|
أسباب عدم قيام حوار عربي – عربي ناجح
أشرف عبد القادر
الحوار المتمدن-العدد: 792 - 2004 / 4 / 2 - 10:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل حقاً اتفق العرب على ألا يتفقوا؟ كما قالت جولدا مائير، إنه ومع مرور الوقت يتبين لنا صدق هذه العبارة، وسأذكر هنا واقعتين :الأولي عندما غزا صدام حسن الكويت في العام 1990 ، واجتمع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لاحتواء الأزمة، وبدلاً من أن يجدوا حلاً لهذه الأزمة تطاول بعضهم على بعض بالأطباق وانتهي الاجتماع بمزيد من التفرقة وعدم لم الشمل، والواقعة الثانية في قمة بيروت الأخيرة للرؤساء والملوك العرب، حيث تلاسن كل من الأخ العقيد القذافي والأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية على الهواء مباشرة أمام ملايين المشاهدين. فإذا كان هذا حال وزراء الخارجية العرب، وهذا هو حال ملوك ورؤساء العرب الذين يمثلون أعلي سلطة للدول العربية، فماذا عن الباقين؟! فما هي أسباب عدم قيام حوار عربي – عربي ناجح؟ الأسباب كثيرة وأكثر من أن يحتويها مقال كهذا، ولكني سأقتصر على سببين هما: 1_ العناد العصابي: فلغة الحوار التي تعني تقبل الرأي الآخر ومناقشته لمعرفة مدى صحته بالأدلة العقلية منعدمة، يقول غاندي:" أنا أمام الحقيقة رماد"، فالحقيقة لا يمتلكها أحد لأنها فوق الجميع، يقول الإمام مالك:"رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأيهم خطأ يحتمل الصواب"،هذه هي أول مسلمات إقامة حوار ناجح وهي معدومة في أوطاننا العربية، فما الضرر من أن يغير أي شخص قناعاته إذا أثبت له الواقع أنها خاطئة؟ لكن عنادنا العصابي يقف عقبة كأداء لإدارة حوار ناجح، فنحن _ كعرب _ ندخل أي مؤتمر ونحن مقتنعين سلفاً بأن آرائنا هي الصحيحة وما عداها خاطئ من منطلق "عنزة ولو طارت". 2_ المركزية النرجسية: الطفل في صغره يعتقد أنه مركز الكون، وأن على الجميع خدمته، فيتصرف بمبدأ اللذة، ويعتقد أن كل طلباته أوامر واجبة التنفيذ، ولكنه ومع تقد العمر يصطدم بمبدأ الواقع المحبط، ويعرف أن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه،وأن مبدأ كن فيكون السحري الأسطوري ليس له وجود على أرض الواقع، فالعرب مازالوا يتصرفون بهذا الفكر السحري الأسطوري، فمعظم قراراتنا تنطلق من عواطفنا وأهوائنا، والأهواء والعواطف كما نعرف متغيرة بتغير مزاج صاحبها، لذلك تصطدم أهواء الرؤساء والملوك العرب ويصعب عليهم أجراء حوار ناجح لحل قضاياهم ومشاكلهم المستعصية على الحل لانعدام العقلانية السياسية والدينية والفكرية. كيف نتغلب على هذه العقبات؟ ذكرت أن الموضوع أكبر من يحيط به مقال واحد، وبرغم ذلك سأقتصر على الأسباب التالية: 1_ تغيير التعليم والإعلام السائدين: فلن نتقدم قيد ذراع إذا لم نغير نظام تعليمنا ونعلم أطفالنا منذ نعومة أظفارهم لغة الحوار وفلسفة التسامح المنعدمة عندنا في الشرق، يذكر د. أحمد زويل أنه عندما سافر إلى أمريكا كان يضع أبحاثه في دولاب ويقفل عليه بالمفتاح بعد انتهاء عمله، فكان زملائه يتعجبون من تصرفه هذا، فهناك في أمريكا وأوربا روح الجماعة وعمل الفريق موجودان ، في المعمل وفي الشارع والمصنع وفي كل مكان، لكن روح الفردية والأنانية موجودة على النقيض منهم عندنا في شرقنا التعيس،و لابد من غرس روح التعاون هذه في مدارسنا ومنذ الصغر حتى تندمج في سلوك أطفالنا قولاً وعملاً، وكذلك تعليم الأطفال عدم كراهية الآخر والحوار معه لأن الحوار مع الآخر هو عكس ما نعتقد، هو المدخل الحقيقي للحوار مع الذات لنخرج أجيالاً قادرة على الحوار مع الآخر ومع الذات، وعلى النقد الذاتي الذي بدونه لن يكون هناك حوار، وأيضاً على الإعلام أن يقدم لنا حوارات هادئة مبنية على العقل والعلم، بعيدة عن التعصب والتشنج الذي نراه في تلفزيوناتنا وفضائياتنا الذي يكون المدعوون فيه أشبه ما يكونوا ببهلوانات في سيرك. 2_ حرية الفكر: "متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً" عبارة قالها عمر ابن الخطاب، فأغلي قيمة للإنسان هي الحرية، أن يكون حراً في فكره وأن يختار قيمه بنفسه، أي أن يصبح فرداً قائماً بذاته لا رقماً في قطيع، فالفرد المالك لرأسه وفرجه لا زال غائباً عن فضائنا العربي الإسلامي،ولن يتثنى لنا ذلك إلا بفصل الدين عن الدولة، فالقرآن لم يكن ولن يكون كتاب علم وجغرافيا وتاريخ وطب وشعر ..إلخ، بل هو كتاب روحاني يحث على عمل الخير وترك المنكر، فسيادة الخطاب الديني المعادي للحوار في الإعلام والتعليم مدعياً أنه يمتلك وحده الحقيقة وأنه هو الصواب والآخرون على خطأ معتبراً نفسه الفرقة الناجية الوحيدة، هو ما يعيق إمكانية إقامة حوار ناجح. 3_ الديمقراطية: الديمقراطية ليست أمنية، قال الشاعر"وما نيل المطالب بالتمني" بل عمل وجهد وعرق ، فالكل يتكلم عن الديمقراطية ولكن لا يتحدث عن كيفية تحقيقها، فالديمقراطية تمثل قمة الهرم أو سقف البيت، وقبل ذلك علينا أولاً أن نؤسس البيت ونقيم له عمدانه لنصب فوقها السقف، وأساس الديمقراطية وعمادها هو الحوار مع الذات أي بين الأحزاب والجمعيات والأفراد المختلفي المشارب. طبعاً لن نصل إلى هذا الحوار إلا إذا قضينا على الجهل والأمية التي تبلغ نسبتها 50% للبنين و60% للبنات، وكذلك لابد من القضاء على الفقر، لأن الديمقراطية لا تتوافق مع الجهل والفقر، ولن نتمكن من ذلك قبل أن نقضي أولاً على أم المشاكل ألا وهي مشكلة الإنفجار السكاني التي تأتي على أخضرنا ويابسنا، علينا أن ندشن لغة الحوار انطلاقاً من الأسرة التي هي نواة المجتمع، على الأب العربي أن يحاور زوجته ويستشيرها في كل الأمور، وان يحاور أولاده بنين وبنات دون تمييز بينهم، على الكبير أن يرحم الصغير، وعلى الفتي ألا يسحق الفتاة ، على الأب أن يتخلى عن مبدأ الضرب كأسلوب للتربية، وكذلك في العمل، على كل رئيس أن يشاور ويحاور مرؤسيه لأخذ آرائهم حتى ولو لم يعمل بها حتى يشعرون أن مساهمون في اتخذ القرار، بعد كل ذلك يمكننا أن نحقق الديمقراطية ونقيم حوارات ناجحة. فلتفعيل حوار عربي ناجح لابد لنا من قبول الرأي الآخر المختلف أو المخالف، وأن نحتكم للعقلانية، وأن نتخلى عن عنادنا العصابي، وجمودنا الفكري، وأن نتخلص من نرجستنا الفردية والجماعية، كل ذلك إذا تم في جو من الحرية والديمقراطية نستطيع بعدها أن نقيم حواراً عربياً _عربياً ناجحاً، وحواراً عربياً عالمياً ناجحاً أيضاً.فهل نحن فاعلون؟! ومتي؟؟ [email protected]
#أشرف_عبد_القادر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة لعبة المتأسلمين
-
الحجاب وحجب العقل
-
الحجاب والإسترينج
-
هل تكره فرنسا الإسلام والمسلمين؟!
-
مشكلة المتأسلمين مع شيخ الأزهر ليست في الحجاب بل في تصفية ال
...
-
رداً على واصف منصور: الأمية ليست فضيلة بل رذيلة وأمة اقرأ لا
...
-
د. سيد القمني في حديث غني - إصلاح الإسلام فرض وواجب حتى لا ن
...
-
نداء إلى نساء العراق لا قهر ولا وصاية للمرأة بعد اليوم
-
د. سعد الدين إبراهيم مثال لمثقف القرن الحادي والعشرين يجب أن
...
-
حمداً لله أن الحقد الإسلاموي الأعمى لم ينفجر في -الأحداث الم
...
-
حديث صريح جداً مع الرئيس السابق صدام حسين
-
صدق أو لا تصدق الشيخ يوسف القرضاوي يتزوج بطفلة تصغره بستين ع
...
-
حوار مع الدكتور محمد عاطف أحمد السيد طنطاوى
-
الحجاب- ما له وما عليه
-
النوم في العسل و التفكير بالوهم
-
13/12/2003 يوم سيذكره التاريخ
-
حديث مع مربي الأجيال المفكر جمال البنا- شقيق حسن البنا- العل
...
-
فريدة النقاش في حديث صريح - نحن في حاجة إلى تأويل النص الدين
...
-
الموقع الضرورة
-
رسالة مفتوحة إلى الرئيس مبارك من أجل وقف مسلسل العنف الكريه
...
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|