عبد العالي الحراك
الحوار المتمدن-العدد: 2590 - 2009 / 3 / 19 - 10:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تسييس الدين فكرة تطبيقية خمينية في العصر الحديث,بعد ان فشل في منطقتنا عند سقوط الدولة العثمانية,وفي اوروبا عند سقوط الكنيسة وانتهاء حكمها واضمحلال ثقافة القرون الوسطى وظهورعصري النهضة والتنوير, الذين لم يظهرا في منطقتنا ومناطق اخرى في العالم,بسبب عدم وجود القاعدة المادية للتطورالحياتي في جوانبه الاقتصادية والعلمية التطبيقية والثقافية والاجتماعية والسياسية,المبنية على انتشار الوعي والحرية والديمقراطية, لهذا لم يضمحل تأثير الدين في حياة الناس,بسبب عدم وجود البديل النهضوي والتنويري وقواعدة المادية انفة الذكر,فاستمر رجال الدين باستغلال جهل البسطاء من الناس وتنظيمهم في اطر سياسية تعتمد الدين بديلا,بحيث نمت هذه الظاهرة في منطقتنا على هيئة احزاب سياسية,تستخدم الدين فكرا وثقافة وطريقا للحياة.. فكان التغيير الذي قاده الخميني في ايران بعد سقوط الشاه في اواخرالسبعينات,فاتحة الطريق العملي نحو حكم الاسلام السياسي,مستغلا ثورة الشعوب الايرانية المتراكمة عبرالسنين,ضد الشاه ونظامه والى حين انهياره ثم سقوطه المدوي وتبرأ امريكا وسحب يدها من تأييده ودعمه. كذلك انتعشت الكنيسة في اوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وتعاونها الحميم مع اليمين المحافظ الامريكي,ليبدأ صراعا سياسيا وثقافيا بين الديانتين المسيستين,الاسلام في منطقتنا العربية والاسلامية عموما بقيادة ايران واجهتها الامامية,تنافسها السعودية طائفيا.. والمسيحية بقيادة الكنيسة في روما, وواجهتها العسكرية تتمثل في امريكا المحافظة..مهما يكن تسيس الدين في اوروبا وامريكا,فانه لا يؤثرعمليا في حياة الناس بسبب انتشار الوعي العام وثبات ممارسة الديمقراطية والاستيعاب الجيد لحقوق الانسان والتطور الكبير الذي حققته شعوبها على المستوى المادي..اما في منطقتنا فما زالت جميع القواعد المادية والمعنوية تساعد على عودة حكم الدين والتقاليد والعادات القديمة. فتسييس الدين لم يكن صعبا في ايران وغيرها من البلدان التي قلدتها,فكان نظام الخميني اول نظام يعلن عن اول ظهور رسمي لجمهورية ايران الاسلامية تدعو الى الاسلام,نظاما سياسيا,وبدأت تعسكر الشباب ذكورا واناثا في ما سمي (الحرس الثوري الايراني)وتشكيل (لجانه الثورية)التي تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وفق وجهة النظرالاسلامية الايرانية (تطبيق ارتداء الزي الاسلامي على الطريقة الايرانية بالنسبة للبنات وللنساء واطالة اللحى بالنسبة للشباب وعموم الرجال)تقوم هذه اللجان المكونة من الشباب والشابات بدوريات مستمرة في شوارع المدن والاحياء السكنية,تراقب الشباب والشابات الذين لا يطبقون مظاهر الاسلام,كما يراها النظام السياسي الجديد. ثم بدأ الترويج لفكرة (تصديرالثورة) سياسيا,اعلاميا وعسكريا الى الدول المجاورة,وكان العراق اولها ثم دول الخليج الهزيلة.لهذا تعاونت هذه الدول معا بدعم من امريكا التي خسرت في ايران نفوذها بعد سقوط الشاه,وشنت حرب الثمانية سنوات وكانت نتيجتها خسارة الشعبين العراقي والايراني وبقي نظاما اسلاميا قوميا يعسكرالدين والشعب في ايران ونظاما قوميا دكتاتوريا يعسكرالحياة في العراق.. فأحتل الكويت ونشبت حربا جديدة اقعدت العراق على ركبتيه,وانتعشت ايران تسلح وتطورتسليحها وتستعين بالروس والصينيين لبناء مفاعلها النووي.
لم تعتمد ايران على الجيش الايراني النظامي في باديء الامر,فشكلت جيش عقائديا بديلا,هو(الحرس الثوري الايراني) ليحمي الثورة الاسلامية الوليدة,وليكن بديلا عن الجيش النظامي الذي قد يحمل قادته حنينا للعودة للنظام الشاهنشاهي السابق..انتعشت فكرة الجهاد والحرب المقدسة,ورفع شعار(تحريرالقدس يمرعبر بغداد وكربلاء) وهكذا رفعت شعارات تستهوي الشباب وتثيرحماسهم الديني والقومي.ولشدة حب القيادة الايرانية واستعدادها للتضحية بالشعب وتبذير خيرات البلاد,فقد اطالت تلك الحرب مع العراق ثمانية سنوات, حتى تجرع الخميني بسببها السم عند الموافقة على وقف اطلاق النار,رغم الانكسارالعسكري والسياسي الكبير الذي سببته.
بعد سقوط النظام العراقي السابق وقيام الاحتلال في العراق وتهديده للوجود الايراني كنظام سياسي ضمن(محور الشر) كما وصفه بوش..قامت ايران بنقل زخم وجودها الامني والمخابراتي العسكري الى داخل العراق بصورة مباشرة,وعن طريق تشكيل ميليشيات اسلامية عراقية مختلفة,تؤمن بخطها السياسي واهدافها العسكرية وتنفذ اوامرها,انتشرت في كافة انحاء العراق وخاصة في الجنوب بحجة الدفاع عن وجودها ضد التقدم الامريكي القادم نحوها بعد النجاح في العراق,وركزت جهودها السياسية والعسكرية والاقتصادية لهذا الغرض وتقدمت خطوات كبيرة في اعاقة النجاح الامريكي المتعثر,على حساب امن واستقرارالعراق وسلامة شعبه.
في الفترة الحالية والقوات الامريكية في طريقها للانسحاب من العراق .كيف ستتصرف ايران ازاء العراق وكيف سيتصرف العراقيون ازاء بلادهم وشعبهم ؟؟ اخاطبكم ايها العراقيون..ان كنتم عربا في الجنوب,فدافعوا عن جنوب العراق المهدد من قبل ايران..واذا كنتم تركمان فالعزة لكم في كركوك وليس في تركيا,وان كنتم اكراد فلا امان من أيران في قمعكم,كما تقمع اخوانكم الاكراد على اراضيها وتلاحقهم بالقصف اليومي على مدنكم وقراكم,فلا تغركم قياداتكم بفيدرالية انعزالية ستستفرد بكم دول الجوار..واذا كنتم مسيحيين فالحياة الكريمة في بغداد والموصل والبصرة وميسان,وليست على هوامش الذل في دول الغرب ولو كانت في بحبوحة الفاتيكان.. الذل والعار مصيرالعراقيين الذين لم يهبوا للدفاع عن بلدهم وشعبهم..لقد نهش الذل في عظامنا متفرجين على عراقنا..نهشته امريكا وتنهشه ايران وابخس الذل ما تسببه لنا ايران,لانها تزيد في تفرقتنا على اسس الدين والمذهب والطائفة...
يتهمونني باني اتهجم على ايران ويهددني البعض ان عدت الى العراق..علما باني انسان بسيط ليس لي سلاح الا وطنيتي..انا لم اهاجم ايران..انا اقول الحقيقة التي تؤلمني وتؤلم جميع العراقيين,في ان يحتل بلادهم ويقتل شعبهم وهم شتات في بقاع العالم يلتحفون الذل القاتل مهما حسدهم الاخرون..ان ايران تتدخل في بلادي وانا ادافع عنها بالكلام فقط..انا ادافع بحالة ضعف.. فكيف اهاجم دولة عسكرت حتى الدين,وتريد ان تصنع اسلحة نووية,كي تزيدنا وشعوب المنطقة قلقا واذلالا.. من يقول ان ايران تصنع هذا السلاح الخطير لتواجه به اسرائيل,فهو خاطيء..تريد به تهديد دول منطقة الخليج والتوسع في اي اتجاه رخو والمساومة مع الامريكان, ولن تقترب من اسرائيل بطلقة واحدة ,لانها تعرف وتدرك حجم النتيجة,وما حصل في لبنان وغزة اخيرا دليل واضح على ما اقول ويقول اخرون. لن تحصل مواجهة بين ايران واسرائيل على الاقل من الجانب الايراني..انها تصنع السلاح التقليدي وتحضر للسلاح النووي,لتهدد به العرب عبربرامج عسكرية نووية وسياسة طائفية وقومية وعسكرة الدين لهذا الغرض,ليس الا حلقة اخيرة في بقاء واستمرار وجودها السياسي المبني على الاطماع الاقليمية والتدخل في شؤؤن الاخرين.. والا ما تفسير احتفاظها بالجزرالاماراتية الثلاث ومطالبتها بالبحرين,وتمسكها باتفاقية الجزائرالتي استحوذت على نصف شط العرب وعلى اراضي في شمال العراق وعلى ابارنفط عراقية حدودية,وتعبث الان بجزيرة ام الرصاص التابعة للبصرة؟؟؟
يعرف حزب الدعوة وهو حزب اسلامي,الموقف الايراني جيدا ازاء العراق سابقا وحاليا,وقد رفض هذا الموقف والتدخل,عندما كان قادته في صراع مع ايران حول دورهم الوطني في العراق ودور ايران,واحقيتهم في ادارة شؤؤن معارضتهم للنظام السابق,وليس لايران الحق في فرض رؤاها ومواقفها.. ولهذا عانى هذا الحزب كثيرا في ايران وتوقف دعمه المالي والسياسي,وحوربت قياداته ذات الاصول العراقية,ومنعت جريدته الرسمية من التوزيع على العراقيين في الجوامع والحسينيات وفي مخيمات اللجوء العراقية الا سرا..وهكذا الان الحملة مسعورة من قبل (التحالف الايراني) في العراق ضد قيادة هذا الحزب,الذي يبدي قائده المالكي قوة عبر الخطاب الوطني والدعوة المستمرة للتمسك بالوحدة الوطنية واجراء المصالحة الوطنية الحقيقية مع جميع العراقيين الذين يحبون وطنهم ومستعدين للدفاع عنه ضد اي تهديد وتدخل يهدده,وما زالت احزاب سياسية عراقية تسير في خط ايران غير عابئة بما سيحصل للعراق.
لي ثقة حتى بأبناء فيلق بدرفي ان يدافعوا عن بلدهم العراق وان علاقتهم بايران يجب ان تتوقف وان ينتبهوا الى بلادهم وشعبهم,فهم الذين تعذبوا في الأسر كثيرا وطويلا واجبروا على الانخراط في هذا الفيلق كي يخرجوا من الاسر,وقد تعذبوا ايضا داخل الفيلق,وميز بينهم وبين اقرانهم في (الحرس الثوري الايراني) الذي يقود الفيلق,وهم يتذكرون الان الفارق في رواتبهم ورواتب منتسبي ذلك الحرس وكيف كانت تعاملهم ايران في دوائرها الرسمية.. يا ناس انتبهوا لان الدين يسيس ويعسكر في الضد من مصالحكم الانسانية والوطنية واهمها الاستقلال والعزة والكرامة.. فهل انتم كرماء وعزيزي النفس وامريكا ما زالت تحتل بلادكم وايران تتدخل في شؤؤنكم؟
#عبد_العالي_الحراك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟