أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جاسم قاسم المنصوري - اليات المفكر المصلح للنهضة بمجتمعه















المزيد.....

اليات المفكر المصلح للنهضة بمجتمعه


جاسم قاسم المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 2580 - 2009 / 3 / 9 - 00:59
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لكي تنهض المجتمعات غالبا يستخدم رجال النهضة والفكر البناء آليات معينة لتحرير فكرها وجعله فكرا متنورا قادرا على أن يضع تلك المجتمعات بمصاف المجتمعات القادرة على التفكير والمؤسسة لنفسها مستقبل مشرق , وللتعرف على أهم الآليات التي تساهم في عملية التحرير علينا أن نعرف كيف يستطيع المفكر أن يتعرف على الآليات التي يستخدمها في تحرير ذلك المجتمع , وهنا ينظر المفكر الى نقاط الضعف في مجتمعه ويعمل على إزالتها وإذابتها ويشتغل عليها بشكل يستطيع معه إفساح المجال لبث أفكاره , أما إذا لم يعمل على هذا المنوال فسوف يخفق لأنه يصبح منظرا فحسب ومثقفا موسوعيا وليس مفكرا قادرا على تخليص المجتمع مما لحق به , وآليات المفكر المصلح كثيرة جدا ونستطيع أن نتناولها بالشكل التالي :
1- ينظر المفكر الى رجال الدين الذين يقودون المجتمع وما هم فاعلين به ويعمل على رصد رؤاهم وأفكارهم التي يستخدمونها لجعل المجتمع منقاد لهم كل الإنقياد من حيث ربط المجتمع بالتراث المليء بالشعوذات والتشرذمات وليس التراث الخلاق صاحب الأصالة , وبالنتيجة سيعمل المفكر على مسألتين في هذا المجال :
الأولى : تعرية رجل الدين الذي يعمل على بث تراث مليء بالظلاميات وليس تراثا أصيلا متنورا , لأن هكذا تراث لن ينفع رجل الذين بشيء لأنه سيعمل على تثقيف المجتمع بإتجاه بالضد مما يطمح إليه هؤلاء .
الثانية : العمل على تعرية هكذا تراث ظلامي وبث الأمور العقلانية التي تعمل على كشف تراهات هكذا تراث والعمل على جعل عامة المجتمع تنفر منه .
وهذه الجوانب التي يعمل عليها المفكر لا تخلو من صعوبات جمة لأن التعامل مع رجال الدين سيضحى بالنتيجة تعاملا صعبا وكيف لا وهم يعملون على الوشاية بالناس على الظن وتحميلهم مالا يطيقون ونفي أفكار التنوير وإبعادها عن ساحة المجتمع لأنها تقف حائلا دون تمكنهم من رقاب الناس وهم يعتاشون على المجتمعات كحال الطفيليات التي تعتاش على الأحياء المختلفة .
وبالنتيجة على المفكر أن يتعامل بذكاء متقد وبفراسة عالية وبإختيار للمصطلحات صلب يصعب على هؤلاء فهمه كي يستطيع أن يحقق مآربه وينجح في عمله الفكري النهضوي .
كما على المفكر أن يعي أن الأرضية التي يعمل عليها رجال الدين هي أرضية ركيكة وضعيفة للغاية وكيف لا وهم يستدرون عواطف الناس ويعملون على الجانب العاطفي وليس العقلي وبالتالي فأن عملية مناقشة أفكارهم ستكون سهلة جدا وبالإمكان إبعادها عن جانب الصواب, لأنك إذا لاحظت رجال الدين كيف يتعاملون سترى العاطفة هي منفذهم الوحيد الى داخل الناس وهذا واضح فترى أحدهم على إحدى الفضائيات يثقف بإتجاه الأحلام فيقول للناس إني حلمت بكذا وحلمت بكذا والناس تبكي من حوله وتصدق ما يقول , فإذا جاء المفكر وعمل على الجانب العقلاني في هذه المسألة بشكل صحيح بعيد عن الصدام سترى كيف أن الجانب العقلي سيهزم الجانب العاطفي الذي يعمل عليه رجال الدين .

2 – ينظر المفكر الى المجتمع الذي ينوي تطوير فكره من خلال رصد جوانب الضعف الفكري التي من السهل إختراقها من قبل من ينوي جعل المجتمع متخلفا من سياسيين أو رجال دين أو أعداء لذلك المجتمع , هذه الجوانب الضعيفة في الفكر المجتمعي التي يعمل المفكر على رصدها ويعمل كذلك على وضع الآليات الكفيلة لتحويلها الى جوانب قوية في الفكر كذلك يعمل على تقوية الجوانب القوية المهملة في ذلك المجتمع ويرجعها الى وضعها الطبيعي , ويعمل كذلك على إضعاف الجوانب الضعيفة في الفكر والقوية بتبني المجتمع لها ويعمل على إرجاعها لوضعها الطبيعي من خلال آليات يفكر بها , وهنا تكمن الصعوبة في هذا المجال من جانبين :
الجانب الأول : إن الجوانب الضعيفة أما تكون قوية في أصلها ضعيفة بتبني المجتمع لها فيعمل المفكر على تقويتها .
الجانب الثاني : أو الجوانب القوية التي تكون ضعيفة في أصلها قوية بتبني المجتمع لها فيعمل المفكر على إرجاعها لوضعها الطبيعي .
فهو – أي المفكر – يعمل على أحد الجانبين أما الأول أو الثاني .أو كلاهما .

3 – أن يعمل المفكر على النشء ومدارس النشئ ويضع مناهج تربوية أصيلة معتمدة على فكر نير بعيد عن تأريخ مشوه أو حاضر هجين وبالتالي ومن خلال الإعتماد على النشئ بالإمكان صنع جيل بديل أي جيل نهضوي جديد يحل محل الجيل المتقدم في المجتمع والذي تصل الحالة في أكثر الأحيان به الى صعوبة تغيير فكره , وهنا عمل المفكر على النشئ يعتمد على أساليب عدة تربوية في الغالب مطعمة بجوانب التنوير والنهضة ويبث أفكار تربوية عالمية إنسانية تعمل على صقل هكذا جيل وبإبعاده عن مفهوم الدراسة النمطية التي ربيت عليها الأجيال السابقة , وهنا سيكون المفكر ملزما بالإطلاع على المناهج العالمية في هذا الصدد لتطعيمها مع ما يمتلكه هذا المفكر ووضعها بمتناول النشئ سيكون بالنتيجة مناهج تنويرية عصرية مهمة ينطلق من خلالها النشئ الى العالم المتحضر ولا سيما في المجالات التأريخية وتعليم المناهج الدينية .
أساليب التربية تنطلق من الأسرة والمدرسة كحد سواء , وبالتالي فأن هذه الأساليب يجب أولا أن لا تفرق بين البنين والبنات ومبدأ الفصل بين الجنسين , بل أن تراعي مسألة الاختلاط بينهما مما يعد لمسألة التثقيف الجيد من النواحي الجنسية ونظرة كل جنس للآخر على أنه زميل وليس شيء آخر وإنهاء مبدأ أن نقول لأولادنا لا تتكلموا مع البنات فهذا محرم أو العكس فأن لهذه التربية مردودات سلبية كبيرة يجب أن تراعى في هذا المضمار .

4 – أن يحدد المفكر خطة إستراتيجية طويلة الأمد ومستقبلية وأن لا يعمل على آليات آنية تعطي نتائج سريعة وسرعان ما تزول بزوال عوامل إحتضانها بل أن تكون خططه النهضوية ذات مدى مستقبلي وليس مرحلي وهنا يتطلب من المفكر أن يختار الوقت المناسب لإنطلاق خططه النهضوية وأن يختار الآليات المناسبة لذلك وأن يهيء الأرضية المناسبة كذلك وهكذا فعل أغلب المفكرون بالنهضة ومنهم محمد بن عبد الله عندما إنطلق بمشروع الإسلام حيث نراه إختار أرضية مناسبة تقبلت أفكاره وهم ضعفاء مكة وعبيدها وليس كبارها وساداتها وهذا ذكاء منه (ص) , وكذلك إختياره الوقت المناسب لإطلاق دعوته ومشروعه وذلك بعد أن رتب له آليات مناسبة بإختيار شخصيات يمكن الإعتماد عليها عند الجهر بالدعوة وعلى رأسهم عمه حمزة وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وغيرهم ممن تهابهم قريش , وكانت دعوته مستقبلية وها نحن نعيشها لليوم ولم تكن آنية مرحلية وهذا يتطلب من المفكر أن يخطط تخطيطا مهما وقادرا على الإستمرار بمشروعه النهضوي البارز , وهذا ما يعمل عليه الغرب حاليا حيث نراهم يخططون وعبر جمعيات مستقبلية للمستقبل, وهذه النظرة المستقبلية نراها واعدة عندهم إبتداء من الروايات الكثيرة التي كتبت في هذا المضمار وليس أدل منها رواية 1984 للكاتب البريطاني (جورج أورويل) والتي كتبها سنة 1948 ليتصور مآل العالم عام 1984 وهنا تكمن المسألة وأهميتها , كذلك رواية 2440 للكاتب ( لوي سباستيان مرسييه) المسرحي الفرنسي الذي عاش في القرن 18 والذي نشر روايته 2440 عام 1771 يرى فيها البطل أثناء نومه نفسه يناقش صديقا له من الفلاسفة عن الأوضاع السيئة في فرنسا ذلك الوقت ثم ذهب لينام بعد تلك المناقشة , فإذا به يرى في حلمه باريس في عام 2440 والتغيرات الكثيرة التي طرأت على الحياة الباريسية , وكان الإنطلاق الذي إعتمده مارسييه في روايته تلك هو مقولة الفيلسوف لاينبتس عن أن (الحاضر مفعم بالمستقبلي) فالإنسان في رؤى مارسييه هو صانع لمستقبله وقدره ومصيره عن طريق الإستخدام الأمثل لقواه الذهنية وملكاته العقلية , كذلك لا ننسى عالم الإجتماع الأمريكي (وليام أوجبرن) الذي يجمع بين علمي الإجتماع والإحصاء وحاول أن يبين الإتجاهات الأساسية في المجتمع الأمريكي في الثلاثينيات في عدد من المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتكنولوجية , وكان ذلك ركيزة لقيام الفكر المستقبلي الحديث , كذلك فأن (توفلر) أنتج كتاب أسماه (صدمة المستقبل) عام 1970 وفيه يبشر بأن ما يبدو خياليا أو مجرد وهم في الوقت الراهن سوف يتحقق في المستقبل من خلال الجهد البشري ومعنى الجهد البشري وكيفية تفعيله , وهنا لا يفوتني أن أذكر جماعة المستقبليين المهمة التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وقد ذهب بعضهم الى أنه إذا كان بالإمكان التنبؤ بالمستقبل فأن هذا معناه أن المستقبل غير قابل للتغيير بينما نحن نشغل أنفسنا طيلة الوقت بالبحث عن الطرق والوسائل التي تساعد على تشكيله وصياغته أو إختراعه , فالإنسان لا يستسلم تماما للمستقبل بل إنه يصوغه ويخترعه ويصنعه , فالمستقبليون يرفضون فكرة أن المستقبل محدد من قبل لأنه يخضع في آخر الأمر لإختيارات البشر وإن الجنس البشري قادر على تشكيله عن طريق الإختيارات الواسعة المتاحة له , وهكذا فإن المفكر أمام خيار الدخول في المستقبل في حاضره أي العمل للمستقبل وهو في الحاضر قبل الخوض بالحاضر حتى , أي أن عليه معرفة نتائج عمله ولكن بنفس الوقت عليه أن لا ينتظر من أحد مجازاة أو شكر أوما شابه بل أنه قد يلاقي ما يلاقي في سبيل إنجاح دعوته ونهضته المنشوده .
ووصلت التخيلات في الكتابة عن المستقبل وإستقراؤه في العالم الى رواية الكاتب البريطاني (إيان مكدونالد) بعنوان (مقهى المحطة الأخيرة) وهي رواية طريفة وعميقة صدرت عام 1994 وتدور أحداثها حول إستخدام تكنولوجيات النانو في إعادة الحياة الأبدية للأموات , ولكنها تتساءل في آخر الأمر عما إذا كان هؤلاء العائدون يعتبرون بشرا أو آدميين حقا , فالمؤلف يتخيل صورة المستقبل غير البعيد حين تفلح تلك التكنولوجيات المتقدمة في بعث الموتى من قبورهم بحيث يؤلفون طبقة من الأحياء الذين لا يكادون يختلفون عن البشر في شيء سوى ألقدرة على تجديد شبابهم بإستمرار , أنا هنا لا أريد الإطالة في الشرح حول قراءة المستقبل الذي أضحى علما قائما بحد ذاته وتحت عنوان علم استشراف المستقبل , بل أريد أن أقول أن التنويري أو المفكر المصلح عليه أن يقرأ المستقبل قراءة متمعنة ويستنتج مآل مشروعه النهضوي الى أي مدى سيصل , ولكن علينا الإنتباه أيضا , فقراءة المستقبل يجب أن تكون لأجل الإصلاح والنهضة والتقدم وليس لأجل المستقبل بحد ذاته والمغالاة الشديدة في النظرة إليه , وهنا أنتقد وبشدة الكاتب الأمريكي الإيراني الأصل (فريدون أصفندياري) الذي كان يؤمن أنه سيعيش حتى سن المائة أي حتى عام 2030 على إعتبار أنه من مواليد 1930 وبناء على هذا الإعتقاد قام بتغيير أسمه الى (FM 2030) ليتفق مع إيمانه بالحياة الطويلة التي ستحققها له التكنولوجيا المتقدمة , ومن سخرية القدر أنه توفي في سنة 2000 وعمره سبعين سنة نتيجة إصابته بسرطان البنكرياس , ولقد كان اصفندياري شديد الولع بالإرتباط بالمستقبل كما يعبر الدكتور أحمد أبو زيد , كما كان قوي الإيمان بما يسميه (عبر الإنسانية) حيث الإنطلاق من كل القيود الزمانية والمكانية على حد سواء وله في ذلك عبارة يقول فيها " إنني شخص ينتمي للقرن 21 " ولكن المقادير ألقت به عن طريق المصادفة البحتة في القرن 20 , فهو يشعر بالحنين الشديد نحو المستقبل وهنا مغالطة كبيرة في حديثه هذا وفي نظرته الى المستقبل , وبالإمكان أن ننقدها وبالشكل التالي :
1. مصطلح (عبر الإنسانية) مصطلح مهم جدا , صحيح أنه يقصد به فك القيود والإنطلاق ولكن ليس بإستخدام هكذا مصطلح , فعبر الإنسانية معناه أن تتخطى الإنسانية أو أن تمتطيها لتصل الى مكان أبعد من الإنسانية , ولا أعتقد أن فوق الإنسانية شيء أهم منها كوحدة للوجود .
2. كيف للإنسان فك القيود الزمانية والمكانية , هذا إنتحار للفكر الإنساني أن تتخلص من قيود ماضيك بل قيود حاضرك أيضا وتبقى تنظر الى المستقبل , إذن ماذا ستصنع في هذه الحالة وما هي آلياتك في هذا المجال إذا أنت تركت هذه القيود بل عليك أن تفكر بآليات تخلصك من هذه القيود وأن لا تتركها للزمن لأنها ستبقى متعلقة بك عاجلا أم آجلا .
3. هذه نظرة فيها مغالاة للمستقبل , فلكي تبني مستقبلك عليك أن تنظر الى حاضرك في البداية وتستشرف مستقبلك من خلال آليات حاضرك التي وضعتها لبناء المستقبل .
4. يتبين مغالاة أصفندياري في المستقبل من خلال إعتبار أنه سيعيش بفضل العلم 100 سنة للأمام وما هو صانع عام 2030 وهل سيبقى مخلدا أم لا في حين أن مسألة الخلود التي يريدها أصفندياري ليس بالضرورة أن يخلد جسده بل أن تخلد روحه وأعماله وهذا يدل على نظرته السطحية لمسألة الخلود والمادية البحتة التي لم تستطع حتى أن تكون بمنزلة تعبير الخلود الذي أراده كلكامش عبر ملحمته الإنسانية الخالة التي كتبت قبل 6000 سنة بل أن أصفندياري لشدة سطحية فكره بالخلود أوصى بأن يحتفظ بجسده عن طريق التجميد في مؤسسة Alcor Life Extension Foundation بولاية أريزونا حتى عام 2030 لكي يعود بعدها للحياة إلى الأبد وهنا تكمن نظرته القاصرة لمسألة الخلود التي هي من أساس علم المستقبليات والتي بحث فيها الإنسان طوال وجوده على الأرض ولم يستطع أن يرى الخلود إلا من خلال أعماله التي توصله إليه , وهكذا على المفكر المصلح أن لا يوغل في المستقبليات الى درجة أصفندياري وغيره بل أن ينظر الى المستقبل كهدف يصل إليه بأفضل حال وأفضل وسيلة .
5. التراكم المعرفي الذي يجب أن يتمتع به المفكر , أي أن للجانب التنظيري دور أساس لإنجاح العملية التي يريدها المفكر فمن غير الممكن أن يقوم المفكر بعمله الإصلاحي من دون الإطلاع على تجارب مفكرين عالميين وقادة الفكر الإنساني و يكون ذو تراكم معرفي تتراكم لديه المعارف والقدرات الكامنة لتحويلها الى قدرات حركية على أرض الواقع وتتلاقح عنده هذه التنظيرات بالإضافة الى تنظيراته الخاصة التي تخص بيئة مجتمعه فعندما يتسلح المفكر بهذه المعارف والتجارب يكون ذو قدرة أكبر في إنجاح تجربته الإنسانية في الإصلاح , فإن عملية التلاحم الفكري ستعزز القيم لديه وتجعله متمكنا من قيادة المجتمع فكريا .
6. الإنتباه من قبل المفكر أن لا يسلط أفكار جاهزة لديه على المجتمع الذي ينوي بث قيم التطوير فيه بل عليه أن يفكر بعدة أمور وعلى رأسها خصوصية مجتمعه وطبيعته , وأن يعلم أن تسليط أفكار جاهزة على المجتمع من دون الخوض بالتفاصيل سيؤدي بالنتيجة لفشل المشروع النهضوي الذي يتبناه المفكر .
7. بنفس الوقت أن لا تسيطر عليه خصوصية مجتمعه بل عليه أن ينظر الى هذه الخصوصية فإذا كانت غير فعالة فعلى المفكر أن لا يلغيها جملة وتفصيلا مما يدخله في إشكالات عديدة مع المجتمع بل عليه أن يشكك المجتمع بهذه الخصوصيات غير الفاعلة وأن يضع البديل وهنا أركز على كلمة البديل , فالمفكر مهما طرح من إشكاليات عليه أن يضع بدائل وأن لا تكون نهضته غير مجدية .
8. النظرة بعمق الى المشاكل وقراءتها من جذورها وأن تكون الحلول جذرية , وهذه مسألة جدا مهمة, فإذا كانت نظرته سطحية للمشاكل وحلوله ليست جذرية كذلك فمعنى هذا إجهاض مشروعه النهضوي وبسرعة كبيرة من قبله طبعا .
9. أن يدفع المفكر بتكوين مؤسسات نهضوية من داخل المجتمع لدعم المجتمع المدني وبناء مجتمع مدني قوي والتخلص من العقبات التي تقف بوجه تأسيس هكذا منظمات فاعلة وليس منظمات إنتهازية أو ما شابه وأن يعتمد وبشكل مباشر على منظمات المجتمع المدنية الجماهيرية ويعمل على تفعيلها وليست النخبوية حيث ينحصر عمل هذه المنظمات النخبوية في تقديم الرعاية للفقراء والمحتاجين وإشباع حاجات خدمية مما لا يؤدي الى تغيير الأوضاع بل يعيد إنتاج الأوضاع القائمة بما فيها من فقر وبطالة وتهميش و غياب للعدالة المجتمعية وتؤكد تقارير البنك الدولي السنوية هذه الرؤيا للمجتمع المدني حيث تعتبره القوة المحركة لنشاطات ونمو القطاع الخاص ولا تنظر إليه بإعتباره إطارا مناسبا للمساهمة في التحول الديموقراطي للمجتمع أو لإمكان قيامه بدور تغييري تنموي شامل , وهذا ما يجب أن يطمح إليه المفكر القيام بتفعيل المنظمات المدنية للقيام بدور تغييري تنموي شامل وليس مجرد ورشات وإجتماعات دورية للنخبة وكيفية مساهمتها بمسائل تنظيرية فقط ليس أكثر في الإطار العام للمجتمع وليس في خصوصيات لها أثر تنموي شامل , وأن يركز المفكر على استقلالية هذه المؤسسات المدنية وعدم تبعيتها إلى أي جهة أو حزب أو حكومة أو ما شابه .
10. أن يركز المفكر على الهوية التي ينتمي لها مجتمعه لأن التركيز على الهوية له مديات مهمة تجعل الإنسان يزيد من انتمائه لها وتطوير ذاته من خلال هويته وليس بنفيها ولكن مع ضمان عدم الغلو في الهوية بل الحب والإنتماء لها , وكجزء من الهوية بعث التراث التنويري الذي ينتمي إليه المجتمع وليس مقولة إلغاء التراث لبعث المجتمع فهذه المسألة تزيل الهوية وفي ذلك يقول (أدونيس) : " من لا تراث له لا هوية له " , وهنا تأتي ظاهرة العولمة التي يجب أن يتصرف معها المفكر بحذر فظاهرها المساواة بين الشعوب في الحقوق والواجبات وباطنها الهيمنة , أي إلغاء الهويات الثقافية المحلية والقومية وهنا تكمن خطورتها ولكن على المفكر أن يعمل ويتعامل مع العولمة بشكل , أولا : لا يجعلها كأنها غول يهم بابتلاع مجتمعه وثانيا : أن يستفيد منها وظاهرها التطويري العالمي لأنها إن طبقت بحذافيرها فهذا يعني السيطرة والهيمنة التي يخاف منها حتى الغرب وهنا يقول وزير ثقافة فرنسا الأسبق (لانج) في مؤتمر 1982 في نيو مكسيكو حيث قال للفرنسيين " انتبهوا لزحف الثقافة الأمريكية , ستفقدكم إنسانيتكم" , وهنا كما أسلفت على المفكر أن ينظر إلى الجانب التنويري من العولمة بوصفه جانبا في لب التطوير والقدرة على التنوير وبعثه , وبنفس الوقت التضامن والالتزام مع الهوية الثقافية وعدم جعل العولمة تزحف لإلغاء هذه الهوية , لأن علامة الأمة بالتزامها الحضاري وسر وجود أي أمة يكمن في الحفاظ على هويتها والكثير من الأمم تهاوت وانتهت لأنها لم تستطع أن تحافظ على هويتها .



#جاسم_قاسم_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جاسم قاسم المنصوري - اليات المفكر المصلح للنهضة بمجتمعه