أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم كطافة - توريات عراقية في زمن الاحتلال















المزيد.....

توريات عراقية في زمن الاحتلال


كريم كطافة

الحوار المتمدن-العدد: 789 - 2004 / 3 / 30 - 08:07
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


التورية لغة: أن تستخدم مفردة وتريد بها معنيين أو أكثر، حسب قوة الدلالة المكتنزة داخل المفردة. وهي مستخدمة في الأدب بأنواعه وفي الصحافة وفي الحياة اليومية للناس. هناك مرادف شعبي عراقي لها، أظنه لدى كل الشعوب يدعى عراقياً بالـ(حسـﭽـة)، يُقصد بها أن لا تأخذ المعنى الظاهر والمتوقع للوهلة الأولى من الحديث، بل ما وراء ذلك، في العادة يأتي الـ(ما وراء) من حادث له شهرة عريضة ترتبط به مفردة بعينها أو حكاية طريفة، أحياناً يكون نكتة، مثل، حِكمة قوية..الخ
استخدام التورية في الأدب كان ومازال شرعياً ومفهوماً تماماً، إن كان لضرورات فنية من باب الاختزال أو لتمتين قوة الدلالة أو حتى لجعل القارئ يخرج لبرهة من استرخائه واستكانته للنص المنساب دون منغصات ومطبات؛ تقدح ذهنه وتحفزه للمواصلة. ومفهوم استخدامها في الصحافة إن جاء هذا الاستخدام إجبارياً بسبب قوة وخطورة جهاز رقابي حكومي لا يمزح، أو حتى فنياً لإعطاء إيحاءات جديدة للمادة أو دعم إيحاء قديم. ويكون مفهوماً كذلك استخدامها اليومي في الثقافة الشعبية المحكية، لها أبطالها المشهورون على نطاق تجمع أو محلة أو مدينة أو حتى في البلد كله. في ذهن كل منا العديد من الأسماء والحوادث والنكات والأمثال التي ارتبطت بأشخاص معينين وشاعت كنار في هشيم، حتى غدت وطنية الاستخدام (وطنية من وطن وليست من الايديولوجيا).
أقول كل ذلك مفهوماً بل مطلوباً، إنما غير المفهوم ومؤكد غير المطلوب، أن يجري استخدام التورية والحسجة في السياسة. هنا ستتغير النتائج رأساً على عقب.. إن كانت في الأدب مصدر قوة وفي الصحافة وسيلة هروب ذكية وفي الثقافة الشعبية اليومية وسيلة تسلية وتزجية أوقات ثقيلة تجثم على صدور الناس.. ستكون في السياسة مصدر لغط وهروب مفضوح حد الجبن ووسيلة تعمية وإيهام وإبهام وخداع ولعب على الذقون..الخ لأن السياسة هي المجال الوحيد الذي يحتاج إلى الوضوح الكلي والدقة الكاملة في المقاصد والوسائل. السياسي يخوض في حياة الناس الفعلية وليست المتوهمة، في معاشهم ومآلهم. وإذا كانا الوضوح والدقة مطلوبين ومؤكدين في السياسة، هما في التشريع القانوني شرطان لازمان.
أخرج من هذا المدخل الممل إلى ما جرى ويجري في العراق منذ سقوط نظام حزب البعث العراقي إلى هذه اللحظة. المتغير الذي حصل خلال هذه الفترة القصيرة والقصيرة جداً بعمر الزمن، أن العراقيين ولأول مرة في تأريخهم المكتوب وغير المكتوب، تنفسوا تلك التي كانت لهم بمثابة شيء من خرافة أو احجية يطلقون عليها خارج العراق مسمى الحرية. ولأنها جديدة (مازالت بدمها00!!) وغريبة (من جلبها معه في ذات الوقت هو المحتل الغريب) وغير معروفة ولا مستخدمة لا من قبل آبائهم ولا أجدادهم ولا حتى أجداد أجداد أجدادهم حتى الظهر المليون.. لكل تلك الأسباب لا يدري العراقيون ماذا يفعلون معها وبها ومنها.. منهم من فهمها ومارسها أنها تعني باستطاعتك أن تفعل كل شيء ضمنه السرقة والقتل.. منهم من مارسها وفهمها وحاول إفهام الآخرين؛ أنها تعني حريتي أنا فقط، حقي الشرعي الذي وهبه لي الله سبحانه وتعالى دون سائر الخلق (ليس المحتل الأمريكي).. منهم من فهمها أنها حق الأكثرية ويقصد بالأكثرية قومه، طائفته، جماعته، حزبه..الخ التجمعات في خنق وإسكات صوت الآخرين غير المنضويين تحت عباءته.. منهم من فهمها أنها حرية الأقلية لمسك الأكثرية من بيضتها السفلية (مسكة الفقرة ج من المادة 61) هي حقاً مسكة معلم يجيد الشم عن بعد.. النساء فهمنها على أنها حرية الخلق جميعاً بما فيهم النساء وفسرنها على أنها حرية المرأة في خوض شؤون حياتها ومآلها دون تدخل الولي أو الوكيل، كمخلوق فرد كما هو الرجل (هناك واحد ملعون ينق في رأسي يريد أن يقول للنساء: موت يا حمار حتى..!! لأن البلد الآن متخوم حد التقيؤ بالأولياء والوكلاء).. منهم.. ومنهم.. ومنهم الكثير. واضح أن المفردة الجميلة البريئة الحبابة الطرية العود قد دخلت في ثنايا معطف التورية وتلحفت هناك. أرجو من الله وأوليائه وأئمته وشفعائه أجمعين أن لا تظل طويلاً متلحفة هناك.. خوفي عليها من التخمر والتحول إلى نبيذ استبدادي معتق.
تورية أخرى عنوانها (عفا الله عما سلف). هي جملة قصيرة معروف من قالها ومتى والمناسبة التي قيلت بها. قالها (عبد الكريم قاسم) أثر محاولة اغتياله من قبل البعثيين سنة 1959. المعني من استعادتها الآن طرفان معروفان. الشعب العراقي بغالبيته الغالبة والمغلوبة من جهة ورموز وبقايا النظام البعثي السابق والذين كانوا يعدون بالألوف من جهة أخرى. كما عفا الزعيم عبد الكريم عن من حاول قتله، على الشعب العراقي أن يعفوا الآن عن من مارس فيه القتل والذبح على مدى الـ40 سنة المندحرة. كما ترون ليس في هذا رائحة تورية أو حسجة.. إذن كيف دخلت في معطف التورية؟ تمعنوا معي في الشعار المطروح الآن، الشعار الذي عقد لأجله مؤتمر في (اربيل) خلال الأيام القليلة الماضية (المصالحة الوطنية).. أتحدى أي عضو شارك في ذلك المؤتمر أن يقول على الملأ: ماذا يقصد بـ(المصالحة الوطنية).. ستجدونه مستعداً للحديث أياماً ويملئ بحديثه صحف وليس صحيفة واحدة، إنما دون أن يجيبك عن سؤالك؛ مصالحة بين مَن ومَن ولماذا ومتى وعلى أي أساس ووفق أي متراس.. ولماذا هو لا يسمي الطرفين باسميهما.. وما هي هذه (الوطنية) العريضة الطويلة.. وما الذي يمنع البعثيين من إعلان اعترافهم بالخطأ والتوبة لينالوا مسامحة أهالي الضحايا..
مع هذا التشويش لا محال من اللجوء إلى الظنون والتحاليل، لتعتقد مثلاً، أن المقصود بها هو أن تتم مصالحة بين السنة والشيعة، كأن الحرب كانت قائمة على مدى الـ40 سنة الماضية بين هاتين الطائفتين.. أو تعتقد أن المقصود بها هو مصالحة بين العرب والأكراد، لأن العرب كما يبدو كانوا قد احتلوا كردستان وزرعوها بالربايا والمعسكرات ودمروا قراها ومدنها واستخدموا بحقهم أسلحة ووسائل الإبادة الجماعية.. أو هي مصالحة بين الإسلاميين السياسيين أنفسهم على طرفي متراس الطائفية، لكثرة تجمعاتهم وتلاوينهم ومراجعهم، لذلك عليهم بالوحدة التي أساسها المصالحة.. أو هي مصالحة عشائرية، هكذا بين عشائر قربها النظام السابق وأخرى أبعدها.. أو هي مصالحة بين الفلوجة والنجف وكردستان.. وفي أحسن الأحوال يجعلك ترتكن أن المقصود هو في الحقيقة مصالحة بين الشعب العراقي والعالم، وهذا الاحتمال له أوجه معقولة، من باب أن العراق بلداً وشعباً كان على مدى حكم البعث مسجوناً داخل أسوار البعث، أثار النظام حوله عداوات كل من هب ودب، بالتالي هو بحاجة إلى المصالحة مع العالم واسترجاع مكانته الطبيعية في المجتمع الدولي.. على أية حال ستظل التورية سيدة النسج ما لم توضع النقاط على الحروف.
تورية ثالثة لا تقل عن هذه خطورة وحضوراً.. عنوانها (المرجعية والحوزة). هما مفردتان معروف من يستخدمهما ومَن يقصد. يستخدمهما المسلم الشيعي المتدين ويقصد بهما مرجعه الفقهي الذي في العادة يكون آية من آيات الله، يعود إليه في أمور تستشكل عليه من باب الحلال والحرام. القضية بسداها ولحمتها قضية فقهية دينية. لكن تعالوا وحللوا فحواها الراهن.. من يستطيع الآن أن يجيب على الأسئلة التالية:
أولاً، من هو المرجع المقصود في حديث هذا السياسي أو ذاك؟ هناك مرجعيات كثيرة، منها داخل الحدود وأخرى خارج الحدود، ثانياً، ماذا تريد أنت ومرجعيتك من الشعب العراقي؟ العراقيون ليسوا كلهم مسلمين.. والمسلمون فيهم ليسوا كلهم شيعة.. والشيعة فيهم ليسوا كلهم من أتباع المرجعيات.. وهؤلاء لا يتبعون مرجع واحد بعينه.. سوف لا تحصل على إجابة واضحة على هذين السؤالين، سيدخلك الأخ السياسي إذا تكرم وأجابك في دهليز شؤون التكليف وأننا مسلمون وحساب وكتاب. والمعنى؟ المعنى أنك ستخرج من تورية واحدة لتدخل في عشرة.
هناك توريات كثيرة أخرى على سبيل المثال لا الحصر:
الشعب العراقي: المقصود به طائفة المتكلم
مصلحة الأمة: يقصد منها إدامة القمع والاستبداد
مقاومة الاحتلال: المقصود بها العودة للسلطة من جديد
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: المقصود بها قتل المسيحيين وتحجيب النساء ومنع الموسيقى والغناء.
انتخابات: حكم الشيعة
فيدرالية: انفصال
توسيع مجلس الحكم: أكون أنا عضو فيه
خروج قوات الاحتلال: خروج نعم.. بس مو فد نوب
وغيرها الكثير، لكن أكثرها التباساً ما زالت تورية مخلوق الديمقراطية.. من يستطيع أن يفك هذا اللغز.. من يستطيع أن يحزر هل هذا المخلوق ذكر أم أنثى.. أنس أو جنس.. قديم أم مستحدث.. هجين أم أصيل..!!!!؟
هذه التوريات وغيرها الكثير تجعلني أقترح إيجاد قاموس سياسي يكون في جيوبنا على الدوام، وأخص منا الصحفيين العاملين في الصحف العراقية، ليكون القارئ والمتتبع على بينة من المقاصد والغايات. وفائدة أخرى للقاموس؛ إفهام السياسي أن على الكلام ضريبة.. ليدخل الصحافيون محراب الجرأة ويسألوا السياسي أو رجل الدين القائل بمفردة من نوع التورية: ماذا تقصد بالضبط يا سيدي؟ أرجوك أوضح أكثر هل تقصد هذا أم هذا أم ذاك.. هي ممارسة مفيدة للصحافي وللسياسي، الصحافي يتعلم كيف يكتسب الجرأة.. والسياسي والناطق الرسمي يصل إلى حالة العد للألف قبل أن ينطق بمصطلح أو مفردة أو مفهوم ينتمي إلى التورية..

28/3/2004



#كريم_كطافة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لكم أن تكذبوا أمريكا الدهر كله.. إنما صدقوها هذه المرة!!
- قصة طف معلن
- لماذا لا يكون لنا طريق ثالث..!!؟
- ماذا تعرفون عن العلمانية لتطردوها..!؟
- أيها الإسلاميون من كل الأطياف.. رفقاً بدينكم!!
- هل يتحول مرقد الإمام علي (ع) إلى لجنة اولمبية جديدة!!!!
- ألفت انتباه السادة المشاهدين..إلى حلقة الاتجاه المعاكس القاد ...
- من أجل أن لا يضحك علينا الفرنسيون..
- انتخابات.. نعم.. لكن ليس بأي ثمن وبأي شكل
- خواء المستنقع
- ماذا نريد..؟


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كريم كطافة - توريات عراقية في زمن الاحتلال