|
-العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 09:45
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
لولا "غزة"، على وجه الخصوص، لانخفض كثيرا منسوب "التضامن" الشعبي، العربي والإسلامي..، مع الرئيس السوداني عمر البشير، فغالبية هؤلاء المتضامنين معه، إن لم تكن غالبيتهم العظمى، إنما تضامنوا معه ضد أعداء حقيقيين لنا، أو ضد متعاونين مع هؤلاء الأعداء.
إقليم دارفور، وما أدراك ما إقليم دارفور.. إنه بحيرة من النفط، مع أنَّ الأزمة الاقتصادية التي تطحن العالم الآن قد خفضت كثيرا الطلب العالمي على الذهب الأسود، فهوت أسعاره من علو إلى أسفل.
البشير قال، من قبل، للولايات المتحدة، في عهد إدارة الرئيس جورج بوش، المغرمة بالنفط ولو كان في دارفور، إذا رغبتم في مشاركتنا الخيرات، أي الذهب الأسود في إقليم دارفور، فأهلا وسهلا؛ ولكننا نرفض أن تستحوذوا عليها بالكامل.. ولكنهم أبوا واستكبروا، فـ "التقاسم" ليس بخيار يليق بالقوة الإمبريالية العظمى في العالم.
ولو كان ممكنا أن يأخذوا بهذا الخيار لأخذوا به إذ دعاهم إليه "آخر رئيس للعراق"، ولكفونا، وكفوا أنفسهم، شرَّ تلك الحرب.
لقد أحبطوا سعي الرئيس البشر لخطب ودهم النفطي، ولإقناعهم بجدوى سياسة "أعط ما لله لله، وما لقيصر لقيصر"، فاضطَّروه إلى أن يولِّي وجهه شطر الصين، فاستشاطوا غضبا، وشرعوا، على جاري عادتهم، يبحثون عن الحقوق والقيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والديمقراطية بصفة كونها خير لبوس يمكن أن تلبسه المصالح والأطماع النفطية، فالولايات المتحدة لا تكتشف أهمية وضرورة الإصلاح الديمقراطي والسياسي، وإحقاق الحق، والانتصار للعدالة، وللضحايا، وشن حرب لا هوادة فيها ضد مرتكبي الجرائم "الصدَّامية" و"البشيرية"، إلا حيث تتركز الثروة النفطية؛ أما إذا أنعم الله، بـ "القحط النفطي"، على دولة ما، يعيش حكامها بالحرب، وفي الحرب، على كل الحقوق الديمقراطية والإنسانية لرعاياهم، فإن الولايات المتحدة تسبغ عليها نعمة النسيان، أي تجعلها في سياستها نسيا منسيا.
إننا لا نملك شيئا يعتد به من أدلة الإثبات أو النفي في أمر "الجرائم المرتكبة في إقليم دارفور"؛ لأنَّ "النفط السياسي" يعيث فسادا في الجانب القانوني والإنساني من قضية دارفور، ويَحْمِل الولايات المتحدة على أن تنفخ فيه من روحها الإمبريالية، فتغدو الحبة منه في حجم قبة.
القصة بدأت إذ قام الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، والذي كانت الولايات المتحدة تُحْكِم قبضتها عليه، بتأليف لجنة دولية للتحقيق في أحداث شهدها إقليم دارفور؛ ولقد انتهى عملها إلى ما يدعو إلى الاعتقاد بأن جرام حرب قد ارتكبت في الإقليم، فأبلغت ذلك إلى الأمم المتحدة، موصية بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، فقرر مجلس الأمن الدولي قبول التوصية.
عنان سلَّم المحكمة الجنائية قائمة بأسماء 51 شخصا يشتبه في ارتكابهم جرائم حرب في دارفور، ثم أبلغ المدعي العام للمحكمة لويس مورينو أوكامبو إلى مجلس الأمن أنَّ لدى المحكمة أدلة على ارتكاب كثير من جرائم الحرب، ومن الجرائم في حق الإنسانية. وأخيرا، وجه أوكامبو الاتهام للرئيس السوداني نفسه بارتكاب تلك الجرائم، ثم قررت المحكمة إصدار مذكرة اعتقال في حق البشير.
كلهم، أي عنان، ولجنة التحقيق الدولية التي ألَّفها، والمحكمة الجنائية الدولية، والمدعي العام أوكامبو، ومجلس الأمن الذي أقر توصية إحالة ملف دارفور إلى تلك المحكمة، متهمون بتهمة بارتكاب "القانون المغرض سياسيا"، أي بتهمة جعل القانون خادما ذليلا للسياسة، التي تفوح منها رائحة المصالح والأهداف الإمبريالية النفطية للولايات المتحدة.
لقد تناهى إلى سمع الأمين العام السابق للأمم المتحدة أنَّ جرائم حرب، وجرائم في حق الإنسانية، يمكن أن تكون قد ارتكبت في إقليم دارفور، فقرر قطع الشك بسكين اليقين، فألَّف لجنة دولية للتحقيق في أمرٍ كان على هيئة فرضية أو احتمال..
وإننا لنسأل في دهشة واستغراب: ألم يتناهَ إلى سمع الأمين العام الحالي أنَّ شيئاً شبيهاً قد حدث، أو يمكن أن يكون قد حدث، في إقليم غزة حتى يُمْسِك عن القيام بما قام به سلفه؟!
لماذا لم يقرِّر قطع الشك بسكين اليقين، فيؤلِّف لجنة دولية للتحقيق في الأمر، لعلها تأتي بما يسمح للعالم بأسره بتمييز الحقائق من الأباطيل في التهمة والتهمة المضادة؟!
المهزلة اتخذت من لاهاي مقرا لها؛ وعمَّا قريب سنرى فصلا من فصولها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. والمهزلة نفهمها على خير وجه في المثال الآتي: اجتمع أشخاص، فاتفقوا على ما يشبه المبادئ لقيام محكمة، وعلى أن تكون تلك المبادئ ملزمة فحسب للموافقين عليها. شخص آخر، أي الولايات المتحدة، رفض رفضا باتا أن يكون جزءا من المجتمعين، ومن اتفاقهم؛ ولكنه ما أن علم أنَّ غريما له قد اتُّهِم، وأنَّ تلك المحكمة قد أمرت باعتقاله، حتى ناصرها، وانتصر لها، وزج بكل قواه في معركة الدفاع عن قرارها!
إذا لم يكن هذا هو النفاق بعينه فماذا يمكن أن يكون؟!
السودان قرر طرد 13 (من أصل 118) منظمة إنسانية من إقليم دارفور المعترف به دوليا على أنه جزء من إقليم الدولة السودانية، فهاجوا وماجوا، وشرعوا يتحدثون عن الكارثة الإنسانية التي ستترتب حتما على هذا القرار، وعن ضرورة أن يقف مجلس الأمن الدولي موقفا حازما من الحكومة السودانية، ولو تُرْجِم هذا الموقف الحازم بتعريض السودان لعقوبات دولية اقتصادية.. وعسكرية، وبفصل إقليم دارفور (ومناطق أخرى) عنه.
أمَّا إقليم غزة، غير المعترف به دوليا على أنه جزء من إقليم الدولة اليهودية، فلن يتعرض لكارثة إنسانية إذا ما قررت الحكومة الإسرائيلية منع المنظمات الإنسانية من أن تكون موجودة فيه!
وأخيرا، أحسب أن فرصة للتضامن العربي مع قطاع غزة ضد مجرمي الحرب في إسرائيل قد تهيأت الآن؛ ولاغتنامها يكفي أن توجِّه الدول العربية التي وقَّعت "معاهدة روما" دعوة إلى الرئيس السوداني عمر البشير لزيارتها الآن!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
-
رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
-
أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
-
-إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
-
-تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
-
أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!
-
على نتنياهو أولا أن يلتزم ما التزمه عباس!
-
أوباما يطلب -الترياق- ولو في السويد!
-
تهويد -مبدأ كلينتون- بدءاً من حي سلوان!
-
جريمة الإنكار وإنكار الجريمة!
-
نتنياهو يملك وليبرمان يحكم!
-
-العبثية- في وجهيها!
-
الفلسطينيون بين ليبرمان وأشباهه من العرب!
-
خُبْث اولمرت!
-
الرسالة الجوابية الفلسطينية!
-
-المبادرة العربية- تتمخَّض عن ليبرمان!
-
إذا ما -فازت- استطلاعات الرأي!
-
الأهم من -إعادة بناء- المنظَّمة!
-
أين -الرباعية الدولية- من هذا الحزب الإسرائيلي؟!
-
معركة -إعادة البناء- في قطاع غزة
المزيد.....
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|