|
العراق : صراع حقيقي وفراغ غير أكيد
أمير ألمفرجي
الحوار المتمدن-العدد: 2574 - 2009 / 3 / 3 - 09:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن اخطر ما يواجه العراق في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة هو هذا الفراغ الذي يتكلم عنه الكثير والذي من المؤمل أن يجعل أبواب بلاد الرافدين مفتوحة على مصراعيها لقوى الجوار الطامعة ، ولعل اخطر هذه الاحتمالات هي إن تتمكن إيران من التسلل من بين الصفوف والوصول إلى مقاليد الأمور لتعيد التجربة السابقة التي عرفها العراقيون سابقا، ولكن بصورة أكثر دموية قد تعرض الوطن إلى رياح الفتنة والتجزئة, في الوقت الذي تسعى الجارة الثانية والمتمثلة في تركيا بإعادة الدور العثماني الخطير وأهدافه القديمة ـ الجديدة في كركوك والموصل. إن ما جرى ويجري في العراق وما سوف يأت من فراغ قد يُزيد من الطين بله بما فيه احتمال تهديد وحدة العراقيين بعد أن ساهم الاحتلالين الأمريكي والإيراني وعن طريق التيارات الطائفية في المنطقة بالسماح في تصفية الاحساس الوطني العراقي وتهجير عائلة العراق الوطنية وإبعادها بشتى الطرق وإبدالها بقوى طائفية وعرقية تدين بالولاء للأجنبي . وفي الوقت الذي تتزايد فيه مشكلات الشعب يوما بعد يوم يفقد الإنسان العراقي الأمل بالخلاص وأضحى مستعدا للقبول بكل ما يعتقد بأنه قد يعيد حقوقه الاجتماعية والسياسية وتخليصه من هذه الأوضاع السيئة والخطيرة.كل هذا على حساب وحدة الوطن وسيادته بعد أن زرع الاحتلال اليأس في امكانية ولادة نظام ديمقراطي وطني تعددي يحافظ على وحدة البلاد ويعوض ما دمرته سنوات الاحتلال والحروب المتتالية.
لقد أدى احتلال العراق إلى ظهور معادلة واضحة في التنافس الإيراني - التركي، مفادها أن الاحتلالين الأميركي والإيراني صارا الأقوى على الساحة العراقية؛ فالأول يحتل العراق عسكرياً، والثاني يحكم ويتحكم في مقدرات السلطة السياسية في بغداد عن طريق حكومة المالكي وميليشياتها العسكرية في وزارتي الداخلية والدفاع. من جانب أخر تحرص الجمهورية التركية، وريثة الدولة العثمانية، على ارتباطاتها الاستعمارية والتاريخية في العراق، خصوصاً العلاقة بالتركمان وموقعهم في مدينة كركوك وهي علاقة وعلاقات لا تقل خطورة عن المطامع الإيرانية وهذا بالتأكيد تفكيرسياسي وايدولوجي لوجودها في ملئ قسم معين من الفراغ والذي قد يكون مُمكنا عن طريق إحياء اتفاقات الماضي كالذي جمعها بالدولة الصفوية والقاجارية في (الموصل وبغداد والبصرة) حتى عام 1921. ولكن لسوء حظ تركيا فقد ساهمت المشكلة الكردية في تحجيم دورها وأطماعها في التوصل لمعادلة متساوية تحفظ لها أطماعها مع إيران في العراق.
مما لا شك فيه فقد اتفق الكثيرون على أن المشكلة الكردية هي واحدة من أعقد المشاكل في "الشرق الأوسط" ، حيث يمثل الصراع الكردي - التركي الذي بدأ في مطلع القرن الماضي وبالتحديد مع ثورة الشيخ سعيد عام 1925- بؤرة ملتهبة في المناطق الحدودية بين تركيا والعراق. فتركيا -بكل توجهاتها الفكرية والسياسية المختلفة- ترفض إقامة دولة كردية بشمال العراق أو حتى دول اتحادية يكون لأكراد العراق دور فيها. فالأغلبية الساحقة من الشعب التركي (يمثل الأتراك نسبة 70% من مواطني الجمهورية التركية) ترفض إقامة دولة مستقلة للأكراد في العراق (حوالي 4 ملايين نسمة)، ويرون أن إقامة دولة كردية بشمال العراق، سيعنى في المستقبل القريب فصل ما يعادل ثلث أراضي الجمهورية التركية التي أعلنت في عام 1923.
وبهذا فمن الصعب القول بأن التحركات التركية والإيرانية تجاه العراق بصورة خاصة ومنطقة الشرق الأوسط بصورة عامة هي مجرد سياسة اعتباطية لأحداث ثانوية. بل هي بالتأكيد توجهات إستراتيجية تحكمها تحولات المعادلة الإقليمية والتاريخية ولغة المصالح وديناميكية دور أنقرة وطهران في القضية المحورية العربية المتمثلة بالصراع العربي ـ الإسرائيلي بعد غياب أو تقلص الدور العربي بشكل خاص والتنافر العربي بشكل عام إزاء التعامل مع أحداث المنطقة الدامية في العراق وفلسطين. إن الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي من العراق إذ ما صدقنا خطاب الرئيس الأمريكي اوباما التفاؤلي الأخير وجب قراءته وفهمه على إنه انسحابا مسؤولا يعيد للعراق سيادته ويبعد شعبه ومؤسساته السياسية والاجتماعية من كل المخاطر والتدخلات الاجنبية بما في ذلك السماح للعراقيين بحكم بلدهم وترك الفرصة للأحزاب الوطنية المستقلة نحو تأسيس مجتمع عراقي مدني مستقر مبني على أسس المواطنة. إن نجاح أي انسحاب أمريكي مسؤول يعتمد على أعادة الطبيعة الاجتماعية والسيادية للعراق ومجتمعه وهذا يعني أساسا قطع الطريق أمام هيمنة الدول كتركيا وأيران التي استغلت ظروف الاحتلال الاستثنائية وهيمنتها على المشهد السياسي العراقي وفرضها وجوها تابعة لها في الساحة السياسية ومؤسسات العراق السيادية.
إن أسرارالمناورات في موضوع العلاقات الإيرانية ـ التركية في( اقتسام الفراغ العراقي القادم) تكشفها اليوم زيارة رفسنجاني المعلنة للعراق وهو صاحب المقولة المشهورة " الغزو الامريكي على العراق جلب مصالح كبيرة لنظامنا (وكالة أنباء النظام الرسمية 31 أيار 2006) " وكشفتها زيارة الطالباني الاخيره بصفته الزعيم الكردي وليس العراقي لإيران وما جاء من خلالها من تصريحات رسمية إيرانية ومن على مستوى عال في مقياس هرم العمائم الإيرانية حيث أظهرخامنئي خلال استقباله رئيس دولة العراق المُحتلة في طهران استعجاله بقدوم (الفراغ) قائلا "على القوات المحتلة مغادرة العراق في اقرب وقت ممكن وأي تأخير سيشكل خسارة ". واعتبر أن "القوات الأجنبية لا تتمنى التقارب بين العراق وإيران. في الوقت الذي تلاه تصريح محمود احمدي نجاد الذي التقى الطالباني ليعزز الموقف الإيراني بقوله" أن بلاده تريد تعزيز علاقاتها مع عدوها السابق العراق، لا سيما في المجال العسكري" .إن زيارة الطالباني إلى طهران هي زيارة مباحثات أستغلها الأكراد لترجيح الكفة الإيرانية وعلى حساب الكفة التركية للنيل من الجزء الأكبر من الفراغ (فعدو عدوي هو صديقي) وهو القادر على إضعافه في نواياه القومية الاقتصادية في نفط كركوك.
خلاصة الموضوع ومن هذا المنطق ، يمكن اعتبار أن مستقبل العراق السياسي يعتمد على ما سوف تفرزه المناورات الإيرانية- التركية في الفترة القليلة المقبلة ومن جملة هذه العوامل أيضاً التنافس التاريخي للبلدين على النفوذ في المنطقة ، والمواقع المتناقضة في التحالفات الدولية والدور الكردي في العراق. إن الخطر على مستقبل العراق واحتمالية تقسيمه سياسيا تفرضه حقيقة الوجود والموقع الجيو- استراتيجي لهاتين الدولتين في منطقة الشرق الأوسط، لكن قد يكون عامل مناقض قد يرفع من العراق ويبعثه من جديد لبناء أسسه المدمرة كون إن هذا الصراع يُمثل حربا نائمة بين إمبراطوريتين أكل عليهما الدهر وشرب لا وجود لعوامل قومية تجمعها مع العراق و الدول العربية الاخرى فالأولى فارسية عنصرية منعزلة تعتمد على المد الطائفي الشيعي الذي لا يمثل إلا (7 %) من نسبة المسلمين في العالم الإسلامي والثانية عثمانية أستعمارية سجل التاريخ أعمالها في المنطقة وهي منخرطة الأن في حلف الناتو والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. إن الصراع على العراق في هذا الوقت العصيب من تاريخه الحديث من أجل تقسيمه سيكون بالتأكيد صراعا ضاريا لم يُحسم بعد وهو بالتأكيد عامل مشترك لجمع العراقيين وتوحيدهم. لنا الثقة المطلقة في القوى الوطنية العراقية وبجميع تياراتها الشريفة في استثمار كل هذا ولنا في وطنية الإنسان العراقي الواحد و تاريخ بلاد الرافدين وديمومتها الأزلية سلاحا.... وسيكون لكل حادث في موضوع العراق العظيم حديث.
#أمير_ألمفرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عراقية كركوك كعراقية العراق ووحدة شعبه
-
ساركوزي والحلم الفرنسي
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|