|
محكمة الفيليين ام محكمة سامية عزيز؟
سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 2582 - 2009 / 3 / 11 - 08:52
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
للوهلة الاولى يبدو العنوان مشوّشاً وغير واضح، اذ ليست المحكمة هي محكمة الفيليين بقدر ما نعرف بانها محكمة مجرمي ومبيدي الكرد الفيليين .. ولا هي ايضاً محكمة الست سامية عزيز عضو البرلمان العراقي، لانها دون ادنى شك من بين مَن تضرّروا من سياسات النظام السابق سواء على مستوى سرقة املاك آبائها واجدادها ام تهجيرها وباقي اهلها الى خارج حدود الوطن.
لعل سائلٌ يسأل: اذن ما سر هذا العنوان المستفز للفيليين اولا ً ولسامية ثانياً!!
المحكمة هي لمجرمي الابادة الجماعية بحق الكرد الفيليين .. هؤلاء المجرمون الذين كانوا عوناً لنظام صدام الساقط في ارهابه المعلن ضد شرائح ومكوّنات مهمة في المجتمع العراقي آنئذ. اذن هي محكمة الفيليين بلا ادنى شك.
اما ابنة البرلمان العراقي السيدة سامية عزيز فمن وجهة نظري كانت بطلة المحكمة بامتياز، فهي ايضاً محكمتها كذلك، كما انها محكمة كل شريف لا يرضى بالظلم والابادة.
لقد سنحت لي الفرصة اليوم، الاحد 7 / 3 / 2009 ان احضر محاكمة اركان النظام السابق في قضية الكرد الفيليين بعد ان حصلت على تخويل الدخول الى المحكمة الجنائية العليا والتي تطلبت اجراءات بيروقراطية كبيرة ساعدني على تجاوزها صديق عزيز ذو حظوة سلطوية. وهآنذا اصل المحكمة التي هي في المنطقة الدولية الخضراء وسط بغداد لادخل في رواق طويل يصل بيّ الى بوابة جميلة، لا اعتقد انني رأيت مثلها سوى في الافلام ربما، حيث كانت المحكمة على ما اعتقد احدى المعالم الشخصية في مملكة صدام الهالك ولا ادري بالضبط ماذا كانت في تلك الفترة.
عموماً اخذ عدد من الاخوة الحراس يفتشوني بحثاً عن عبوة او مورتر استقر بالخطأ في جيب سترتي .. لكنهم والحمدلله لم يجدوا شيئاً من ذاك القبيل .. بعدها اوصلني (جنتلمان) الى سلالم جميلة، لأصل اخيراً الى قاعة المحكمة وتحديداً قمرة الاعلاميين على اعتبار كان تخويلي يذكر بانني رجل اعلام.
جلست لمدة 20 دقيقة تقريباً في القمرة التي كان يفصلها الزجاج عن قاعة المحكمة حيث وجود المتهمين والمحامين اضافة الى رئيس المحكمة القاضي رؤوف عبد الرحمن المخول في اصدار الحكم النهائي، وكانت المحكمة قد شرعت في استجواب الشهود قبل ساعة من وصولي تقريباً. استمعت لاحد الشهود وهو يسرد باسهاب طريقة تسفيره الى الجمهورية الاسلامية الايرانية اوائل الثمانينيات من قبل عصابة البعث وكيف صودرت املاكه حينها في ابشع عملية سرقة عرفها التاريخ، ومن ثم كيف هاجر بعدها لاحدى الدول الاوربية بحثاً عن الكرامة المفقودة.
كان الرجل مؤثراً جداً في اقواله ودقيقاً في اختيار كلماته سيما وانها كانت ذات دلالات عميقة في معناها، وقد اعجبني حينما ذكر بانه حصل على جنسية تلك الدولة الاوربية خلال اربع سنوات فقط، في حين لم يستطع الحصول على شهادة جنسية بلده الام طوال خمسين عاماً، وهي سني وجوده في العراق قبل التسفير.
احد محاميي المتهمين سأله بخبث، هل حصلت على جنسية ايران بعد تسفيرك من العراق؟ كان يريد ان يعرف فيما اذا حصل الشاهد على الجنسية الايرانية حتى ينطلق بخبثه ويوحي للآخرين بانه لم يكن يحصل على الجنسية الايرانية بذات السهولة مالم يكن الفيليون ايرانيين اصلاً وفصلاً.
كان الشاهد اكثر ذكاءاً وفطنة وقال كلا .. لاني لست ايرانياً كي يعطوني الجنسية.
في ذات الوقت كنت اتطلع الى وجوه المتهمين الكالحة وهم في قفص الاتهام .. كانوا كالخنازير يسند احدهم كتف الآخر .. سبحان الله بالامس كنت اداعب الخنازير في حديقة الحيوان بمتنزه الزوراء، واليوم تداعبني خنازير قفص المحكمة بنظراتها .. نعم خنازير الروم اعرفها وان ارتدت اليوم الزي العربي الاصيل.
حينها اردت ان اصعد الى الطابق الاعلى وهو طابق الاشخاص المهمين (VIPs) لاني اولاً مللت الجلوس بمفردي، وثانياً اردت ان اعرف من هم الجمهور الحاضر في تلك القمرة المهمة. طلبت من الحارس الذي كان يجلس بجانبي تغيير مكاني والصعود الى الاعلى، فقال استاذ لا يجوز لك ذلك لان تخويلك يقرأ بانك صحفي وهذا هو مكان الصحفيين، حاولت معه مرة اخرى وقلت له، ان لي غاية ان ارى مَن هم الجالسون فوق .. بدى الرجل متعاوناً حيث اتصل بالمسؤول الاكبر ورتب لي مقابلة سريعة معه شرحت فيها غايتي له .. فعلاً وافق الرجل ورافقني الى الاعلى فجلست في قمرة ال (VIPs) اخيراً .. واذا بيّ ارى السيدة سامية عزيز الفيلي عضو البرلمان جالسة الى جانبي .. لا بل لم تكن تجلس اطلاقاً بل كانت تمشي وتقطع القاعة يميناً وشمالا ً، فكانت كمَن اضاع شيئاً ثميناً يحاول العثور عليه بشتى الطرق. كيف لا وهي التي فقدت اخيها وابن اختها في حادث ارهابي جبان بعد ان فقدت من قبل وطنها.
انتهزت فرصة الاستراحة التي اعطاها القاضي للموجودين من اجل تناول وجبة الغداء، وذهبت نحوها لاسلم عليها فكانت ذا بشاشة رغم ما قاسته من متاعب وآلام. عرّفتها باسمي فكانت بمثابة صدمة لها في البداية لانها كانت قد قرأت لي مقالات دون ان تراني، وتحمّست بعدها للكلام معي لتثير عدة ملفات بخصوص قضيتنا الفيلية، اهمها ما قد فعلته من اجل انعقاد هذه الجلسات.
فقد كان الجميع في المحكمة يحيّيها ويسلّم عليها بحرارة، لا بل حتى العاملين والموظفين ورجال الخدمة، ناهيك عن القضاة والمحامين وكادر المحكمة برمّته .. الكل كان متحمساً لالقاء التحية وتبادل الابتسامة معها، فهل ياترى من سبب لهذا!
نعم .. لانها ما برحت مكانها في المحكمة منذ اولى جلساتها وتواصلت مع قضيتها اولاً بأول وكانت على علم بكل صغيرة وكبيرة في القضية وهي التي زوّدت المحكمة بعشرات الملفات والوثائق .. وليس هذا فحسب، بل كانت على دراية بأدق التفاصيل عن احوال الشهود. هؤلاء الشهود الابطال الذين جاءوا من اقاصي الارض كي يشهدوا في جرائم اعترفت بها عيون المتهمين ونظراتهم. ولم يكن احد في استقبالهم في مطارنا الدولي سوى ابنة ابيها التي تكفلت باقامتهم ورعايتهم وادخلتهم الى بيتها .. واليوم هي معهم في كل خطواتهم.
افلا تستحق هذه المرأة كل التقدير والامتنان!! اين نوابنا الآخرون!! اين هم من محكمة العصر اليوم!! الم نكن جميعنا نطلب محاكمة مجرمي التسفيرات!! فما بال ديارنا اليوم!! خالية ً الاّ من المجتهدين او قل المجتهدات.
لقد دعتني تلك المرأة الحديدية الى بيتها واقسمت عليّ ان ازورها كي تريني ما اعدّته من ملفات ووثائق وكتب رسمية ومخاطبات تسعى من خلالها الضغط على دائرة الجنسية العراقية من اجل اعادة الجنسية وفق المادة (4 أ) للفيليين الذين اسقط النظام السابق جنسيتهم، ومنهم سكنة قضاء القاسم في محافظة بابل. لا يمكن صرف الجنسية (3 أ) لهم ومساواتهم مع الاصدار الجديد وكأنهم مواليد جدد. بل يجب اعادتها لهم وفق المادة (4 أ) حيث كانوا يحملون. وهذا ما تسعى اليه سامية عزيز وانها بالفعل حققت اشواطاً جيدة في هذا الصدد كما اخبرتني.
انا على يقين بان جهودها هذه، ليست منة منها على شريحتها ولا فضل ستذكره بحقهم، لانها ابنة هذه الشريحة المظلومة وتعرف حجم ما عانوه ماضياً وحاضراً .. فهي لعمري مؤمنة بدورها وتعمل بجد من اجل نيل حقوق شريحتها المطلوبة، ولا احسبها تبخل في عطائها سيما وهي عضو برلمان دؤوبة.
لا انقل باذني بل ما شاهدت في قاعة المحكمة والله شاهد ورقيب.
بعد هذا كله، هل هناك شك بان المحكمة كانت محكمتها!! وهل نغالي اذا ما سميّناها محكمة سامية عزيز!! كلا .. لانها فعلا ً كذلك ودورها يشهد بهذا. اللهم حفز بقية اعضائنا وابصرهم طريق المحكمة يارب.
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدويتو، ظاهرة جديدة في عالم الكتابة
-
صراع اتحاد كرة القدم، الى اين!!!
-
ايرانيون وان لم ننتم
-
ثقافة الاستقالة ودورها في تأصيل المجتمعات المسؤولة
-
حزب الدعوة يُشهر كارته الاصفر بوجه المجلس الاعلى
-
وجهة نظر في المُعترك الانتخابي القائم
-
-مدنيون- في مدينة الصدر
-
انبثاق الاتحاد العراقي لاساتذة الجامعات والكفاءات المستقل
-
(قندرة) تصنع بطلاً قومياً جديداً
-
هل هي مرحلة الشيوعيين الآن؟
-
الحوار المتمدّن، اَلَق مستمر وروح متجدّدة
-
قريب جداً من سيد القمني
-
مَن هم الرافضون للاتفاقية الامنية
-
الاتفاقية الامنية وتردّد الكتل السياسية
-
لماذا يخالف السيستاني الاجماع في مسألة العيد
-
يالها من طامّة، الفيليّون محجوزون سياسيون وليسوا سجناء سياسي
...
-
ايّهما انتصر، اسلاميو 11 سبتمبر ام الامريكيون
-
هل تخلّى المجلس الاعلى عن فيدرالية الوسط والجنوب
-
رجال الثقافة، موهيكانز مهدّدون بالانقراض
-
نقطة نظام
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|