عامر صالح
(Amer Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 09:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المكونات والأهمية
"للسيف حدان وللسان مئة حد"
مثل قديم
نتحدث بمختلف موضوعات الحياة اليومية:سياسية,اجتماعية,اقتصادية ومهنية؛ ونسهل معاملاتنا اليومية او قد نخفق؛نوصل كما هائلا من المعلومات اليومية
للاخرين ونستقبل منهم كذلك.كل ذلك يتم عبر التخا طب او الاتصا ل .وتبدو للوهلة الاولى وكأنها عملية فطرية مغروزة فينا ونحن في الارحام .لانعي حقيقة
هذه العملية بشكل كامل وواعي.وعندما نتخاطب فنحن نتخاطب بطلاقة هائلة لاندرك كيف نقوم بذلك.انها عملية معقدة وتجري وفق خطوات ومراحل مقننة,
وهي كغيرها من الظواهر تخضع للدراسة وللتجريب والبحث العلمي للوقوف عليها في صحتها واضطرا باتها
والياتها.انها عملية ممكنة عندما يتوفر لها مقومين اساسيين:اولهما الجهاز العصبي السليم والمخ منه بشكل خاص(صندوقنا الاسود)وديناميته العاليه,وثانيها البيئة الاجتماعية والثقافية والتي ننهل منها غذائنا اللغوي التواصلي .
أن عملية التخاطب كما يصفها العالم البولندي ليون كاجمارك:"هي عملية تبادل المعلومات بين المرسل والمستقبل وتكون نتيجتها الفهم,ويكون ذلك ممكنا فقط عندما يمتلك كلا الطرفين نفس اللغة".والتخاطب اللغوي هنا اما شفويا,او كتابيا, او مومى به.وعلى اساس ذلك نستطيع ان نميز أربع عناصراساسية في عملية التخاطب وهي:اللغة ,الموضوع,
الارسال ,والاستقبال.
ان اللغة هي احدى عناصر عملية التخاطب, وهي نتاج اجتماعي,وهي نظام ذو درجتين. وتشمل الدرجة الاولى: المكونات المستقلة وهي: الكلمات وعلاقاتها التركيبية ؛والمكونات غير المستقلة ,والتي نعني بها الصفات التطويحية,والتي تظهرفي الموضوع الشفوي بشكل إيقاع, ونبر ,ونغم,وفي الموضوع المكتوب او المومى به من خلال علامات الفصل(النقطة,الفاصلة,نقطتين شارحة.....الخ),وكذلك يتكون من اصغر الوحدات اللغوية والتي تظهر في الموضوع الشفوي من خلال الاصوات,وفي الموضوع المكتوب من خلال الاحرف,وفي الموضوع المومى به من خلال توليف لنقاط ومقاطع,واخيرا اصغر وحدة صرفية.أما الدرجة الثانية من النظام اللغوي فتشمل منظومة الاسس القواعدية,والتي على اساسها يتم معرفة و بناء الموضوع من الرموز المستقلة,والذي يعتبر الحلقة الرئيسية في عملية الاتصال.
اما الموضوع فهو المعلومات المرسلة,ويمتلك هيئة أو وعاء ناقلا متنوعا حسب شكل الارسال الذي تحدده قناة نقل المعلومات.وتتكون نتيجة ذلك أشكال مختلفة للموضوعات(شفوية,كتابية,ومومى بها) مكونة بذلك حصيلة عملية الارسال.وفي كل موضوع ممكن تميز:المحتوى,وهو التنظيم اللغوي للمعلومات(أي الافكار),الصيغة اللغوية,الوعاء الناقل أو المجسد,أي هيئة الموضوع(ناقل الفكرة) :شفويا,كتابيا,ام اشاريا....الخ .
ويشكل الارسال المرحلة الثالثة في عملية التخاطب او الاتصال,ونعني به توصيل المعلومات بمختلف القنوات المناسبة لهيئة الموضوع.فالتكلم,والكتابة ,ومختلف الموضوعات المومى بها,هي عملية بناء موضوع في هيئة صوتية,او مكتوبة ,او بصرية...الخ .وبهذا فإن التكلم,والكتابة والأيماء يمكن تخديدها بأنها ناقلة الفكرة.
ويكون الاستقبال ملائما لشكل الارسال .فقد يكون الاستقبال سمعيا,اوبصريا,اولمسيا...الخ . أن المراحل الاربعة هي نتاج بعضها ويستند بعضها الى الاخر.وان اللغة باعتبارها نظاما تجريديا للمعايير الاجتماعية ,فانها اساس عملية التخاطب للتعبير عن الفكروالمعاناة الفردية الملموسة.ولأن المحتوى المعبر عنه في الكلام يتفق مع المعاييرالاجتماعية للغة,فإن التكلم الفردي يصبح مصدرا اجتماعيا لعملية الفهم,والنتاج المستمر للفهم هو الموضوع,الذي نستخلص منه معايير اللغة,وتصبح المعايير اساسا لتكلم جديد.ان المراحل الاربعة تظهربنظام الدائرة المغلقة,ويتخلل بعضها البعض.
ان القوة التجريدية والتوليدية للغة في عملية التخاطب تكسبها مزايا واهمية استثنائية على مستوى المجتمع المتحدث بها بشكل عام وعلى المستوى الشخصي الفردي, فهي تساعد الانسان في السيطرة على الاشياء,والموضوعات,
وعلى البيئة,اذ تحل محل هذه الاشياء,والموضوعات الكلمات التي ترمز اليها؛وتشكل اللغة أداة توافق وتكيف مع شروط
الحياة الخارجية والداخلية,وهي اداة التعبير عن الاحاسيس والافكار,والمشاعر,والعواطف؛ وهي اداة فعالة في تسجيل
الحوادث,والتجارب الماضية,وهي اداة لحفظ التاريخ والتراث والفكر,وكذلك هي اداة تربط الماضي بالحاضروبالمستقبل؛
وتعتبر اللغة أداة اتصال وتفاهم بين الافرادوالجماعات,وهي تربط الافراد برباط قوي وثيق له طابعه المميز والخاص؛وتلعب اللغة كأداة تاثير وسيطرة بين الافراد والجماعات,كما تعمل اللغة كأداة في الصراع من خلال الدعاية
والاعلام والمنافسة؛ وتقوم اللغة بوظيفة التعلم والاكتساب للمعلومات والخبرات,فعن طريقها يتم تعلم الطفل لمواده الدراسية,والاستجابة الى الاخرين,وحفظ المعلومات,وتذكرها, وتكوين الخبرات والمعارف. والالمام بالقراءة والكتابة.
ويجب الاشارة هنا بشكل خاص الى الوظيفة التشخيصية للغة,حيث تستخدم على نطاق واسع في تطبيق الاختبارات,والمقاييس,واجراء الاستفتاءات,والمقابلات على الافراد لاغراض التمييز بين الحالات السوية,والحالات المرضية, كما تفيد اللغة من حيث طلاقتها, ومايصاحبها من قدرة على التعبير والتفكير في تشخيص بعض الحالات المرضية كما في حالات العصاب,والذهان ,والتخلف العقلي,وبعض الامراض العضوية وغيرها.اما من الناحية العلاجية
فاللغة لها استخداماتها كأحدى طرائق العلاج النفسي .فمدرسة التحليل النفسي الفرويدي تعتمد على اللغة في السماح
للمريص في التعبير عن مشاعره,وافكاره,ورغباتة المكبوتة,وهو مايسمى بالتفريغ الانفعالي لاغراض التخفيف عن
ازمته النفسية,كما تعتمد على تحليل لغة المريض بما تتضمنة من تصورات ,وافكار وما ترمز له من قضايا أو مشكلات من اجل احداث أستجابات ملائمة,واجراء التعديلات اللازمة في الاتجاهات والخبرات للتكيف الصحيح .وكذلك ترى المدرسة السلوكية بزعامة( واطسون) بأن اللغة يمكن ان تستخدم كأداة لاثارة العواطف لدى الغير,فهي تخضع لمبدأ المثير والاستجابة, فالمثير هو الكلمات المسموعة بما فيها من مدلول أو معنى, والاستجابة هي السلوك اللغوي وغير اللغوي الذي ينجم عن ذلك. كما نشير هنا الى طرائق العلاج النفسي الحديثة المنتشرة في الدول المتقدمة والتي تعتمد على اللغة في التأثير على افكار المريض لمساعدته في الاقلاع والتخلص من الكثير من العادات والمظاهر الاضطرابية,ومنها طرق العلاج المعرفي والسلوكي المعرفي .
يخضع الحواروالتخاطب لقاعدة النمو والارتقاء المستمر والمتواصل. يتعلمة الفرد ويتربى علية ابتداء من بيئته الصغرى ولاحقا من علاقاتة المتشعبة وانتماءه للظواهر والافكار المختلفة.يتعلم كيف يكون مرسلا ومستقبلا للخطاب ,ويتبادل الادوار كذلك وفقا لشروط بيئة الحوار. فكم منا امتلك فكرة او رأيا,ولكن بفعل قصوراللغة لم نستطيع ايصالها؛كم عوقبنا من معلمينا وذوينا لأننا لم نستطع التحدث بطلاقة عن افكارنا؛وكم ساهمت بيئتنا في عدم تشجيعنا على التحاور مع الاخر في طفولتنا,فكانت ترى ان الفرد المهذب هو الفرد العاقل(الصامت) ابدا,والطفل الغير مهذب (الوكيح) هو من يتحاور(ولسانه طويل)؛وكم سكتنا عن الاخطاء ولم نتحدث بها فدفعنا الثمن غاليا؛كم كان الصمت وعدم الاعتراض والتخاطب با الاراء المغايرة مكلفا ومعرقلا لبديل اقضل؛كم كنا بأمس الحاجة للتعبير عن مشكلاتنا ومعاناتنا في مراحل العمر المختلفة ولم نقوى على ذلك.ان الجرأة والحوار مع الاخر هو مظهر ايجابي من مظاهر الشخصية السوية.أن الجرأة والتخاطب هو المدخل الاساسي في معترك الحياة,فالصراع بين الخير والشر هو صراع خطاب لغوي ينتظر منا اجابات محددة واضحة,وان الدخول في غمرة النشاط الاقتصادي في عالم اقتصاديات السوق,الذي يعتمد على المنافسة الشرسة والدعاية هو الاخر صراع خطاب؛ان الصراع السياسي في مجتمعاتنا هو اولا وقبل كل شيئ صراع خطاب...ان الفرق بين الانتماء المذهبي,والطائفي والشوفيني,وبين الانتماء الوطني هو صراع خطاب يصدر من ذهنيات متباينة في الاحساس بمسؤولياتها اتجاه مصائر الناس؛ان التشبث في الماضي وأستحضار بعض من صفحاته المحزنه لتحويل حياة الناس الى جحيم,وبين عصرنة الحياة والاعتماد على العلم والتقدم التقني هي الاخرى اشكالية خطاب......أذن فما احوجنا الان الى خطاب واضح وتخاطبا هادئ.
#عامر_صالح (هاشتاغ)
Amer_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟