|
المد الشيعي بالمغرب بين الحقيقة والادعاء
عادل بوحجير
الحوار المتمدن-العدد: 2592 - 2009 / 3 / 21 - 09:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انعقد ما بين 13 و 15 من مارس الجاري المؤتمر الثاني والعشرين للوحدة الإسلامية وسط أحداث دولية وإقليمية بالمنطقة العربية عنوانها البارز الحرب الإعلامية للمملكة السعودية على إيران، وطرد سفير هذه الأخيرة من المغرب، وقد احتل هذا الموضوع الصدارة في مناقشات المؤتمر للأوضاع الداخلية للأمة الإسلامية، والعلاقات الغير مستقرة بين دولها. المؤتمر نظم بالعاصمة الإيرانية طهران تحت عنوان "الأمة الإسلامية.. التحديات والخطط الإستراتيجية"، وبهذه المناسبة استضافت قناة العالم الإيرانية الناطقة بالعربية الشيخ آية الله محمد علي تسخيري أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب في حوار قصير من داخل أشغال المؤتمر، وكما عهدنا في القيادات الدينية الإيرانية فإن المساحة بين السياسي والديني، بين رجل الدولة المتحدث بمنطق السلطة ورجل الدين المتحدث باسم الفقه والعلم في الدين تكاد تنعدم إذا لم نقل أنها لا توجد أصلا. ورغم أن الشيخ حضر بصفته أمين عام مجمع التقريب بين المذاهب، والأسئلة التي طرحت عليه في البداية مرتبطة بمواضيع فقهية محددة كتكفير المسلمين بعضهم لبعض، وانتشار التطرف والتشدد عند بعض أبناء الأمة الإسلامية، استمر الشيخ تسخيري في تحليلاته الأقرب لرجل السياسة منه لرجل الدين، ومنطق السلطة والدولة منه لمنطق العالم والفقيه. الشيخ لم يقف عند هذا الحد بل أضاف لنفسه صفة أخرى، وهي الدفاع عن دولة إيران والحديث عن قوى الاستعمار وطغيان الغرب وتجبره في محاولة - حسب اعتقادي- للهروب من الإجابة الواضحة والدقيقة لبعض الأسئلة ذات العلاقة بمشاكل الأمة الإسلامية، والتي تمس قضايا فقهية خطيرة عند المسلمين كما سبق الإشارة إلى ذلك. بيد أن ما استوقفنا في الحوار نقطة بالغة الأهمية بالنسبة للنقاش الجاري حول المد الشيعي بالمغرب، وطرد السفير الإيراني بسبب ما يقال عن وجود مخططات للتشييع المغاربة، قال الشيخ تسخيري مجيبا ودون تردد على الاتهامات التي تكال للجمهورية الإيرانية الإسلامية بدعمها لمجهودات تشييع السنة في العالم العربي والإسلامي"إننا لا يمكن أن نمنع على أحد إيمانه أو الدعوة إليه، إنه لا يمكن أن نحجر على الناس إيمانهم أو نمنعهم من الدعوة إليه". طبعا هذا التصريح غير عادي لكونه يصدر عن أحد أبرز العلماء الشيعة في إيران، وهو يشي بفرضية واحدة لا تحتمل التأنيث أو التثليث، وهي أن إمكانية وجود هيئات ومؤسسات رسمية وغير رسمية وأشخاص وأموال لدعم الشيعة والتشيع أصبح واردا بشكل كبير، ورغم أنه استدرك في حواره مع القناة وصفا " اتهام إيران بدعم هجوم شيعي منظم وراءه مليارات الدولارات بالعملية السخيفة"، فإن ذلك لا يعد في رأي ليس سوى تعبيرا عن التناقض الذي يختلج في كيانه، ويتبدى ذلك من خلال كلماته وتحليلاته وطريقة أجوبته على الأسئلة. في واقع الأمر أنا لست من الداعين إلى التشكيك في كل تصريح أو قول، وليست لي أي عداوة لإيران أو الشيعة بصفة عامة، فمقتي الشديد للتفرقة والعنصرية لا يعلمه إلا الله، غير أن تصريحات الشيخ تسخيري تدفع عقولنا دفعا نحو التساؤل بل والإيمان بفرضية المد الشيعي القادم التي تحدثنا عنها قبل قليل. ومما يزيد هذه الفرضية قوة وصلابة علمنا كمغاربة، أن هناك مواقع لتعزيز التشيع بالمغرب، والتي تدعي أن الدولة المغربية تاريخيا كانت دولة شيعية، وما كدنا ننتهي من النقاش البيزنطي حول سكان المغرب الأولون، هل هم أمزيغ أم عرب، أم خليط بين هذين العرقين، حتى تقفز أقوال في هذا الموقع أو ذاك أوللسيد هاني أيضا لتقول أن المغاربة شعب أصله شيعي وليس سني، ولا أدل على ذلك من كون ملوكه علويين ينتمون إلى البيت النبوي. إن ما يثير انتباه الزائر للموقع السالف الذكر أنه مقسم لواحات حسب الدول تجتمع كلها تحت اسم "واحة التمهيد المهداوي والانتشار الشيعي"، مما يعزز في مستويات دنيا دعم الانتشار الشيعي والتمهيد المهدوي دونما الحديث عن عقيدة تصدير الثورة لباقي الدول الإسلامية، التي يبدو أن بريقها قد خفت، وأصبحت دولة إيران عوض ذلك مكتفية فقط بلعب دور القوة الإقليمية الأكثر تأثيرا في المنطقة العربية والإسلامية. موضوع التشيع بالمغرب انتقل مؤخرا لمستويات عليا من النقاش بطرد السفر الإيراني، لكن وبحذر شديد اتجاه توجهات ورغبات صناع السياسة الخارجية المغربية، يمكن النظر للموضوع من زاوية أخرى عبر الايجابة عن التساؤلات التالية: لماذا نحتج دائما نحن المسلمون السنة على غيرنا من المسحيين والمسلمين الشيعة لما يقومون بالدعوة لما يعتقدون أنه الصواب والأصلح؟ في المقابل كانت الكتب الصغيرة الحجم، والكبيرة الحجم رخيصة الثمن، والمطويات المنشرة هنا وهناك للمسلمين السنة تجوب العالم العربي والإسلامي دون أن يتحدث أحد عن دعم المد السني ذي التوجه الوهابي انطلاقا من مقاربة استعلائية منا نحن المسلمين السنة نظرا لكثرتنا على باقي المذاهب والطوائف الموجودة. من جهة أخرى وعودة إلى الموضوع من داخل بلدنا المغرب، شنت -ولا زالت- الدولة حربا على كل أشكال التدين لدى المغاربة باستثناء نموذج واحد متمثل في الطرق الصوفية، فبعد أن قامت السلطات باعتقال ما يسمى السلفية الجهادية بطرق مخالفة لأبسط حقوق الإنسان، وإغلاق دور القرءان المحسوبة على التيار السلفي المغربي، شاهدنا هجوما آخر على التيار الإسلامي الحركي، من خلال اعتقال بعض قياداته في ملف بلعيرج، ومؤخرا حرب وزارة الداخلية على الممثل السياسي لهذا التيار "حزب العدالة والتنمية"، لتنتقل بعد ذلك مكينة صنع القرارات السياسية الكبرى للدولة المغربية إلى ملف دعم التشيع بالمغرب الذي تحدثنا عنه في السطور الأولى. بربطنا للخيوط المتناثرة والمنفصلة بين كل هذه الأحداث نتساءل من جديد، من الذي قرر نيابة عنا ودون إذن منا في خوض كل هذه المعارك دفعة واحدة؟، ولماذا تستثني الدولة من حساباتها الضيقة التيار الصوفي، بل تدعمه وتؤيده وتقيم له الحفلات الروحانية، والملتقيات السنوية، وتدعم تجمعات مريديه داخل المغرب وخارجه؟. وإذا ما أردنا إضفاء نوع من التعقيد على الموضوع، يمكن أن نتساءل أيضا، لماذا تكتسحنا الفرحة والبهجة إذا ما أسلم المسيحي أو اليهودي، وخرج الشيعي من مذهبه ليدخل في مذهبنا؟ وبالمقابل نحكم على النموذج الأول من طائفتنا بالردة الموجبة للقتل، والثاني الله أعلم ماذا سيكون حكمه عند فقهاءنا. ختاما إنه لمن الظلم أن نسمع شابا يقول "إنني أخجل أن أكون سنيا – بالمعنى السياسي وليس العقائدي- إنني لا أقرأ كتب التشيع، لسبب بسيط وهو ربما أومن بالمذهب الشيعي، وعندها أعيش في خوف مستمر لكوني لا أستطيع أن أقول لجيراني لقد أصبحت شيعيا خوفا على نفسي من جيراني المسلمين السنة"، الإشكالية هنا لم تعد مسألة دعم هذا المذهب أو ذاك والدعوة إليه في بلادنا العربية والإسلامية، بل أصبحت مرتبطة بإشكالية الحرية وكيف يتمثلها الإسلام والمسلمون، ومن جهة أخرى كيف تتمثلها أنظمة الحكم في الدول العربية والإسلامية، وهنا يكمن النقاش الذي بدأ ولم يكتمل و الحوار على قاعدة الاختلاف الذي يجب أن ينطلق.
#عادل_بوحجير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة والتفسير الانتروبولوجي
-
نداء إلى البشرية منذ وفاة فولتير إلى انتخاب أوباما
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|