|
في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2590 - 2009 / 3 / 19 - 10:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
"الأرقام" هي ضَرْبٌ من "التجريد الخالص"، فالمرء ليس في مقدوره الذهني أن يفضِّل رقما على رقم، أو أن ينحاز إلى رقم ضد رقم، إلاَّ إذا قام أوَّلا بكسو هذا "العَظْم الرياضي" لحما، أي حوَّل الرقم من "المجرَّد" إلى "الملموس".
ومع ذلك، يظل الرقم 3 أشهر الأرقام جميعاً؛ ففي القرآن، تتضمَّن "البسملة" الله والرحمان والرحيم، وفي الإنجيل، يتضمَّن ما يشبه "البسملة" الآب والابن والروح القدس؛ وفي الفلسفة، نقف على "الثلاثية الهيجلية" الشهيرة، والتي ظهرت في الدياليكتيك المادي لماركس وإنجلز على هيئة قانون من أهم القوانين العامة للتطور في الطبيعة والتاريخ والمجتمع والفكر؛ أمَّا في الأردن، فالرقم 3 هو المفضَّل لحياة حزبية؛ والأردنيون ينتظرون الأحزاب الثلاثة الكبيرة كمن ينتظر سقوط السماء على الأرض؛ وها هي حكومة الذهبي تختار الرقم 3 رقما لـ "الأقاليم"، التي لم يتأقلم المواطنون مع ثقافتها بعد. حتى الشر يبلغ منتهاه بالرقم 3، فنقول: "رماه بثالثة الأثافي".
حكومة الذهبي حسمت أمرها، ولن تقف بعد اليوم حائرة مترددة؛ ولقد قالت في لهجة قائل "وجدتها" إنَّ الأقاليم الثلاثة (التي تظل ثلاثة ولو رُبِّعت في الشكل) خير وأبقى!
ولو كان لتلك الأقاليم أن تظهر إلى حيِّز الوجود في عهد الحكومة التي شهرت إيمانها (الديني) بها لما رأينا هذا الزهد من "المركزيين" عن "المركزية"، فقلَّما تبدي الحكومات المركزية ميلا إلى التفريط في امتياز تركيز السلطة، وإلى الإفراط في حُبِّ "اللا مركزية".
إنَّها، أي حكومة الذهبي، لا تخسر شيئا إذا ما تقرَّر، أو قرَّرت، أن تأتي "الخصخصة"، أي الأقاليم الثلاثة وسلطاتها "الإدارية"، على كثير من "أسهم" الإدارة المركزية مستقبلا، أي في عهد "الحكومة 2011 ميلادية".
وحتى لا يساء الفهم أقول توضيحا إنني مع اللا مركزية الإدارية، فالسلطة، أي سلطة القرار، صنعا وتنفيذا، إنما هي مقدار محدَّد من "الأسهم"؛ ولا شكَّ في أن "تشريك" تلك الأسهم أفضل كثيرا، من وجهة نظر الديمقراطية، من احتكار فئة ضئيلة لها، فالفساد يضرب جذوره عميقا في تركيز السلطة واحتكارها.
وحتى لا يساء فهم الحكومة، المضحية بسلطات "حكومة 2011 ميلادية"، لفهمنا، نقول إنَّ اللا مركزية، التي يراد لها في الأردن أن تلبس لبوس "الأقاليم (لا الأقانيم) الثلاثة"، تظل فكرة "وضعية"؛ وينبغي للحكومة، بالتالي، ألا تتوفَّر على "تديينها"، فانتقادها، أكان في معنى تمييز الجيد من الرديء فيها أم في معنى إظهار وتبيان مثالبها، يجب ألاَّ يُنْظَر إليه على أنه نوع من "التجديف"، أو ارتداد عن عقيدة جبَّت ما قبلها!
وإذا كانت الحكومة، التي اهتدت أخيرا إلى "الأقاليم الثلاثة"، تشاطرنا فهم الفكرة على أنها تاج من تيجان الديمقراطية نتوِّج بها مجتمعنا، فلا بد لها من أن تجتنب الأساليب المنافية للديمقراطية في سعيها إلى جعل هذه الفكرة الديمقراطية، من حيث المبدأ، حقيقة واقعة، فالديمقراطية يجب أن تظهر وتتأكد في الوسائل والأساليب أيضا؛ ذلك لأنَّ الغاية الديمقراطية لا تبرِّر الوسيلة.
وهذا إنما يلزم الحكومة أن تتحلى بفضيلة "نبذ الباطنية السياسية والفكرية"، فتُفْرِج عن "مشروع الأقاليم" الحبيس لدى "كهنته"، وان تسمح له، بالتالي، بأن يكون موضع أخذ ورد بين المواطنين والأحزاب وسائر منظمات المجتمع المدني، فالشعب، وبخلاف ما يُظن، زاخر بالآراء السديدة والنيِّرة، فَلِمَ لا يستعينون بهذا "الصديق"؟!
وتُعلِّمنا تجارب غيرنا أنَّ المواطن العادي يجنح في تفكيره إلى الموضوعية أكثر من المواطن غير العادي، وأنَّ ذوي الدخل المحدود أكثر حرية في الفهم والنظر والموقف من ذوي الرواتب النيابية العالية المتعالية حتى في زمن اشتداد الركود الاقتصادي، واستفحال البطالة، وانهيار الأجور الحقيقية لغالبية المواطنين.
وتُعلِّمنا أيضا أن سياسة إغناء ممثلي الشعب تنتهي دائما إلى عاقبتها الحتمية وهي الإفقار السياسي، فمشاريع القوانين تُقر عندئذ برفع الأيدي، وبعاصفة مدوية من التصفيق!
أمَّا تجربتنا، أو تجاربنا، نحن فتُعلِّمنا، أي يُفْتَرض فيها أن تُعلِّمنا، أن سياسة الحَجْر الحكومي على مشاريع وتوجُّهات عامة، تؤثِّر تأثيرا تاريخيا في حاضر ومستقبل الشعب والمجتمع، هي التي تولِّد، كما يولِّد الفسفور اللمعان، ظاهرة الشياطين الذين يوسوسون في صدور الناس؛ وقد يفسِّرون لهم تلك المشاريع والتوجُّهات تفسيرا مُغْرِضا، فتجري رياح الرأي العام بما لا تشتهي السفينة الحكومية، مع ما تحمله على متنها من مشاريع وتوجُّهات.
لتتكلم الحكومة حتى يسمعها المواطنون، وحتى لا يظل المجتمع كالزوج المخدوع، ونهبا لأولئك المختصين بتحريف "الكلم الحكومي" عن مواضعه.
مجتمعنا ليس حزبا ستالينيا حديديا حتى يُنْظر إليه على أنه وحدة إرادة ومصالح وميول وأهواء واتجاهات.. تتنافى، بالتالي، مع التعددية واللا مركزية، فالمجتمعات الحية، الحيوية، القوية، إنما هي المجتمعات التي عرفت كيف توظِّف الطبيعي والواقعي والحقيقي من تمايزها، وتنوُّعها، واختلافها، وتعدديتها، في التأسيس لوحدة صلبة راسخة قوية، تتكسَّر على صخرتها كل ما يهب، أو يمكن أن يهب، عليها من رياح التفتيت الخارجية.
"الوحدة" ليست دائما بـ "الخير الخالص"؛ و"الانقسام" ليس دائما بـ "الشر الخالص"، فإذا نحن عرفنا طريقا إلى الانقسام الحضاري الديمقراطي، الذي يتخطى وينبذ كل انقسام تغذيه عصبية تافهة، كالعصبية الدينية والطائفية..، فإننا عندئذ ننجح في ابتناء وحدة صلبة، تكون الصخرة لكل ريح.
الحرص على الوحدة، وعلى درء مخاطر التقسيم، مهما كانت نسبة الحقيقة إلى الوهم فيها، لا يُلْزِم، ويجب ألا يُلْزِم، القائل به على المفاضلة (غير المبرَّرة) بين "المركزية" و"اللا مركزية"، بين "الوحدة" و"التقسيم"، فطالما أنتج الإفراط في المركزية تفريطا في الوحدة، وطالما أفضت اللا مركزية إلى ترسيخ وتعميق وتوطيد للوحدة.
"الأقاليم" لا يكمن خيرها، أو شرها، في عددها، وإنما في صلة الوصل بينها وبين الوحدة والاندماج والانصهار، فهي خير، أكانت 3 أم 4 أم 6..، إذا ما رفعت منسوب الوحدة والاندماج والانصهار في المجتمع؛ وهي شرٌّ إذا ما خُلِقَت، من الوجهة القانونية، على هيئة قوة جذب لعوامل "الانقسام الجاهلي".
ولو كان لي أن أدلي برأي في هذا الأمر الذي تحيطه الحكومة بجدار من "السرِّية الستالينية" لقلت إنَّ الأقاليم الثلاثة ستنزل أهلا، وستطأ سهلا، إذا ما..
إذا ما اقترنت اقترانا يشبه الزواج الكاثوليكي بقانون أو نظام انتخابي يقوم على "التمثيل النسبي"، و"الحزبية"، و"تداول السلطة".
إنَّ جعل الأردن دائرة انتخابية سياسية واحدة هو وحده ما يجعل كفة الإيجابيات في نظام الأقاليم الثلاثة ترجح دائما على كفة السلبيات، فليس من شيء يسمح لنا بالحصول على إيجابياته من دون سلبياته. المهم هو النسبة والتناسب.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
-
شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
-
على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
-
وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
-
-الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
-
أزمة -مقالة الرأي-!
-
-العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
-
حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
-
رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
-
أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
-
-إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
-
-تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
-
أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!
-
على نتنياهو أولا أن يلتزم ما التزمه عباس!
-
أوباما يطلب -الترياق- ولو في السويد!
-
تهويد -مبدأ كلينتون- بدءاً من حي سلوان!
-
جريمة الإنكار وإنكار الجريمة!
-
نتنياهو يملك وليبرمان يحكم!
-
-العبثية- في وجهيها!
-
الفلسطينيون بين ليبرمان وأشباهه من العرب!
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|