سليم محسن نجم العبوده
الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 09:14
المحور:
الادارة و الاقتصاد
رؤية الأزمة الاقتصادية العالمية من داخل المنظومة الأمريكية :
لم تكن ألازمه المالية الأمريكية التي عصفت بالولايات المتحدة ومن ثم امتدت لتنال من العالم وكان أسراب الجراد قد عرفت بمكان الدولار الأمريكي فاجترته حتى تركته متهرئا لا يقوى على النهوض بثبات بجوار اليورو الذي ازدادت قيمته حتى وصلت تلك الزيادة 60% عما كانت علية سابقا .
وان من أهم أسباب المشكلة الاقتصادية التي لم تعد أمريكية بل عالمية بسبب ارتباط الاقتصاد العالمي في كثير من تفاصيله بالدولار عارضة او محض صدفة بل كانت هناك دلائل واضحة ومن قبل سنين طويلة ألا ان التمادي الأمريكي للرئاسات المتعاقبة والتفاؤل المفرط في "القوة المرنة" التي لا تقهر إلا وهي الثروة الأمريكية كانت في غير محلها خصوصا وان بوادر الأزمة قد لاحت بالأفق بشكل جلي وواضح المعالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989م و ما انفق على الحرب الباردة التي استمرت منذ عام 1961م أي بداية عهد كنيدي . بل ربما كانت بوادرها ابعد من ذلك أي ان تلك البوادر ربما ظهرت بعيد نهاية الحرب العالمية الثانية وكيف كانت الإمكانية البترولية تغطي 90% من الطاقة التي استهلكتها الحرب في حين وبعد بضع سنين قليلة تحولت الولايات المتحدة الى مكتفية ذاتيا بعد ان كانت مصدرة للبترول وفي مرحلة لاحقة أصبحت المستورد رقم واحد في العالم له .
بل ان مبداء "كارتر" والذي يعد إمكانية التدخل بالقوة لحماية المصالح القومية الأمريكية في أي بقعة من بقاع الأرض تتعرض فيها المصالح الأمريكية بصورة مباشرة او غير مباشرة كان سببا إضافيا لازدياد الأنفاق .
ان المشكلة الجذرية في رأيي المتواضع لهذا الانهيار هوا اعتماد العالم على "سياسة التعويم " للعملات الوطنية وخصوصا الدولار و العملات الصعبة المعتمدة بدلا من اعتماد "قاعدة الذهب" التي كانت سائدة وربما ان المبررات لتغيير قاعدة الذهب الى التعويم كانت منطقية إلا إن الخزين العام لم يكن محكوم بتلك الضوابط الحاسمة مما سهل عملية التدفق ألانهائي للعملات إلى سوق التداول المحلي والعالمي ولذلك فان "التضخم المزمن" كان على طول تلك الفترة من سمات العصر الحديث . حتى ان العالم اعتاد معدلات ذلك التضخم ولم يتخذ له التدابير الممكنة بسب تراكم الثروة التي أعطت البدائل الخادعة .
مشاهدة ألازمه من داخل المنظومة الأمريكية:
ان المراقب للأيدلوجية الرأسمالية يعلم بشكل لا يقبل الشك ان اساس النظام الرأسمالي الذي وضع أسسه "مارتن لوثر" يعتمد أساسا على "التراكم " وحتى يتحقق ذلك فلابد من رفع المستوى ألمعاشي للمستهلك كي تتم "الدورة الاقتصادية " بسهولة ويسر والتي يمكن ان نرسم مخطط بسيط لها بوصف( الإنتاج-التسويق-الاستهلاك- الربح الصافي ) . وحتى تكتمل هذه الدورة يجب رفع المستوى ألمعاشي للمستهلك الأمريكي لذلك ظهرت في الولايات المتحدة نوعين من المصارف التي أخذت على عاتقها النهوض بهذه المهمة القومية . النوع الأول البنوك الاستثمارية ، والثاني البنوك التجارية . فأما النوع الأول منها أي الاستثمارية لا تعتمد علي ودائع الأفراد ، وإنما على أموالها ، ولا تخضع لرقابة البنك المركزي الأمريكي وتتاجر في الأسهم والسندات ، والعقارات بنسب مفتوحة ، أما البنوك التجارية فتخضع للبنك المركزي ، وتمتنع عليها المضاربة أو الرهونات العقارية إلا بنسب محدودة . ونتيجة للمنافسة بين هاذين النوعين من البنوك وبسبب قلة الرقابة الحكومية على نشاطاتها . ظهر ما يعرف "بالمشتقات المالية" التي يتحدث عنها خبراء الاقتصاد بوصفها من الأسباب الجوهرية للأزمة المالية الحالية في الولايات المتحدة الأمريكية ، و هي من المصادر الجديدة للتمويل أي عندما يتوفر لدى المصرف " محفظة كبيرة من الرهون العقارية " ، فإنه يلجأ حينئذ إلي استخدام هذه المحفظة لإصدار أوراق مالية جديدة " سندات " يقترض بها من المؤسسات المالية الأخرى ، ويقتصر الضمان هنا في هذه المحفظة ، وهذه العملية يطلق عليها الاقتصاديون اسم "التو ريق" .
ونتيجة للتسهيلات التي تقدمها المصارف للمواطن الأمريكي سواء كان شخص او مؤسسة ساهمت بالدفع إلى التزاحم على الاقتراض خصوصا فيما يخص شراء المنازل والعقارات مستفيدين من فترت السماح الممنوحة لهم وهي عدم تسديد أي قصد إلا بعد مرور ثلاث سنوات من تاريخ القرض . بل انه يستطيع رهن العقار خلال فترة السماح أكثر من مره واخذ أكثر من قرض على ذات العقار ونتيجة لأي خلل مصرفي فان هذه المتوالية من القروض سوف تنهار ويصبح المواطن غير قادر "عاجز عن السداد" بل إن المصارف ذاتها تعتبر ان فترت خلال الرهن العقارات المرهونة لديها من ضمن أصولها لذلك فهي تلجا لاقتراض اعتمادا عليها من المؤسسات الأخرى لسد احتياجاتها المتزايدة وهذا ما يفسر إمكانية حصول "مشكلة مركبة متراكمة" إذا ما حصل أي خلل في النظام المصرفي بسبب إن العقار الواحد يقع تحت طبقات متوالية من الإقراض.
وهذا ما يؤكده المليارديرالامريكي " وارن بافيت "عن أصل الأزمة المالية الأمريكية فيقول : " إن الدين هو الوسيلة الوحيدة التي تجعل من الرجل الذكي مفلسًا " إذن يمكن القول ان الرهون العقارية من الأسباب المهمة للعجز المالي الأمريكي الا أنها ليست كل الأسباب بالتأكيد .
ومن المشاكل الأخرى هي "الضرائب" حيث يقول " فرانسيس فوكوياما" هناك مفهومان مقدسان ، الأول أن التخفيضات الضريبية والثاني الأسواق قادرة علي تنظيم نفسها بنفسها . أي إنه إذا خفضت الضرائب من دون تخفيض الإنفاق فسيؤدي ذلك إلي عجز كبير ، ولقد أدت زيادة الضرائب في تسعينيات في عهد كلينتون إلي فائض ، كما أدت تخفيضات " بوش " الضريبية في أوائل القرن الواحد والعشرين إلي عجز أكبر .
ومن الأسباب الأخرى التي أدت الى ظهور الأزمة هي بيع القروض في السوق العقارية اذ لم يعتمد فيها التقييم وإنما اعتمدت فيها المضاربات مما جعل القروض أعلى من قيمتها الحقيقية مما أدى إلى انهيار بعض المصارف والشركات التي دخلت تلك المضاربات .
بل إن المشكلة الحقيقية التي جعلت المشكلة الاقتصادية الأمريكية تطفوا على السطح هي الرؤيا القاصرة وعدم الواقعية للرئيس الأسبق "جورج بدليو بوش" للاقتصاد الأمريكي بقولة (الدولار الأمريكي سيكون أقوى بفضل قوة الاقتصاد الأمريكي.وذكر بوش في مقابلة مع شبكة ((فوكس بيزنس نيوز)) انه اذا نظرا لناس إلى قوة الاقتصاد الأمريكي "فسيدركون لماذا,كما تعرفون, أثق بان الدولار سيكون أقوى".
و أوضح بوش اثر انخفاض الدولار إلى مستوى قياسي إمام العملات الأخرى, "لدينا سياسة قوية للدولار, ومن المهم إن يدرك العالم ذلك", مضيفا " نرى انه من المهم للسوق أيضا إن يحدد قيمة الدولار مقابل عملات أخرى". كما أشار بوش الى النمو الاقتصادي القوى والتضخم والبطالة المنخفضين كعوامل من المقرر تساعد على دعم الدولار.) وفي الحقيقة إن هذا التفاؤل بالاقتصاد الأمريكي غير مبرر خصوصا لرئيس دولة يمتلك خبير اقتصادي بمستوى "جرينسبان" الذي كان مطلعا تماما على الأحوال الاقتصادية الأمريكية عارفا كيف والى أين تسير والدليل على ذلك انه قبل اجتياح القوات الأمريكية البريطانية العراق ذهب بوش إلى " جرينسبان " كي يأخذ راية في احتلال العراق و إسقاط نظام صدام الحاكم آنذاك فقال له بالحرف الواحد ( انك إذا ما قمت بهذا العمل تكون قد ارتكبت خطا فادحا سيعرض الميزانية الأمريكية الى عجز مقداره عشرة تريليون دولار للسنين العشرة المقبلة ) إلا إن بوش لم يأخذ بنصيحته وخرج من مكتب " جرينسبان" وهوا غاضب. .!؟
إن الحرب العراقية كبدت الولايات المتحدة إمكانيات مادية ضخمة لا مجال لذكرها إلا إن من يريد الاطلاع على بعض التفاصيل يمكنه قراءة مقال كتبته قبل شهور تحت عنوان ( الكونكرس الأمريكي وقعوا المعاهدة والي شبكنا يخلصنا ) بعد ان استنزفت حرب العراق وأفغانستان أكثر من 800مليار دولار من الميزانية الأمريكية .بعد ان انقلب احتلال العراق من محاولة لتحسين الوضع التجاري لأمريكا إلى مشكلة مالية خطيرة اذ لم تستطيع الشركات الأمريكية السيطرة على نفط العراق ومشاريع ما يعرف بإعادة الأعمار بالطريقة المخطط لها وبالعكس أصبحت الإدارة تطالب بمزيد من الاعتمادات الإضافية لتمويل نفقات الحرب والتي تزيد كثيرا عما ذكرنا أعلاه .
خصوصا وان العجز وصل في الميزانية الاتحادية الى مستوى قياسي بلغ 412 مليار دولار في الاثنى عشر شهرا المنتهية في 30 سبتمبر أيلول الماضي و377 مليار دولار في العام السابق . ونتيجة لذلك تحتاج الولايات المتحدة إلى ضخ 2.5 مليار دولار في الاستثمارات يوميا ما يؤدي إلى انخفاض سعر العملة الأمريكية. وهنا يكون مكمن الخطر عندما يكون العلاج قاتلا فان ضخ مبالغ يومية الى الاستثمارات يعني تضخم وسقوط حقيقي للدولار الأمريكي إمام اليورو وهذا مالا علاج له .
عموما ان حجم الخسائر للمصارف الأمريكية فيما يتعلق بالرهن العقاري بلغت 100مليار دولار ثم ارتفعت إلى 170مليار وأخيرا 13ترليون دولار . ان فداحة هذه الخسائر تؤكد عمق اعتماد المستهلك الأمريكي على الاقتراض ومدى المنافسة الشديدة بين المصارف الأمريكية التي افلتت الضوابط ..؟
اما التقرير السنوي للأمم المتحدة الذي صدر بعنوان (الوضع الاقتصادي العالمي والتوقعات في عام 2009م) فقد حذر من احتمال هبوط أسعار النفط مما سوف يهدد النمو الاقتصادي في منطقة غرب أسيا كما توقع التقرير ان ينخفض متوسط أسعار النفط الى 35% في عام 2009م نتيجة لتباطؤ الطلب العالمي كما ستشهد المنطقة هبوطا حادا في معدلات التصدير وبتالي عائدات النفط مما سيوثر على التنمية الاقتصادية في المنطقة ليصل الى2,7%عام 2009م وجاء في التقرير ايظا حيث إن التوسع التجاري بلغ 4,9% عام 2008م .مقارنه بعام 2007م الذي وصل بة النمو إلى 4,7% وكان الارتفاع في أسعار النفط حينها والطلب المتزايد علية وراء هذا الأداء.
ونتيجة للوضع المزري الذي تعيشه الولايات المتحدة والذي كان الفضل الأكبر به إلى الرئيس السابق "بوش دبليو بوش" يتعين على الإدارة الجديدة ان تخفض مستوى الإنفاق إلى ابعد حد ممكن وان تتبع سياسة اقتصادية واقعية بعيدا عن الغطرسة الأمريكية في الداخل و الخارج . وكذلك ان تبدل سياساتها الخارجية على أساس عادل ومنطقي أي إن تحاول إن تكسب أصدقاء حقيقيين في فترة قصيرة وحرجة . وان تسيطر على أسوقها المحلية .
إن الولايات المتحدة لم تدرك أنها أنفقت على ما بعد الحرب الباردة تكاليف ضخمة جدا كي تحاول البقاء على الصدارة او الحفاظ على النصر الذي حققته على الاتحاد السوفيتي بعد انهياره وان هذه المرحلة التي تمر بها الولايات المتحدة هي اقرب إلى إن تكون إلى تحقيق نبوءة كارل ماركس حيث قال ( ان التراكم المفرط الذي سيصيب رأس المال في النظام الرأسمالي هوا الذي سيكون سبب انهياره وذلك عندما سيصل إلى مرحلة يكون غير قادرا فيها على التنمية لذلك سيبدد موارده الإضافية ويستنزفها في صراعات مختلفة في الخارج ) .
#سليم_محسن_نجم_العبوده (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟