|
هل يمثل الإخوان المسلمين الخيار البديل للنخب الحاكمة؟
نجيب غلاب
الحوار المتمدن-العدد: 2577 - 2009 / 3 / 6 - 10:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن قرار السيطرة على الحكم ليس مطلبا ملحا من قبل كل الإخوان في اليمن، وإن كانت بعض القوى المتطرفة سياسيا والمعبأة بأوهام أصولية في الداخل والخارج تعمل على الدفع بالقبيلة لتكون أداتها في الهيمنة على الحكم، وهذا لا يعني زهد الأطراف المعتدلة في السلطة وثمراتها الحلوة، فالسلطة في البناء الفكري للإخوان هي القوة القادرة على إحداث التغيير، وهي القنطرة للحصول على الثروة الكفيلة بكسب الناس وتحقيق مصالح الجماعة، إلا أن المعتدلين في صراعهم مع الحاكم بما في ذلك الجناح السلفي المتشدد طموحهم الراهن مازال يقع في خانة المشاركة في الحكم، لأنهم يعرفون جيدا الواقع اليمني وتناقضاته وتركيبته ويعرفون قدراتهم، كما أن المصالح المحصلة ما زالت مقبولة. والمتابع لتاريخ الحركة سيجد أن الحركة أرسلت في الأربعينيات إلى اليمن بعض كوادرها التي تمكنت من التأثير على الحركة الوطنية في تعجيل المواجهة مع النظام الإمامي الحميدي، وقد رأت الحركة أن اليمن هو المكان المناسب لتحقيق رؤيتها، ولأنها لا تملك أي تنظيم في اليمن فقد ركزت في حينه على إستراتيجية التحرك من خلال القوى الراغبة في التغيير، وتم اختراقها وجرها لصالح رؤيتها، ويؤكد البعض أن المؤسس الأول الشيخ حسن البنا بعد أن تمكن الفضيل الورتلاني من لعب دور تحريضي وعجل في قيام حركة 1948م استعد إلى القدوم إلى صنعاء، وتم إعاقة قدومه من قبل النظام الملكي المصري، ورغم ذلك إلا أن الحركة عند فشل القوى الوطنية أنكرت أي علاقة لهم بما جرى وتناسوا أن إعلامهم كان ينشر كل تفاصيل الانقلاب. قد يستغرب البعض تسمية النضال الوطني في 1948م بالانقلاب، في تصوري أن ما حصل في 1948م لم يرق إلى مفهوم الثورة إلا أن الانقلاب الذي أُجهض بفعل القبيلة تأتي أهميته في أنه أسس لثورة سبتمبر الجمهورية وتمكن من هزّ أركان النظام الإمامي البائس، كان الانقلاب ثورياً في أفكاره مقارنة بالنظام الإمامي المتخلف الذي استند عليه بيت حميد الدين إلا أنه ظل محاصراً في التجديدات الدينية المرتهنة كثيرا للماضي. عند قيام الثورة الفعلية والمتجهة نحو المستقبل في سبتمبر لم يكن للإخوان -كتنظيم أو أعضاء- أي دور في صناعة الثورة وهذا ربما يفسر تركيزهم الممل على انقلاب 1948م الذي ظل يتحرك داخل المجال الديني للوعي السائد في حينه للنخبة الوطنية. والملاحظة الجديرة بالاهتمام أن المهندس الفاضل والوطني الصادق فيصل بن شملان ونظرا للعلاقة التي تربطه بالإخوان في احد خطاباته أكد أن المواجهة مع النظام الحالي هي امتداد للحركة الوطنية في 1948م. كان للقوى الحديثة الثورية وبفعل قوة المدّ الناصري الدور الكبير في نجاح الثورة وأيضا في خروج القوى الوطنية التقليدية من خانة الرضوخ للبيئة التقليدية الدينية إلى آفاق تجديدية عصرية، ومن يقرأ بيانات الثورة وأهدافها وطبيعة التنظيمات المتحركة في قلب الثورة ورسائل عبدالله باذيب للثوار رحمه الله وأسكنه فسيح جناته سيلاحظ أنها خلق جديد تولد من روح العصر مقارنة بما حدث في انقلاب 1984م. الإخوان والواقع الجمهوري وهنا لابد من ملاحظة أن الإخوان المسلمين اليمنيين الذين أنتجتهم البيئة المصرية لم يسهم أعضائها في بناء الدولة في مراحل التأسيس ولم تبرز لهم أي قيادات مؤثرة وظلوا يتحركوا في ظلال الشخصيات الوطنية ذات الرؤية الإسلامية التقليدية ونتيجة الصراع في الصف الجمهوري وجدت الحركة لنفسها موطئ قدم ولكنها لم تكن قادرة على صناعة الحدث أو التأثير على مسار الثورة الفكري المتجه نحو العصر، صحيح أن مصالح القوى الوطنية التقليدية أعاقت التحديث كثيرا لكنها كانت صادقة في نضالها الوطني. كانت القوى الوطنية اليسارية والقومية والوطنيون الأحرار هم القوة الفاعلة في تثبيت أركان الدولة وهم صانعو الجمهورية والمقاتلون بمبدئية نضالية مخلصة لأفكار الجمهورية ورغم الصراع بين القوى الوطنية المختلفة وتمكن الجناح الوطني التقليدي من الهيمنة على السلطة إلا أن التيار الوطني الحديث كان هو الآلة المحركة للتغيير والمدافع باستماتة عن الجمهورية وقيمها الثورية، والمذكرات الشخصية لبعض الرموز الوطنية في تجاهل دور هذه القوى هو جزء من الصراع الذي مازال مستمرا حتى اللحظة، ورغم أن القوى الوطنية الحديثة هي في أقوى مراحلها الآن إلا أنها بحاجة لتجميع صفوفها في كتلة تاريخية أياً كانت الاختلافات في الرؤى والمصالح. وفي السياق ذاته يمكن الحديث عن محاولة الإخوان المسلمين ضم بعض رموز الثورة إلى حركتهم كمحاولتهم الحثيثة في الاستيلاء على العلامة الشهيد القاضي الزبيري رحمه الله واسكنه فسيح جناته وهذه المحاولة الهدف منها إثبات بعدها الثوري رغم أن الحركة لم تسهم في صناعة الحدث الوطني بشكل فاعل إلا في عهد الرئيس صالح وكان للعامل الخارجي الدور البارز، ونحن هنا لا ننكر وطنية الحركة وجمهوريتها وإخلاصها لليمن وأحقيتها الدستورية في الحكم كما قد يفهم البعض ولكننا نصف الواقع كما هو لا كما يراد له أن يكون. مع تثبيت أركان الجمهورية دخلت الحركة بخلاياها الأولية والضعيفة والمحصورة في فئة قليلة العدد من النخبة المتعلمة في المدن التي عادت من القاهرة في حالة من الصراع والمواجهة مع التجديديات الداعمة لقوة الجمهورية بسبب رؤيتها المتطرفة، كانت الانطلاقة الفعلية للحركة في عهد الشهيد الحمدي رحمه الله وادخله فسيح جناته فقد حاول أن يستوعبها ومنحها مؤسسات ثقافية حتى تتمكن من توسيع قاعدتها ولكنها تحيزت للقوى التقليدية في المجتمع ولم تخسر كثيرا في هذه المرحلة، ولجأ الحمدي لقوى حديثة القومية واليسارية وبالذات القوى الناصرية التي شكلت له السند في مواجهة مقاومي العصر في يمن كان رغم الجهود الثورية مازال متخلفاً ويبذل قصارى جهده للإنعتاق من ثقافة القرون الوسطى. كانت القفزة النوعية للإخوان في عهد الرئيس صالح، فالصراع مع القوى اليسارية وبفعل الحرب الباردة والتدخلات الإقليمية استطاع الإخوان بالدعم الخارجي وبقوة الدولة وبرضا وموافقة الرئيس صالح أن يعملوا من داخل الدولة والمجتمع لصالح فكرهم. لم يعمل الإخوان من أجل تقوية النظام الحاكم وهذا جوهر أزمتهم فالفكر الشمولي للحركة يجعلها تعتقد أنها صاحبة الحق في الحكم، وقوة الآخرين تضعفها وضد الإسلام باعتبارها ممثلة الإسلام الحق في يمن الإيمان والحكمة، كان جهدهم يتركز في العمل من خلال الحاكم واستغلاله واستخدام آلياته وتوظيفه لصالح الحركة بذكاء. المشكلة العويصة التي أوقعتهم في أخطاء قاتلة أن أي عملية إصلاح لتقوية النظام خصوصا برفده بالقيم والمعايير العصرية كانت تشكل بالنسبة لهم كاستهداف لوجودهم ولمواجهة ذلك كانوا يتبنون سياسة محاصرة وتحدي الحاكم لإجباره على الرضوخ لرؤيتهم، ربما اعتقدوا أن قوة نظام صالح ربما تؤدي إلى محاصرتهم وأن قوة الدولة وتقوية النخب العصرية في بنيتها ربما تفشل مشروعهم في الوصول إلى السلطة والهيمنة عليها. لنضرب مثلا بسيطا: بعد الوحدة سعى صالح والنخبة الداعمة لبناء حزب المؤتمر كحزب سياسي محترف وقادر على المنافسة في ظل التحولات الجديدة القائمة على المنافسة بين القوى الجديدة. رأى الإخوان أن بناء حزب قوي يدعم صالح ربما يضعف دورهم ويفك ارتباطهم بالنظام، لذا طالبوا أن يكون صالح مستقلا وحاكما بين الأحزاب، وأمام إصرار الرئيس على بناء حزب قوي وإقناعهم أن الحركة هي الوجه الآخر لعملة النظام قللوا من ضغوطهم وقد لعب الصراع مع القوى الحديثة اليسارية والقومية دورا في تخفيف ضغطهم على المؤتمر والرئيس. حاول الإخوان اختراق المؤتمر أو على الأقل أن تكون القيادات معتدلة وغير معادية لحركتهم أو أن يكونوا من أصحاب المصالح الذين لا هم لهم إلا أنفسهم، وبالتالي عرقلة بناء قوة سياسية منافسة، إلا أن رموز النظام المتأثرة بالعصر في المؤتمر العام الخامس والمؤتمرات اللاحقة تمكنوا من إعادة بناء المؤتمر بمعزل عن تأثير الإخوان، ويمكن للمراقب أن يلاحظ في بداية بناء الحزب الهجوم الشديد على الدكتور الإرياني، كان الاخوان يدركون ماذا يعني بناء حزب تابع للحاكم فقد تمكن المؤتمر في انتخابات 97م أن يحصد الأغلبية المريحة. كان لجهود القوى المعادية للإخوان والخائفة منهم الدور الكبير في بناء المؤتمر، وقد تمكنت القوى الحديثة في المؤتمر -مهما كان اختلافنا معهم فيما يخص مسائل إدارة الدولة وعجزهم عن مكافحة الفساد وحربهم الخاطئة والغبية والمتهورة للقوى الحديثة في المعارضة- من بناء قوة سياسية أوصلت النخبة الحاكمة إلى قناعة أن النظام أصبح قويا بمعزل عن التحالف مع الإخوان، ولم يجد الإخوان في بداية الأمر إلا الهجوم على المؤتمر واتهامه بالفساد واتهام قياداته بالخيانة والعمالة وأن هناك عصابة علمانية تريد محاصرة الرئيس والقضاء عليه وتوريطه في علاقات مشبوهة مع الغرب، ولما وصلت الحركة إلى قناعة أن الرئيس كان لاعباً رئيسياً في تقوية المؤتمر بعد أن تحمل ضغوط الإخوان وغرورهم سنوات طويلة، بدأت توجه سهامها نحو الرئيس، وفي الراهن لا هم لمتطرفي الجناح السياسي القبلي إلا إفشال الرئيس لأن نجاحه السياسي يمثل نهاية لطموحهم في الاستيلاء على الدولة. كانت الخطة الأساسية لإفشال أي إصلاحات تركز على عزل النظام الحاكم عن القوى الحديثة في المعارضة وتشتيت طاقتها وتفكيك أي لقاء بين القوى الحديثة في الحكم والمعارضة بل وإدخال الجميع في حرب داحس والغبراء، أما الأهم من ذلك فهو التركيز على الصراع السياسي وتجميد أي حركة في التغيير الثقافي الذي يمكن ان يفجر التحالفات السياسية ويوحد القوى الحديثة أياً كانت خلافاتها السياسية. اليمن في إستراتيجية التنظيم العالمي للإخوان وحتى تكتمل الصورة لابد من تناول دور التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في الصراع السياسي الراهن في اليمن، فالتنظيم على ما يبدو يدفع باتجاهات سقوط الدولة اليمنية في حضن فرعه اليمني، فالمتابع لواقع الحركة في المنطقة العربية سيجد أنها مازالت ضعيفة رغم عمرها المديد وهي جزء من اللعبة السياسية، كما أن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية تسير باتجاهات إضعاف الحركة أما في اليمن فالوضع مختلف، فالحركة قوية والوضع اليمني مهيأ للقفزة الكبرى. تمثل اليمن الحلقة الأضعف بفعل ضعف الدولة واختراق الإخوان للنظام ولقاعدته الاجتماعية والأهم من كل ذلك أن النظام الحاكم أضعف القوى الحديثة المعارضة واعتمد في الغالب على قوى انتهازية موالية للرئيس ولا تتميز بالكفاءة ولا مشروع لها إلا مصالحها، فالوضع اليمني ومع تراكم الأزمات والتحاق جزء مهم من القوى الحديثة بالإستراتيجية الإخوانية واستمرار النظام في محاصرتها وتنمية السلفية التقليدية والإخوانية جعل النظام شبه معزول عن عصره. وهذا لا يعني أن النظام الحاكم لا يمتلك عضلات أمنية وعسكرية ومدعوم بقوى الغنيمة لكنه في حقيقة الأمر يفتقر إلى قوة فكرية وثقافية قادرة على الدفاع عنه، كما أن القوى التي تسند النظام أصبحت عاجزة نوعا ما عن تعمير المشروع الوطني وتجديده برؤى عصرية ناضجة، وأهم من كل ذلك ونتيجة لما سبق فإن النظام لا يمتلك قاعدة اجتماعية مخلصة لأن مافيا الفساد ضربت المشروع الوطني في مقتل وعزلت النظام عن القوى الاجتماعية الراغبة في التغيير والباحثة عن يمن جديد متجه نحو العصر، كل ذلك جعل التنظيم الاخواني يفكر كثيرا بابتلاع اليمن. والتركيز على اليمن هو نتيجة لفشل الحركة ومحاصرتها في أغلب الدول العربية وهنا نؤكد أن الحركة الإخوانية رغم أنها أكثر الحركات انتشارا ولها تأثير قوي في المجتمعات وفي السياسات الإقليمية وهي من أقدم الحركات السياسية في العالم العربي، ولها امتداد في كل الدول العربية وامتداد عالمي وتمتلك قوة مالية ونخبة سياسية وثقافية قوية ومؤثرة إلا أنها رغم كل ذلك لم تستطع أن تصل إلى الحكم في أي دولة إذا ما تم استثناء حماس أما السودان فلا علاقة للإخوان بالإسلام السياسي للترابي أما الالتصاق بالتجربة التركية فخداع دعائي لتزيين نزوعهم الأصولي المتحدي لعصر اوردغان العلماني. وهنا لابد من ملاحظة جديرة بالاهتمام فقد يرى البعض ان الحركة تشكل نخبة بديلة للنخب الحاكمة في الوطن العربي إلا أنه يمكن القول إن تركيبتها التنظيمية وآليات العمل المعتمدة لديها يجعلها تحاصر نفسها في بناء أصولي إن استمر فسوف تتحول إلى حركة نخبوية حامية لمصالح أعضائها ليس إلا، وحتى في حالة انفتاحها وقبولها باللعبة السياسية مع عجزها عن استيعاب العصر فإنها سوف تتحول إلى فصيل سياسي في الساحة الوطنية ولن تتمكن من السيطرة على السلطة إلا إن تعلمنت كما تعلمن حزب العدالة والتنمية التركي. بدراسة أوضاع الإخوان في الدول العربية نجد أنهم إما محاصرون أو يشكلون معارضة غير قادرة على تهديد أي نظام عربي حتى لو اتجهت نحو العنف الثوري، رغم أن الواقع بلغ من السوء بحيث يمنح المعارضة قوة التواجد والفاعلية إلا أن الحركة مازالت تعاني من ضعف في قدرتها على إقناع الشارع العربي أنها تشكل بديلاً حقيقياً للنخب الحاكمة، ففي مصر منبع الحركة رغم النجاحات التي حققتها إلا أن الحركة تحولت إلى قوة سياسية ممنوعة ولكنها قادرة على حماية أعضائها والمشاركة كأقلية في المجلس التشريعي وفي العراق رغم التنازلات التي قدمتها بما في ذلك القبول بسياسات الاحتلال إلا أنها تبدو كنمر من ورق حتى في الوسط السني. ورغم الخطاب الإيديولوجي الذي تعتمد عليه الحركة والذي يزين للناس جنتهم القادمة على الأرض إلا أن حكمهم لأي بلد في تصوري سيعمق الصراعات بفعل الصراع على المصالح ولأن الأقلية النخبوية المهيمنة على المجتمع والاقتصاد والسياسة وامتدادها الدولي تملك القوة الكافية لإفشال مشروعهم. (وضع اليمن مختلف فالحركة تملك القوة الكافية والنخبة معزولة عن عصرها وتحالفات الغنيمة لن تحميها بل قد تتحول لمن يمنحها أكثر حتى من خلال الحلم). من جانب آخر المشاكل التي يعاني منها الواقع ستزداد عمقا لأسباب تتعلق بالخبرة وتركيبة المجتمع وتطور المجتمع الداخلي واتساع جيل العولمة العربي كل ذلك سوف يعمل على عرقلة مشروعهم إن لم يتطور ناهيك عن منظومة دولية متخوفة من صعود الإسلام السياسي إلى السلطة، كما أن الأنظمة العربية الأخرى كالأنظمة الملكية العربية والجمهورية التي تحاصر الإسلام السياسي ستشكل تحالفاً لمقاومة زحف الإخوان على السلطة في أي بلد. مع ملاحظة أن وصولهم إلى السلطة في ظل وضعهم والواقع سوف يدخل المنطقة في حقبة من النزاع الذي يضر بمصالح جميع الأطراف وليس الصراع الفلسطيني إلا عينة. في تصوري أن الحركة العالمية للإخوان المسلمين بعد يقينهم أن الوصول إلى السلطة في ظل الاستقرار غير ممكن فقد بدأوا يعتمدون آليات التحالفات مع القوى الوطنية الأخرى ثم اعتماد سياسات تشويه الأنظمة السياسية العربية واستغلال كل مشكلة وقضية في أي مكان في العالم العربي وتحميل الحكام كل الأخطاء بما في ذلك الأخطاء التاريخية من أيام الفتنة الكبرى إلى نتائج معارك حزب الله في مواجهة العدو الإسرائيلي ومواجهة حماس لإسرائيل. والمشكلة التي لا أفهمها أن قناة الجزيرة الرائدة أحيانا رغم تطعيمها بالقوى الحديثة القومية تعمل في مسارات خادمة لمشروع الإخوان. ولمواجهة اعتراض الغرب يحاول الإخوان تبني المواجهة الناعمة مع الغرب، والغرب يدرك ذلك ومتخوف منهم، إلا أن هناك تياراً يتشكل في الغرب ـ قد يجد فرصته في العهد الإنساني الديمقراطي الاوبامي ـ لا يمانع من وصلهم إلى الحكم بطريقة ديمقراطية إلا أن الغرب في تصوري إياً كانت شعاراته، فالمصالح لها الأولوية لذا لن يضحي بالدول المركزية في المنظومة العربية وإنما بالدول التي لا تشكل تهديداً قوياً على مصالحه وتحويلها إلى حقل تجارب كما هو الوضع في السودان، وفي حالة خرجت الحركة من النعومة وتفهم مصالح الآخرين يتم محاصرة الدولة والشعب ويتم خنق مصالحه الحيوية ولا مانع من صناعة صراعات داخلية بين النخب حتى يتحول الشعب إلى قوة قاهرة للتيار الديني، انظر الحالة الفلسطينية رغم أن ذكاء حماس جعلها تخرج من المأزق والانتخابات القادمة ستكون هي الكاشفة لنجاح أو فشل المخطط. والملاحظ بفعل البناء الإيديولوجي والواقع أن الحركة تخاف من الغرب ولا تثق فيه لذا فإن التنظيم العالمي قد تبنى التحالف غير العلني مع المحور المعادي للغرب كإيران المرتبطة بروسيا، والتحولات الدولية ربما تساعد على تشكيل محور صيني روسي يلتحق فيه المعارضون للغرب وهذا سوف يساعد الحركة على أن تصبح جزءاً من هذا المحور. رؤية الإخوان السابقة تجعلهم يعملون من أجل تحويل اليمن إلى قاعدة لمواجهة الغرب والأنظمة العربية المرتبطة به، كما أن ذلك سوف يساعدها على اختراق الخليج، وإيران في ظل تحالفها غير العلني مع الإخوان سوف يكون لها يد بدعم روسي وهناك دلائل كثيرة تثبت ذلك والمساحة وطبيعة المقالة لا تسمح بتناولها وربما نتناولها في مقال منفرد، وهذا ربما يعطينا ملمحاً تفسيرياً لسلوك النظام الحاكم والاتجاه نحو روسيا، فالرئيس يحاول ان يحمي نفسه من تهور الإخوان في ظل تجاهل الغرب والخليج لليمن. القوى الحديثة .. الواقع والدور المطلوب قلنا سابقا إن اليمن يمثل حالة فريدة نتيجة تمكن الإخوان المسلمين وتغلغلهم في المجتمع والدولة لذا فإن القفزة الكبرى كما يطرح الجناح المتطرف في الإخوان قد حانت بل ان سلوكهم السياسي يؤكد فكرة أن سيطرتهم على النظام أصبحت في حكم المنتهي، ويعتقدون أن الرئيس صالح والنخبة الهزيلة الداعمة له هي حجر العثرة الوحيدة أمامهم، وبالأصح أن الرئيس وعدداً قليلاً من النخبة المهمومة بالمستقبل هم حجر العثرة لذلك تبنوا سياسة تدمير صورة الرئيس صالح ونخبته، وسلوكهم الحالي يستخدم الديمقراطية والانفتاح السياسي وتناقض المصالح وصراعات الواقع التي أفرزتها قوى الفساد كأدوات لتحقيق أهدافهم، وفي حالة الفشل ربما يلجأ الجناح المتطرف للعنف والتصفيات الجسدية. هل ستتمكن الحركة من تحقيق القفزة الكبرى؟ في تصوري أنها مازالت بعيدة رغم الأوهام التي تهيمن على صانعي الإستراتيجية في الغرف المغلقة، فالمتابع لتركيبة القوى السياسية في اليمن سيجد أن الحركة في حالة عزلها عن تحالفاتها مع القبيلة وعن بعض القوى النافذة في الحكم وأيضا عن مساندة قوى مجتمعية خارجية خصوصا في الخليج وأيضا في حالة تمكن قوى اليسار الليبرالي والقومي في المشترك من إعادة التفكير في مصالحها والمستقبل المنشود فان كل ذلك سيضعفها إلى درجة كبيرة ويحد من طموحاتها السلطوية والرغبة التي تهيمن على البعض في السيطرة على الحكم. أما في حالة تحالف القوى السياسية الحديثة المناضلة من أجل مشروع الدولة المدنية وتبنى الحاكم والقوى المرتبطة بالمنظومة الحاكمة إستراتيجية واضحة للتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي فإنها عندئذ ستفقد بعض قوتها وستخفف من تهورها وسيتركز نضالها على حماية مصالح من يمثلها وفق آليات واقعية وسيدفعها ذلك لإعادة بناء فكرها بما يتواءم والتحولات الجديدة. ولن نبالغ إذا قلنا أن الحركة في ظل هيمنة إيديولوجيا التغيير من خلال السياسة تشعر بالخوف كلما تقدم مشروع بناء الدولة المدنية وكلما تمكنت قوى المجتمع المدني من الدفع بمشروع ثقافي عصري لا يعادي الدين ومناهض لرؤيتهم الأصولية، فالحركة تركز وبذكاء على الصراع السياسي وتحويله إلى مدخل لكل تغيير وهذا جعلها تبنى رؤى فكرية سياسية منفتحة وثورية في مواجهة الحاكم وفي الوقت نفسه تقاوم إي تأسيس ثقافي قادر على ترسيخ القيم السياسية التي تناضل من خلالها في مواجهة الحاكم في وعي الناس الذي تعمل جاهدة على إعادة صياغته بالقيم الدينية التي تؤسس لمشروعها الأصولي. ومهما ادعت الحركة قدرتها على الانخراط بالعصر كخيار لا مفر منه لنهوضنا، فإن بنيتها التنظيمية والفكر المعتمد في تعبئة الأعضاء والأنصار والمجتمع يتناقض مع إدعائها، ولا يمكن للحركة أن تتبنى مشروعاً عصرياً مؤسساً على الدين ما لم تنخرط في العصر، ومقدمة ذلك التخلص من الإيديولوجية الأصولية التي تفهم العالم من خلالها، والتي تصور لها أن مؤامرة عالمية تحاك على الإسلام للقضاء عليه، وأن الفكر الإنساني يتناقض مع الإسلام، وأن الإسلام هو الحل لكافة مشاكل الحياة، مما يجعلها تعتقد أن الأسلمة لابد أن تكون شمولية لكل مناحي الحياة، وهذا أدخلها في ورطة جعلت العصر يكتسح الواقع بكافة تفاصيله بمعزل عن الإسلام. فالاعتقاد أن السياسة هي المدخل الأساسي لكل تغيير وأن الحركة ستقيم بالسلطان ما لا يمكن إقامته بالقرآن جعل فكرها يتمحور حول الجهاد السياسي من خلال الدين، وهذا أفقد الإسلام حيويته وجعله عاجزا عن استيعاب الزمان، وانتصار الإسلام السياسي في الوصول إلى السلطة يتم قراءته بأنه انتصار للإسلام، وهذا الوهم الإيديولوجي يخفي خلفه مصالح القوى التي تعبر عنها الحركة، أما الإسلام فباق ولن يتجاوزه أي أحد وصلوا إلى الحكم أم لم يصلوا وتجربة الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى كفيلة بتوضيح الفكرة وأيضا التجربة الجزائرية وغيرها من التجارب. بالعودة إلى واقع الصراع الراهن نرى أنه في حالة ثبات الأوضاع على ما هي عليه فربما يتضخم وهمها الأصولي وعندئذ ستجد القوى الحديثة أنها أمام خيارين إما أن تستمر في تحالفها مع الإخوان ليتم ابتلاعها لاحقا كما أبتلع الخميني قوى الثورة الليبرالية واليسارية بتصفيتها وفرض نظريته الدينية في الحكم على الجميع، أما الخيار الثاني فهو الاتجاه نحو المستقبل بإعادة بناء التحالفات وتشكيل المسار الثالث في اليمن ببناء تيار ليبرالي يساري وطني منسجم يتكون من الحزب الاشتراكي والتيارات القومية والليبراليين الإسلاميين بما في ذلك الإخوان المتحررون من أوهام الأصوليات، وهذا المسار بإمكانه أن يشكل كتلة تاريخية عصرية مع القوى الحديثة المستقلة في المجتمع وهي واسعة جدا وهي الغالبية العظماء من الرأي العام ومع القوى الحديثة في الحكم. وهذه الكتلة الوطنية التاريخية ستتطور مع الوقت وستكون ملاذ القوى المدنية المتجهة نحو يمن معاصر قادر على استيعاب التغيرات دون أن يتخاصم مع بعده القومي والإسلامي. الواقع يؤكد أن الخيار الثاني هو المستقبل إلا أنه صعب بفعل التفكير الآني والخوف المهيمن على القوى الحديثة من أن تستفرد بها مافيا الفساد في الحكم بتوظيف قوى التخلف في محاربتها حتى تتمكن من ممارسة النهب، وأيضا نتيجة الجمود في التكوينات التاريخية للتيارات السياسية. أن إعادة بناء التحالفات -في تصوري- ربما يقود البلاد إلى حالة من التوازن بين القوى المتصارعة على السلطة والثروة وهذا سيفقد القوى التقليدية ومافيا الفساد في منظومة الحكم القدرة على التحكم بمصير البلد، وسيخفف من أوهام الإخوان الأصولية وأوهام الاستبداد بإمكانية الانفراد بحكم اليمن، وإعادة بناء التحالفات سوف يسهم في بروز تيار ليبرالي يساري بمشروع حضاري عصري سوف يساعد كثيرا في تطوير البناء الفكري لحركة الإخوان المسلمين بفعل الضغط الفكري والثقافي الذي ستمارسه القوى الحديثة. في حالة تغليب الخيار الأول واستمرار التحالف مع خروج جزء من القوى الحديثة من التحالفات الحالية ومحاصرة الإخوان والتحاقها بالقوى القبلية وبفعل نمو قوى قبلية تجارية ظاهرة ومخفية عن الأنظار والتي مازالت في طور تجميع المال الذي تنفقه مشاريع الدولة عليها بإسراف، فإن الغلبة ستكون لصالح القوى التقليدية. وملاحظة بسيطة للواقع سنجد أن القوى القبلية التجارية التي تلقت دعماً خارجياً مالياً خرجت بسرعة من طور تجميع المال إلى طور سياسي حالم بالسلطة واستطاعت بعض تلك القوى القبلية بالمال أن توظف قوة الإخوان لصالحها من خلال تماهيها مع مشروعها الأصولي مثلها مثل بعض القوى المثقفة السياسية الحديثة المستقلة والقومية واليسارية التي تتجه نحو تأييد هذه القوى، ويلعب المال الدور الأساسي والجوهري في هذه المسألة. ويمكن القول إن تأييدها للقوى التقليدية سببه جمود المشروع الوطني وأيضا لأن القوى الحديثة في المعارضة لم تعد مهمومة كثيرا بالمستقبل، ويمكن القول أيضا أن المهيمنين على الدولة تركتهم لقوة منظمة تدرك ما الذي تريد، ورغم اتهام بعض المثقفين في المعارضة لمثقفي السلطة بالتزلف إلا أن تأييد تلك القوى وبالصورة التي ظهرت فيها بعض الكتابات والأنشطة السياسية يجعلنا نؤكد أن العمل مثلا كمستشار في شركات ودفع مبالغ طائلة لتلك الأقلام من بعض الطامحين من القوى التقليدية ليس إلا رشوة، وهنا تصبح معاداة السلطة غير مؤسسة على قناعة فكرية وهذا مكمن الخطر بل عن نزوع أناني وحاجة، هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الطموحات السلطوية لدى بعض الشخصيات المثقفة والسياسية الحديثة على الساحة السياسية وبعد أن فقدوا الأمل في أن تستوعبهم الدولة ونتيجة فقدان التاجر الليبرالي إحساسه بالمستقبل جعل القوى الحديثة تلتحق بالقوى القبلية التقليدية دون أن تعي مخاطر ذلك على مستقبل اليمن في عصر يموج بالتحولات ولا يمكن لليمن أن يخرج من مأزقه التاريخي إلا بمشروع عصري واضح المعالم.
#نجيب_غلاب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأخوان المسلمين وأحلام ابتلاع الدولة
-
الإسلاموية وأوهام امتلاك الحقيقة
-
المصالح التركية وأوهام الأصولية المسيَّسة
-
الحزب الاشتراكي بين يأس القيادة وتوحش الحراك
-
اليمن آخر معاقل الإرهاب الآمنة
-
الاختطاف ..بين «جيهان الله» والهجوم القاهر!
-
المسكوت عنه في الهجوم على غزة
-
تجاهل الأحزاب لحقوق النساء..هل يقودهن إلى تأسيس حزب سياسي؟
-
اليمن والصراع الدولي على القرن الإفريقي
-
انتصرت الحرية وانهزم المحافظون الجدد
-
الإيديولوجية الدينية ومصالح إيران الوطنية
-
عندما تصبح الأزمات قوتا لبقاء الحزب المؤدلج
-
الفوضى والملاذ الآمن للقاعدة ..ما هي الحلول الصهيونية والإير
...
-
القاعدة منتج أصولي والإرهاب ينتج نفسه
-
من أجل عقد اجتماعي جديد لبناء الدولة المدنية .. نقل العاصمة
...
-
لماذا يُقدّر السياسي المثقف الانتهازي والداعية المُزوّر؟
-
الإرهاب مهزوم وتبريره جريمة في حق الدين والوطن
-
الايدولوجيا الحزبية الاسلاموية وصناعة الاستبداد والمصالح
-
وحيد في بحر من ضياع
-
ما علاقة قانون الانتخابات اليمني بأزمات حزب الإصلاح الاسلامو
...
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|