤلاء بالنص الدستوري الذي يحرم النشاط السياسي الرسمي للبعث كتيار سياسي. وقد نصح العديد من أطراف المعارضة العراقية قيادة قطر العراق قبل انهيار النظام السابق بأن تسعى إلى تغيير الاسم كي تستطيع المشاركة في العملية السياسية بعد سقوط النظام وتتفادى غضب الشارع العراقي. وهذا ما لم تستطع تحقيقه قيادة قطر العراق للأسف ظناً من بعض المتشددين فيها بأنهم سيكونون الوارثين لحزب صدام ولا ينبغي التخلي عن الاسم. وهذا وضعهم في مأزق بعد التغيير، بل وراح البعض منهم ينفذ إرادة القيادة البعثية السورية بخلق متاعب وشغب ضد الوضع الجديد، ومد الجسور مع التيارات السلفية المتطرفة والمسلحة العراقية وغير العراقية وارسالهم إلى العراق. إن مجيء وفد من قيادة قطر العراق إلى بغداد أخيراً دليل على غلبة التيار العقلاني والمسؤول في قيادة قطر العراق على التيار المتطرف. ولكن تقف أمام قيادة قطر العراق مهمة إعاد النظر بالكثير من المنطلقات السياسية التي تنطوي على احتكار السلطة وعدم إدانتها للانقلابات العسكرية والمفاهيم القومية المتطرفة المتعارضة مع جوهر النظام الديمقراطي الذي يُراد تكريسه في العراق، علاوة على فك ارتباطها بالقيادة القومية السورية التي لا تؤمن في بلادها بمبدأ التدوال السلمي للسلطة والديمقراطية، وتعتبر حكم البعث حكماً أزلياً رغم إرادة الشعب السوري. كما يجب السعي في نفس الإطار إلى تنشيط الحوار مع التيارات القومية التي تعلن معارضتها للحكم الحالي في العراق بشكل سلمي، ودعوتها للنشاط السياسي السلمي في العراق وليس في الخارج لتضييق دائرة القوى المتطرفة المسلحة وعزلها. إن مد الجسور مع كل من يسعى إلى النشاط سلمياً في العراق ويقبل بالمعايير الديمقراطية من شأنه عزل التيارات المتطرفة والإجرامية في بقايا حزب البعث وخاصة جناح الدوري، ويشتت القاعدة التي يستند إليها المتطرفون من بعثيين وغير بعثيين من أمثال حارث الضاري. وسيؤدي ذلك إلى التأثير إيجابياً على المزيد من الاستقرار في العراق والمزيد من الخطوات في نجاح العملية الديمقراطية. ولا بد أن تؤدي هذه الخطوة إلى نسف الأساس الفكري الذي تستند عليه قوى التطرف في معاداة وتخريب العملية السياسية الجارية في العراق. وهذه الخطوة هي دليل على قدرة العهد الجديد في العراق على التحكم في إدارة الصراع مع كل القوى التي تسعى إلى عرقلة العملية السياسية، إضافة إلى كون العملية السياسية قد ترسخت إلى حد بعيد.
خامساً: من الضروري تفعيل دور السلطة القضائية في تطبيق البند الدستوري الخاص بحزب البعث الصدامي، والمشار إليه في بداية المقال. فهناك قوى في البرلمان وخارجه مازالت تروّج علانية للفكر البعثي الصدامي والدفاع عن حزب البعث، مثل صالح المطلك وغيره، خلافاً للدستور دون أن تتخذ السلطة القضائية أية إجراءات ضدها. وهذا النشاط يستفز أهالي ضحايا النظام السابق، ويشجع فلول النظام السابق على الاستمرار في غيهم عندما ترى أن السلطات العراقية بكل أطرافها الثلاث تتردد في اتخاذ القرارات، وتفسره بالضعف.
سادساً: ينبغي أن تلتزم جميع القوى السياسية الحريصة على الاستقرار في العراق بمبدأ الفصل بين المجرمين وبين الجمهرة الواسعة التي انظمت إلى حزب البعث لدوافع متباينة. وفي هذا الإطار يترتب على العراقيين الوقوف بوجه الدعوات المتشددة والانتقامية والثأرية التي تضع جميع البعثيين في سلة واحدة، لما في ذلك من خطر على استمرار الاحتقان الاجتماعي والكراهية والضغينة التي لا تبني مجتمعاً مستقراً. إن مطالبة السيد صدر الدين القبانجي القيادي في المجلس الإسلامي الأعلى على سبيل المثال في خطبته الأخيرة، بتوجيه الإدانة والملاحقة القانونية ضد كل البعثيين خلافاً للدستور، جاءت كرد فعل على مبادرة الحكومة بالحوار مع من لا يحمل السلاح من البعثيين، وهي دعوة خطيرة ينبغي الوقوف ضدها. لقد أشار السيد صدر الدين القبانجي:" أن أربعة ملايين لاجئ عراقي هم أبناء الوطن أما البعثيون في الخارج فهم أعداء هذا الوطن إذا لم يعلنوا توبتهم ويخضعوا لعدالة القانون"!!!. وشدد القبانجي على أكثر من ذلك ليعلن:" على ضرورة عرض البعثيين على المحاكم الجنائية بدلاً من مد يد المصافحة إليهم"!!!، مضيفاً "نحن لا نتوقع من البعث بكل أجنحته خيراً فالبعثيون هم بنظر هذا الشعب زمرةً واحدةً مرفوضون بالجملة والنفخ في رئة البعث هو نفخ في رئة ميتة". إن مثل هذه الدعوات المتشددة هي بمثابة دعوة للبعثيين إلى التوحد على اختلاف اتجاهاتهم، وحمل السلاح ضد العملية السياسية الجارية في العراق، وهو أمر ضار بمستقبل البلاد. وتأتي هذه التصريحات رداً على استقبال نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي، والقيادي أيضاً في المجلس الأعلى في مكتبه الرسمي ببغداد الاثنين الماضي، محمد رشاد الشيخ راضي ممثل قيادة قطر العراق- في حزب "لبعث" الموالي لسوريا، وتباحث الجانبان حول "دعم العملية السياسية وتعزيز الحياة الديمقراطية"، حسب البيان الذي صدر من مكتب السيد عادل عبد المهدي.
سابعاً: ولا يمكن نجاح أية خطوة في جر البساط من تحت أقدام القوى المعادية وجذب قوى أخرى إلى العملية السياسية من دون إنصاف ضحايا العسف والإرهاب الذي ساد العراق في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي. فبدون اتخاذ خطوات جدية لرفع الغبن والحيف وإعادة الاعتبار لضحايا حزب البعث منذ انقلاب 8 شباط عام 1963، فاتحة ظلم هذا الحزب، ومروراً بعسفهم وظلمهم في تسلطهم الثاني بعد انقلاب تموز عام 1968 وبضمنهم أعداد غير قليلة من قادة حزب البعث العربي الاشتراكي وأعضاء مدنيين وعسكريين وبالمئات وفي مقدمتهم المغدور عبد الخالق السامرائي وعدد من كبار ضباط الجيش العراقي، وهم يزيدون على أعداد ضحايا الدجيل وضحايا التجار وضحايا صلاة الجمعة التي نظرت وتنظر في قضيتهم محكمة الجنايات العراقية. فبدون انصاف ضحايا حكمي البعث يضع كل خطوات الحكومة حول مد الجسور مع البعثيين الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء العراقيين موضع الشك بل وحتى الإدانة من قبل الجمهور العراقي، وتفسر على أنها تمهيد لعودة حزب البعث إلى السلطة من جديد، كما يجري الحديث عنه من قبل البعض الآن. كما يجب أن تقترن هذه الخطوات بمبادرات جادة من هذه الأطراف البعثية التي يجري مد الجسور معها بتقديم الاعتذار علانية للعراقيين لأسر الضحايا كما جرى على سبيل المثال في جمهورية أفريقيا الجنوبية بعد انهيار نظام الفصل العنصري وإدانة شروره. كما ينبغي على رموز في السلطة أو على رأس الحركات السياسية الآن، ممن كانوا يشغلون مواقع بارزة في حزب البعث في فترة انقلاب شباط وبعده، تقديم الاعتذار للشعب العراقي، كبادرة لتشجيع من أساء من البعثيين كي يحذو حذوهم، وتمهيداً لإشاعة مناخ من التسامح والتعايش وقلب صفحة سوداء من تاريخ العراق الحديث.
ثامناً: كما لا بد أن ترافق هذه الخطوات، خطوات للكشف عن كل الجرائم التي ارتكبت من أطراف أخرى بعد انهيار النظام السابق كتأكيد على مبدأ أن العراقيين سواسية أمام القانون. فما زالت ملفات كثيرة موجودة في مدارج المحاكم العراقية واضبارات متنوعة لم يبت فيها القضاء العراقي تعود لمتهمين بجرائم كبرى من منتسبي بعض الحركات السياسية المشاركة في العملية السياسية وفي مجلس النواب كبعض عناصر أطراف جبهة التوافق من أمثال محمد الدايني وأضرابه، أو من مقاتلي جيش المهدي الذين خاضوا صراعات دموية مسلحة ضد العملية السياسية، ومازالت بقايا منه تنفذ عمليات تفجير وتنقل الأسلحة وتتداولها وتنفذ أعمال التخريب والاغتيال في بغداد وبعض المحافظات الجنوبية دون أي ملاحقة قانونية من قبل السلطات القضائية. لقد كسبت حكومة المالكي احترام الشارع العراقي لأنها وقفت ضد كل أنواع التخريب ومن أية طائفة كانت، وما على السلطة القضائية إلا أن تقوم بنفس الدور لإحقاق العدالة وجلب المجرمين إلى قفص العدالة بغض النظر عن طائفتهم ومذهبهم. وبذلك تزداد ثقة الشارع العراقي بخطوات الحكومة، ولا يراوده الشكوك والتفسيرات المتباينة حول خطواتها.
تاسعاً: وقبل أن تخطو الحكومة أية خطوة على طريق التعامل مع هذه الفئات، دون المبالغة بحجمها، والتي كانت على صلة بالنظام السابق وتأمين حقوقها وعوائلهم، ينبغي الشروع جدياً بتقديم مسودة قانون لنشاط الأحزاب والجمعيات إلى مجلس النواب لتشريعه. إن إهمال الحكومة ومجلس النواب والتردد المخل في تشريع قانون للأحزاب ينطوي على مخاطر تشويه للعملية الديمقراطية والحياة الحزبية الفتية في العراق. فلا يمكن أن تنشط أحزاب في الوضع الديمقراطي الجديد في العراق لا تؤمن بأي معيار من معايير الديمقراطية الحديثة المعمول بها في الأنظمة الديمقراطية في العالم. ولا يمكن أن تستمر الفوضى الحالية السائدة في النشاط الحزبي في العراق. فهذه الفوضى لا تمهد لوضع أسس متينة لنظام ديمقراطي مستقر، بل تهدد الديمقراطية الفتية في البلاد. كما أن النص الحالي الخاص بالموقف من حزب البعث في الدستور هو نص غير واف ومربك ومقتضب ويحتاج إلى الدقة والتفصيل عن طريق إصدار قانون للأحزاب ينص أول ما ينص على حظر حزب البعث العربي الاشتراكي بسبب الكوارث التي جلبها للعراق دون حرمان أكثرية منتسبي هذا الحزب ممن لم تتلوث أياديهم بالجريمة من النشاط السياسي وبعناوين أخرى والذي كفله الدستور. ويعطي القانون الفرصة للنشاط لأحزاب تؤمن حقاً بالديمقراطية في حياتها الداخلية وفي ممارساتها على النطاق الوطني، أحزاب شفافة في مواردها المالية، أحزاب تؤمن بتبادل السلطة السلمي وتدين الانقلابات العسكرية كوسيلة للسيطرة على السلطة، أحزاب تدين بمفاهيم النقاء العرقي والتمييز العنصري والمذهبي والتكفير بمختلف أشكاله، أحزاب غير مسلحة ولا تؤمن بالعنف، بل تسعى للسلم الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية، وليس المتاجرة بالطائفة والمذهب والدين والعرق على حساب الهوية الوطنية العراقية.
#عادل_حبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التضييق والتجاوز على الحقوق النقابية هو خرق للدستور وتزييف ل
...
-
خطوة مهمة على طريق إرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية في العرا
...
-
مجنون فوق السقف للكاتب التركي الساخر: عزيز نسين
-
قميص عثمان يفرخ قميص غزة
-
هيهات منا الذلة-
-
لنعمل على بناء الدولة العراقية الديمقراطية الحديثة المستقرة
-
رئيس بلدية نموذجي!!! للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
-
هل أن السيد طارق الهاشمي جاد في دعوته لنبذ الطائفية ومحاصصته
...
-
القبلة لإنطون پاڤلوڤيچ چيخوف
-
حكاية وزير مزور
-
على هامش طرح مسودة الاتفاقية العراقية-الامريكية
-
كيف ستجرى الانتخابات في ظل عدم وجود قانون للأحزاب؟
-
تغييرات في القاعدة الاجتماعية للحكم في إيران
-
أية اتفاقية يريدها العراقيون مع الولايات المتحدة؟
-
الأزمة المالية العالمية وآفاقها
-
الطائفية داء اجتماعي مدمر يحتاج إلى علاج جذري
-
لن يستطيعوا اغتيال ما تحمله من نور في قلبك ومن حبنا لك ياكام
...
-
بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر -رحبانيات-
-
اليوبيل الذهبي لثورة 14 تموز عام 1958
-
إنقذوا حياة أبو بشار
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|