|
دوام الحال من المحال
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 2588 - 2009 / 3 / 17 - 01:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
سهل على المرء التعود على سلوكات جديدة ومستحدثة، ولكن من صعب عليه تغييرها بعندما تصبح هذه الأخيرة إدمانا، خلافا لما قاله ابن خلدون من أن دوام الحال من المحال ولكن أي حال يقصد عالمنا الجليل هل حال السلب أم الإيجاب أم كلاهما معا، ففي عصر كهذا لا نرى دائما إلا دوام الحال وبقاءه على ما هو عليه بدولنا المتأخرة، بينما نعاين باستمرار تغير حال أمم أخرى غيرنا. والحقيقة أن بعض الدوائر الاستئثارية القابضة على كل شيء بيننا، لا تبغي لهذا الحال إلا دواما واستمراره على ما هو عليه، ولا ترضا الاحتكام الطوعي للغة إيثار الغير على الذات المنصوص عليها في الإسلام وكافة الشرائع والأعراف الإنسانية! وفي ظنٍّ الكثير منها بأنّ إستئثارها وتسلطها سيدوم بلا انقطاع، وأنها باقية على الرقاب بلا زوال، وأنّ ديار الظالمين ليست إلى خراب، وأنّ الدنيا ليست دوّارة ولن تنقلب عليهم وعلى مصالحهم، رغم أنهم يرون بأمّ أعينهم كيف أنّ رياح التغيير عصفت بأشرس الديكتاتوريات حولهم، وأنها قادمة لامحالة ولن تعيقها أية مصدات من استراتيجيات مصداتهم البالية التي قد لا تجديهم نفعاً حينما يجدّ الجدّ وتقترب ساعة الحسم، خاصة منهم أولئك الجهلة المنافقون الذين تسللوا إلى مرابع السياسة وإدارة شؤون الناس، التي تحقق فيها الدعارة نجاحات مبهرة تحول البعض رغم الفقر المدقع، والحاجت الملحة، إلى رجال أعمال واصحاب شركات تفيض الملايين من جيوبهم، وتحيط بهم حاشية من النصابين والقوادين وبائعي المخدرات المتنفعين المنافقين، بعد أن يكونوا قد أتقنوا كيف يكون لهم وجه لعامة الناس يسرقون به الشرف والرجولة يروجونها حين يجلسون إليهم، فيحسبوهم من الشرفاء الوطنيين حبا وغيرة إذا خاضوا في الحديث عن البلد ومشاكلها، أو يخالوهم من الصحابة الأبرار إذا تحدثوا عن الحقوق والواجبات، والحلال والحرام وحق الصحبة وشرف المعاشرة. ووجه لشياطينهم وزملائهم في المهنة، يمارسون به الدعارة في فيلاتهم الفاخرة البعيدة عن العيون الفضولية، في أرقى وأجمل الأحياء تحيط بها الحدائق الغناء، وتضم المسابح الوسعة، والفرش الوثير، وتسكنها مجموعات من الحسناوات يتمايلن حول مسابحها الكبيرة بالمايوهات (الشونكري) في خدمة ضيوف حواتمنا الطائيين المغاربة الجدد، ، وما بين الخراف المشوية، و المشروبات الروحية، والمايوهات المحشية، والموظفين المرتشين من رجال المصالح و المعاملات وتسهيل الأمور، يمرر أصاحبنا صفقاتهم ويفوزون بالعطاءات الرسمية وغير الرسمية، ويحصلون على التراخيص التجارية الحصرية. وحين يزداد اللهاث وراء الكسب غير المشروع، وتنتشرت روائح الفساد وشراء الذمم واستغلال المناصب، تتحول أيادي الظلام الطويلة التي تجري من تحتها أنهار الذهب والدولار، إلى مشاريع يأس وتخويف للمواطنين، ومن اليأس والخوف يأتي الإحباط، ومن الإحباط تنفجر معظم الأشياء وتحل المصائب وتعمّ أجواء البلاد.
ربما يكون الفساد أكثر شيوعا في بعض الدول منه في المغرب، ومع ذلك علينا أن نكون حذرين من خداع أنفسنا بالتفكير في أن الفساد أمر غريب لا يحدث إلا في أماكن أخرى غير باحة بيوتنا الخلفية. فالمغرب ليس بأفضل من تلك دول العالم الثالثية، التي تقلّ فيها المراقبة وتكثر فيها المحاباة والمحسوبية، وتتداخل في قراراتها المقاربات الاجتماعية والعائلية والمصالحية. فالمثل المغربية الدارج يقول "المال السايب تعلم السرقة" وعندما تقل المحاسبة وتنعدم المساءلة والمتابعة، تكثر التجاوزات من اختلاسات وسرقات وخيانات عظمى، وعندما لا تكون هنالك رؤية للتخطيط الواضح ويُساء الاختيار تكثر كذلك كل تلك المفاسد المجتمعية. وعندما ينام القانون وتغفل الصحافة ويصمت المجتمع المدني وتتراجعت الدولة عن وظائفها، تستشرى كل أنواع النهش والغرف من المال العام وسرقته، ويتحول الفساد إلى قطار مندفع في منحدر سحيق بلا توقف، ومع ذلك يرغب الكل، بل ويتنافس الجميع للصعود إليه، لأن النفوس ضعيفة و أمارة بالسوء. أن خطورة ظاهرة نهب المال العام، لا تتمثل في سرقته فحسب، بل فيما تخلق من ظواهر أعمق وأخطر، لما تحمل في أحشائها من سلبيات خطيرة، كتطلع شريحة من النخب الاجتماعية وأهل الثقة للثراء السريع بطرق سهلة وكسولة وملتوية، فيدفعون دفعا للتفكير في بناء مستقبل أحفادهم وأحفاد أحفادهم من مال غير مشروع، كما فعل غيرهم في ظل غياب القانون أو على اقل تقدير استرخائه الوظيفي وامتيازاته ورفاهيته. فأموال الدولة هي أموال عامة، يجب أن تسَخّر لخدمة المواطن، ولا يجوز البتة أن يرتع فيها من يرتع حتى لو كان نافذاً بحكم مقاربات وقرابات عديدة.
جميل جداً أن يحافظ الناس على الأموال العامة وكأنها أموال لأبنائهم وأحفادهم، دون أن يعمي الجشعُ البصر والبصيرة ويغامر المسؤول بالثقة التي أولاها إياها الشعب، ويغامر أيضاً بسمعة عائلته وأبنائه، ويقوم بـ "لهف" جزء مما أوكل إليه التصرف فيه من الأموال العامة دون وجه حق. محتوم علينا إدن أن نتحلى كلنا بالأمانة في تعاملنا مع الأموال العامة، ولئن كانت لبعضنا شركات تدخل في مناقصات للمشاريع العامة، فليُتنافس عليها بروح ديمقراطية وأخلاق وطنية ومواطنة، دون الحاجة إلى التلفون الأحمر المُرعب!. وعلى الذي ينجرّ إلى السرقة "عيني عينك" دونما وازع من ضمير أو حتى "رهبة" من محاسبة وخاصة من بعض أبناء العائلات المعروفة والميسورة، أن يعوا أن الإنسان الذي يبدأ ضعيفا ويشب قويا مصيره إلى ضعف ووهن، فالصحة إلى إعتلال والمال والجاه إلى زوال، حيث يواجه الإنسان الحقيقة عاريا إلا من قطعة قماش بيضاء لا جيوب لها، وعليهم كذلك أن يفهموا قول الشاعر إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.. أما إذا طال أمد التغيير وبقي الحال على ما هو عليه وغاب الضمير خلف الموبقات فإن الحاجة تصبح ملحة لخلق هيئة محايدة وقوية – فوق الأقوياء – تكون هي عين الشعب ويده التي تبترَ تلك الأيادي العابثة بأمواله وخيراته.
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
.الأحاديث النبوية وأسئلة لا بد منها
-
رد على رد
-
إعداد النشأ ليس قصرا على الأمهات
-
ظاهرة التسول ...
-
قادة من ورق
-
آفة الفقر والجوع
-
لماذا لا يلمع ويثرى إلا مدعو النضال والوطنية ??!
-
تشابه الأحياء الشعبية
-
الحوار المتمدن تجربة لا نهائية ناجحة
-
الآخرون !
-
حماية المستهلك ..في زيادة راتبه .
-
سلوكات مستفزة وغريبة ببيوت الله
-
حوار افتراضي مع المرحوم محمد شكري الكاتب الذي صارع البقاء لي
...
-
التطرف
-
حوار مع الأديبة والشاعرة الكويتية بسمة عقاب الصباح
-
حميرنا وحمار أوباما
-
الإدارة والإداريون
-
العزوف عن القراءة
-
سيارة البلد لا تطرب
-
قيمة الإنسان من ماركة سيارته
المزيد.....
-
كوريا الشمالية تفتح أول وجهة سياحية للسياح الغربيين.. ألق نظ
...
-
مسؤولة أممية: تصريحات ترامب عن الفلسطينيين في غزة تطهير عرقي
...
-
بين وعود ترامب وطموحات بوتين.. هل باتت أوكرانيا خارج الحسابا
...
-
بسبب لكمة قوية.. وفاة الملاكم الأيرلندي جون كوني
-
كيف يمكن لأثرياء أفريقيا المساهمة في خدمة الصالح العام؟
-
بيان من محلية الحزب في النجف.. يا أبناء شعبنا العراقي.. يا ج
...
-
الدفاع الروسية: صد 3 هجمات مضادة في محور كورسك خلال يوم وخسا
...
-
ناقلة محملة بالمازوت تتعرض لحادث في ميناء قرب بطرسبورغ
-
-برق مفاجئ-.. تدريبات للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والج
...
-
حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|