|
وأين صاحبي حسن؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 2587 - 2009 / 3 / 16 - 09:22
المحور:
حقوق الانسان
دائما ما نظرتُ إلى الطبيعة باعتبارها امرأةً متمردةً لا قِبل للإنسان، مهما تقوّى وتعلّم، أنْ يُروّضَها أو يكسرَ شوكتَها. فاتنةٌ وطاغيةُ السحر، لكنها جموحٌ حرونٌ رعناءُ ماكرة. تترك للإنسان حقَّ أن يتعلّمَ ويكتشفَ ويخترع، سوى أنها تدركُ أن سقفَ مُنجزه الاختراعيّ سيظل أبدًا تحت سطوتها. فلا الإنسانُ قَدِرَ يومًا على منع زلازلها أو براكينها، ولا استطاعَ تجنّبَ مكائدها من جبالِ جليدٍ تكشفُ أقلَّ مما تُخفي، فتفتِتْ سفنَه التي شيّدها، وتجعلُ من لحمِه طعامًا لحيتانها الجوعى. وأما التاريخُ، فأنظرُ إليه بوصفه الشابَ المستهتر الأرعنَ المقامرَ الذي لا قانونَ له؛ مهما ابتكر الفلاسفةُ من استقراءاتٍ تحددُ سلوكاتِه، لكي تحدسَ بأفعاله المستقبلية! يظلُّ، التاريخُ، عصرًا بعد عصر، يثبتُ للإنسان مدى وَهَنِه وقلّةِ حيلته وعقمِ حدْسه. المقدماتُ والتوالي، الشواهدُ والنتائجُ، كلُّها مفرداتٌ تخصُّ معملَ الكيمياء ودفترَ المعادلات الرياضية. لكن للتاريخ قوانينَ أخرى تتأبى على التحليل وتستعصي على الخضوع تحت مجهرٍ. فمثلما تقدرُ الطبيعةُ الجَموحُ أن تُنبتَ زهرةً جميلةً ملوّنة من قلبِ طميٍ أسودَ قاحلٍ، أو في ركن صخرةٍ مهجورة في أرضٍ خراب، يقدر التاريخُ أن يُنبتَ الزهرَ والجمالَ والسطوعَ من بين ركام العتمةِ والقبح. تماما مثلما حدث في إنجلترا أوائلَ القرن الثالث عشر. كان ملكٌ فاشيٌّ ظالمٌ شديدُ القبح اسمه كينج جون، على أن هذا القبحَ قد استنبتَ إحدى أجمل زهرات المنجز الإنسانيّ عبر التاريخ. الماجنا كارتا، أو الوثيقة العظمى. أولُ وأخطرُ ورقةٍ في حقوقِ الإنسانٍ عرفها العالم. ذاك أن حُكمَ كينج جون الشموليَّ فائقَ الرداءة أحنقَ عليه بارونات إنجلترا ونبلاءها، فتمردوا على بطشِه، وأجبروه أن يوقّعَ على عريضةٍ تضمنُ بعضًا من حقوق الناس المهدَرة. وفي 15 يونيو 1215، وقّعَ الملكُ التعسُ تحت التهديد، وهو يُضمرُ ألا يطبّقها أبدًا. ثم سرعان ما ركضَ إلى بابا الكنيسة لكي يحلَّه من عهوده التي أُجبرَ على توقيعها. ولكن، بعد موته، وجلوس ابنه هنري الثالث على العرش، ستُوثّق الماجنا كارتا رسميًّا وتُفعّلُ بنودُها، ليتم العملُ بمقتضاها حتى الآن في إنجلترا، بل وفي مجمل بلدان أوروبا المتحضرة، وأمريكا. تشتملُ الماجنا كارتا على عدة بنود تُشرّعُ مبادئ وحقوقًا للفرد الإنجليزيّ من غير العائلة المالكة الحاكمة. صحيحٌ أن تلك الامتيازاتِ كانت، وحسب، لصالح النبلاء و"الرجال الأحرار"، وهو ما لم يتجاوز وقتَها ربعَ سكان إنجلترا، إلا أنها فيما بعد سوف تنسحبُ على كافة المواطنين، بعد انتهاء العصر الإقطاعيّ الطبقيّ، لتعملَ بها كلُّ الحكومات الديموقراطية، والعياذ بالله، عبر العالم. تنصُّ الوثيقةُ على أن الملكَ نفسَه يخضع للقانون(!)، وأن تُسحبَ عنه صلاحيةُ أن يَسجِنَ مَن يشاء، ويُطلق سراحَ مَن يشاء، دون سندٍ قانونيّ. اشتملت الماجنا كارتا الأصلية على 63 بندًا، لم يعد الكثيرُ منها صالحًا للتطبيق الآن. لكن البند رقم 39 يعلو صوته ليقول: "لا يجوزُ اعتقالُ رجلٍ حرٍّ أو نفيه، أو تجريده من حقوقه أو ممتلكاته، أو وسمه بالمارق عن القانون أو حرمانه من مناصبه على أي نحو، كما لا تجوزُ ممارسةُ أيِّ لونٍ من العنف ضدَّه، ألا عبر محاكمةٍ قانونيةٍ عادلة." وأما البند رقم 12 فينصُّ على: "لا ضريبةٌ تُفرّضُ دونَ قبولٍ وموافقةٍ شعبيةٍ عامة." هكذا فعل الإنجليزُ، قبل ثمانية قرون، فقط بإرادتهم الشعبية ووعيهم الجَمعيّ. أما نحن، فحالُنا رصدَها الشاعرُ العراقيّ، المنفيُّ طبعًا، أحمد مطر، رفيقُ درب المغدور، طبعًا، ناجي العليّ، في قصيدةٍ عنوانُها "الرّئيسُ المؤتمن". يقول فيها: زارَ الرّئيسُ المؤتمن/ بعضَ محافظات الوَطـنْ/ وحينَ زارَ حَيِّنا/ قالَ لنا:/ هاتوا شكاواكُـم بصِـدقٍ في العَلَـنْ/ ولا تَخافـوا أَحَـداً/ فقَـدْ مضى ذاكَ الزّمَـنْ/ فقالَ صاحِـبي حَسَـنْ:/ يا سيّـدي/ أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ؟/ وأينَ تأمينُ السّكَـنْ؟/ وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ؟/ وأينَ توفيرُ الدّواءِ للفقيرِ بلا ثَمَـنْ؟/ يا سـيّدي/ لـمْ نَـرَ مِن ذلكَ شيئاً أبداً/ قالَ الرئيسُ في حَـزَنْ/ أحْـرَقَ ربّـي جَسَـدي/ أَكُـلُّ هذا حاصِـلٌ في بَلَـدي؟/ شُكراً على صِـدْقِكَ في تنبيهِنا يا وَلَـدي/ سـوفَ ترى الخيرَ غَـداً/***/ وَبَعـْـدَ عـامٍ زارَنـا/ ومَـرّةً ثانيَـةً قالَ لنا:/ هاتـوا شكاواكُـمْ بِصـدْقٍ في العَلَـنْ/ ولا تَخافـوا أحَـداً/ فقـد مَضى ذاكَ الزّمَـنْ/ لم يَشتكِ النّاسُ/ فقُمتُ مُعْلِنـاً:/ أينَ الرّغيفُ والَلّبَـنْ؟/ وأينَ تأمينُ السّكَـنْ؟/ وأيـنَ توفيرُ المِهَـنْ؟/ وأينَ توفيرُ الدّواءِ للفقيرِ بلا ثَمَـنْ ؟/ .../ وَأيـنَ صاحـبي حَسَـنْ؟ جريدة "اليوم السابع" 10/3/09
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حينما للظلام وَبَرٌ
-
الله كبير!
-
-وهي مصر بتحبني؟-
-
الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
-
مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم
-
أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!
-
مصرُ التى لا يحبُّها أحد!
-
قديسٌ طيبٌ، وطفلٌ عابرٌ الزمن
-
رُدّ لى ابتسامتى!
-
ومَنْ الذى قتلَ الجميلة؟
-
كانت: سيفٌ فى يدِها، غدتْ: شيئًا يُمتَلَكُ!
-
بالرقص... يقشّرون أوجاعَهم!
-
الجميلةُ التي تبكي جمالَها
-
صخرةُ العالِم
-
يُعلّمُ سجّانَه الأبجدية في المساء، ويستسلم لسوطه بالنهار
-
حين ترقصُ الأغنيةُ مثل صلاة
-
من أين يأتيهم النومُ بليلٍ!
-
هنا فَلسطين!
-
لا يتكلمُ عن الأدبِ مَنْ عَدِمَه!
-
سارة
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|