|
حرقة الأسئلة .. أو قراءة في المشهد الثقافي الكويتي
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2583 - 2009 / 3 / 12 - 10:37
المحور:
المجتمع المدني
في قراءة للانتخابات التي جرت في رابطة الأدباء أخيرا وجاءت بوجوه جديدة إلى جانب وجوه متمرسة في الفعل الثقافي، نقول إن كلمة «التفاؤل» شيء جميل للغاية. لكن المحزن في الأمر أن مجموع أصوات الانتخابات الكلية كانت 447 صوتا فقط، حتى إن الرقم لم يصل إلى ألف صوت. وكم تمنينا أن هذا العدد 447، هو عدد أصوات حصل عليها المرشح الأخير في الانتخابات مثلاً. لهذا كان تعليق البعض من خارج دائرة الأدباء بهذا الشكل «ياه 447 صوتا فقط هو مجموع أصوات الناخبين التي تفرقت على المرشحين للانتخابات ؟». وهذا يدعونا إلى التساؤل: ما السبب الذي يجعل عدد أعضاء الرابطة بهذا العدد القليل؟ ما المعوقات؟ ما العمل لكي يكون منتسبو الرابطة أكثر من هذا العدد المخجل حقاً؟ من هنا أقول يقع على مجلس إدارة الرابطة الجديد حل تلك الإشكالية، وللأمانة وأنا أكتب هذه المقالة تذكرت مقالة الصديق محمد النبهان المنشورة في «القبس» يوم الانتخابات، التي ذكر فيها انتخابات أيام زمان مع الانتخابات الحالية والوجوه التي مرت على مجالس الرابطة طوال الأعوام الماضية. إلى جانب ذلك لو توقفنا في حالة تأمل للمشهد الثقافي الكويتي، نراه يفتقد لروح التحاور عند البعض لدرجة وجود حالة جزر معزولة فيما بينهم وتحتاج إلى جسور. ولربما هذه الجسور هي إحدى العوامل التي تسهم في تفعيل المشهد الثقافي وتحل معضلة عدد المنتسبين إلى رابطة الأدباء أوالمنتسبين إلى ملتقى الثلاثاء أو ملتقى حوار أو مجموعة أوراق أو السهروردي أو التشكيلات الأخرى، وكل ذلك بحاجة إلى فعل مكاشفة. وكتبت ذات مرة أن فعل المكاشفة هو كتابة فوق الكتابة، والكتابة فوق الكتابة على حد قول رولان بارت، فن صعب للغاية. لذا هناك من يجوس النص و يغوص في معانيه، من يبحث عن درجاته أو تدرجاته التراكمية، إلى أن يصل إلى درجة الصفر صعوداً نحو فيوضات النص. لهذا السبب يظل فعل المثاقفة (القراءة و الكتابة والمتابعة للمشهد السوسيولوجي والسسيوثقافي) صعب للغاية على من لم يكن مهووساً به لدرجة الجنون، لأن في داخل كل مجنون ما ينهشه من الداخل « دودة» كما قال الروائي من البيرو، ماريو فارغاس يوسا، وعلى من يمارس فعل المثاقفة، أن يقف ولو لمرة واحدة ضد نفسه، بعد مشروع طويل من النبش والحفر والتبئير، ليتخلص من هواجسه ولينصص ذاته بعد كل مرحلة، لربما يقف يوماً ما في المنتصف ما بين الإيديولوجيا – كل خطاب لا يخلو من أيديولوجيا حتى خطاب الأنا – وما بين الفن. إن المبدع الحقيقي، أو المثقف المريض بهكذا هواجس، له في فعل الإزاحة والانزياح طاقة، ومن يؤمن بفعل الاشتباك والمشاكسة وتتلبسه روح التمرد، يشتغل عنده المتخيل، باحثاً عن إرهاصات جديدة، تحولات للفكرة منذ تاريخها الأول – الأسطورة – من هنا يظل يتتبع أحافيرها، أنساقها، وزعزعة الأساسات لقناعات تكاد تتحول إلى جدران أسمنتية، وإلا سيظل دائماً محكوماً بالأسلبة، مستلبا لسقف أو حفرة عميقة خائر القوى ، لا يستطيع أن يحمل صخرة سيزيف ولا حتى محاولة الخلاص. ودائماً في كل مشهد ثقافي هناك حالات ثلاث، لأصناف ثلاثة من البشر: المثقفون، أنصاف المثقفين، أشباه المثقفين. وهناك بشر من الفئة الثانية والفئة الثالثة لا تكرمنا بسكوتها فقط، بل تطلب منا أن نصمت، وإذا قلنا لهم «لا»، أمطرونا في نصائحهم التي لا تسمن ولاتغني من جوع، ويحاول هذا البعض أن يستكثر علينا الحيادية في الطرح، ويستكثر علينا نبش هذا المشهد الثقافي من جديد، لأنه فقط لا يتوافق مع مسطرته ومصالحه الخاصة، ولأننا لم ندخل في «الشلة»، التي يريدنا أن نكون من أعضائها، ويظل دائماً ساقطا في فخ «الوهم» بأننا نقف ضده، أو أننا نقف مع من يقف ضده. وعن هذه الأوهام يقول علي حرب : « إنها أوهام تستوطن الذهن وتعرقل عمل الفكر ونشاط الفهم، الأول هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة، والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية، والثالث هو الوهم الأناسي ويرتبط بمفهوم الهوية، والرابع هو الوهم الماورائي ويرتبط بمفهوم المطابقة، والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير». لذا نحن مشغولون بكل تلك الأوهام، ونحاول نبشها وتفكيكها، ولسنا وحدنا في ذلك، وسنظل نحاول قدر المستطاع إشراك الآخر معنا من خلال فعل طرح الأسئلة، وجمع الإجابات من كل الأطراف، لنخلق نوعا من الجدلية، التي تعطينا في نهاية الأمر نوعا من الحراك، وفي ذلك النوع من الطرح لا نتعامل بقلوبنا، بمعنى آخر ليس في دواخلنا ضد أي أحد شيء من أوهامه. لكننا مازلنا مصابين بالدهشة تجاه ما يحدث من خلال قراءتنا لهذا المشهد، إذ نجد الشللية، ونجد سعي المثقف لنفي مثقف آخر. كما أن جمعيات النفع العام في حالة من الجزر المعزولة، إذ تغيب عنها حالة التناغم، وأيضاً حالة التفاعل مع ما يحدث في العالم، أو في البلاد من أحداث، وهذا يحدث أيضاً ما بين المثقفين حملة الأقلام والمبدعين بكل أطياف المشهد، والذي يصيبنا بحرقة أكثر عدم تجاوب البعض مع الهواجس التي تشغل هويته الثقافية أو الإبداعية، وكأنه غير معني بها تماماً. ولتلك الأسباب وغيرها تواجه الأفكار إشكالياتها، ما يسبب فيما بعد ضعفا في الديمقراطية وتراجعا في التنوير وتشظيا للحالة العقلانية. والمفكر أو المثقف الذي لايستطيع تغيير العالم أو محيطه، فكرياً، بتجديد أفكاره، أو بتغيير طريقته في التفكير، أو بابتداع ممارسة فكرية جديدة، لن يغير شيئاً، ذلك أن المفكر فاعل اجتماعي لكونه فاعلاً فكرياً قبل أي فعل آخر. والمثقف والمبدع الحقيقي لا يكتفي بالفن فقط، إذ يجب أن تشغله قضية الحقوق والحريات، أو تهمّه سياسة الحقيقة، أو يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية أو الكونية، بفكره وسجالاته وكتاباته ومواقفه ومشاركته في الإحداث والمحاور الجدلية. فهذه صفته ومهمته، بل مشروعيته ومسؤوليته. بهذا المعنى، فالمثقف هو الوجه الآخر للسياسي، والمشروع البديل عنه، وعلى عاتقه تقع مسؤولية «الدفاع عن المجتمع» على حد قول ميشال فوكو.
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القولون السياسي
-
نريد حلاً
-
في البحث عن لحظة انعتاق
-
الرقابة والتطرف
-
ما هو شكل الطبخة القادمة في الكويت ؟
-
الدين أفيون الشعوب الفقيرة
-
الديمقراطية في العراق
-
حوار مع الروائي العربي الكبير ... احمد إبراهيم الفقيه
-
ذهنية فتغنشتاين
-
أمنياتنا في القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية
-
حنا مينه : مصداقية الخطاب السياسي تتراجع
-
عروس السفائن .. لن ينطق الحجر
-
في فهم التناقض والدعوة للحوار
-
محاولة فهم للمرونة الاقتصادية
-
إسماعيل فهد إسماعيل : الرواية العربية عالمية متجاوزة .. مشكل
...
-
إلى متى سنظل خارج التاريخ؟
-
نوافذ القلب الموتور - نصف دزينة من القصائد
-
أشلاء أوروفيوس
-
جدل الحجاب
-
مفهوم النص بين الالتباس والإزاحة
المزيد.....
-
الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية اغتيال كيريلوف
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد تضر باقتصاد ألمانيا
-
إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانامو الأميركي
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|