كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2585 - 2009 / 3 / 14 - 09:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم [1-2] بوش ونهج الحرب الباردة والتشدد
عاش العالم فترة مليئة بالصعاب, وشعرت شعوب العالم, وخاصة قوى السلام, وكأن الحرب الباردة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول حلف الأطلسي قد عادت من جديد, وبدأت العلاقات الدولية تتدهور إلى مستوى غير مريح منذ أن وصل جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض, وخاصة في فترة إدارته الثانية, ولم يعد العالم ولا الشعب الأمريكي بكل مكوناته يقبل بذلك. وكان لا بد من التغيير, وهو الشعار الساحر الذي طرحه أوباما في حملته الانتخابية وفاز فيها والذي بدأ, كما يبدو, بتنفيذها.
لقد واجه الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش في بداية تسلمه إدارة البيت الأبيض حظاً عاثراً, إذ وقعت لك العملية العدوانية الشرسة التي نفذتها قوى الإسلام السياسي الفاشية, قوى تنظيم القاعدة في ثلاث مدن أمريكية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 والتي راح ضحيتها أكثر من 2800 إنسان برئ وأرادت بذلك تأجيج الصراع الديني على الصعيد العالمي وإدارة دفة الصراع وجهة دينية ومذهبية خاطئة وخطرة وتشويه طبيعة التناقضات والنضال الذي تخوضه شعوب العالم من أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية, وكانت لها عواقب وخيمة وتداعيات شديدة على مسيرة العلاقات الدولية والسلام في العالم. وكان رد الفعل الأمريكي شديداً ومنفعلاً وانجراراً وراء ذلك الاستفزاز والعدوان الفاضح. وكان هذا هو هدف تلك القوى الإسلامية الظلامية. فالتقطت تلك الحوادث قوى اللبرالية الجديدة وقوى المحافظين الجدد في الولايات المتحدة المعششة في الحزب الجمهوري بشكل خاص والقريبة من الرئيس الجديد حينذاك لتدفع بجورج دبليو بوش باتجاه ممارسة سياسة مشددة مماثلة لتلك التي انتهجها جورج بوش الأب, سياسة الردع المبكر والضربات الاستباقية وتنشيط سياسة العقوبات بما فيها المقاطعة والحصار والتهديد بالحرب وممارستها فعلاً. وأصبحت مناطق من العالم قاب قوسين أو أدنى من حروب إقليمية, كما خاضت الولايات المتحدة وحليفاتها حربين فعليتين في كل من أفغانستان والعراق, وكان الوضع يهدد بخطر حرب أخرى في إيران لولا المصاعب الجدية الكبيرة التي اصطدمت بها الإدارة الأمريكية والقوات العسكرية في أفغانستان والعراق, والخسائر المادية والبشرية التي تحملتها الولايات المتحدة في البلدين وأجبرت اللبرالين الجدد على التراجع.
لا شك في أن الغالبية الساحقة من الشعب العراقي كانت سعيدة بالخلاص من الاستبداد والدكتاتور المجرم صدام حسين من خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة بتحالف دولي واسع نسبياً مع رفض أو تحفظ عدد كبير من دول الاتحاد الأوروبي, ورغم عدم حصول قرار خوض الحرب على موافقة مجلس الأمن الدولي. ولكن الحرب حصلت على تأييد غالبية قوى المعارضة العراقية في الداخل والخارج, إذ أنها أنهت وجود نظام سياسي فاشي وعنصري على الشعب في الداخل وعدواني شرس نحو الخارج. وكانت الفرحة كبيرة والسعادة جارفة. إلا أن هذه الفرحة لم تتواصل, إذ سرعان ما اصطدمت بسياسات غير مفهومة مارستها الولايات المتحدة على صعيد العراق من خلال إعلان إنهاء الحرب بسرعة وحل الجيش وفرض الاحتلال وترك الحدود مفتوحة ورفض تسليم السلطة مباشرة لقوى المعارضة العراقية ...الخ, مما دفع بقوى حليفة قوية له مثل الدكتور أحمد الجلبي, إلى رفض تلك السياسات, إضافة إلى كل القوى السياسية الأخرى, التي قادت إلى سيادة الفوضى والجريمة وبروز جيوب واسعة ومتسعة من قوى الإرهاب والتخريب والقتل وبروز المليشيات الطائفية المسلحة على خلفية المحاصصة الطائفية المقيتة في الحكم والأجواء المظلمة والقاتلة التي عاشها الشعب في ظل سياسات "بوش- بريمر" الخطيرة في العراق. ورغم مرور ست سنوات على سقوط النظام الدكتاتوري فما يزال العراق حتى الآن يعاني من عواقب تلك الأخطاء الفادحة التي ارتكبت أثناء وفي أعقاب الحرب والفوضى والاستهتار والفساد والطائفية السياسية والهيمنة على القرار السياسي العراقي, رغم خلاصه من المستبد بأمره. حتى هذه اليام فما زال الإرهابيون يرسلون بين حين وآخر بعض الانتحاريين ليفجروا أنفسهم ويختطفوا الميد من الناس, كما حصل في الأيام الثلاثة الأخيرة وموت العديد من الصحفيين والشرطة وكثرة من المدنيين.
أما على الصعيد العالمي وفي مجال العلاقات الدولية والاقتصاد والتجارة الدولية والبيئة فقد اصطدمت سياسات بوش الابن بإرادة ومصالح بقية دول العالم, وخاصة الكثير من دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وآسيا والدول الأفريقية, وخاصة دول الشرق الأوسط. وكانت هذه السياسات سبباً أساسياً في الخسارة الفادحة التي مني بها الحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة في نهاية العام 2008, إذ لم يكن الشعب الأمريكي مرتاحاً أو راضياً على تلك السياسات, وخاصة سياساته الداخلية, وانحدر الخط البياني لرصيده الشعبي في الولايات المتحدة ذاتها, دعْ عنك بقية شعوب العالم ومنه شعب العراق, إلى أدنى مستوى عرفه أي رئيس أمريكي في كل تاريخ الولايات المتحدة.
يمكن تلخيص سمات تلك السياسات بالنقاط التالية:
1 . استخدام سياسة القوة والعنف والتهديد بالحرب والضربة الاستباقية بدلاً من الحوار والمفاوضات لمعالجة المشكلات الدولية والإقليمية.
2 . الرغبة في الانتشار العسكري وإقامة القواعد العسكرية الأمريكية في الجديد من بقاع العالم, وخاصة في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية, كما في حالة الدرع الصاروخي وشبكة الرادار الأمريكية التي وقع بوش اتفاقية إقامتها في كل من التشيك وبولونيا, والتي أثارت الحكومة الروسية وقررت نصب صواريخ مضادة باتجاه أوروبا.
3. الإهمال الجدي لدور الاتحاد الأوروبي في السياسة الدولية وخلق تناقضات وصراعات جدية, سواء أكانت بصدد الحروب أم العلاقات الاقتصادية والبيئية الدولية, مما جعل التعاون الأمريكي – الأوروبي يدخل مرحلة جليدية تجلت في علاقة غير ودية بين الرئيس بوش الابن وبين أغلب رؤساء دول الاتحاد الأوروبي.
4 . قادت هذه السياسة على الصعيد العالمي إلى سباق تسلح جديد وإنتاج أجيال جديدة من الأسلحة والصواريخ الهجومية والدفاعية, وإلى إيقاف تنفيذ التعهدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وروسيا بصدد تقليص أسلحة الدمار الشامل والمخزون منها ..الخ, وإلى توتر شديد بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة, التي جرت وراءها حلف شمال الأطلسي ومقاطعة الحوار مع روسيا بعد الحرب مع جورجيا, التي كانت الإدارة الأمريكية وراء تشجيع جورجيا عليها أو لم تمنع وقوعها.
5 . فرض شروط التجارة الحرة الأمريكية على العالم بالرغم من الاعتراضات الكثيرة, لأنها تثقل كاهل وتطور اقتصاديات الدول النامية, مما قاد إلى عواقب سلبية جداً على الاقتصاد العالمي, ولكن بشكل خاص على اقتصاديات الدول النامية.
6 . كما إن سياسة التسلح والعسكرة الأمريكية ومصروفات الحرب على النظام العراقي وحفظ الأمن فيه والتي بلغت قرابة 2 ترليون دولار أمريكي, إضافة إلى مصروفات الحرب في أفغانستان التي أرهقت الاقتصاد الأمريكي ورفعت من المديونية الهائلة للحكومة الفيدرالية, كما أدت إلى تدهور في سعر صرفالدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى, كما سكتت الإدارة الأمريكية أو حتى شجعت على الغوص في سياسات المضاربة بالأسواق المالية والعقارات وساهمت في الرفع غير الاعتيادي لسعر البرميل الواحد من النفط الخام .. الخ ثم إلى انهياره إلى مستوى الثلث تقريباً والتي تسببت كلها وغيرها في خلق اختلالات فعلية في الاقتصاد الأمريكي وفي بقية اقتصاديات الدول الرأسمالية المتقدمة وإلى تراكم عوامل الأزمة المالية والاقتصادية وتفجرها بسرعة فائقة, وهي الأزمة التي ترهق الآن الاقتصاد العالمي, ولكن بشكل خاص شعوب البلدان النامية والفقيرة والفئات الاجتماعية الكادحة في الدول الرأسمالية المتقدمة. وهي الأزمة التي لم تصل إلى عمقها وسعتها وشموليتها المدمرة حقاً حتى الآن.
7 . الموقف السلبي من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية المتخلفة في الدول النامية وتنامي الفقر والمرض ورفض فكرة واقعية تقول بأن الاستغلال المتفاقم وتنامي الفقر وعدد الفقراء واتساع الفجوة بين مدخولات ومستوى حياة ومعيشة الأغنياء والفقراء واتساع قاعدة البطالة عالمياً والجوع والحرمان كلها عوامل تشكل أرضية خصبة لنشوء وتفاقم التطرف وتنامي نشاط قوى الإرهاب في العالم. وبالتالي لم تشارك الولايات المتحدة بصورة جدية في مكافحة الفقر وتنشيط التنمية في الدول النامية, وهي التي اصطدمت بهذا القدر أو ذاك بسياسات مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي. وقد تجلت هذه المواقف في مؤتمر القمة العالمي للقضايا الاجتماعية.
8 . كما كان موقف الولايات المتحدة مناهضاً لأية سياسة عقلانية في مجال حماية البيئة وتقليص نسبة التلوث في العالم ومكافحة زيادة الغازات, وخاصة ثاني أوكسيد الكاربون المنطلق نحو الفضاء واثارها السلبية على طبقة الأوزون, مما وضع العالم كله ضدها.
9 . وفي فترة حكم بوش تفاقم الفساد المالي في الولايات المتحدة ذاتها من جهة, ودور المؤسسات والشركات الأمريكية العملاقة في عملية الإفساد على الصعيد العالمي, ومنها العراق وأفغانستان والتي أجبرت روائحها الكريهة إلى تشكيل المزيد من لجان التحقيق في الولايات المتحدة للكشف عن تلك التجاوزات المالية الكبيرة.
10 . وكان بوش الابن مسيحياً انجليكياً متديناً ومؤمنا بتعصبو فاعتقد بأنه يؤدي رسالة موكولة إليه من الرب عليه أن ينشرها على العالم كله, إنها رسالة الحرية الأمريكية, كما كان قومياً يعتقد بأن الأمريكي أفضل من أي فرد آخر في العالم , بمن فيهم الجندي الأمريكي, وإذا ما اجتمع الديني مع القومي لدى أكبر شخص مسئول في أكبر دولة في العالم, عندها تبدأ الكارثة بالتفاعل. وهذا ما حصل فعلاً.
الشيء الإيجابي الذي يحسب لصالح بوش حقاً, وينبغي أن يذكر له, يتجلى في موقفه الجيد والمسئول من رفض العنصرية في الولايات المتحدة. فقد رفضها الرجل وأدانها وعمل ضدها وبرز الكثير من السياسيين السود في حكومته وفي أجهزة الدولة الأخرى وساهم في كسر أجواء العنصرية التي ساهمت بدورها في أن لا يكون غالبية البيض في الولايات المتحدة حساسين من انتخاب باراك أوباما على رأس الإدارة الأمريكية ويقطن أول رئيس اسود في البيت الأبيض, بل ساهمت نسبة مهمة من البيض في انتخابه.
إن كل ذلك وغيره (عدا الملاحظة الأخيرة) ساهم مساهمة كبيرة في تسريع حصول الأزمة المالية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع الدولي في ظل الرأسمالية وسياسات العولمة الرأسمالية التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية. ورغم القرار بصرف ترليون دولار أمريكي في الولايات المتحدة من جانب الدولة لمعالجة الأزمة الراهنة فيها, فإنها سوف لن تعالجها جيداً ما لم تصل إلى العمق الذي لم تبلغه بعد.
إن دراسة متأنية من جانب المعاهد العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية للسياسات التي مارستها إدارة جورج دبليو بوش ستخرج باستنتاجات مهمة تشير إلى مدى العواقب الوخيمة التي تسببت بها للاقتصاد الأمريكي والعالمي وللعلاقات بين الشعوب, كما ستكتشف الكثير من الجوانب التي تستوجب في ضوئها محاسبة الكثير من المسئولين في إدارة بوش ابتداءً منه ومروراً بدك شيني وورامسفيلد وبول فولفتز وانتهاءً بأجهزة وزارة الدفاع الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية وبعض مستشاري الأمن القومي...الخ.
10/3/2009 كاظم حبيب
كاظم حبيب
بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم
[2-2]
أوباما ونهج التصالح والتفاعل مع العالم
وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض بفعل عاملين أساسيين, وهما:
عامل داخلي ارتبط بتلك السياسات غير العقلانية التي مارسها بوش وحزبه الجمهوري خلال الأعوام الثمانية المنصرمة والعواقب التي ترتبت عن تلك السياسيات وتفجر الأزمة المالية والاقتصادية وتفاقم البطالة والفقر التي هيأت أجواء التغيير المنشود من جهة, كما لعب باراك أوباما وحزبه والاتجاهات السياسية الجديدة التي طرحها ووسائل وأساليب الإعلام التي مارسها مع المجموعة المرافقة له في الحملة الانتخابية ورفعه شعار "التغيير" الذي وجد تأييداً وهوى كبيرين وواسعين لدى الشعب الأمريكي, وخاصة في صفوف الشبيبة والنساء من جهة أخرى, في وصول أوباما إلى البيت الأبيض وإلى تحسن كبير في مواقع الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.
عامل خارجي ارتبط برفض العالم, وخاصة الاتحاد الأوروبي لسياسات الولايات المتحدة التي مارسها بوش الابن والتي أدت إلى خلق أجواء شبيهة بأيام الحرب الباردة, وممارسة التهديد والعصا الغليظة والحروب الاستباقية, إضافة إلى تنفيذ سياسات العولمة غير العقلانية المنافية لمصالح شعوب الدول النامية التي مارسها كجزء من سياسات اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد وشاركت معه بقية الدول الرأسمالية المتقدمة (7+1).
بدأ أوباما, وفي آن واحد, معالجة القضايا الداخلية والقضايا الدولية. فبدأ بإجراءات عاجلة لتخفيف الأزمة وليس إلى مكافحتها, إذ لا سبيل إلى ذلك بسبب عمق الأزمة وسعتها وشدة الاختلالات المتراكمة وفي ظل النظام الرأسمالي العالمي والسياسات التي مورست حتى الآن, وخصص لذلك ما يقرب من تريليون دولار أمريكي. ولكن أوباما طرح نفسه في الحملة الانتخابية باعتباره مجدداً ومغيراً, وهو ما ينتظره منه الناخب الأمريكي. ويبدو أنه وبوضوح نسبي قد بدأ سلسلة من الإجراءات التي تعبر عن محاولة جادة للنظر في إمكانية إعادة النظر في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي في ظل النظام الرأسمالي من خلال السياسات الضريبية ومجموعة من القوانين التي تحمي المنتج والمستهلك نسبياً. ويبدو هذا واضحاً حتى الآن بعدة إجراءات جوهرية, وهي:
1 . إعادة النظر بالنظام الضريبي بما يؤدي إلى رفع مستوى الضريبة المفروضة على الأغنياء والشركات من جهة والتخفيف عن كاهل دافع الضرائب الصغير والفقير.
2 . إصدار قرار بتأمين العناية الطبية والرعاية الصحية لأطفال العائلات الفقيرة والذي لم يكن موجوداً في السابق.
3 . وضع نظام جديد للضمان الاجتماعي والصحي في الولايات المتحدة الذي يمكن أن يقترب من تلك النظم المعمول بها في أغلب دول الاتحاد الأوروبي.
4 . يمكن أن يعود إلى الاستفادة من النظرية الكينزية لا في مواجهة الأزمة فحسب, بل وفي العملية الاقتصادية من خلال زيادة دور الدولة في النشاط الاقتصادي وفي الرقابة على البنوك والمؤسسات المالية.
إن هذه الإجراءات سوف لن تغير من طبيعة النظام الاقتصادي السائد في الولايات المتحدة, ولكنها ستساهم بهذا القدر أو ذاك التخفيف عن كاهل المنتجين والمستهلكين, وخاصة الفئات الكادحة والفقيرة.
وعلى الصعيد الدولي بدأ أوباما بعدة إجراءات كان الرأي العام العالمي يطالب بها ويسعى إليها, منها على سبيل المثال لا الحصر, البدء بعملية غلق معتقل غوانتنامو, تنظيم انسحاب القوات الأمريكية والدولية تدريجاً من العراق وبالحدود التي طرحها في حملته الانتخابية تقريباً, زيادة الجهد الموجه صوب أفغانستان من أجل منع انتقال شديد للقاعدة إلى باكستان, إعادة النظر بقرار إقامة شبكة الرادارات في التشيك والصواريخ المضادة في لولندا وبالتفاوض مع روسيا والعودة إلى اتفاقيات النزع التدريجي لأسلحة الدمار الشامل وتقليص المخزون منها والقواعد الصاروخية المنصوبة في العالم, كما يمكن أن تتخذ سياسات جديدة في مجال التجارة الدولية وحماية البيئة من التلوث ... الخ بخلاف سياسات بوش السابقة.
كما يبدو بأن الولايات المتحدة ستنتهج سياسة جديدة إزاء إيران وسوريا من خلال تنشيط التفاوض السياسي لمعالجة أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران والسعي لإنتاج السلاح النووي لمعالجة الخلافات مع سوريا.
والأسئلة التي ستبقى قائماً أمامنا هي: كيف ستتعامل إيران مع التوجه الجديد للبيت الأبيض, وهل ستعود إلى طاولة المفاوضات أم أنها ستواصل استغلال الوقت للسير قدماً في برنامجها النووي. وهي المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية.
وإزاء هاتين القضيتين تبرزان مشكلات عديدة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إلى ماذا ستنتهي الانتخابات القادمة في إيران, وهل سيفوز محمد خاتمي أم سيأتي محافظ متطرف مماثل لأحمدي نجاد, رغم بقاء خامنئي مرشداً لإيران, وهل لا يختلف في تطرفه عن أحمدي نجاد. هل ستواصل تخصيب اليورانيوم وتعمق عزلتها دولياً وتقود إلى عواقب وخيمة من خلال الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة بشأن إيران؟ وهل ستكف إيران عن التدخل في الشأن العراقي, أم أنها ستواصل ذلك كما برز في تصريحات خامنئي ومطالبته العراق بإخراج القوات الأمريكية من العراق دون أي احترام لموقف العراق الذي وقع اتفاقية بهذا الشأن وفي طريق الانسحاب الفعلي المنظم للقوات الأمريكية من العراق؟
- كيف سيكون موقف الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية ومحافظة في الموقف من قضية السلاح النووي في إيران والموقف من حل الدولتين ومن بناء المستوطنات في الضفة الغربية وكذلك الموقف من إطلاق حماس وقوى أخرى للصواريخ على إسرائيل.
- كيف سيعمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة إزاء هذه القضايا؟ وكيف سيكون الوضع في فلسطين ذاتها, وخاصة الصراع على السلطة والتدخل الإيراني المتفاقم في القضية الفلسطينية من خلال حماس وحزب الله على نحو خاص.
وفي كل الأحوال يمكن القول بأن التغيرات النسبية في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تقود إلى التهدئة على صعيد الشرق الأوسط والعالم, ولكن لا يمكن في كل الأحوال أن لا تؤخذ سياسات أوباما وحدها كمؤشر لما يمكن أن يحصل في العالم , إذ أن هناك الكثير من اللاعبين الآخرين الذين يمكنهم التأثير في الأحداث وإعاقة تحقيق نتائج إيجابية من سياسة المصالحة الأمريكية النسبية مع العالم, إذ ليس كل اللاعبين الآخرين , وكذلك في الولايات المتحدة, موافقون على تلك التغييرات المحتملة. وفي ما عدا ذلك فالصراعات في الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ أسلوباً آخر أشبه بأسلوب الخلاص من جون كندي, وهو خطر يبقى ماثلاً في واشنطن ويمكن أن يقلب الأوضاع هناك باتجاه آخر.
10/3/2009 كاظم حبيب
*******************************
بوش الابن ونهج الحرب الباردة؛ أوباما ونهج التصالح مع العالم [2-2] أوباما ونهج التصالح والتفاعل مع العالم
كاظم حبيب
2009 / 3 / 13
وصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض بفعل عاملين أساسيين, وهما:
العامل الداخلي: ارتبط هذا العامل بتلك السياسات غير العقلانية والأشد استغلالية للمنتجين والمعبرة عن أيديولوجية اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد التي هيمنت على عقل وتفكير بوش وحزبه الجمهوري ومارسها خلال الأعوام الثمانية المنصرمة, والتي كانت تعميقاً وتشديداً للسياسات السابقة التي مارسها رونالد ريگن بشكل خاص. وقد ترتبت على هذه السياسات عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي وعلى حياة المنتجين والكادحين والفئات الاجتماعية الكادحة والمعوزة في الولايات المتحدة, كما نمت البطالة وتجاوزت النسبة المعروفة منذ عقود 4,5% من القوى القادرة على العمل في الولايات المتحدة وبلغت في الوقت الحاضر 12,6 مليون عاطل عن العمل, كما ارتفع عدد الفئات الاجتماعية التي تعيش تحت خط الفقر ليبلغ أكثر من 40 مليون نسمة من مجموع سكان الولايات المتحدة البالغ عددهم 300 مليون نسمة تقريباً, أي ما يعادل 13,3% من مجموع السکان, وهي نسبة عالية جداً. كما تأثرت الفئات المتوسطة كثيراً جداً بالأوضاع الاقتصادية وتراجعت مكانتها وانحسر دورها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المجتمع الأمريكي. وتسببت سياسات الولايات المتحدة المالية والاقتصادية (ومنها المصرفية والعقارية والمضاربات في الأسواق المالية والفساد المالي والتلاعب الاحتمالي القائم في نشاط شركات التأمين وإعادة التأمين), إضافة إلى السياسات العسكرية والتسلح المتفاقم, في انفجار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية العامة والعميقة والشاملة الراهنة. كل هذه الاتجاهات السياسية وعواقبها السلبية شاركت في تهيئة مستلزمات وأجواء التغيير المنشود في الولايات المتحدة من جهة, كما لعب باراك أوباما الشاب وحزبه والاتجاهات السياسية الجديدة التي طرحها ووسائل وأساليب الإعلام الذكية والفعالة التي مارسها مع المجموعة المرافقة له في الحملة الانتخابية ورفعه لشعاري "التغيير" و"نحن قادرون على تحقيق التغيير" اللذين وجدا تأييداً وهوى كبيرين وواسعين لدى الشعب الأمريكي, وخاصة في صفوف الشبيبة والنساء من جهة أخرى, في وصول أوباما إلى البيت الأبيض وإلى تحسن كبير في مواقع الحزب الديمقراطي في مجلسي النواب والشيوخ.
لقد واجه المجلتمع الأمريكي اختلالاً متفاقماً وفجوة متسعة باستمرار في توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي لصالح الطبقة الرأسمالية الاحتكارية الكبيرة والمهيمنة على الشركات العملاقة الأمريكية والمتعدية الجنسية والمؤسسات الاقتصادية والصناعية الكبرى والتجارة الخارجية والبنوك وشركات التأمين وإعادة التأمين من جهة, وضد مصالح المنتجين والكادحين وأصحاب الدخل المحدود والفقراء والمعوزين من جهة أخرى, كما أنها ضد مصالح وتطور الاقتصاد الأمريكي من جهة ثالثة, إضافة إلى أنها عمقت التناقضات والصراعات على الصعيد الدولي. وكان لا بد من التغيير, ولكن بأي اتجاه؟ هذا هو السؤال الذي يفترض الإجابة عنه من جانب إدارة البيت الأبيض الجديدة.
العامل الخارجي: ارتبط هذا العامل برفض أغلب دول العالم, بما فيها دول الاتحاد الأوروبي, باعتبارها الحليف المباشر للولايات المتحدة, لسياسات جورج دبليو بوش وحزبه الجمهوري والتي أدت إلى عواقب عدة صارخة في العلاقات الدولية. فقد أدت إلى الظواهر التالية:
1. اشتداد التناقض والصراع داخل الدول الصناعية السبع الكبار حول مصالحها وتقاسم تلك المصالح على الصعيد الدولي. وتجلى هذا الصراع بشكل خاص بين سياسات الولايات المتحدة من جهة, وسياسات أغلب دول الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.
2. نشوء أجواء جديدة شبيهة بأجواء وأيام الحرب الباردة بين المعسكرين, وخاصة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة, حيث أُجبرت دول الاتحاد الأوروبي على المشاركة في الصراع لصالح الولايات المتحدة, أو القيام بدور الوسيط بينهما, أو الابتعاد عن اتخاذ موقف واضح ضد أحد الطرفين.
3. ممارسة الولايات المتحدة سياسة التهديد والوعيد والعصا الغليظة والضربات الاستباقية ضد تلك الدول التي تعارض سياسات الولايات المتحدة أو تختلف معها في المجالات السياسية أو الاقتصادية والتي برزت بشكل صارخ مع العديد من الدول النامية أو حتى مع اليابان مثلاً. لقد مارس بوش الابن قاعدة "من ليس معك فهو ضدك". وهي قاعدة سببت للولايات المتحدة الكثير من المشكلات.
4. تنفيذ سياسات العولمة غير العقلانية وذات الاستقطاب الشديد بين الدول الغنية والدول الفقيرة المنافية لمصالح شعوب الدول النامية بشكل عام والتي مارستها الإدارة الأمريكية بإصرار عجيب باعتبارها جزءاً من سياسات اللبرالية الجديدة ورؤية المحافظين الجدد وشاركت معها بقية الدول الرأسمالية السبع المتقدمة, مما عمقت من حدة التناقض والصراع بين الولايات المتحدة وشعوب الدول النامية وازدادت واتسعت الكراهية لها في العالم. ويمكن أن نتلمس ذلك في التظاهرات الكبيرة ضد بوش الابن في زياراته لعدد من دول العالم, وكذلك المؤتمرات الشعبية الموازية التي كانت تنظمها ATTAC لمواجهة مؤتمرات القمة للدول الصناعية السبع الكبرى وسياسات العولمة.
وصل أوباما إلى البيت الأبيض وهو يحمل في جعبته مشروعات طموحة كانت وعوداً قدمها للناخبة والناخب في الولايات المتحدة أثناء حملته الانتخابية, كما كانت وعوداً للعالم الخارجي في أنه سيمارس سياسة أخرى غير السياسة الخرقاء التي مارسها جورج دبليو بوش, سياسة المصالحة مع العالم.
بدأ أوباما, وفي آن واحد, معالجة القضايا الداخلية والقضايا الدولية. فبدأ بإجراءات عاجلة لتخفيف الأزمة ومحاولة التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي وليس إلى مكافحتها, إذ لا سبيل إلى ذلك في الوقت الحاضر, بسبب عمق الأزمة وسعتها وشدة الاختلالات المتراكمة في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الدولي. وقد خصص لذلك ما يقرب من تريليون دولار أمريكي. ولكن الشعب أو الناخب الأمريكي لا ينتظر معالجة الأزمة وحدها, بل يريد التغيير والتجديد. فما هي الإجراءات التي يسعى إلى ممارستها على الصعيدين الداخلي والدولي:
1. على الصعيد الداخلي:
المشكلة الأولى التي أدركها أوباما تعتبر المدخل لحل العديد من المعضلات, وأعني بها المشكلة المرتبطة بالاختلال البالغ الذي يعاني منه الاقتصاد والمجتمع الأمريكي المتمثل بتوزيع وإعادة توزيع الدخل القومي, أي العلاقة بين العمل ورأس المال, بين الأجور فائض القيمة. إذا أنها كانت ولا تزال لصالح رأس المال وفائض القيمة وضد العمل والأجر بشكل صارخ ومعمق للتناقضات. وفي هذا المسألة يحاول أن يمرر عدة قوانين وإجراءات أساسية كبداية لعملية تغيير بحدود معينة لا تطال بطبيعة الحال النظام الرأسمالي ذاته , بل تعمل في إطاره وتسعى إلى تكريسه من خلال تصحيح بعض المسارات لتخفيف معين في التناقضات والصراعات التي تتعمق عبر تلك الاختلالات والفجوة المتسعة في مستويات الدخل والمعيشة. وأعني بذلك ما يلي على سبل المثال لا الحصر:
أ . إعادة النظر بالنظام الضريبي بما يؤدي إلى رفع مستوى الضريبة المفروضة على الأغنياء والشركات من جهة, والتخفيف عن كاهل دافعي الضرائب الصغار وأصحاب الدخل المحدود والفقراء من جهة أخرى.
ب . إعادة النظر بعملية إعادة التوزيع الثانية للدخل القومي الأمريكي (الخدمات العامة كالتعليم الصحة وتقليص النفقات العسكرية ..الخ) من خلال إيجاد نظام للضمان الاجتماعي والضمان الصحي في الولايات المتحدة بعد أن قرر معالجة الأطفال الفقراء في الولايات المتحدة مجاناً, وكذلك في مجال التعليم.
ج . إعادة النظر بذوي الرواتب العالية جداً من العاملين في إدارة البنوك والشركات والمؤسسات الاقتصادية, الإنتاجية منها والخدمية, والتي تأتي على حساب المواطن المستهلك والمستفيد من خدمات تلك المؤسسات وأصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً لا يطاق.
د . العمل من أجل تنشيط نمو الطبقة الوسطى في المجتمع ثانية بعد أن تلقت ضربات قاسية من الشركات الاحتكارية الكبرى ومن سياسات بوش الاقتصادية بالذات.
هـ . العودة بهذا القدر أو ذاك إلى ممارسة جوانب من النظرية الكينزية في الاقتصاد والاستفادة منها لا في مواجهة الأزمة ومشكلات البطالة والتضخم فحسب, بل وفي العملية الاقتصادية برمتها من خلال زيادة دور الدولة في النشاط الاقتصادي وفي الرقابة على نشاط ودور البنوك والمؤسسات المالية..الخ.
و . كما يمكن أن تقوم الدولة بتأميم بعض المصارف أو بعض الشركات او المشاركة برأسمالها لإنقاذها من الإفلاس وتجاوز الأزمة. ومثل هذه السياسة تعتبر تجاوزاً كبيراً من جانب الدولة على الحرية الاقتصادية وعلى ذهنية وسلوك اللبرالية الجديدة التي ترفض مثل هذا التوجه. ومن هنا جاءت استقالة وزير التجارة الجمهوري جود گريگJudd Gregg في حكومة أوباما الجديدة لأنه رفض مبدئياً هذه السياسة.
ز . توجيه موارد مالية إضافية لمعالجة البطالة الواسعة الراهنة وتأمين فرص عمل جديدة والسعي لمساعدة ذوي الدخل المحدود الذين تعرضوا لعواقب الأزمة وفقدوا دورهم السكنية وحوانيتهم وما يملكون.
ح . الموافقة على العودة إلى صرف الحكومة الفيدرالية للمخصصات المالية الموجهة لأغراض البحث العلمي الطبي وفي مجال الخلايا الجذعية التي منع تمويلها جورج دبليو بوش تحت تأثير ديني وإيديولوجي بعيداً عن العلمية وخدمة صحة الإنسان, مؤكداً أن المعجزات الطبية لا تتحقق عن طريق الصدفة.
2. على الصعيد الدولي
بدأ أوباما نشاطه الأول بإلغاء معسكر الاعتقال في غوانتنامو, وهو مطلب عالمي, بالرغم من رغبة العالم في إجراء المحاكمات بصورة عادلة للمتهمين بارتكاب الجرائم التي نظمتها القاعدة خلال السنوات المنصرمة.
كما بدأت وزيرة خارجيته جولة مهمة في الشرق الأوسط لمعالجة الأوضاع فيها, حيث يأمل الإنسان أن تمارس الإدارة الجديدة سياسة صارمة لحل المسألة الفلسطينية ولصالح الدولتين وبسرعة وضد النهج اليميني المتطرف لنتنياهو, إن كانت هناك رغبة صادقة في معالجة القضية الفلسطينية وإحلال السلم العادل والدائم في المنطقة , إضافة إلى ضرورة الانسحاب من الجولان ومزارع شبعة.
كما تبدو في الأفق إمكانية انتهاج سياسة جديدة إزاء إيران وسوريا من خلال تنشيط التفاوض السياسي لمعالجة أزمة تخصيب اليورانيوم في إيران والسعي لإنتاج السلاح النووي ومعالجة الخلافات مع سوريا وسبل التفاوض لحل مشكلة احتلال الجولان من جانب إسرائيل.
ولكن الأسئلة التي ستبقى قائمة أمامنا إزاء هذه القضايا هي: كيف ستتعامل إيران مع التوجه الجديد للبيت الأبيض, وهل ستعود إلى طاولة المفاوضات أم أنها ستواصل استغلال الوقت للسير قدماً في برنامجها النووي. وهي المشكلة الأكبر في الشرق الأوسط بعد القضية الفلسطينية.
وإزاء هاتين القضيتين تبرز مشكلات عديدة, منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إلى ماذا ستنتهي الانتخابات القادمة في إيران, وهل سيفوز محمد خاتمي أم سيأتي محافظ متطرف مشابه لأحمدي نجاد, مع بقاء خامنئي مرشداً لإيران, وهو لا يختلف في تطرفه عن أحمدي نجاد؟ وهل ستواصل إيران تخصيب اليورانيوم وتعمق عزلتها دولياً وتقود إلى عواقب وخيمة من خلال الضغط الإسرائيلي على الولايات المتحدة لاتخاذ موقف عسكري إزاء إصرار إيران على استمرار تخصيب اليورانيوم وإنتاج السلاح النووي؟ وهل ستكف إيران عن التدخل في الشأن العراقي, أم أنها ستواصل ذلك وتستمر في قصف المناطق الآمنة من كردستان العراق, كما يحصل على مناطق قلعة دزه , كما برز ذلك في تصريحات خامنئي ومطالبته رئيس الجمهورية العراقية بطرد القوات الأمريكية من العراق دون أن يعير انتباهاً واهتماماً باللياقة الدبلوماسية أو باحترام موقف العراق الذي وقع اتفاقية بهذا الشأن لتنظيم انسحاب فعلي مبرمج للقوات الأمريكية من العراق؟
- كيف سيكون موقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة, التي ستكون أكثر يمينية وأكثر شوفينية, الحكومة التي سيتم تشكيلها من قبل نتنياهو المكلف بذلك, من قضية السلاح النووي في إيران والموقف من حل الدولتين ومن استمرار بناء المستوطنات في الضفة الغربية وموضوع القدس الشرقية, وكذلك الموقف من استمرار حماس وقوى أخرى بإطلاق صواريخ جديدة باتجاه المدن الإسرائيلية واحتمال نشوب حرب جديدة في غزة يمكن أن تحرق الأخضر واليابس فيها وتعطل المفاوضات لفترة طويلة.
- كيف سيعمل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة إزاء هذه القضايا؟ وكيف سيكون الوضع في فلسطين ذاتها, وخاصة الصراع على السلطة والتدخل الإيراني المتفاقم في الشأن الفلسطيني من خلال حماس وحزب الله وغيرهما.
وخلال خمسين يوماً من ولايته على البيت الأبيض أنجز أوباما أو وضع على السكة العديد من القضايا المهمة التي تعتبر البداية في عملية تغيير سياسية مهمة. وفي كل الأحوال يمكن القول بأن التغيرات النسبية في سياسات الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تقود إلى التهدئة على صعيد الشرق الأوسط والعالم, ولكن لا يمكن في كل الأحوال أخذ سياسات أوباما وحدها كمؤشر لما يمكن أن يحصل في العالم, إذ أن هناك الكثير من اللاعبين الآخرين الذين يمكنهم التأثير في الأحداث باتجاه سلبي وإعاقة تحقيق نتائج إيجابية من خلال سياسة المصالحة الأمريكية النسبية مع العالم, إذ ليس كل اللاعبين الآخرين, وكذلك في الولايات المتحدة, موافقون على تلك التغييرات المحتملة. وفي ما عدا ذلك فالصراعات في الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ أسلوباً آخر أشبه بأسلوب الخلاص من جون كندي, وهو الخطر الكامن الذي سيبقى ماثلاً في واشنطن ويمكن أن يقلب الأوضاع هناك باتجاه آخر.
إن الخطوة المهمة الأخرى التي اعتمدها أوباما هي الموافقة على إعادة النظر في إقامة شبكة الرادار في التشيك وقواعد الصواريخ المضادة في بولونيا, وهو الموقف الذي واجهته روسيا الاتحادية بصورة إيجابية, حيث بدأت فعلاً جولة مباحثات جديدة بين وزيري خارجية الدولتين. كما أن الدولتين قررتا العودة إلى المباحثات لتطويق الخلافات والعودة إلى قضية تقليص قواعد الصواريخ وتدمير بعض أسلحة الدمار الشامل ...الخ.
ويمكن أن تظهر على سطح الأحداث سياسات أخرى في الموقف من كوبا أو الصراع الراهن مع فنزويلا, وكذلك المشكلات الكبيرة الراهنة في مجال المتاجرة بالمخدرات والأسواق الموازية لبيع السلاح الأمريكي في العالم, وكذلك العلاقة مع بقية دول أمريكا اللاتينية, إضافة إلى أهمية إيجاد لغة مشتركة مع الصين الشعبية وكوريا الشمالية.
والمشكلة الجدية الأخرى التي تواجه أوباما هي حالة الفساد المالي المتفشية في الولايات المتحدة , وخاصة في النشاط الاقتصادي للشركات الأمريكية وبعض أجهزة الدولة, والذي لا يجري في داخل الولايات المتحدة فحسب, بل وفي ممارسة تلك الشركات والجماعات لهذا السلوك الفاسد في بقية دول العالم, ومنها العراق, حيث كانت حصته هائلة خلال الأعوام الست المنصرمة.
وستبقى مشكلة الوضع في أفغانستان وسبل معالجته إحدى أبرز المشكلات التي تواجه أوباما في الفترة القادمة, خاصة وأن طالبان مغرق في العلاقة مع قوى تنظيم القاعدة. كما أن وجود القوات الأمريكية في العراق, الذي يشكل نزيفاً مالياً ودماً لها, قد اتخذ الموقف بشأنه وحدد موعد الانسحابات في عامي 2010 و2011. إلا أن هذا سوف لن يعتمد على غرادة أوباما وحدها, بل على اتجاهات تطور الوضع في الساحة السياسية العراقية وموقف إيران التي لا تزال لها مطامع جدية في العراق, شئنا ذلك أم أبينا, اعترفنا به أم لم نعترف, وهو الذي يفترض أن نعيه ونعالجه من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والجامعة العربية ومحكمة لاهاي الدولية وبالطرق التفاوضية والسلمية.
ويهمنا في كل ذلك الإجابة عن السؤال التالي: ما هي السياسات الجديدة التي سيمارسها باراك أوباما في جميع المجالات الدولية, بما فيها الأخذ بالاعتبار مصالح الدول النامية عند تطبيق سياسات العولمة, وكذلك الموقف من التجارة الدولية وحماية البيئة من التلوث المتفاقم في العالم, إضافة إلى الموقف من حاجات الدول النامية الأكثر فقراً إلى التنمية والمساعدة, وسبل معالجة مشكلة الإرهاب الدولي لا على أساس عسكري فحسب, بل وبالأساس على اساس سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي.
إن التطلع لسياسات جديدة في الولايات المتحدة ينبغي أن لا يغرينا بحيث نجنج إلى الأحلام أو الأوهام ونتصور بأن هناك إستراتيجية أمريكية دولية جديدة بالمطلق أو أن تغيراً كاملاً سيطرأ على تلك الإستراتيجية. إن هذا غير ممكن طبعاً وغير وارد أيضاً, بل الممكن في ظل الواقع والنظام السياسي والاقتصادي الأمريكي هو التخفيف من تلك السياسات ومحاولة التفاهم والتصالح مع العالم ووفق أسس وقواعد جديدة يفرضها ميزان القوى الجديد وظهور دول أخرى قوية اقتصادياً, إذ لم تعد الولايات المتحدة تشكل الطرف الأوحد في العالم. لهذا يفترض أن يكون سقف الآمال والطموحات واضحاً وليس مفتوحاً على أحلام وردية وسماء زرقاء صافية تماماً بحيث يصاب الإنسان بالخيبة حين لا يحصل ما كان يحلم به او يتمناه, رغم أن أوباماً واعد لتغييرات مهمة.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟