كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 794 - 2004 / 4 / 4 - 09:13
المحور:
القضية الكردية
من البرامج الناجحة التي تابعتها أثناء العدوان الأخير على العراق برنامج كلام الناس على شاشة /l.b.c/ . أطرف ما شاهدته فيه تلك المشادات الكلامية بين أنصار صدام حسين من جهة وأنصار أمريكا من جهة ثانية والتي خرجت عن نطاق الحشمة إذا صح التعبير . وقد ذكرتني بحادثة شهدتها في طفولتي هي التالية :
جرى شجار بين أم سليمان وأم علي بسبب دجاجة اجتازت السياج وعاثت فسادا في شتلات التبغ البلدي , تطور الشجار الى مرط الشعر ودق الصدر , حضر الزوجان وكل منهما أخذ زوجته وأدخلها الى بيته وأحكم إغلاق الباب عليها . كان المنزلان متقابلين يفصل بينهما منزلنا . بدأت المرأتان التراشق بصواريخ كلامية من العيار الثقيل تم فيها فضح ما هو مستور لكل منهما .
تماما كما حصل بين محمد الدوري ووحيد عبد المجيد المتجاورين بالصورة فقط أمام المشاهد مع أن الأول في نيويورك والثاني في القاهرة .
تكتمل الصورة كبداية لهذه المقالة في ايراد مشهد ثان استوحيته من مقالة بعنوان (معاداة السامية ) من إعداد الدكتور ابراهيم استانبولي جاء فيه ما يلي :
( هناك في سوريا حوالي /90/ ألف شخص درسوا في الاتحاد السوفياتي السابق كل خمسة سادسهم تزوج من روسية )
حقا إن العالم الآن أصبح قرية صغيرة بفضل تطور العلم والتكنولوجيا يتزوج فيها الشباب والشابات عن طريق الانترنت إذا توصل العروسان الى قواسم مشتركة حول الحياة العائلية بغض النظر عن جنسية كل منهما , وما دام الأمر كذلك , فإننا نحن المعنيون بدفع عربة التقدم الاجتماعي الى الأمام مطالبون بإعادة صياغة مفاهيمنا وتكييف نشاطنا السياسي بما يتلاءم مع تلك المعطيات .
ولنبدأ بالمسألة القومية . كيف فهمناها سابقا , وماذا بقي صالحا من ذلك الفهم , وماهو بحاجة الى تعديل الآن .
من الثابت علميا أن الوعي والعمل فسحا مجالا لإختراع أدوات أصبحت واسطة بين الانسان والطبيعة كانت تتطور مع الزمن ومعها تتطور العلاقات بين الناس, والشكل الأول لتلك العلاقات هو العائلة .
واتحاد مجموعة من العوائل شكل العشيرة القائمة على قرابة الدم .
واتحاد مجموعة من القبائل أعطى فيما بعد القبيلة .
وانصهار مجموعة من القبائل المجاورة وذات التاريخ المشترك أعطى القوم .
ولقد عرفت طفولة الجنس البشري كثيرا من البربرية والوحشية قبل أن تستقر ملامح القوميات وتتبلور هوية التجمعات البسشرية في ملامح خاصة بها , فالتاريخ يحدثنا عن حضارات سادت ثم بادت من جراء الهجمات والغزوات الهمجية القديمة بين القبائل , وكثيرا ما تمثل الغالب ثقافة المغلوب أو تهجنت الثقافتان وتم التطور المستقبلي في تلك المنطقة على هذه القاعدة .
وتحول الأقوام الى امم مازال جار حتى هذه اللحظة من تاريخ الجنس البشري ويسود حوله اللغط في كل مكان فعلى سبيل المثال لا الحصر, لا تفرق اللغة الانجليزية بين القومية والأمة وهما يردان في كلمة واحدة تحمل نفس المعنى . في حين فرق الشيوعيون على اختلاف مدارسهم بين القومية والأمة ويكاد يكون فهم ماركس ولينن وغرامشي متماشيا مع تعريف ستالين الشهير للأمة ( الأمة جماعة من الناس على أرض مشتركة لها ثقافتها وتاريخها الخاص وعاداتها وأفراحها وأتراحها وآمالها وآلامها يجمعها اقتصاد مشترك )
وتوحيد السوق القومية في اقتصاد مشترك واحد لم يتم الا في عصر الرأسمالية, وعلى يد البورجوازيه, وقد جرى في أوروبا أولا وعبر شكلين رئيسيين .
الأول : من أسفل وبوساطة ثورة شعبية كما جرى في فرنسا .
والثاني : من أعلى مثل توحيد السوق القومية بالقوة عن طريق الدولة , بسمارك في ألمانيا .
ولكن الشيوعيون يرون أن مهمة توحيد السوق القومية في عصر الأمبريالية أصبح يقع على عاتق الطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين من فلاحين وشرائح دنيا من البورجوازية .
باختصار يفرق الشيوعيون بين أمة بالكمون بالقوة , وأمة بالفعل بالواقع .
أما القوميون فلا يختلفون عن الشيوعيين في فهم المسأة القومية إلا حول دور الاقتصاد في تشكلها , فهم يرون أن دورالثقافة أهم من الاقتصاد .
فالقوميون العرب مثلا يرون أن الاسلام احتضن الملامح القومية العربية وأخرجها الى الوجود كأمة بالفعل قبل الرأسمالية, وجاء الاستعمار فيما بعد وجزأها الى دويلات متناحرة ليسهل عليه نهب خيراتها .
المشكلة في هذا العصر ليست في الاختلاف على هوية الشعوب وتشكل القوميات , المشكلة في تحولها الى دول على أساس تلك الهوية لكل منها اقتصاده المشترك الخاص به . هنا نجد العجب العجاب , فأمة كالأمة العربية كانت خير أمة أخرجت للناس, ولها باع كبير في صنع حضارة الجنس البشري . الآن ممزقة بين دويلات عديدة . سبقتها أمة كالأمة الأمريكية ليس لها ذلك التاريخ وتأثيرها على المسرح العالمي وعلى مستقبل الجنس البشري أضعاف أضعاف الأمة العربية . كما أن هناك أمم أ خرى تدخل في اتحادات فيما بينها يمكن أن يصهرها مستقبلا في دولة واحدة كالاتحاد الاوروبي, في الوقت التي تتشظى فيه يوغسلافيا الى قوميات ودويلات متناحرة . كما ان الاتحاد السوفياتي السابق شكل دولة قوية من قوميات وأمم مختلفة , وإن كان تشكلها بالقمع والقوة قد أدى الى تفككها , فإن التاريخ يمكن أن يعيد تلك التجربة من أسفل وبشكل ديمقراطي وذلك احتمال وارد على ما أعتقد .
والمشكلة أيضا أن إخراج القوميات الى أمم في عصر القنابل الذرية والهيدروجينية وأسلحة الدمار الشامل يمكن أن يؤثر سلبا على مستقبل الجنس البشري ككل إذا لم نأخذ بعين الاعتبار موضوع السلم العالمي بين الدول .
هذا يعني أن تكون القاعدة في نضالنا كتقدميين من أجل إخراج الأمم من أمم بالكمون الى أمم بالفعل محكوم بخدمة حركة النوع البشري ككل , فإذا كان ذلك النضال ينعكس إيجابا على ذلك الشعب والشعوب المجاورة وجب العمل من أجل ذلك . أما إذا كان انعكاسه سلبا, علينا أن ندفعه ليعمل مع شعوب الدول الموجود بينها من أجل خدمة النوع ككل .
................................ ..............................................
على هذه الأرضية أردت أن أناقش المسألة الكردية .
ومنذ البداية أقول : لا أحد يجادل في الهوية القومية الكردية وتبلورها عبر التاريخ وحملها الملامح القومية الكاملة من عادات وتقاليد وتراث وتاريخ مشترك, ولكن هل الأكراد هم وحدهم المظلومون من قبل التاريخ؟ صحيح أن إرتيريا كما يقول أحدهم ليست سوى مليونان ولها دولة ذات سيادة , والأكراد أكثر من ستين مليونا وليس لهم دولة, ولكن الأصح أن سلخ جزء من تركيا والعراق وإيران وسوريا لتظهر دولة كردستان التاريخية سيفجر صراعات ويجلب ويلات وكوارث على شعوب المنطقة هم بغنى عنها .
...................................................................................
الهم الكردي يطغى علينا نحن السوريين الآن, ويفتح أعيننا على أخطار رهيبة محدقة بنا .
ماذا يعني رفع العلم الكردي وإنزال العلم السوري من قبل بعضهم ؟؟!!
ماذا يعني سلخ ثلاثة محافظات من سوريا تقطنها أغلبية كردية وفيها الجزء الأكبر من ثروات سوريا كالنفط والغاز والماء ؟؟
هل يعي هؤلاء ما يفعلون وما يراد لهم ؟؟
ولماذا لا يناضل أكراد سوريا مع غيرهم من المواطنين السوريين من أجل انتقال سلمي وهادئ وتدريجي نحو دولة الحق والقانون ؟؟
ربما وقع على الأكراد ظلم أكبر خلال أربع عقود من ديكتاتورية البعث بسبب شوفينية هذا الحزب. ولكن الظلم وقع على كل أبناء الشعب السوري .
أستعيد من ذاكرتي الحوارات الكثيرة التي دارت بيننا وبين كوادر كردية غالبيتها معتقلة بتهمة الانتماء الى حزب العمال الكردستاني, حول كردستان التاريخية وحمل السلاح من أجل ذلك, كان رأي أعضاء الحركة الوطنية السورية أن ذلك سينعكس سلبا على القضية الكردية وهاهي الحقائق تفقأ العين وتجعل أعضاء ذلك الحزب يصنفون في خانة واحدة مع حركة أنصار الاسلام الكردية, ولم يفدهم شيئا استغاثة زعيمهم من السجن وطلب الحوار مع القيادة التركية على قاعدة غير قاعدة كردستان التاريخية .
في الختام أود أن أقول للأكراد الذين أحبهم من كل قلبي وأتعاطف مع قضيتهم, أنني لست ضد دولة كردية خاصة بهم بشرط أن يكون النضال من أجلها سلمي وبرضى وإقناع الرأي العام العالمي, مع أنني أرى بذلك حلما بعيد المنال يذكرني بحلم البلاشفة في الاشتراكية ومحاولتهم حرق المراحل من أجلها, وانعكاس ذلك سلبا على عموم روسيا .
كامل عباس
اللاذقية /18 / 3 / 2004
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟