|
حول الوضع العام بالبلاد - لنكسر العزلة عن الحركة الاجتماعية ونعبد الطريق نحو وضع حد للدكتاتورية
حزب العمال التونسي
الحوار المتمدن-العدد: 789 - 2004 / 3 / 30 - 08:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
1 – لقد كانت الحرب العدوانية على العراق مناسبة أخرى كشفت فيها الدكتاتورية النوفمبرية عن وجهها العميل والقمعي. فقد تواطأت مع هذا العدوان في السر ومنعت الشعب التونسي من التعبير عن مناهضة التحالف الامبريالي الأمريكي-البريطاني ومساندة الشعب العراقي. وقد فعلت ذلك إرضاء للإدارة الأمريكية ولكن خاصة خوفا من أن ترتد عليها حركة الشارع بسبب النقمة التي يستبطنها الشعب نتيجة المشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية المتفاقمة التي يعاني منها والمهانة الوطنية والقومية التي يشعر بها. ومع ذلك فقد تمكنت، وإن بشكل محدود، قطاعات من الشعب، أساسا من الشغالين والطلاب والتلاميذ والمثقفين من الخروج إلى الشارع. كما تمكنت القوى الديمقراطية، أحزابا وجمعيات ومنظمات من تنظيم عدة اجتماعات بمقراتها أو ببورصة الشغل (في العاصمة) وبعض المسيرات (إحداها في العاصمة والأخرى في داخل البلاد). 2 – ومن الواضح من خلال سلوك السلطة أن ما يهمها في هذه المرحلة التي تستعد فيها لانتخابات 2004 المركّزة على تجديد "الولاء" لبن علي لمدة رئاسية رابعة غير شرعية وغير مشروعة، هو من جهة كسب رضاء الدول الامبريالية وخاصة منها الولايات المتحدة وفرنسا حتى لا تعترض على بقاء بن علي أو تلزمه بإجراء "إصلاحات" على نظامه ومن جهة أخرى تحجيم المعارضة السياسية والحركة الاجتماعية حتى لا تشهد تطورا يفسد حساباتها. 3 – إن الدكتاتورية النوفمبرية تدرك أنها تواجه اليوم مصاعب عدة اقتصادية واجتماعية وسياسية، مصاعب داخلية وخارجية. فالدعاية حول "المعجزة الاقتصادية التونسية" انطفأ بريقها مع تراجع نسب النمو وتفاقم عجز ميزانية الدولة والميزان التجاري، وبعض المؤسسات العمومية الهامة وتأزم القطاع البنكي وارتفاع المديونية الخارجية وتراجع قطاع السياحة وتفشي ظاهرة الفساد بل وغياب أي شفافية في إدارة الشؤون الاقتصادية والمالية. كما انطفأ بريقها بسبب تفاقم المشاكل الاجتماعية التي تأتي في مقدمتها البطالة بما فيها بطالة أصحاب الشهادات العليا، والتهميش وتدهور المقدرة الشرائية نتيجة عدم مجاراة تطور الأجور والمداخيل لنسق ارتفاع الأسعار، وتفاقم ظاهرة الهجرة السرية، الشبابية خاصة وما نجم عنها من ضحايا، وتردي الخدمات الثقافية والصحية نتيجة الخوصصة وتراجع مساهمة الدولة في تمويلها والبغاء والكحولية واستهلاك المخدرات إضافة إلى اتساع الهوة بشكل عام بين قطب الثروة الــذي تحتكره حفنة من العائلات المافيوزية القريبة من القصر وقطب الفقر الذي يتعزز باستمرار بفئات جديدة كانت إلى حد الأمس "محمية نسبيا" وأصبحت اليوم مثقلة بالديون، غير قادرة على توفير ما كانت توفره لنفسها بالأمس برواتبها ومداخيلها. يضاف إلى هذه المظاهر الاجتماعية التأزم القيمي الذي بات ينخر المجتمع نتتيجة فقدان مراجع أخلاقية واضحة وسليمة وتفشي عقلية تدبير الرأس وانخرام تقاليد التضامن وانحلال العلاقات الأسرية التقليدية دون أن تحل محلها علاقات جديدة تقدمية، وتحول "الدينار" إلى معيار للحكم على الناس. وقد باتت كل هذه المظاهر، مضافا إليها قمع كافة أشكال التعبير والتنظم الحر، والتزوير الانتخابي، وتفاقم ظاهرة الحكم الفردي المطلق، تغذي النقمة في صفوف الشعب حتى وإن كان التعبير عنها بأشكال منظمة وواضحة لم يبلغ بعد درجة متطورة رغم تزايد الاضرابات وبروز ظاهرة إضرابات الجوع إلخ.. 4 – ومن جهة أخرى تواجه الدكتاتورية النوفمبرية خلال السنوات الأخيرة تزايد أشكال المعارضة السياسية، التي يعبر عنها بروز تنظيمات سياسية وجمعيات جديدة متحدية الموانع القانونية (حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الوطنيون الديمقراطيون، المجلس الوطني للحريات، مركز استقلالية القضاء...). تطور النزعة الاستقلالية لدى بعض الجمعيات والهيئات القائمة: الرابطة، الهيئة الوطنية للمحامين، الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات... انخراط الحزب الديمقراطي التقدمي المعترف به في النضال الديمقراطي المفتوح ضد السلطة، ظهور تباينات علنية بين حركة التجديد والسلطة حول بعض قضايا الحريات، انطلاق محاولات لتوحيد الحركة الديمقراطية، انحسار أحزاب الديكور الديمقراطي إلخ… ظهور صحف جديدة إلكترونية 5 – أما على الصعيد الخارجي فإن الدكتاتورية النوفمبرية افتضحت وأصبح يشار إليها بالإصبع. ففي السنوات الأخيرة صار نظام بن علي من أكثر الأنظمة في العالم عرضة لحملات التشهير، من المنظمات الحقوقية، ووسائل الإعلام والقوى السياسية الديمقراطية والتقدمية وحتى من هيئات رسمية (الأمم المتحدة، البرلمان الأوروبي...) الأمر الذي جعل الحكومات الغربية لا تتوانى عن نقد نظام بن علي في مجال الحريات وحقوق الإنسان حتى وإن كان هذا النقد فيه الكثير من الرياء والنفاق باعتباره لم يوقف مساندة تلك الحكومات له اقتصاديا وماليا وأمنيا وعسكريا خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 التي استغلتها الدكتاتورية النوفمبرية لتظهر في مظهر الريادة في مكافحة "الإرهاب والتطرف الديني". 6 – إزاء هذه الأوضاع فإن الدكتاتورية النوفمبرية تتجه اليوم إلى مزيد تقديم التنازلات للقوى الامبريالية وخاصة الولايات المتحدة حتى لا تستهدفها في إطار ما تلوح به من مشاريع لدفع "الأنظمة العربية إلى الاصلاح الديمقراطي" قصد إخضاعهــا أكثر للمراقبة الأمريكية والحد من خطر تطور المعارضات الدينية المتطرفة. وعلى هذا الأساس فإن تواطؤ الدكتاتورية النوفمبرية مع العدوان على العراق ستتبعه خطوات أخرى لكسب رضاء الإدارة الأمريكية منها خاصة الانخراط مجددا في التطبيع مع الكيان الصهيوني والاستجابة لمخططات واشنطن في منطقة المغرب العربي. على أن الدكتاتورية النوفمبرية ستستمر في لعب الورقة الفرنسية أيضا لتحسين صورتها في بلدان الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الداعم الرئيسي لها اقتصاديا. 7 – أما على الصعيد الداخلي، وهذا هو الأهم فإن اهتمام الدكتاتورية النوفمبرية سيظل منصبا من الناحية السياسية على مواصلة عزل حركة المعارضة عن الحركة الاجتماعية، حتى تبقى معارضة "نخبوية" محدودة القاعدة الجماهيرية. وهي تستعمل في ذلك طرقا عدة: أساسا القمع (استمرار الاعتقالات والمحاكمات وممارسة التعذيب، والمراقبة، ومجالس التأديب في الجامعة...) بالإضافة إلى الهرسلة القضائية (الرابطة، الهيئة الوطنية للمحامين...) والتخريب من الداخل (اتحاد الطلبة..) واستمالة الأطراف الأضعف وإعادتها إلى زريبة النظام وبالنظر إلى اقتراب موعد الانتخابات وضغط الظروف الدولية فإن الدكتاتورية النوفمبرية تسعى إلى تنفيذ هذه السياسة متجنبة أعمال القمع الواسعة التي يمكن أن تجلب لها المصاعب في هذا الوقت. 8 – أما في علاقة بجماهير الشعب فإن الدكتاتورية النوفمبرية تعمل على طمس المشاكل الاجتماعية التي تتخبط فيها وعلى منع قيام حركات اجتماعية مؤثرة يمكن أن تستغلها المعارضة السياسية لتوسيع قاعدتها الاجتماعية، وهو ما يسمح لها بعرقلة مشاريع السلطة (انتخابات 2004 خاصة) إن لم نقل إفشالها. وتستعمل الطغمة النوفمبرية لتحقيق هدفها هذا وسائل عدة منها القمع البوليسي واستخدام البيروقراطية النقابية والهيئات القيادية للقطاعات المهنية الأخرى لتأطير قواعدها وتلجيمها وتخريب تحركاتها. كما أنها تستخدم المسكنات لإخماد هذه الجبهة أو تلك من الجبهات الاجتماعية ولو بصورة ظرفية: مفاوضات اجتماعية تفضي إلى زيادات ديماغوجية في الأجور تلزم الأجراء، من خلال اتحاد الشغل بالمحافظة على السلم الاجتماعية لمدة ثلاث سنوات، تنازلات جزئية لبعض القطاعات المتحركة (بريد، تعليم ابتدائي...) الترفيع في نسب النجاح في التاسعة أساسي والباكالوريا والتعليم العالي في إطار تدعيم التوظيف السياسي للتعليم، تنظيم "الصدقات" التي تقدم باسم الحزب الحاكم إلى بعض الفئات الاجتماعية وإلى عدد من الطلاب والتلاميذ، تقديم قروض صغيرة إلى بعض الفئات من الشباب لربطها بالنظام إلخ.. 9 – ولا يوجد اليوم بالنسبة إلى حزبنا (وإلى مجمل القوى الثورية الديمقراطية والتقدمية) من حل سوى تكسير خطة الدكتاتورية هذه التي تتلخص في منع تشكل معارضة جماهيرية، واعية ومنظمة، قادرة على أن تكون بديلا لها، بتحقيق الربط بينه (أي الحزب)، وبين الحركة الاجتماعية، بينه وبين الطبقات والفئات الكادحة وفي مقدمتها الطبقة العاملة. فبمعالجة هذه المسألة وحسمها يرتهن مستقبل حزبنا ومستقبل الحركة الثورية والديمقراطية والتقدمية عموما، بل مستقبل تونس وشعبها. فنحن لا نتصور نهاية للدكتاتورية النوفمبرية دون تعبئة شعبية، دون أن يكون الشعب صانع هذه النهاية، بل دون انتفاضة شعبية تهد أركان هذه الدكتاتورية وتضع أسس نظام جديد، ديمقراطي، وطني وشعبي. وبالتالي فلا وهم لنا عن إمكانية مقرطة النظام من داخله، أو بالتعاون معه. فالتجربة التاريخية في بلادنا بينت خور هذا الموقف، بينت رفض النظام الدستوري النوفمبري التخلي عن نهجه الدكتاتوري وعن احتكاره للحياة العامة. كما أن تجربة الشعوب الأخرى ما انفكت تبين أن الأنظمة الاستبدادية لا تسقط إلا إذا أسقطت، إلا إذا أسقطتها الشعوب المنتفضة. وهذا هو ما يجعلنا نولي مسألة التوجه إلى الشعب أهمية استراتيجية باعتبارها المسألة التي ستكون حاسمة لا في علاقتنا بالدكتاتورية فحسب بل كذلك في علاقة بالقوى التي تسعى إلى ترميم هذه الدكتاتورية أو استبدالها بدكتاتورية من نوع آخر، دكتاتورية دينية. لذلك علينا أن نركز اليوم كامل جهدنا على الانغراس في الشعب مستغلين كافة أشكال العمل العلني وغير العلني، القانوني وغير القانوني، لنتمكن من تحويل نقمته المتنامية على الدكتاتورية إلى وعي وتنظيم. ومن ثمة نقوده تدريجيا، وبالنسق الذي يفرضه استعداده السياسي وحالته الذهنية في كل مرحلة من المراحل، إلى الانتفاضة عليها. وعلينا أن نعي ما يشق الحركة الديمقراطية من خلاف في هذا الصدد. فالحركة يشقها خطان أساسيان خط بورجوازي إصلاحي ي يتحرك في الأساس وبهذه الدرجة أو تلك في حدود ما تسمح به الشرعية الرسمية ويعول على الضغط الداخلي وخاصة الخارجي على الدكتاتورية حتى تلين مواقفها وتقبل تنازلات تسمح بوجود تعددية نسبية لتشريك الأحزاب البورجوازية في السلطة. وهذه النظرة تختزل "البديل الديمقراطي" في وجود مثل هذه التعددية وفي انتخابات كل أربع أو خمس سنوات. وخط ديمقراطي ثوري، نحن طرف فيه، ونعمل على أن نقوم فيه بدور طلائعي، يريد تغييرا جذريا، تحولا ديمقراطيا عميقا في مجتمعنا، تحولا لصالح الشعب، لصالح "ديمقراطية المشاركة" التي تكون فيها السيادة للشعب، تحولا يفتح الباب لنهضة شاملة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وأخلاقية. وإذا لم نع هذه المسألة فإننا لن نحقق شيئا، بل إننا سنترك الباب مفتوحا لبدائل أخرى في مقدمتها البديل "الإخواني" الذي يقدم نفسه كمشروع تغيير يشمل كافة جوانب حياة الناس وخاصة الجانب الروحي والأخلاقي والاجتماعي. وهذا ما يلاقي صدى في نفوس فئات من الشعب الذي تتأكد رغبته يوما بعد يوم في تغيير عام وشامل لا في إصلاحات جزئية وظرفية، وهو ما يجعل تلك الفئات في ظل تنامي التيارات الدينية عالميا، احتياطيا للحركات السياسية الدينية الرجعية. 10 – إن برنامج الانغراس في صلب الشعب يأخذ بعين الاعتبار مشاغل وتطلعات مختلف الطبقات والفئات الشعبية كما يأخذ بعين الاعتبار مستوى وعيها وتنظيمها. ففي خصوص المشاغل علينا أن نعرف كيف نربط بين المستويات الثلاثة الاجتماعية والسياسية والوطنية-القومية. فإذا نحن أجدنا نسبيا إلى حد الآن التحرك في المجال السياسي فإننا في الحقيقة أهملنا إلى حد التحرك في المجال الاجتماعي بينما الشعب التونسي يكتوي بنار غلاء الأسعار والبطالة والفقر والتداين لدى البنوك و"الحرقان" وتستفزه أخبار الفساد. كما أنه يعاني بشكل فظيع من الفراغ الثقافي والروحي الأمر الذي يدفعه بتأثير من وسائل الدعاية التي تجندها الرجعيات العربية وفي مقدمتها الرجعية السعودية، إلى اللجوء إلى "التدين" إما بحثا عن توازن فردي مفقود أو كإطار لمعارضة الواقع الاجتماعي والسياسي العام. فواجبنا إذن أن نهتم جديا وفعليا بمشاكل الشعب الاجتماعية والثقافية ونقترح عليه الحلول الملائمة. ومن جهة أخرى فإنه من واجبنا أن نحسن الربط بين المسائل المباشرة وما تقتضيه من حلول ظرفية، في نطاق الدكتاتورية، وبين برنامجنا العام، برنامج الثورة الديمقراطية، الوطنية والشعبية الذي يرتبط تحقيقه بسقوط الدكتاتورية. إن الانغماس في المهمات المباشرة لا يجب أن يكون على حساب الدعاية لذلك البرنامج كي لا نسقط أحببنا أم كرهنا في الإصلاحية وكما أوضحنا في النقطة السابقة، فإن حاجة الشعب إلى مشروع بديل شامل يغطي كافة تطلعاته الاجتماعية والسياسية والثقافية تزداد أكثر فأكثر. وإذا لم نتعاط مع هذه الحاجة بسرعة وبفعالية، فإن قوى أخرى وفي مقدمتها التيار الديني سيتلقفها لأنه يوهم الناس بأنه يحمل لهم ردا على كافة مشاغلهم، من فقرهم إلى حيرتهم الروحية. 11 – لقد تناولنا في مناسبات أخرى الانغراس وأشكاله والمهم هو الالتزام بالتطبيق ومحاسبة النفس في المستقبل القريب على مدى التقدم في الإنجاز. ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن تركيزنا على واجهتي العمل النقابي والشبابي لا يعنيان الانسحاب من الواجهات الأخرى وخاصة منها الواجهة النسائية والحقوقية والثقافية التي من واجبنا أن نواصل العمل فيها على قدر طاقاتنا وإمكانياتنا بوصفها روافد هامة من روافد النضال الديمقراطي والشعبي المعادي للدكتاتورية والامبريالية. كما نشير إلى ضرورة مراعاة درجة وعي الناس في كل حركة نقوم بها. فحالة الخوف والانكماش والاستقالة واليأس والاحباط لا تزال قائمة. وسقوط بغداد لم يسهم في تجاوزها بل عمقها. وعلينا في هذا الإطار أن نعرف كيف نتوجه إلى الشعب لنستدرجه إلى الدفاع عن مصالحه ونرتقي شيئا فشيئا بوعيه. وتكتسي هنا المعركة المعنوية-الإيديولوجية ضد كل المظاهر التي تحدثنا عنها أهمية خاصة في الظرف الحالي. وهذه المعركة ليست نظرية دعائية فقط، ولكن عملية، من خلال الأعمال والتحركات النضالية والتضحيات التي يقدمها مناضلونا ومناضلاتنا لإضاءة الطريق. وأخيرا علينا أن نفهم الانتفاضة الشعبية كمحصلة لنضال شاق، فكري وسياسي وتنظيمي في صلب الشعب وليس شعارا أجوف يتردد لإظهار ثوريتنا مقارنة بالأطراف الأخرى. إن الانتفاضة ضد الدكتاتورية النوفمبرية الغاشمة ستكون أمرا بعيد المنال إذا استمررنا في عزلتنا عن الشعب وستكون قريبة المنال إذا كسرنا هذه العزلة وعملنا بجد في صفوفه وفقا للخطة المقترحة. إن الانتفاضة على الدكتاتورية ينبغي أن تكون مصب كفاحنا الفكري والسياسي والعملي، الهدف الذي يؤطر كافة نشاطنا والبوصلة التي تقوده. 12 – بدأت مسألة الانتخابات الرئاسية والتشريعية تستقطب اهتمام القوى السياسية. فالسلطة استكملت مبكرا الشوط الأول من استعداداتها لهذه الانتخابات المقررة لنوفمبر 2004. فقد حددت لها بعد الإطار التشريعي، الدستوري والقانوني، الذي ستجري فيه والذي سيكون وسيلتها مرة أخرى لاغتصاب الإرادة الشعبية. فقد حورت الدستور في استفتاء 26 ماي من السنة الماضية لتمكين بن علي من إعادة الترشح وتحصينه من الملاحقة القضائية أثناء ممارسته للحكم وبعدها. وفي الفترة الأخيرة تم تحوير الفصل 40 من الدستور لتحديد من يمكنه الترشح للرئاسة. كما تم إعلان مشروع لتحوير المجلة الانتخابية يهتم ببعض الجوانب التقنية ولا يلبي في شيء المطالب الأساسية للحركة الديمقراطية سواء ما تعلق منها بالنظام الانتخابي أو بالتسجيل أو بتوزيع الدوائر أو بالحملة الانتخابية أو بفصل الإدارة عن الحزب الحاكم أو بمراقبة عملية الاقتراع أو بمعاقبة التزوير. وكما كان متوقعا باركت معارضة الديكور (أو المعارضة الإدارية كما يسميها البعض) كافة الاجراءات التي اتخذها بن علي وحكومته وأعلنت مشاركتها في الانتخابات الرئاسية والتشريعة على حد. أما فصائل المعارضة المستقلة فهي لم تتوصل بعد إلى اتخاذ مواقف موحد من هذه الانتخابات رغم أنها جميعا تؤكد أن لا وهم لها حول الظروف التي ستجري فيها وحول نتائجها. فحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات ينويان مبدئيا مقاطعتها، بينما أعلن الحزب الديمقراطي التقدمي ترشيح أمينه العام، من باب الاحتجاج، للانتخابات الرئاسية كما أعلن مشاركته في الانتخابات التشريعية في إطار قائمات "ائتلافية". أما "حركة التجديد" فإنها لم تصدر موقفا يخص هذه الانتخابات إلى حد الآن. ولا تعتبر "حركة النهضة" نفسها "معنية بها" أي أنها غير مبرمجة في أجندتها السياسية. وأخيرا فإن حزبنا، لا ينوي المشاركة في هذه الانتخابات، الرئاسية والتشريعية. ويهمنا في هذا التقرير أن نشرح الدوافع التي قادتنا إلى اتخاذ هذا الموقف ونرد على بعض الحجج التي تقدم لتبرير المشاركة. فنحن لا نتعامل مع الانتخابات بشكل عام من موقع جامد. فلا مشاركة في المطلق، ولا مقاطعة في المطلق. ولكننا، وطالما أن الأمر يتعلق بمسألة سياسية، فإننا نحدد موقفنا بناء على تحليل ملموس للظروف التي تجري فيها هذه الانتخابات أو تلك، منقادين في كل الحالات بما تقتضيه مصالح الشعب التونسي. وفي هذا السياق فإن السؤال الذي يطرح في علاقة بانتخابات 2004 هو التالي : هل أن هذه الانتخابات ستمكن حقا الشعب التونسي من التعبير عن إرادته؟ وهل أنها ستوفر حقا لأحزاب المعارضة الديمقراطية الفرصة للتوجه إلى الشعب بأفكارها وبرامجها ومقترحاتها حتى تتمكن من الحكم لها أو عليها؟ إن جوابنا عن هذه الأسئلة واضح وهو أن الانتخابات القادمة، انطلاقا مما يعده الفريق النوفمبري ومن المناخ السياسي السائد حاليا وهو مناخ قمعي لن تتوفر فيها أدنى الشروط التي تجعل منها انتخابات ديمقراطية، بل إنه ليس من المبالغة في شيء القول إن ما سيجري عام 2004 لا يمكن بأي حال من الأحوال وصفه أو تسميته بالانتخابات لافتقاره لأبسط مقوماتها التي منها بالخصوص حرية الترشح وحرية الدعاية. فالانتخابات الرئاسية مصيرها واضح ومحدد من الآن. فبن علي الذي لا حق له في الترشح والذي لا يمكن لاستفتاء 26 ماي 2002 المهزلة أن يخول له هذا الحق، سيكون المرشح و"الفائز" بلا منازع خصوصا أنه قد اختار بعد تحوير الفصل 40 من الدستور منافسيه في هذه الانتخابات وهم عبد الرحمان التليلي (الاتحاد لالديمقراطي) ومحمد بوشيحة (حزب الوحدة الشعبية) ومنير الباجي (الحزب الاجتماعي) وإسماعيل بولحية (حركة الديمقراطيين الاشتراكيين) الذين سيقومون كما كان الحال في سنة 1999 بدور "التياس" لتشريع اغتصاب الإرادة الشعبية. إن انتخابات رئاسية حرة وديمقراطية بحق تقتضي توفر شرطين أساسيين أولهما ضرورة رحيل بن علي باعتبار أن ترشحه غير مشروع وغير شرعي وثانيهما ضرورة فتح باب الترشح لكافة التونسيات والتونسيين دون قيد او شرط وهو ما يعني إلغاء كافة الشروط الواردة بالفصل 40 من الدستور. إن عدم مراعاة هذين الشرطين والمشاركة في الانتخابات، مثلما تفعل أحزاب الديكور لن يخدم إلا الدكتاتورية النوفمبرية التي يهمها أولا وقبل كل شيء إيجاد اغطية لتشريع بقاء بن علي في السلطة. أما الانتخابات التشريعية فهي ستجري في نفس ظروف الانتخابات الرئاسية وهي غياب الحرية. فالسلطة، تتحكم، بسبب تداخل الإدارة والحزب الحاكم، في هذه الانتخابات من أولها إلى آخرها، من الترسيم في القائمات الانتخابية، إلى فرز الأصوات وإعلان النتائج مرورا بتقديم الترشحات والحملة الانتخابية، وهو ما يسمح لها بالتلاعب بها وتحويل كل مشاركة فيها إلى تزكية للتزوير وإضفاء طابع تعددي على انتخابات غير ديمقراطية من أساسها. فهي ترسّم بالقائمات من تريد وتستثني من تريد ناهيك أنه في انتخابات 1989 و1994 و1999 حرم حوالي نصف من هم في سن الانتخاب من الترسيم. كما أنها تتحكم في الترشحات، فبالإضافة إلى المنع الذي يشمل آلاف التونسيين نساء ورجالا بسبب فقدانهم لحقوقهم المدنية والسياسية أو لانتمائهم إلى أحزاب غير معترف بها فإن السلطة تبقى لها دائما كما شهدنا ذلك في الانتخابات السابقة إمكانية إسقاط أي قائمة وليست الذرائع هي التي تنقصها، وبالتالي فإن حرية الترشح في هذه الانتخابات مفقودة. ثم إن السلطة تتحكم في وسائل الإعلام تحكما مطلقا. وحتى خلال النصف شهر المخصص للحملة الانتخابية فإن البيانات والتدخلات بالتلفزة والإذاعة التي لا تتجاوز الدقائق خاضعة للمراقبة المباشرة طبقا لقانون الصحافة. وفوق ذلك فإن السلطة قادرة حتى على التلاعب بهذه الحصص. ففي استفتاء 26 ماي 2002 حرمت "حركة التجديد" من حصصها الإذاعية والتلفزية لأنها تحفظت على تحوير الدستور. كما حرمت الحزب الديمقراطي التقدمي لا من تلك الحصص فقط بل حتى من التعليق بسبب معارضته لهذا التحوير فاسحة المجال للذين أعلنوا دعمهم للتحوير فقط. وبعبارة أخرى فإنه لا وجود لحرية تعبير أو لحرية دعاية. كما أن السلطة تتحكم في مراقبة مكاتب الاقتراع التي تعد بالآلاف ويستحيل على اي حزب أو قائمة مستقلة أن توفر المراقبين اللازمين لمتابعة سير العملية الانتخابية. وكل هذه العوامل لا بد من أن يضاف إليها النظام الانتخابي ذاته (نظام القائمة الأغلبية) والمناخ القمعي العام الذي يعيش فيه الشعب (المراقبة البوليسية، مراقبة شعب الحزب الحاكم، وضغوط الإدارة إلخ..) وخلاصة القول إن هذه الانتخابات التشريعية لن تختلف عن سابقاتها التي جرت في عهد بن علي والتي أدت في كل مرة إلى "فوز" الحزب الحاكم بكامل المقاعد في مستوى الدوائر. وإذا كانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجري عام 2004 ستكون على هذه الشاكلة، أو أن السلطة تريدها أن تكون على هذه الشاكلة فما هي الفائدة من المشاركة فيها؟ وبأكثر وضوح ما الفائدة من مشاركة القوى الديمقراطية في انتخابات يعرف من المنطلق أنها مزورة وأنها لن تعبر في شيء عن إرادة الشعب؟ إن الحجة التي يقدمها أنصار المشاركة بشكل عام هي ضرورة "استغلال الهامش" الذي توفره الانتخابات مهما كان محدودا، للدعاية لبرامجهم بل ولخوض معركة مع السلطة إن لم يكن لخلق أزمة سياسية فعلى الأقل لإبراز وجود قطب ديمقراطي معارض في البلاد. ويستند هذا الرأي إلى فكرة أن خوض المعركة عن طريق المشاركة "أسهل" من خوضها عن طريق المقاطعة سواء بسبب الهامش المذكور أو بسبب الحالة الذهنية العامة للشعب التي تجعله "أكثر استعدادا" لمتابعة الأعمال القانونية. إن هذا الموقف ضعيف في رأينا، بل خاطئ لا يتعظ بدروس التجارب السابقة ولا يستند إلى حجج واقعية تراعي موازين القوى الفعلية على الساحة. وفي هذا السياق يهمنا أن نتساءل أولا وقبل كل شيء هل حصلت فعلا بمناسبة المشاركات في الانتخابات السابقة معارك مع الدكتاتورية؟ كلا ! ! لقد كانت السلطة متحكمة في اللعبة من أولها إلى آخرها. قصرت الترسيم تقريبا على نصف من لهم الحق في ذلك. ورفضت الترشحات التي أرادت رفضها وحاصرت أصحاب القائمات المترشحة في مربع ضيق لا يمكّنهم من القيام بأي عمل جدي إلى يوم الاقتراع الذي أعطى في كل مرة النتائج التي نعلم دون أن نشهد أية معركة فعلية سواء حول الترسيم أو القائمات أو التزويرإلخ.. فكان المنتفع الرئيسي من تلك المشاركات الدكتاتورية النوفمبرية وأذنابها من أحزاب الديكور التي قدمت إليهم بعض المقاعد في مجلس النواب كمكافأة على تواطئهم. ولسائل أن يسأل اليوم: هل تغيرت المعطيات حتى يقال إن الظروف أصبحت تسمح بخوض المعركة من داخل الإطار الذي حددته السلطة؟ كلا ! إن السلطة لم تتغير ولم تغير أسلوب تعاملها سواء مع الشعب أو مع قوى المعارضة المستقلة التي ترفض الاصطفاف بهذه الدرجة أو تلك وراء النظام، وبالتالي فإن شروط المعركة منظور إليها من الزاوية القانونية، أي من زاوية ما توفره التشريعات من إمكانيات للترسيم والترشح والقيام بالدعاية ومراقبة سير عملية الاقتراع، أو من زاوية المناخ السياسي العام غير متوفرة، فالقانون الانتخابي هو نفسه والمناخ السياسي العام هو نفس المناخ القمعي. تبقى إذن موازين القوى بين الأطراف الديمقراطية من جهة والدكتاتورية النوفمبرية من جهة ثانية، فهل تطورت بما يسمح بفرض معركة من داخل الإطار الذي حددته هذه الدكتاتورية. كلا ! فالموازين مختلة لفائدة الطغمة النوفمبرية والقوى الديمقراطية ليس لها من القوة ما يمكنها من تكسير الحدود التي خطتها الدكتاتورية سواء لفرض انتخابــات ديمقراطية أو لخلق أزمة سياسية. أما محاولة تبرير المشاركة بحجة استغلال "الفجوة" التي يتيحها جو الانتخابات للدعاية لأهداف الحركة الديمقراطية وبرامجها، فهي محاولة مؤسسة على منطق نفعي محدود الأفق، لأن الثمن المطلوب دفعه باهظ وهو يتمثل في تزكية سياسية لمهزلة انتخابية مقابل بعض "المكاسب" هي على درجة من الضحالة يجعل التمسك بها على حساب المسألة الجوهرية أي طبيعة الانتخابات الصورية والمهزلية سقوطا في الانتهازية السياسية التي تضر أيما ضرر بقضية النضال الديمقراطي. فتلك المكاسب الدعائية لا تتجاوز بعض الدقائق في الإذاعة والتلفزة بحضور أحد القضاة الذي يقوم بدور الرقيب، وبيانا أو بيانين خاضعين لتأشيرة وزارة الداخلية وبعض الاجتماعات التي عادة ما تعقد في قاعات شبه خالية وبحضور مكثف من البوليس السياسي الذي يرهب المواطنين ويثنيهم عن متابعة تلك الاجتماعات. ومن المؤكد أن مجال الدعاية سيضيق أكثر هذه المرة بالمشروع الجديد لتحوير المجلة الانتخابية الذي عرضه بن علي في المدة الأخيرة على البرلمان والذي يمنع الفصل 59 مكرر منه "استعمال الاذاعات والتلفزات الخاصة الأجنبية أو الموجودة بالخارج بغرض التحريض على التصويت/أو على عدم التصويت لفائدة مترشح أو قائمة مترشحين"، وإلا تعرض المعني إلى عقوبة بالسجن لمدة شهر وبخطية قدرها خمسة آلاف دينار، أي أن بن علي لا يريد فرض الصمت على الناس في الداخل فحسب بل يريد فرض الصمت عليهم في الخارج أيضا. وفي نهاية الأمر فلا يحق لهم إلا المشاركة في المهزلة دون حتى إمكانية نقد المترشحين الآخرين (خاصة بن علي). فهل هذه انتخابات؟ وأي مغزى للمشاركة فيها؟ إن من يريد خوض معركة عليه أن يختار لها الأشكال والوسائل التي تناسب الظرف وموازين القوى. وموقف المشاركة لا يمثل في رأينا الشكل الذي يناسب الظرف وموازين القوى. وهو مؤسس على منطلقات ذاتية أحادية الجانب.وتتمثل هذه المنطلقات في كون معظم من يدافع عادة عن المشاركة له موقف جامد من الانتخابات وهو المشاركة فيها في كل الظروف ودون اعتبار لما سينجر عنها من نتائج سياسية. وقد سبق لنا أن لاحظنا في مناسبات أخرى (انتخابات 1999) استهانة البعض بمسألة الشروط الدنيا التي ينبغي لكل مناضل ديمقراطي جدير بهذه الصفة أن يطالب بتوفرها حتى يشارك في أي انتخابات. وهو يغطي استهانته بهذه الشروط بجملة ثورية حول "خوض المعارك" متناسيا أنه لكل معركة شروطها وأنه حين لا تكون هذه الشروط متوفرة تكون الدعوة إلى المشاركة مجرد إذعان لشروط الدكتاتورية. إننا نصل هنا إلى نقطة ثانية وهي أن الدعوة إلى المشاركة تستند في أذهان معظم الداعين إليها بعقلية شرعوية باعتبار ما تثيره المقاطعة من امكانيات تصادم مع الدكتاتورية وتجاوز للحدود التي تفرضها على تحرك الشعب والقوى السياسية. وحتى نسد الباب أمام المزايدات نقول من البدء إننا لسنا ضد العمل الشرعي (القانوني). ونحن لا نستهين بشكل عام بالامكانيات التي يوفرها للاتصال بالشعب. ولكن ينبغي أن تكون هذه الامكانيات متوفرة حتى نتحدث عنهـا وعن استغلالها، أما حين تكون معدومة أو تكاد فإن الحديث عنها يصبح مجرد لغو. إن شرعية الدكتاتورية مؤسسة على اللاشرعية أي على منع الشعب من ممارسة أبسط حقوقه ومنع القوى السياسية المعارضة من التقدم إليه ببرامجها ومقترحاتها لا نقول "بكل حرية" بل نقول حتى "بشيء من الحرية" يمكّن من إظهار التباين وإبراز البديل. إن الدكتاتورية تفرض من الموانع والتضييقات ما يسمح لها بتمرير المهزلة وإظهارها بمظهر الانتخابات الحرة والديمقراطية. إن دور القانون في شرع الدكتاتورية ليس ضمان الحريات والحقوق وتجريم انتهاكها وإنما تحريمها وتجريم كل مبادرة بممارستها. لذلك فإن الانصياع لشرعية الدكتاتورية في قضية الحال أي انتخابات 2004 لا يؤدي إلا إلى الوقوع في الفخ الذي نصبته دون القدرة على الافلات منه. إن محاولة فصل الانتخابات الرئاسية عن الانتخابات التشريعية وبالتالي عدم المشاركة في الأولى والدعوة إلى المشاركة في الثانية هو وجه آخر في رأينا للتعاطي مع انتخابات 2004 بصورة ذاتية، أحادية الجانب. فنحن لا نجد لهذا الموقف أي تفسير مقنع. فهل أن الانتخابات التشريعية ستجري في ظرف قانوني وسياسي آخر غير الظرف التي ستجري فيه الانتخابات الرئاسية؟ بالطبع جوابنا بالنفي. إن بن علي الذي سينظم انتخابات رئاسية صورية لضمان بقائه في السلطة بنسبة 99,99% هو نفسه الذي سينظم انتخابات تشريعية لضمان "فوز" حزبه (التجمع الدستوري) بمقاعد كافة الدوائر حتى يضمن استمرار هيمنته على الحياة العامة لسد الباب أمام أي امكانية للتداول على السلطة. لذلك فنحن لا نجد تفسيرا سياسيا، موضوعيا لهذا الفصل عدا كون بعض الأحزاب المعترف بها تتوفر لها شكليا إمكانية الترشح في التشريعية ولا تتوفر لها نفس الامكانية في الرئاسية. وهذا لا يمكن أن يكون في رأينا مبررا للمشاركة في الأولى وعدم المشاركة في الثانية. فالموقف من أي انتخابات من الضروري أن يكون وليد تحليل سياسي موضوعي عام يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الحركة الديمقراطية ككل وليس المصلحة الضيقة لهذا الحزب أو ذاك، هذا إذا كانت تلك المصلحة حقيقية وليست وهمية كما هو الحال بالنسبة إلى الانتخابات الراهنة. وخلاصة القول إن موقف المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة لا يستند إلى حجج موضوعية مقنعة. فلا الإطار القانوني ولا المناخ السياسي العام يسمحان بأن تكون المشاركة في هذه الانتخابات مبررة أي ذات منفعة للحركة الديمقراطية. لذلك فنحن نعتبر أن الموقف الأنسب للظرف ولموازين القوى هو موقف المقاطعة، لأنه هو الذي يوفر اليوم للقوى الديمقراطية أفضل الامكانيات للعمل على فضح الدكتاتورية النوفمبرية وإبراز إمعانها في اغتصاب الإرادة الشعبية وقطع خطوة يمكن أن تكون مهمة إذا تمت التعبئة بشكل جيد، في اتجاه عزلها. فمزية المقاطعة اليوم هي أنها تجعل خط التباين بين القوى الديمقراطية والدكتاتورية واضحا. كما أنها تمثل الموقف الأقدر في الظروف الحالية على خلق استقطاب بين معسكر الديمقراطية الذي يرفض المشاركة في مهزلة تهدف إلى اغتصاب الإرادة الشعبية من جهة، والدكتاتورية النوفمبرية التي تنظم هذه المهزلة وترتكب تلك الجريمة من جهة ثانية. بهذه الصورة تكون الأمور واضحة عند الشعب . كما أن الطاقات المناضلة تتحرر للتحرك ضد الدكتاتورية بكافة الأشكال المتاحة القانونية وغير القانونية، العلنية والسرية. فالقوى الديمقراطية لن تنتظر في حالة كهذه ترخيص وزارة الداخلية لتوزيع بياناتها أو عقد اجتماعاتها كلما كان ذلك ممكنا عمليا. كما أنها لن تعير اي اهتمام للقانون الجديد الذي يجرم المقاطعة كما يجرم التدخل عبر وسائل الإعلام الأجنبية الخاصة (التلفزات العربية خصوصا) أو الموجودة بالخارج (المقصود بها قناة الحوار حاليا وكل قناة أخرى يمكن أن تعود للبث كالزيتونة أو تبعث) ولكنها ستتحمل مسؤولياتها. وبالتالي فإذا كان للأطراف الديمقراطية من قوة فالأفضل أن تستعملها لخوض معركة المقاطعة ، لخدمة الموقف السليم الذي يناسب المقدمات (غياب الحريات، الطابع المزور للانتخابات، النتائج المعلومة مسبقا...) التي تدبّج بها هذه الأطراف تحاليلها والذي يدعو الشعب إلى رفض اغتصاب إرادته اليوم وغدا. اليوم بمقاطعة المهزلة. وغدا بعدم الاعتراف بنتائجها وتعبئة الشعب للنضال ضدها وضد اللاشرعية المطلقة التي أرستها الطغمة النوفمبرية. فبن علي ببقائه في السلطة، بعد تزوير الدستور الذي وضع بنوده المحوّرة بنفسه، يفتح الباب للاشرعية مطلقة لا تمثل إعادة ترشحه للمرة الرابعة سوى الفصل الأول منها بينما لا أحد يمكنه من الآن تصور بقية الفصول وإن كان محورها سيظل هو نفسه: كيف تحافظ "العائلة المالكة" على الحكم حتى لا تخسر الثروات التي كدستها عن طريق النهب والاستغلال خصوصا خلال العشر سنوات الأخيرة. وهذه المسألة مثلما سبق أن بينا منذ 2001 (كراس: "ليرحل بن علي"، من أجل بديل ديمقراطي. أفريل 2001) لها أهمية في مستقبل النضال الديمقراطي. فبن علي سيفقد بعد 2004 كل شرعية حتى من زاوية بنود الدستور والقوانين التي وضعها بنفسه ثم انقلب عليها ليفتح الباب أمام رئاسة مدى الحياة مقنّعة، وربما أمام توريث الحكم للمقربين منه. وبطبيعة الحال فالواضح من كلامنا أننا لا نعني بالمقاطعة التزام موقف سهل، ولكننا نعني خوض معركة حقيقية تعبئ فيها القوى الديمقراطية كافة إمكانياتها السياسية والتنظيمية لتوعية الشعب بالطابع اللاديمقراطي لانتخابات 2004 وبدعوته إلى مقاطعتها ومواجهة نتائجها. إن أعمال الدعاية والتحريض ينبغي أن تتركز في هذا الإطار ضد الرئاسة مدى الحياة. وضد اللاشرعية المطلقة لحكم بن علي. من أجل نظام ديمقراطي يستمد شرعيته من الشعب. من أجل العفو التشريعي العام وضمان حرية التعبير والتنظيم والاجتماع وحرية الانتخاب والترشح. من أجل المساواة التامة بين المواطنين وخاصة بين النساء والرجال. من أجل ضمان حقوق الشعب التونسي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، خاصة منها الحق في الشغل والعيش الكريم وفي العلاج والتعليم المجانيين، وفي بيئة سليمة. من أجل وضع حد للفساد المستشري واسترجاع الشعب لثرواته المنهوبة. من أجل سياسة خارجية مستقلة عن الدوائر الامبريالية ومناصرة لقضايانا الوطنية والقومية ولقضايا الشعوب العادلة. (أنظر المقـرر حول الوضع في الوطن العربي). وما من شك في ان إحساس قطاعات من الشعب بالطابع المزور للانتخابات وباليأس من امكانية تحسين هذا الوضع في نظام بن علي يمثل عاملا إيجابيا من الضروري استثماره لتحويل موقف تلك القطاعات السلبي إلى موقف إيجابي نشط بناء على الأرضية المذكورة. وفي الواقع فإن امكانية إقناع هذه القطاعات بالمقاطعة أيسر من دعوتها إلى المشاركة بالنظر إلى توافق موقف المقاطعة مع عقليتها الراهنة التي تحدثنا عنها. لقد سبق لحزبنا ان دعا إلى المقاطعة في الانتخابات التي جرت سنوات 1982 و1994 و1999 . وقد كانت دعواتنا مؤسسة على تحليل ملموس للظروف التي جرت فيها تلك الانتخابات. وقد أكد مجرى الأحداث صحة تحاليلنا. ولكن علينا الاعتراف باننا لم نمارس المقاطعة بشكل نشيط حقا أي لم نعبئ كافة قوانا من أجل فضح الدكتاتورية النوفمبرية. ومع ذلك فإن النشاط الدعائي الذي قمنا به (توزيع مناشيرن وأشرطة، وكتابات على الحيطان...) فاق أحيانا ما قامت به أطراف مشاركة من أنشطة. والمطلوب منا هذه المرة أن نضاعف مجهوداتنا ونتحمل مسؤوليتنا، خصوصا أن هذه الانتخابات ليست كسابقاتها من زاوية أن الطغمة النوفمبرية تريد استغلالها لتمرير إعادة ترشيح بن علي وضمان الرئاسة له مدى الحياة دون معارضة قوية. إن انتخابات 2004 ستكون اختبارا للقوى الديمقراطية ولوزنها في المجتمع وقدرتها على التأثير في مجرى الأحداث. ومن البديهي أن هذا التأثير لن يتوقف على ما سيقام في النصف شهر الذي ستدومه الحملة الانتخابية. إن الحالة التي سيكون عليها الوضع في انتخابات 2004 هي ثمرة ما سنقوم به وتقوم به الحركة الديمقراطية عامة من عمل خلال العام ونيف اللذين يفصلاننا عن ذلك الموعد ونحن إذا كنا ندعو من اليوم إلى المقاطعة النشيطة على الأرضية الدنيا التي ذكرناها فذلك لا يعني قطيعة مع باقي مكونات الحركة الديمقراطية التي تدعو إلى المشاركة في الانتخابات. لأننا نعتقد أن الأرضية الدنيا التي تحدثنا عنها هي نفسها التي تطرحها هذه المكونات من موقع تحسين شروط مشاركتها لأنها خلافا لأحزاب الديكور، لا تعول على منة من السلطة للحصول على مقاعد في مجلس النواب بل إنها تصرح أنها لا وهم لها حول نتائج الانتخابات، لذلك واجتنابا لتشتيت القوى الديمقراطية على قاعدة الخلاف حول المشاركة أو المقاطعة، نقترح القيام بأعمال مشتركة للتنديد بالطابع اللاديمقراطي للانتخابات وتقديم لائحة في المطالب الديمقراطية الدنيا لهذه المرحلة. ونحن لا نستبعد أن يؤدي مجرى الأحداث إلى مزيد توضيح الصورة بالنسبة إلى موعد 2004 وبالتالي يساعد على ضبط موقف مشترك في وجه الدكتاتورية النوفمبرية. إن ممارسات الدكتاتورية النوفمبرية لها مزية هامة وهي نزع كل وهم عن طبيعتها المتغطرسة. 13 ـ كان حزب العمال ولا يزال حريصا على وحدة صفوف المعارضة الثورية والتقدمية. وهو يرى في هذه الوحدة شرطا أساسيا على توحيد صفــوف الشعب ضد الدكتاتورية النوفمبرية. ونحن نعتبر أن هذه الوحدة بالنسبة إلينا في مستويين اثنين : أولا: توحيد اليسار وثانيا : توحيد الحركة الديمقراطية بشكل عام. ففي خصوص المستوى الأول فإن ما يجمع قوى اليسار من روابط فكرية وسياسية تقدمية تهم النضال الوطني والقومي والأممي كفيل بأن يمكن هذه القوة التي قدمت الكثير للنضال السياسي والاجتماعي والمعادي للامبريالية والصهيونية في بلادنا من أن تحتل موقعا مناسبا في الساحة السياسية وتشكل ضمانة لتجذير النضال الديمقراطي وإعطائه بعدا اجتماعيا ووطنيا. فقد آن الأوان لكي يكف اليسار التقدمي عن القيام بدور مجموعة ضغط أقصى يسار يناضل ويقدم التضحيات الجسيمة دون أن تستثمر لفائدة مشروع شامل وطني وديمقراطي، وتقدمي يشكل بديلا للدكتاتورية النوفمبرية. لذلك فإن حزبنا لن يدخر أي جهد في المستقبل لتوحيد قوى اليسار. أما في خصوص المستوى الثاني فإننا نعتقد أن غياب البرنامج أو الأرضية الواضحة إضافة إلى الفئوية يمثلان عائقا أساسيا أمام قيام عمل جبهوي ديمقراطي وسببا في فشل مختلف التجارب التي شهدتها الساحة في السنوات الأخيرة (تجربة الوفاق الديمقراطي مثلا). لذلك فقد آن الأوان لاجتناب أي تسرع في نسج تحالفات جديدة محكومة عليها بالفشل مسبقا. إن تعميق النقاشات مع التحرك المشترك حول محاور معينة تمثل مقدمة ضرورية لبناء عمل جبهوي قابل للدوام، وله أرضية صلبة. 14 ـ وما دمنا تعرضنا للعمل الجبهوي المشترك وعن التحالفات، فإنه من المهم أن نثير مجددا مسألة العلاقة بـ"حركة النهضة" وبالتيار "ألإسلامي" عامة في ضوءالأحداثالأخيرة (لقاء آكس مرسيليا) وما أثارته من جدل. إن بعض الأطراف تحاول الزج بالحركة الديمقراطية في تحالفات مع تلك الحركة. وهي تتهم كل من يرفض هذه التحالفات بكونه "إقصائيا" أو "استئصاليا" وبكونه يخدم بهذه الطريقة أو تلك النظام الدكتاتوري، بل إنها تزعم أن من لا يتحالف مع "حركة النهضة" ليس "ديمقراطيا" وليس "مناضلا متماسكا" ضد الدكتاتورية. ونحن لا يسعنا إلا أن نرفض هذا المنطق الذاتي، السياسوي الذي يتعمد الخلط بين مستويين اثنين مختلفين تمام الاختلاف. الأول يتعلق بالموقف من القمع النوفمبري لـ"حركة النهضة" والتيار "الإسلامي" عامة، والثاني يتعلق بالموقف من التحالف السياسي مع هذه الحركة أو التيار. فالموقف من المسألة الأولى يمثل معيارا لمدى التماسك في الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان. ولأن حزب العمال متماسك فعلا في هذا الدفاع فإنه لم يزك في أي لحظة من اللحظات قمع "الأخوان" بل إنه كان في وقت من الأوقات القوة السياسية الوحيدة التي نددت بهذا القمع دون تحفظ وكشفت خلفياته وأبعاده الخطيرة على الحياة السياسية ودعت القوى الديمقراطية إلى التصدي له والمطالبة بالعفو التشريعي العام وإطلاق الحريات دون قيد أو شرط. (كراس: حزب العمال وحقوق الإنسان ديسمبر2002). لذلك لا يمكن لأي طرف أن يزايد على حزب العمال في هذه النقطة. ولكن إذا كان الموقف من قمع "الإخوان" يقتضي موقفا سليما من مسألة الحريات وحقوق الإنسان بشكل عام فإن التحالفات تقتضي شيئا آخر وهو الالتقاء حول أرضية دنيا من المطالب. وهذه الأرضية بين حزب العمال و"حركة النهضة" ليست متوفرة على غرار ما بينا في كراس "الحد الأدنى الديمقراطي اليوم وغدا، رد على مواعدة/الغنوشي). ونحن نرفض أن تختزل تلك الأرضية في مبدإ "معارضة نظام بن علي" و"الاتفاق حول وضع حد للدكتاتورية… وبعد يعمل ربي دليل وكل واحد ذراعك يا علاف". هذا المنطق غير صحيح لأنه منطق نفعي مبتذل ضيق الأفق، بل إنه منطق سياسوي، انتهازي. نحن في حزب العمال إذا كنا نناضل ضد الدكتاتورية النوفمبرية (ونضالنا هذا يشهد بتماسكه كل التقدميين في تونس) فليس دون بوصلة تهدينا، من دون مشروع بديل لهذه الدكتاتورية. ومشروعنا هذا وطني، ديمقراطي، علماني، شعبي وتقدمي. وهو ينعكس في سلوكنا التكتيكي اليومي إذ أننا نقاوم دكتاتورية بن علي على أرضية الدفاع عن الحريات الفردية (بما فيها حرية التفكير والعقيدة) والعامة والمساواة التامة في الحقوق بين الجنسين سواء كان ذلك في مستوى العائلة أو في مستوى المجتمع. وهذه الحرية وتلك المساواة أساس ترتكز عليه الديمقراطية. إن الديمقراطية هي سلطة الشعب المقيدة بهاتين الركيزتين وليست مجرد آلية للوصول إلى الحكم لتكريس مشاريع رجعية وفاشية بدعوى أن الشعب صوت على ذلك "ديمقراطيا" إنها إطار يتحقق فيه تحرر الشعب فكريا وسياسيا واجتماعيا ويمارس فيه سيادته ويمسك مصيره بيده فيكون صاحب السلطة الفعلية التشريعية والتنفيذية. إن الناس لا يمكنهم أن ينسوا أن هتلر صعد إلى الحكم عن طريق الانتخابات وكرّس سياسته الإجرامية المعروفة باسم الشعب الألماني الذي "اختاره عن طريق الانتخاب". كما لا يمكنهم أن ينسوا القولة الشهيرة لعلي بلحاج أحد رموز "جبهة الإنقاذ الإسلامية" الجزائرية ساعة حصول حركته على الأغلبية منذ الدورة الأولى عام 1991. لقد قال متوجها إلى الجزائريين "هذه آخر انتخابات تشهدونها". فالانتخابات أوصلته ليقضي عليها. وهو ما يؤكد أنه لا يرى فيها سوى آلية للوصول إلى الحكم. وعلى هذا الأساس فإن السلطة التي لا تحترم مبدأي الحرية والمساواة في كل أبعادهما ليست سلطة ديمقراطية وإن كانت نتاجا للانتخابات. إن مشروعنا الديمقراطي لا يتلاقى في بعديه الاستراتيجي والتكتيكي مع مشروع "حركة النهضة" التي لا تخفي أنها تهدف إلى إقامة دولة دينية بكل ما تعنيه هذه الدولة من تسلط على ضمائر الناس وحقوقهم باسم تفويض إلهي مزعوم، وهو ما ينعكس في سلوك تلك الحركة اليومي إذ هي تطمس جانب الدفاع عن الحريات الفردية والمساواة في مختلف أبعادها كما أنها لا تخفي تعاملها مع الديمقراطية كمجرد آليه للوصول إلى الحكم لتطبيق برنامج لا ديمقراطي ولا شعبي. وقد كان زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي واضحا في هذا المجال خلال المقابلة التي أجرتها معه أخيرا قناة "الحوار" إذ صرح بأنه إذا انتخب الشعب حركته لحكم البلاد فإنها ستطبق برنامجها الذي يعتمد على مبدإ "الحاكمية لله" وعلى "أحكام الشريعة" بما فيها من حدود (قطع الأيدي...) وبالتالي فإنها ستجعل السلطة حكرا على طغمة تزعم أنها تمثل الله فوق الأرض ولها صلاحية التشريع باسمه، وتجرد الشعب من كل سلطة. وفوق ذلك فإن التصريحات العامة حـول الحرية لا تكفي. كما أن ازدواجية الخطاب لا يمكن أن تنطلي على أحد، إلا على من يريد أن يُُضلّل نفسه أو يتوهم، أنه قادر على توظيف "حركة النهضة" لفائدة أغراض سياسوية ضيقة. نحن نطالب بالعفو التشريعي العام لفائدة كل المساجين السياسيين وكل الذين تعرضوا لقمع هذه الدكتاتورية واضطهادها و"الإسلاميون" معنيون بهذا المطلب. كما أننا نطالب بإطلاق الحريات دون قيد أو شرط. ونحن نعي أن "الإسلاميين" سينتفعون من ذلك. ولكن أن تتحول الدعوة إلى رفض قمع "الإسلاميين" إلى دعوة إلى التحالف معهم واعتبار ذلك "معيارا" للديمقراطية وللتماسك في مقاومة الدكتاتورية فهو عين الديماغوجيا السياسية. والتماسك في النضال الديمقراطي يقتضي رفض هذه الديماغوجيا بل يقتضي أن تحافظ الحركة الديمقراطية والتقدمية على استقلاليتها لا إزاء النظام الدكتاتوري الفاسد لبن علي ولكن كذلك إزاء "حركة النهضة" التي تريد، بقطع النظر عن بعض المواقف الظرفية التي يفرضها التكيف مع الأوضاع والأحداث، إقامة دكتاتورية باسم الدين. وبطبيعة الحال فإن هذا الموقف لا يمكن ان يؤدي بنا بأي شكل من الأشكال إلى الخلط بين الأولويات فنحول التناقض الرئيسي إلى تناقض مع "حركة النهضة" و"التيار الإسلامي" بشكل عام. إن فكرنا السياسي الثوري يعلمنا أن سهامنا الرئيسية توجه إلى من بيده السلطة، إلى من بيده جهاز الدولة، إلى الدكتاتورية النوفمبرية التي تعرقل نهضة مجتمعنا. كما يعلمنا إخضاع بقية التناقضات لهذا التناقض الرئيسي وليس العكس. وقد بينت تجربة حزب العمال منذ نشأته أنه لم يحد عن هذا المنهج ولم يخلط بين التناقضات. وإلى ذلك فإن موقفنا هذا لا يمكن أن يضعف، كما يزعم البعض، الحركة الديمقراطية، بل إن ما يضعفها حقا هو التحالفات اللامبدئية، السياسوية، التي تفقدها هويتها ومصداقيتها. إن من يبحث فعلا عم نقوية الحركة الديمقراطية ودعم مكانتها في الساحة السياسية مدعو أولا وقبل كل شيء إلى تجذيرها في الشعب على قاعدة برنامج ديمقراطي، تقدمي واضح حتى تكون قادرة على منازلة الدكتاتورية النوفمبرية من ناحية، وكبح جماح التيارات الظلامية الرجعية التي تريد تعويض هذه الدكتاتورية بأخرى متغلفة بغلاف ديني من ناحية أخرى. وعلى هذا الأساس فنحن في حزب العمال سنمضي في نضالنا متماسكين لا تقلقنا اتهامات بعض محترفي التشويه التي يقصد بها الضغط علينا وعلى الحركة الديمقراطية الثورية والتقدمية حتى تتنازل عن أهدافها وتفرط في استقلاليتها وتتحول إلى ورقة ضغط بين أيدي التيار "الإخواني" في علاقته بالسلطة. وهو سلوك نجد مقابله سلوك آخر صادر عن أشخاص ومجموعات تدعي الديمقراطية والثورية وهي باستخدامها لغة متطرفة ضد "حركة النهضة" وباتهامها لحزبنا ولكل من رفض ويرفض النهج القمعي للدكتاتورية النوفمبرية ويطالب بالعفو التشريعي العام وإطلاق الحريات دون قيد أو شرط بـ"التواطؤ مع الإخوان" و"عدم التماسك في النضال الديمقراطي"، تريد تحويل الحركة الديمقراطيـة إلى خادم ذليل للدكتاتورية النوفمبرية. الاستقلالية عن الدكتاتورية النوفمبرية من جهة وعن التيارات الظلامية من جهة ثانية، ذلك هو في رأينا الرهان المطروح على الحركة الثورية والديمقراطية والتقدمية حتى تسهم في النهوض ببلادنا وتفتح أمام شعبنا آفاقا أرحب.
جويلية 2003
#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقرر السياسي للندوة الأممية للأحزاب والمنظمات الماركسية ال
...
-
على هامش القمة العربية المزمع عقدها يومي 29 و 30 مارس 2004 ب
...
-
القانون الأساسي لحزب العمال الشيوعي التونسي
-
بلاغ
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا- الجزء الثالث - -حركة
...
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الجزء الثاني- في عل
...
-
الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الحزء الاول- النّقـ
...
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|