|
الدولة العراقية وسفارتنا في برلين ورفات الفنان العراقي أحمد الجاسم...
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 2588 - 2009 / 3 / 17 - 09:00
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
من يتطلع لخارطة الشتات الإبداعي العراقي قد يصاب من دهشة هذا الكم المهاجر الذي دفعته الظروف القسرية ليحمل أحلامه الى المهاجر والمنافي ، ويبدو أن الأسى والمظلومية والنسيان يظل يلاحق هذا الشتات في النهاية العمرية لأولئك الذين أقل ما كان يتمنوه أن يحصلوا في النهاية على متر من الأرض تأوي إليه نعوشهم في راحتها الأبدية فليس أجمل على مبدع أقتربت نهايات أحلامه من فصولها الإبداعية المرة والقاسية والغنية أن تكون مقبرة دار السلام أو مقبرة الكرخ أو أي لحد تحت ظل نخلة عراقية أو ضفاف رافديني آخر محطة تستقر عندها النهاية التي ابتدأت بختم جواز السفر وانتهت بختم آية الفاتحة ..وربما هذا الشتات يحتاج لمن يلتفت إليه في معضلته هذه ( الموت وراء الحدود ) ، وربما مقبرة الغرباء في السيدة زينب ــ محافظة ريف ــ دمشق لدليل محزن على هذا الاغتراب عندما يهجع على ترابها أناس مبدعون لو كانوا في أي بلد متحضر لعمل لهم صروحا من الذهب وفاء لما منحوه لوطنهم من وفاء وإبداع ومنفى ( الجواهري ، هادي العلوي ، مصطفى جمال الدين ، عبد الوهاب البياتي ..وقائمة طويلة من صناع الحلم ) وهناك غيرهم الكثير في شتات هذا العالم حيث يكون العراقيون مدركين أن الدولة التي لاتفكر بأحلام مبدعيها أينما كانوا ، ربما لن تستكمل النهايات السعيدة لمشاريعها ، لهذا فأنا لن اسمع في يوم ما بمن يضع مشروعا وطنيا متكاملا لنقل رفات مبدعي العراق من منافيهم ، ولم يطرح هذا في البرلمان وكأن الجواهري والبياتي لم يكن يوما ما يمثلان لهذا الوطن قيمة أدبية كما قيمة الأهرامات عند مصر وزقورة اور عند أهل الناصرية والثيران المجنحة عند أهل الموصل وعبد الله كوران عند الكورد وتمثال الحرية عند أمريكا ..وهكذا تطول قائمة الفضل على العراق ومؤسساته التي ندين فيها لمثل تلك الأقمار التي تنتظر القرار الرئاسي والمشروع الوطني لنقل رفاتها واقامة الصروح التي تليق فيها ... أضع هذه المقدمة لتذكير الدولة ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ووزارة الثقافة وممثلية العراق في منظمة اليونسكو والسفارات العراقية في الخارج وكل المعنيين الى جزء من معانات ذوي هؤلاء المبدعين ، وربما ما أشاهده من ألم وتساؤلات على أجفان صديقي الشاعر والمبدع العراقي محمد الجاسم وأنا أزوره كل أسبوع تقريبا في مسكنه في مدينة دورتموند الألمانية حول مصير رفات أخيه الفنان العراقي الكبير أحمد جاسم الأمير النائم في حزن غربته في مقبرة بمدينة برلين منذ حوالي 15 عام ، والفنان المرحوم أحمد الجاسم مبدعا عراقيا أصيلاً حمل اسم العراق في خلجات ألوانه واشعاره ومعارضه التي جابت مدن الأرض لتحكي قصة الجنوب العراقي في حداثته الأبدية وثورته التي لا تهدأ إلا مع إغفاءة السمك والنخل وموج نهر الغراف. فقد شكل الجاسم المسمى إبداعيا ب( أحمد الأمير ) ظاهرة فنية جديدة وخاصة في الديكور المسرحي والذي مكنه وتألقه أن ينال مديح مشاهير الثقافة في أوربا ومنهم الكاتب المسرحي الفرنسي الكبير جان جنيه الذي زاره في محترفه ليشاهد الديكور الذي وضعه الفنان احمد الجاسم لواحد من مسرحياته وهي مسرحية ( الشرفة ) ، إضافة الى أن الجاسم قد شغل أمكنة قلما يشغلها مبدع عراقي في مؤسسة ثقافية ألمانية عندما عين مديرا لورشة الديكور في مسرح شيلر العريق في العاصمة برلين وكذلك عمل مسؤولا لصالة الرسم في مسرح الأوبرا الوطنية في برلين. هذا المبدع اغمض عينه في نعش المنفى جراء مرض كلوي في مايس 1994، ودفن هناك في أمكنة الاغتراب وكان حلمه أن تكون الناصرية حيث تعلم ونشأ ونسج ارتعاش أنامل البدايات صورة اللوحة التشكيلية الأولى في المدرسة المركزية الابتدائية ، وهو أصلا من عائلة جنوبية مبدعة اشتهر جل أبنائها بأصالة موروثهم الإبداعي ابتداءً من والده رحمه الله وانتهاء بأخيه المبدع حيدر الجاسم الفنان والمصمم الذي نال أيضا حصة من اغتراب كل أبناء هذه العائلة ليعيش في أمريكا مصمما أقدماً في شركة بوينغ للطائرات ولتطبع أعماله وإبداعاتها وخاصة تلك التي مازج فيها الخط العربي في الرسم التشكيلي على كارتات التهاني والمراسلات التي تطبع في أمريكا ،وأيضا من هذه العائلة الفنانة التشكيلية المبدعة رمله الجاسم التي تعيش أيضا غربتها في هولندا وأخيه الشاعر محمد الجاسم الذي يعيش اغترابه في مدينة دورتموند الألمانية . محمد الجاسم يحمل قلقه اليومي إزاء ما سيحدث لرفات أخيه من متغيرات وقوانين لبلدية برلين بعد هذا الزمن الطويل في لحد المنفى ، ولهذا كان يتحرك دائما في مناشدة العون لنقل الرفات من ألمانيا الى برلين ، وكان في نيته في كل مرة يناشد عون السيد السفير العراقي في برلين ، وربما آخر محاولة له في تعاونه مع الناشط والأديب العراقي حسن علي مذكور المقيم في برلين والذي أبدى كامل الاستعداد للعمل على تنفيذ وصية المرحوم بأن تكون محطة أحلامه الأخيرة هو قبر في مقبرة وادي السلام بعد أن يزور مدينته الناصرية على نعش راحته ويطاف به في شوارعها كما تحقق في حلم الشاعر العراقي الكبير كمال سبتي الذي غادر العالم في غربته أيضا ولكن الدولة وسعي أخويه المبدعين إبراهيم سبتي ورياض سبتي وأصدقاءه أتوا بجثمانه وطافوا به في شوارع المدينة لينال موتا يليق بمبدع كبير. واحمد الجاسم يستحق أن ينال من مدينته ذات التكريم ومن دولته التي حمل علمها وأشواقها بين بهجة اللون والحنين والمنافي. فلتنتبه الحكومة برئاساتها الثلاث ، ولتضع الوزارة هذا الحلم الذي يصبغ بالنخوة والأمل أجفان أخيه محمد الجاسم وتوعز الى سفارتنا في برلين بأجراء ترتيبات نقل جثمان الفنان الشهيد ، معتبرا إن كل مبدع يموت في غربته بعيدا عن سماء وهواء ونخيل ورافدي العراق وكاروك طفولته الأولى هو شهيد ، والأمر ليس مكلفا في ناحية الإدارية والمالية ،ما دام المرحوم له الفضل علينا بإبداعه وأصالته وقيمته الفنية ، واعتقد أن ثمة من سيسمع هذا النداء من الموقرين الذين أشرت إليهم ، والأمر قد لايهم رفات فنانا احمد الجاسم فقط .بل يشمل جميع من توسد تراب غربته وعيناه ترنوا الى العراق.. أمنية صادقة وأمل ليس ببعيد المنال أن يكون احمد الجاسم بين أحضان العراق في القريب العاجل ...
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيء عن بلاد أسمها ( التها بها )...!
-
مديح إلى مدينة العمارة .. ومعدانها أجداد هيرقليطس...
-
شيوعيو مدينة الناصرية بين الانتخابات ومتحف لفهد....
-
مقدمة ٌلتاريخ ِمدينةِ الناصريةِ .....
-
جلجامش وملوك ورؤساء الجمهوريات ..
-
البارسوكوليجي 2009
-
انظر إلى غزة ...أنظر إلى العربي....!
-
قراءة الباطن الروحي ( للمغربي ) شكسبير وتنظيم القاعدة...
-
عيد ميلاد مجيد يا أهل ناحية الحَمارّْ ....
-
طالما .. العراق حيٌ ..فأنت الحي وليس فلوريدا...
-
قيصر والعراق وحبة التين
-
الحسين ( عليه السلام ) ، وغاندي ( رحمهُ الله ) ، وكارل ماركس
...
-
أشراقات مندائية
-
شيء عن السريالية ، والغرام بالطريقة التقليدية...
-
الفصيحُ لايشبه الصفيح .. وحنيفة لايشبه الصحيفة ....
-
من أمنيات الترميذا يوشع بن سهيل
-
الصابئة المندائيون وسوق الشيوخ وتشريفات القصور الرئاسية...
-
ميثلوجيا العدس
-
التاريخ الوطني لشركة أحذية باتا...!
-
الانتحاريُ الجَميلْ ..وجَنتهُ التي عَرضُها السَمواتُ والأرضْ
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|