|
الانتخابات المقبلة والمحاصصة
صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 2579 - 2009 / 3 / 8 - 09:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنت قد أبديت وجهة نظري في خضم النقاش الذي كان دائراً بعد سقوط النظام المباد في العراق وقبل تأسيس أول برلمان منتخب وهو الجمعية الوطنية وتحديداً منذ منتصف عام 2003 ولقد ذكرت حينها في مقال لي وبعد استعراض تجارب بعض البلدان ومنها فرنسا وتركيا إنني أحبذ الأنموذج الذي ينتخب فيه رئيس الوزراء بصورة مباشرة عن طريق الاقتراع العام وينتخب رئيس الجمهورية عن طريق البرلمان لذي يُنتخب أعضاؤه بدورهم بالاقتراع العام أيضا وتمنيت ان تكون أمور الحكم بيد رئيس الوزراء ومجلس وزرائه الذي يرجع في حالة اتخاذ القرارات الى البرلمان كما ارتأيت ان تكون مدة الدورة الانتخابية لرئيس الوزراء والرئيس محددة بسنتين او ثلاث سنوات قابلة للتجديد لدورة واحدة فقط وقد ربطت ذلك مع التجربة المريرة التي عاشها العراقيون مع الأنظمة القمعية التي سبقت التغيير في نيسان2003. أما الآن وبعد تجربة السنوات الخمس وخصوصا منذ الانتخابات الأولى ومن أجل تقويم ما جرى وبخاصة منذ انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة وإبانها ولمعرفة مدى التغيير الذي حصل لدى الناخب العراقي ولدى (أهل الحكم) أرى ان من الضروري ان نعرج على بعض تداعيات المرحلة السابقة كي نستخلص العبر من دروسها سلبها وإيجابها. لا بد أولا من الإشارة الى ان أمنياتي بانتخاب رئيس الوزراء بالاقتراع العام لم تتحقق واعتقد ان ذلك و لأسباب أخرى أدى الى لجم يد رئيس الوزراء والحد من سلطاته في اتخاذ القرارات وأدى ذلك ـ وبفعل أسباب أخرى أيضا ـ الى ان تبرز (المحاصصة) و ترسخ أقدامها في وحل ما تبقى من النظام المباد وكان انبثاقها موجعاً ومؤلماً للأغلبية من العراقيين إذ كان الموقف الجمعي والرأي العام العراقي قد بدأ بالتكون لديهم لتوه على أسس جديدة بفعل الحرية المتحققة وكان من الواجب الاستفادة منه لا إحباطه وقبره بإثارة السلبيات التي ارتبطت بذلك المفهوم الذي اخذ يتصاعد تدريجيا منذ ان فكر أولو الأمر وسلطة الائتلاف بتشكيل بناء سياسي مؤقت تمخض لاحقاً عن ما عرف بـ (مجلس الحكم) والذي حاولوا إعطاءه صبغة او بناءا على وفق الترسيمات المذهبية والقومية وهي هفوة أساسية لا تنسجم مع طبيعة المجتمع العراقي ولا تلبي طموحات أبنائه التي تتجاوز تلك الترسيمات والحدود, لم يلتفت السياسيون الى ذلك وسرعان ما أوقعت سياستهم تلك أبناء شعبنا في مطبات لا نهائية من الإحباط المتواصل لم تزل تفاعلاته حتى الآن كما انه أصبح يولد العثرة تلو العثرة حتى اننا خشينا في الكثير من الأوقات على انهيار مجمل الوضع الجديد من جراء استمرار ذلك الطرح في الوقت الذي كان يجب النأي عنه والتصرف برؤية حضارية لا تلتفت الى تلكم المسميات. فهل نفلح في القفز فوق المحاصصة ونستغني عنها؟ ترى الأغلبية الساحقة من العراقيين ان الواجب المترتب على الجميع والمسؤولية الملقاة على عاتق القوى السياسية خصوصا القيادات, يحتم مثل هذا الاستغناء غير ان الظروف التي أعقبت إسقاط النظام وتخبط (الإدارات) الأميركية التي تبوأت المناصب الإدارية في العراق في المدد الأولى أدت الى حدوث استقطابات غير محببة وغير مستساغة لدى أغلبية العراقيين وقد أدى النظام الانتخابي الذي عُمل به مبكراً (نظام القائمة المغلقة) الى زيادة الاحتقان و أوصل الى مجلس النواب أشخاصاً لا يتمتعون بالمؤهلات المطلوبة للعمل السياسي والمهني وأدى ذلك بدوره الى الإخفاق والفشل نجم عنه إهمال حاجات الناس الأساسية وظل المواطنون في معاناة دائمة وقاسية من طفح المجاري وشحة الكهرباء وانعدام فرص التشغيل وسوء الخدمات الى استشراء الفساد الإداري والمالي وتحوله الى وحش مخيف بدد ثروات الوطن وأرواح الناس ولم يزل يفعل فعله حتى الآن الى الحد الذي بتنا نتصور ان هناك (محاصصة) في الفساد الذي اخذ ينخر في مفاصل الدولة بصورة مخجلة ويبدو انه في طريقه الى أن يغدو تصرفا اعتيادياً وأمرا ً واقعا ً إذا لم يتم بتره. ولتوضيح بعض الأخطار المباشرة للفساد على أرواح الناس نشير الى تفجير الحلة الإجرامي الشهير الذي راح ضحيته العشرات فلقد عزاه الكثير من المواطنين وخصوصا من أهل الحلة والذين التقتهم وسائل الإعلام في حينه الى الفساد الذي ينخر في جسد وزارة الصحة من خلال عدم حسم معاملات المراجعين لأغراض الفحص الطبي بهدف التعيين وتركهم يتكاثرون باطراد يوميا حتى وصل عددهم الى المئات من المراجعين فوفر ذلك فرصة ثمينة للإرهابيين لتنفيذ جريمتهم .. و إضافة الى ما ذكرناه هناك الكثير من المشكلات الأخرى التي لم يتم التوصل الى حلول جذرية لها حتى الآن برغم اننا نقترب من نهاية السنة السادسة منذ التغيير .. لقد أخذ عدد متزايد من المواطنين يشهرون تذمرهم علناً منذ مدة بعد ان كانوا انتظروا وصبروا لكي يسحبوا البساط من تحت أرجل الإرهابيين كي لا يمنحونهم ذرائع التشكيك بالوضع أما الآن فقد اخذ المواطنون يتحدثون بصوت عال عن الإخفاقات والسلبيات.. لقد بدأ الرأي العام العراقي يربط بين فشل الحكومة في تحقيق آماله وطموحاته وبين التيارات والقوى السياسية الممثلة في الحكومة وبصراحة نقول ان الشعب العراقي أخذ ينظر الى الأحزاب الدينية بعين الريبة والشك فيما يتعلق بأدائها الحكومي والمهني وهو ما أدى الى عزوف نصف الناخبين عن المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة لعدم وجود البديل على وفق قناعة الكثيرين هذا إضافة الى الكثير من الأوراق البيض والمشطوبة التي وجدت في الصناديق كما ادى الأداء السيئ للأجهزة الحكومية الى ان تغيير الكثير من القوى خطاباتها بعيداً عن الطرح الديني ـ ومنه المذهبي ـ وتقديم برامج مدنية ويصح ذلك أيضا على الأحزاب غير الدينية التي فارقت التعصب الأيدلوجي. لم نعد نرى مثلاً حزبا ً (إسلاميا ً) ـ برغم تحفظنا على التسمية ـ يطالب بإقامة النظام الإسلامي برغم اقتناع الحزب بأن ذلك النظام هو الصحيح من وجهة نظره وكذلك لم نعد نرى حزبا ً (اشتراكيا ً) يطالب بالاشتراكية بالرغم من اقتناعه بها كنظام.. وهكذا دواليك مع الأحزاب الأخرى.. في الانتخابات المحلية الأخيرة لم يتم معالجة موضوع الانتخاب بصورة جذرية فكانت القوائم نصف مفتوحة! وهو أسلوب غريب وسيء في نُظم الانتخابات المعروفة والمجربة كما ان ساحة القوى السياسية لم تزل تعاني من فوضى عارمة أدت الى تكون مئات الكيانات والأحزاب وحان الوقت لسن قانون خاص بالأحزاب يبتعد عن المسميات الطائفية وحتى الدينية وان نلج الساحة السياسية ببرامج حضارية تنسجم وطبيعة العصر وتوجهات وحاجات الناس وبرأيي ان النظام الأمثل للانتخابات العامة والمحلية هو نظام التمثيل النسبي (يقدم فيها كل حزب أو تيار سياسي قائمة انتخابية تضم مرشحيه عن المحافظات كافة) أو نظام التصويت الفردي (على أساس الترشيح كأفراد من دون الأحزاب) وعلى العموم فإننا يجب ان نفكر بوسائل فاعلة تنقذنا من ربقة المحاصصة اللعينة التي عطلت حتى العمل الدبلوماسي العراقي في الخارج من خلال سعي الأطراف المتعددة للاستئثار بأكبر عدد من السفارات. علينا رسم الطريق بعيداً عن التخندقات وان نترك موضوعة البحث عن حلفاء من الطائفة او القومية ـ وهو ما يفعله البعض حالياً متجاوزين نبض الشارع العراقي ـ ونفتش عن حلفاء متنوعين بتنوع المجتمع العراقي. ان تصرف القوى السياسية والأداء الحكومي حتى الانتخابات العامة المقبلة هو الذي سيحكم على المسيرة السياسية في العراق ويبين هل اننا بصدد نبذ المحاصصة والتشرذم أم بالعكس.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عطلة يوم السبت!
-
الفساد في العراق
-
تجميد عقود الزيوت النباتية!
-
عن أي إنجازات يتحدثون؟
-
من الخطوط الحمر الى بدايات القبول بالآخر
-
في صلب المؤتمر المصرفي
-
مرت الانتخابات بسلام .. فمتى نعيش بسلام؟
-
البطاقة الذكية .. لماذا تلكأ العمل بها؟
-
مؤتمرات وورش إعمار العراق خارج العراق!
-
الغاز الداخل والغاز الخارج
-
انتخاب رئيس المجلس .. فرصة.. ولكن!
-
أخلاق المرشحين
-
متى نشرع بتصنيع العراق؟
-
اقتراحات اقتصادية غريبة
-
عن المتقاعدين ..أيضا ً
-
مستقلون!!
-
أعداء الإنسان
-
هل انتقلت الخضراء الى المطار؟!
-
شركات عراقية .. شركات اجنبية!
-
من أجل حصد ثمار الاتفاقية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|