رائد نايف حاج سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 2581 - 2009 / 3 / 10 - 07:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تميز النظام الرسمي العربي فى نشأته باختلاف النظام السياسي – الاقتصادي لوحداته السياسية
المكونة ، فبعضها ملكي ليبرالي كالأردن والمغرب ، والبعض الآخر جمهوري ليبرالي كلبنان ،
والباقي جمهوري اشتراكي ، وكان هذا الاختلاف متزامن مع انقسام على مستوى النظام الدولي
ككل، معسكر غربي ليبرالي ومعسكر شرقي اشتراكي ، ويحاول كل معسكر ان يوجد له حلفاء
خارج مناطق نفوذه الحصري فى ماصطلح على تسميته مناطق النفوذ المتبادل ,وخصوصا
الوطن العربي الزاخر بمحفزات الصراع ( نفط - موقع استراتيجي هام – اسرائيل) .
ترافق الصراع الإيديولوجي على المستوى الكوني مع انقسام النظام العربى بين نظم ثورية
( تقدمية ) ونظم محافظة ( رجعية ) ، وقفت مصر على رأس المعسكر الثوري ،
والمملكة العربية السعودية تولت زمام معسكر المحافظين ، واشتدت حدة الصراع بين
المعسكرين وتعددت ساحات المواجهة من اليمن الى سوريا قبل الوحدة الى لبنان .... مما حدى
ببعض الكتاب السياسيين إلى تسمية هذه الفترة بالحرب الباردة العربية – العربية.
إذا كانت التسمية تثير نوعا فى الخلاف أو الاختلاف ، وذلك باعتبار التسميات تنبع من
مصادر قيمية ( ايديولوجية ) ، فإن البحث عن الأسس والقوانين العلمية التى ينتظم حولها
الصراع تخفض هذا الخلاف أو الاختلاف .
تحت هذا الفهم نحاول تلمس الأسس التى قام عليها الصراع ، فالمعسكر الثوري ، كان متأثرا
بالاشتراكية واليسارية وقريبا من الاتحاد السوفياتي ومتحالف معه دوليا وإقليميا ، فى حين كان
معسكر المحافظين يستخدم الإسلام التقليدي وقريب من الولايات المتحدة ومتحالف معها دوليا
وإقليميا ، أما الجوهر الخلافي لذلك الاستقطاب كان السياسة والمصلحة الخاصة لكل دولة
ونظام ، وما يؤكد ذلك دراسة امبريقية مميزة للأستاذ الدكتور أحمد يوسف أحمد معنونة
بالصراعات العربية – العربية ( 1945 – 1981 ) دراسة استطلاعية, صادرة عن مركز
دراسات الوحدة العربية ، حيث خلصت الدراسة إلى أن قضايا الصراع بين النظم العربية تأتي
بالترتيب كالآتي :قضايا النظم السياسية , القضية الفلسطينية ,قضية الحدود والمطالب الإقليمية ،
قضية الوحدة العربية ، قضية الارتباطات الخارجية ..الخ
بالإضافة إلى ذلك جاءت الدراسة بنتائج صادمة اذ أن الصراع بين النظم التقدمية بعضها مع
بعض احتل نسبة 97 % على حساب الصراع بين النظم التقدمية والمحافظة الذى لم يبلغ3 %
لم تهدأ حدة الصراع بين المعسكرين إلا عندما دعت مصر لمؤتمر قمة عربية فى عام 1964
على إثر التهديدات الإسرائيلية بتحويل مجرى مياه نهر الاردن ، ولم ينته الصراع والانقسام
فعليا إلا بعد عام 1967 ( النكسة ) وموت الرئيس المصرى جمال عبد الناصر عام 1970 ،
ولكن مانود التأكيدعليه ليس تاريخ هدوء حدة الصراع أو انتهاء الصراع ، بل إن دعوة
المصالحة جاءت من مصرقائدة معسكر الثوريين 0
قاد انهيار الاتحاد السوفياتي إلى اختفاء الاستقطاب الدولي ونهاية الحرب الباردة ، إلا أن النظام
الرسمي العربي دخل طورا خطيرا تمثل باجتياح صدام حسين للكويت ، واتضحت بعد الغزو
ولادة محور سعودي سوري مصري ، جاء بنتائج مهمة : استقرار فى لبنان بعد حرب دامت
خمسة عشر عاما وولادة صيغة جديدة للامن القومي العربي( إعلان دمشق) .وبما أن
الاستقطاب لم يشمل النظام الرسمي فلن نوليه الأهمية ,أوبعبارة أوضح لايقع ضمن هدف
الدراسة.
كانت احداث الحادي عشر من سبتمبر2001واحتلال الولايات المتحدة الامريكية للعراق عام
2003 إيذانا ببدء مرحلة استقطاب عربي –عربي جديدة, ولكن هذه المرة بمسميات مختلفة
اعتدال و تطرف (ممانعة )، فضم محور التطرف ( الممانعة ) سوريا وإيران وحماس وحزب
الله ومحور الاعتدال يتكون بصورة رئيسية فى مصر والسعودية والأردن بالإضافةإلى دول
خليجية ودول مغاربية .
وبالعودة إلى المنطق الذى أوردناه في بداية هذه الدراسة، فاننا نسجل النقاط الآتية:
1 – موقف الدول والجماعات من الاحتلال الأمريكي وإسرائيل فى المنطقة (أساس الانقسام )
2 – كان الإسلام التقليدى فى الحرب العربية الباردة خلال الخمسينات والستينات مستخدما من
قبل المحافظين ، أما اليوم فان الإسلام الثورى ( حماس- حزب الله - ايران ) يمثل نواة
محور الممانعة
3 – إن محور الممانعة ضم عناصر غير الدول اي حماس وحزب الله ( non state actors )
5-إيران أحد العناصر المكونة للمحور ,وذلك كون التسمية مفروضة من امريكا ,وهي تحاول دوما عدم التعاطي مع العرب ضمن تجمعهم الاقليمي الرسمي (جامعة الدول العربية)
4 – التسمية تبقى مسألة قيمية ، فالولايات المتحدة تسمي الممانعين بالمتطرفين ,والدراسة تتبنى تسمية الممانعة.
وجاء الصراع بين المحورين فى ساحات متعددة أيضا ، أولها العراق ثم لبنان وأخيرا فى غزة
، وباعتبار أن العراق ساحة لتهامات والاتهامات المضادة ،وأيضا ميدان للصراع
بين الولايات المتحدة والأطراف الممانعة وليس بين دول الاعتدال والممانعة العربيين, لذا
نفضل عدم مناقشة الموضوع هنا ، ونقتصر على الساحتين الأخريين,ففى لبنان كان موقف
الاعتدال العربي موقفا منسجما مع الولايات المتحدة الأمريكية إزاء الاعتداء الإسرائيلي على
لبنان , حيث اتهم حزب الله بأنه مغامر ، ووصل الأمر إلى درجة أنه تم نشر فتوى على
الإنترنت تحرم الدعاء لحزب الله أيام الحرب باعتباره حزب رافضي، في حين أن موقف
الممانعه كان موقفا منسجما تماما مع حزب الله ، واستمر الحال بعد الحرب بدعم دول الاعتدال
العربي فريق14 آذار / مارس خلال أزمة الرئاسة ، ودعمت قوى الممانعة فريق8 آذار-مارس
، حتى نهاية الأزمة بتوقيع اتفاق الدوحة 2008 .
والساحة الثالثة هي غزة ، فقد وقفت دول الاعتدال العربي موقفا منسجماإلى حد ما مع موقف
الإدارة الأمريكية المنصرمة(بوش) حتى أن البعض ذهب بالقول بأن مصر كانت عالمة
بالمخطط الإسرائيلي وساهمت فى تنفيذه من خلال اغلاقها معبر رفح طيلة العدوان وبعده .
إبان العدوان الإسرائيلي على غزة دخل المحورين فى تفاعلات صراعية ، بلغت ذروتها
بعدم حضور دول الاعتدال العربي لمؤتمر القمة فى قطر ، إلا أن مؤتمر القمة الاقتصادي فى
الكويت حمل تطور مغاير تماما لمجرى الأحداث تمثل بدعوة العاهل السعودي إلى مصالحة
عربية – عربية ، وتم بناء عليها تبادل زيارات سورية سعودية تمهيدا لهذه المصالحة .
الحقيقة هذه النقطة تحتاج الى وقفة تأمل كبيرة ، فظاهريا شيء يدعو للتفاؤل والسعادة ، إلا أن
الغوص بعمق قد يزيل هذا التفاؤل ويحل محله النقيض الذى لا نتمناه ، ولكن قبل الخوض فى
ذلك ، يجب أن نلحظ ثلاث مسائل شكلية ،أولها أن الدعوة إلى المصالحة جاءت من قبل محور
الاعتدال وليس من محور الممانعين الثوريين كما جرى فى الستبيات .
والثانية أن الدعوة للمصالحة جاءت بعد العدوان الإسرائيلي على غزة ، وهذا يماثل الظرف
الذى دعى على إثره جمال عبد الناصر إلى مصالحة الستينيات ،أى أن إسرائيل كما تفرق
العرب تجمعهم , والثالثة أن المصالحة لم تثمر مباشرة ، أي لم تجد تعبيرا لها فى البيان
الختامى لمؤتمر الكويت ، وهذا بحد ذاته يحمل معنيين متناقضين ، معنى سلبى مباشر مفاده بأن
البيان لم يأخذ بعين الاعتبار مقررات مؤتمر الدوحة ، والثانى الإيجابي الغير مباشر متمثل بأن
العرب بما أنهم يتصارعون على عوامل موضوعيه فإنه لابد أن يأخذوا وقت كافي حتى يتفقوا
على مساحة مشتركة تجمعهم ، أو بعبارة أخرى ، ينتقل العرب من سياسة تبويس اللحى إلى
سياسة عقلانية فى تعاطيهم مع خلافاتهم البينية .
وبالعوة إلى المساحة الغير متفائلة ، إن الانقسام جاء نتيجة التباين فى النظرة من قبل الأطراف
العربية لكل من إسرائيل وأمريكا ، سنسقط أمريكا من التحليل نتيجة المستجدات على الساحة
الأمريكية( انتخاب أوباما وبرنامجه الانفتاحي على الشرق الأوسط) ،ونبقي فقط على إسرائيل
، فالمعتدلون العرب يرون بأن المقاربة المثلى للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو طريق
التفاوض ، في الوقت الذي يرى فيه الممانعون بأن استمرار دعم المقاومة هو الأكثر واقعية ،
نتيجة خبرتهم التاريخية فى التفاوض مع إسرائيل .
هنا تثور مجموعة من الأسئلة:ماالذي دفع المعتدلون ليطلبوا المصالحة العربية العربية؟ وماهو المشترك الذي يمكن التوصل اليه؟وأين موقع جامعة الدول العربية من ذلك؟
بالنسبة للسؤال الاول أعتقد بأن هناك مجموعة فى المستجدات ساهمت فى ذلك :
1-الانهيار الشعبى المريع لموقف قوى الاعتدال ، وقد تجلى ذلك بوضوح بالمظاهرات
الشعبية العارمة التى اجتاحت العالم العربي بل العالم برمته إبان الحرب على غزة ،مهاجمة
السفارات المصرية في دول عدة.
2-دخول دول الجوار الجغرافى بقوة على خط الأزمة، فتركيا سطرت أروع المواقف من خلال
خطاب سياسي وضع كل المسؤولية على عاتق إسرائيل ، أما إيران فناشد الرئيس الإيراني
أحمد نجاد العاهل السعودي بالقيام بدور يتناسب مع مكانته الدينية ، وأظن أن هذا كان له بالغ
التأثير على السعودية، لما تتمتع العلاقات بين البلدين من حساسية مفرطة بينهما بسبب العامل
المذهبي بين البلدين من حساسية مفرطة بينهما بسبب العامل المذهبي .
3-التغير فى الإدارة الأمريكية ، وهذا يعطى لدول الاعتدال العربي مساحة من حرية التحرك
بالتعامل مع دول الممانعة بدون تنسيق مسبق معها ، وخصوصا أن الإدارة قد رفعت شعار
الحوار مع دول الممانعة .
4-التوقع بوصول اليمين الى رئاسة الحكومة فى اسرائيل ، كما كانت تشير استطلاعات الرأي ،
مما يعفي دول الاعتدال العربي من الإحراج أمام الإدارة الأمريكية ، متذرعة بأن اليمين
الإسرائيلي لا يهدف للسلام .
بالنسبة للسؤال الثاني ، المعتقد بأن أقصى ماتستطيع دول الاعتدال تقديمه ، هو التهديد بسحب
المبادرة العربية وهذا ما تردد على لسان الملك عبدالله بن عبدالعزيز ، أن المبادرة لن تبقى دوما
على الطاولة ، وتيسير المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية ، والتى لربما تعاني من فيتو أمريكي
، تردد على لسان محمود عباس بمامفاده بأن دخول منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن ينطلق
من الاعتراف بالقرارات الدولية ( الاعتراف بإسرائيل ).
عند هذه النقطة تبدو الأمور قابلة للأخذ والرد ، ولكن الأحذ والرد يبدو أنه سيتوقف ، عند
الاشتراط الثاني للملكة العربية السعودية ، وهو الموقف من إيران ، فالسعودية فيما يبدو تطلب
من سوريا شيء تجاه إيران, منطلقة من موقف سعودي معروف متمثل بأن إيران تشكل تهديد
للأمن القومي العربي، هذه النقطة بالتحديد لا يوجد معلومات عنها ،كون هناك تعتيمم إعلامي ،
ومستمدة من كلام سعود الفيصل فى اجتماع وزراء الخارجية العرب فى القاهرة ,ولكن في ذات
الوقت هناك رأي آخذ بالاتساع في المنطقة العربية بقبول إيران كقوة ,وخصوصا بعد ما
أظهرته من تأييد غير محدود لقوى المقاومة,والتي استطاعت أن تحقق مالم تستطيعه الجيوش
العربية النظامية.
فيما خص السؤال الثالث ,لابد من عرض _ولو وجيز_عما تردد مؤخرا عن أن جامعة الدول
العربية قد أضحت طرف في سياسة المحاور,وجاء ذلك عقب عدم حضور الأمين العام السيد
عمرو موسى قمة الدوحة ,وقد رد الأمين العام على ذلك عبر قناة الجزيرة,مؤكدا أنه لم ترد
دعوة له لحضور(الاجتماع),على اعتبارأن ماجرى في الدوحة ليس قمة بل اجتماع ,كونه لم
يحصل على النصاب القانوني.أعتقد بأن إقحام الجامعة في مثل هذه الإشكاليات يزيدها ضعفا
على ضعف,لذا لابد من إنهاء هذا التهجم على الجامعة ومحاولة تقويتها بدلامن اضعافها,
وخصوصا أن الجامعة استطاعت أن تطور آليات عمل مثل دورية القمة العربية وآلية حل
النزاعات بالطرق السلمية ,والتي أنتجت اتفاق الدوحة بخصوص المسألة اللبنانية 2008 .
وأخيرا ستبقى سياسة المحاور امر متوقع الحدوث والتكرار,مالم تسع الدول العربية لإيجاد
آلية تقنن علاقاتهابالقوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة وتحل قضية الصراع العربي
الإسرائيلي .
#رائد_نايف_حاج_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟