حدث في .. الفلوجة

إبراهيم المصري

الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:36
المحور: حقوق الانسان
    

كان المشهد قاسياً .. وتتناوب شاشات عربية وأجنبية نقله مرئياً بهجاء قيمة الإنسان .. إذ ما الذي يمكن أن نفعله بجثة مقتول غير أن نحفظ كرامة الجثة بدلاً من رجمها وصلبها .
لكن هذا ما حدث في الفلوجة صباح يوم الحادي عشر من مارس عام ألفين وثلاثة حتى لا تخطئ الذاكرة مشهد الرعب .
سيارتان من نوع لاند كروزر كانتا تعبران شارعاً في الفلوجة حيث ألقى ما يُقال إنهم ( مقاومون ) .. ( رمانات باللهجة العراقية وقنابل بالمعنى المباشر ) داخل السيارتين اللتين اشتعلت فيهما النيران ولقي فيهما أربعة رجال مصرعهم من بينهم ثلاثة مقاولين يعملون لصالح قوات التحالف على ما قال المتحدث العسكري باسم هذه القوات .
أمام إحدى السيارتين كانت ترقد جثة تشتعل فيها النيران والدم ينزف غزيراً من عنق القتيل وعراقيون في حالة هوس بدائي يرجمون السيارة المشتعلة بالحجارة .. ثم جثة متفحمة يجرها الذين هم في حالة هوس بدائي مرددين ( الموت لأمريكا ـ النصر للإسلام ) .. ثم تقول الأنباء إن بعضهم صلب جثة على جسر كي يرجمها سكان الفلوجة .
كل ما قتله كابوس لا أتخيل شخصيا أنه حدث ولكنه للأسف حدث في الفلوجة حيث تنشط ما يقول البعض إنه ( مقاومة أو مجاهدون ) وما أصفه أنا بعصابات إرهابية ليست في الفلوجة فقط وإنما في أكثر من مدينة عراقية تعمل على تخريب خروج العراق وشعبه من غرفة إنعاش الحروب .
وحتى لو كان هؤلاء ( مقاومة ) فقد كان من واجب سكان الفلوجة أن يحفظوا كرامة القتلى الإنسانية ولا يعرضوا جثثهم للتمثيل كما حدث قبل أعوام في الصومال .
إننا خاسرون مرتين .. الأولى في فضيحة التمثيل التي لن تكف القنوات الغربية وخاصة المُغرضة منها عن بث مشاهد التمثيل المرعبة .
وثانيا سوف نخسر في قيمنا التي تدعي الحفاظ على كرامة الإنسان حيَّاً أو ميتاً ، وحتى لو كان الأمريكيون غزاة ويستحقون القتل وحتى لو كانوا يمثلون بجثثنا فإن ما حدث في الفلوجة يلغي الخطوط الفاصلة ويضع الجميع في الغابة .
ومع ذلك لم تكن في الفلوجة ساعة التمثيل بالجثث كثافة بشرية وكان معظم من ظهر على الشاشة متفرجين إن لم تخب رؤية عيني التي تلاحق هذه الصورة المريرة بحكم طبيعة عملي .. وغياب الكثافة البشرية يعني أن ثمة نبلاً لا يزال قائماً في نفوس سكان الفلوجة حتى وإن خرج من بينهم مهووسون بدائيون يقتلون ويمثلون بالجثث دفاعاً عن صدام حسين أو الدين .. فهل نقول إن ما حدث كان بعض ميراث صدام الذي طوَّع نفوساً للتسبيح بحمده حاضراً وغائباً بخرابه الكبير .
التمثيلُ بالقتلى في الفلوجة يوم الحادي والثلاثين من مارس عام ألفين وثلاثة .. يستحق الإدانة الكاملة من الجميع عراقيين وغير عراقيين والأعذار والتبريرات مرفوضة .

إبراهيم المصري
شاعر وصحفي

#إبراهيم_المصري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات