|
محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية 3- جدل الواقع في تناقضاته الذاتية
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 2573 - 2009 / 3 / 2 - 09:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
3ـ جدل الواقع في تناقضاته الذاتية
في حواره حول " النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية" يختزل الرفيق محمد إبراهيم نقد المسيرة الفكرية العربية الإسلامية في فقرة شديدة التكثيف غنية بالدلالة : "الفكر العربي الإسلامي فكر الأزمات العاصفة. ازدهرت مدارسه وتألق عطاؤه في بؤرة التوتر لحقل التحولات المعتقدية والسياسية العسكرية، والاجتماعية الاقتصادية والإثنية الثقافية،الكونية المدى والطابع. وعندما أطبق عليه زمن الهدوء غير المنفصل، من هولاكو إلى خلفاء وأئمة الباب العالي وفقهاء البلاط، ذبل وخبا، وتحايل على الحياة متطفلا على رواء ذلك العطاء، فأهلكه تفتيتا وتقطيع أوصال ـ مختصرات وحواشي وشروح وتعليقات وتفسير التفسير! مشى مكبا على وجهه الكالح حتى وصل مفترق الطرق ومنحنى الخيار الصعب بعد غزو الوافد الأوروبي : فركبته الحيرة الازدواجية في مصدر الثقافة ، وتشكلت صيغة جديدة للمعضلة القديمة أمام الفلسفة العربية ـ الإسلامية المعاصرة، في زمن عاصف مضطرب." قدم هذا الفكر نسغ الحياة للنهضة الأوروبية الحديثة مما أبدعه التفكير العلمي لابن رشد والتطبيق العلمي لابن الهيثم؛ فانتقل الغرب من وهدة التخلف وانتشلته من سطوة الكنيسة. كانت البنى السياسية والاقتصادية مؤهلة لاستقبال العطاء، فنما الفكر الأوروبي وازدهر وتكاثرت سوقه. تنقل من الحتمية العلمية الميكانيكية التي طردت اللاهوت من فضاء المعرفة وواصل النمو نحو منطق العلم ثم إلى نسبيته ونقديته وانقلابيته الطاردة ليقين الرأي الواحد والمعلية لشأن العقل وحوار الآراء، صانعة القوة والحضارة. من هذا البنيان الشاهق التقى بالفكر العربي الإسلامي يزحف مكدودا مغلفا بيقينية حسيرة النظر، مغلفة بالضباب، تشق الطريق خلف جبرية غيبية لا حيز للعقل في تكوينها. فقد أفضى خضوع المجتمعات ردحا طويلا لسلطان القهر والاستلاب والانسحاق إلى استنزاف قوى المجتمع وموارده، وهدر الإنسان وهدر الفكر. يتصدى لهذا الهدر الدكتور مصطفى حجازي ، الباحث في علم النفس الاجتماعي وفق المنهج الجدلي المادي، وذلك في كتابه الأحدث " الإنسان المهدور". يتجاوز الباحث منطق السياسة من تخلف واستبداد ومظاهر الفساد الاقتصادي، أو يتعمق فيجوهرها، فيعبر إلى هدر الفكر، الزاوية المعتمة لترسبات القهر في النفسية الاجتماعية العربية، حيث تقبع عوامل هدر الطاقات البشرية وتفاقم أزمات المجتمعات العربية، الأمر الذي أقعدها عن رد غائلة الرباعي المهيمن: السلطة المستبدة والعصبيات والسلفية والهيمنة الأجنبية. يتمثل هدر الإنسان في جانب منه، في هدر الطاقات البشرية، "لتصيب حيوية المجتمع ونمائه في الصميم، إذ هي تتركه في حالة الانكشاف وفقدان المجتمع القدرة" لارتقاء معارج التحرر والتنمية ، فلا يتبقى بحوزته سوى بطاقة ترشيح لعضوية نادي المتطفلين على الحضارة والمستغنى عنهم الفائضين عن الحاجة. الفكر، حسبما ينطلق الباحث " بما هو نتاج التفكير ، يخدم غاية كبرى هي سيطرة العقل على العالم وظواهره ، وبالتالي سيطرة الإنسان على ذاته وواقعه، وصولا إلى صناعة مصيره. وعليه يقود هدر الفكر إلى فقدان السيطرة وإفلات زمام تسيير الحاضر واستشراف المستقبل وصناعته، وبالتالي هدر الكيان الإنساني ذاته من خلال رده إلى مستوى النشاط العصبي وإشباع حاجات البقاء البيولوجي." والتحليل الفسيولوجي للدماغ يبرهن ذلك. إذ بتعطيل التفكير لا يتبقى سوى ما يطلق عليه (الهيبوتلاموس) الذي يضبط وظائف الأكل والنوم والجنس والانفعال." فكم من الناس ذوي الفكر المهدور تعطل طاقاتهم الدماغية ويحجر عليها ويدفعون للعيش على مستوى الهيبوتلاموس وحدها". كما أثبتت الأبحاث الحديثة ان "البيئة الرتيبة المملة الخالية من المثيرات والإثارات ، كما هو الحال في أنظمة القمع والتحريم ، تعمل على ترقيق القشرة الدماغية وبالتالي تؤدي إلى هدر الكفاءة الذهنية. ويتجلى ذلك في قصور التخطيط والانتباه وصناعة القرار وحل المشكلات وتشكيل الخيارات وتنفيذها." في ظل القمع السياسي والديني يحدث تعطيل في ميدان البحث العلمي، حيث لا ضرورة للتنمية؛ "وعلوم الأمن والمخابرات وتجهيزاتها هي الأكثر تقدما في عالم الهدر ... وهناك وظيفتان أخريان تتمانها ، هما علم الغيب وعلم تدبير الحال. أما علم الغيب فنقصد به استغلال الدين وسيطرة رجاله على الحكم بالغيب تفسيرا وتأويلا، واحتكارهم لهذه السلطة المعرفية من اجل ترويض الناس من خلال كل آليات التحريم والتحليل المعروفة. ولقد وصل الأمر بهم إلى تكفير كل فكّير، ومنع التساؤل والتفكير التحليلي النقدي الذي يوصف بالزندقة والبدع ، لصالح الاتّباع المحض...." اما تدبير الحال فيتم بالفهلوة ، "التحايل والإخفاء والتمويه والمداهنة للسلطات تجنبا لغضبها". وفي القضايا الاجتماعية، يواصل الدكتور حجازي، " يدفع الباحثون إلى التلهي بقضايا جانبية ثانوية لا تمس المسكوت عنه.... وإذا حدث أن تمكن إبداع من الإفلات من هذه البنية المتحكمة في العقل والآسرة للفكر فإن الرقابة له بالمرصاد على مستوى النشر والتوزيع...". ويخلص الباحث إلى القول "هكذا يضحى بالإبداع ويهدر الفكر من أجل الحفاظ على هناء السلطة السياسية أو الأصولية ". ضمن هذه المناخات لا نستغرب أن يرد في تقرير التنمية الإنسانية الثاني قول بالغ الدلالة "المعرفة هي الفريضة الغائبة في أمة العرب". لم يلق هذا الواقع المأزوم اهتمام أي من المشتغلين بالسياسة في العالم العربي. فالسياسة والإعلام ونشاطات الاتصال الجماهيري كافة لا تستغني عن الاستئناس بأبحاث علم النفس الاجتماعي؛ كما يؤكد الدكتور حجازي أن الحديث عن التحرر والديمقراطية والتنمية يظل نافلا وبدون جدوى بدون خلخلة واقع الهدر والاستلاب في المجتمعات العربية، وما لم يتم الاعتراف بإنسانية الإنسان العربي. نقول إن هدر الإنسان وتعطيل عنصر الإدراك لديه يعطل السياسة كنشاط جماهيري ويفقد الفكر "قيمته في أن يصبح وعيا مجتمعيا جماهيريا شاملا ، يتسم بالعقلانية والاستنارة والتفتح وروح النقد والإبداع، وأن يتحول هذا الوعي إلى فعل جماعي ديمقراطي مشارك"، كما حلم محمود أمين العالم، سيما وأنه يحض على ترجمة الفكر ترجمة عيانية تتطابق مع الواقع الملموس. حقا يورد العالم في كتابه " الوعي والوعي الزائف" 1986القول "ليست هناك ثقافة يمكن فرضها فرضا من الخارج، إذا لم تجد في البنية السياسية والاقتصادية والإيديولوجية الداخلية ما يتيح استقبالها وتقبلها ، بل واستنباتها وتوظيفها اجتماعيا". ويقول أيضا في نفس المصدر"الأزمة التي تعاني منها البلدان العربية هي... أزمة البنى والهياكل الداخلية التي تكرس التبعية وتتكرس بها. إنها أزمة الطبيعة الاجتماعية الطبقية لأنظمة الحكم العربية السائدة . ولا خروج من هذه الأزمة بغير التغيير الجذري على طريق الاشتراكية المستفيدة من إيجابيات وسلبيات مختلف التجارب الاشتراكية ، والنابعة من خصوصيات واقعنا العربي والمدعومة بالعلم والعقلانية والديمقراطية". وما زالت توجد فجوة بمقدار خطوة للوراء حتى يتم الإمساك بحالة الاستلاب والتبخيس الإنسانيين. في مجال السياسة تتمحور كل القضايا حول موضوع الخروج من المأزق الذي تراوح فيه المجتمعات العربية. حتى قضية التراث والمعركة المحتدمة على أرضها ـ كما يرى العالم ـ هي تعبير عن "المعركة الفكرية الكبرى الدائرة بين الإجابات المختلفة على سؤال ما السبيل إلى الخروج من الوهدة التي يرقد فيها العالم العربي. بهذا يرفض العالم وجود ثنائية بين الأصالة والعصرية." لذا بقيت قضية التراث تراوح في الفكر العربي منذ عصر النهضة. وتناول الدكتور ماهر الشريف رؤية العالم لموضوع التراث ولاحظ أن "أسئلة النهضة العربية بقيت معلقة بسبب استمرارية الارتباط التبعي بمراكز الرأسمالية. توفرت إمكانية لثورة يوليو أن تواصل النهوض التقدمي، غير أن هزيمة حزيران وردة السادات التي عمقتها قد أعاد العرب إلى ما يشبه نقطة البداية بالنسبة لمشروعهم النهضوي.. إن كل الإجابات التي تتضمنها هذه الأسئلة تبقى قاصرة في تقدير محمود العالم عن تبيان الطريق الصحيح نحو نهضة عربية جديدة. "التراث هو قراءتنا له، هو موقفنا منه وهو توظيفنا له. ولهذا فالموقف من التراث ليس موقفا من الماضي وإنما هو موقف من الحاضر. توجد عمليات تحقيق علمية لعناصر من التراث؛ إلا انه ما أن يتم الانتقال من عملية التحقيق إلى عملية التقييم والتوظيف حتى ننتقل مباشرة إلى أفق الإيديولوجيا". فالعودة إلى الماضي خديعة، كما يرى العالم لأنه ليس ثمة عودة ورفض الماضي كليا والتبني الأعمى للمشروع الغربي يعني الاغتراب الجماعي وفقدان الذات؛ "أما محاولة التوفيق فتظل محاولة فصامية دون كيشوتية ، والتركيز على المسألة الثقافية وحدها يعني تجاهل حقيقة أن التنوير الفعال لا يمكن أن يتم بغير المواجهة الحازمة لظواهر التخلف والتبعية ومن دون الدعوة إلى تحقيق تغيير جذري". ولاحظ العالم بعدا جديدا للاستقطاب والفرز بين التراث والمعاصرة بعد انتصار الانقلاب الإيراني. فقد أثار الانقلاب انبهار عدد من المثقفين العرب إلى حد جعل بعضهم من طابعها الديني الطريق الذي لا طريق غيره للتحرر والتقدم؛ وتقلص مفهوم التراث مقتصرا على عباءته الدينية وحدها، وصارت إيران إلهاما لبعض الإجابات على واقعنا العربي المأزوم. ويتوضح الموقف المتميز الذي يتبناه العالم من إشكالية العلاقة بين التراث والعصر عند انتقاله إلى معالجة إشكالية الحداثة في الفكر العربي المعاصر. فالمفهوم " مراوغ" في نظر العالم يحمل أكثر من معنى منها الخروج من الظلامية الإقطاعية والجمود الفكري وتتضمن تاليا مضمونا إنسانيا يؤكد إنسانية الإنسان وحريته وفاعليته في دائرة المجتمع والطبيعة." الحداثة المستوردة تظل برانية ؛ ولكي تصبح جوانية لا بد من إحداث تغيير جذري شامل لمختلف البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية". أما الاقتصار على تطبيق الشريعة الإسلامية فيرى العالم أن هذا التوجه يغطي على المضمون الاجتماعي للتخلف والتبعية. ويرجع محمود أمين العالم ظهور التيارات السلفية والجهادية إلى الواقع الاجتماعي والسياسي الجديد الذي نجم عن تكريس التبعية الكاملة للرأسمالية العالمية والأمريكية خاصة، معتبرا انتشار هذه الجماعات تعبيرا عن رفض الأوضاع التي سادت مصر في عقد السبعينات، كما كان مظهرا لتأثير المد الديني الذي أعقب الانقلاب الإيراني. إن الرفض الانفعالي لهذا التيار يتحول إلى نقيضه فيضفي على السلطة السياسية القائمة مصداقية ومشروعية كمصدر للأمن وضمان للاستقرار وإطار للعقلانية والديمقراطية. إن نمو هذه الجماعات لا يعبر عن ظاهرة دينية خالصة بل رد فعل للأوضاع المزرية؛ الأمر الذي يفرض التعامل معها برؤية استراتيجية شاملة في مواجهتها تستند إلى المشاركة الشعبية الديمقراطية وإلى إشاعة القيم العقلانية . وبهذا يفتح باب الحوار المجتمعي على قاعدة احترام الاختلاف والالتزام بالمشروعية والديمقراطية وتداول السلطة ونزع فقه التكفير والإرهاب والاجتهاد في تنمية فقه التحرير والتقدم الاجتماعي والتجدد الفكري العقلاني.
لدى تناوله السياسي المباشر يميز العالم بين التحليل النظري لوضع من الأوضاع وبين الممارسة السياسية لتغيير هذا الوضع. ويفسر عبد الغفار شكر هذا التباين فيقول: " ليس معنى هذا وجود التناقض بين التحليل النظري والممارسة السياسية؛ إنما معناه أن المقاربة السياسة تعني أن يترجم ترجمة عيانية حسية تراعي ما في الواقع الحي من تمايزات وتناقضات مهما كانت رهيفة، لعل الفكر النظري بطابعه التجريدي التعميمي قد أغفلها أو لعل حركة الحياة والممارسة تكشف عنها؛ وفضلا عن هذا فإن الممارسة السياسية والفكر السياسي العملي يستندان، إلى جانب الفكر النظري العام، على عوامل واقعية مثل علاقات القوى المتصارعة ومستوى الوعي والتنظيم إلى غير ذلك (اليسار العربي ، عدد9، يونيو 1979). التناقض حقيقة موضوعية، وهو دينامو التقدم والتطور . يسوق عبد الغفار شكر مثالا مما كتبه العالم في العدد الأول من مجلة " قضايا فكرية" (يوليو 1985) ، حيث صنف نماذج الثقافة في عناصر متناقضة ، لأن الثقافة منحازة بطبيعتها وليست محايدة، وإن بدت كذلك في الظاهر. "إنها معركة صراعية حادة ، وإن تكن خافتة في قلب العملية الاجتماعية ، في معركة صراعية بين رؤيتين ثقافيتين: هناك ثقافة الملاط (الاسمنت) التي تسعى لتوحيد وتنميط المفاهيم والتصورات والقيم تجميدا وتكريسا للأوضاع السائدة المعبرة عن مصالح الطبقة او التحالف الطبقي الحاكم ، إنها ثقافة اصطياد الإنسان ، التي تتخذ أحيانا شكلا جهيرا صارخا شرسا ، في الرقابة على الصحف والكتب والتعابير الفنية ومصادرتها وفصل المثقفين عن أعمالهم واعتقالهم وسجنهم بل تصفيتهم جسديا ؛ وهناك ثقافة التوعية العقلانية والتغيير والتجديد والتثوير التي تسعى لتأسيس رؤية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة هي وعي مناضل متطلع إلى واقع إنساني جديد أكثر حرية وعدالة وإبداعا وإنتاجا وسعادة". ونفس المنهج يستخدمه في مقاربة قضايا الدين ( قضايا فكرية ـ الكتاب الثامن أكتوبر 1989)، حيث يتناول الموضوع بما يتعلق بقضايا الصراع داخل المجتمع. الخلافات في تأويل الدين ، أو لدى تقيم الظاهرات الاجتماعية إنما هو خلاف اجتماعي يتمظهر بشكل ديني من أجل إكساب المصداقية وقوة التأثير. إن إقحام الدين على القضايا الاجتماعي يخنق الجدل، إذ يفرض الرؤية الواحدية ، الرؤية المحملة بقداسة لا تقبل التحاور ولا الرأي الآخر. هنا تتجلى العلاقة النسبية في صور مختلفة من الوعي والممارسات الاجتماعية، خاصة في مجالي السلطة والنظام الاجتماعي. يرى العالم "هناك فارق بين الطابع المطلق الوجداني الذي تتسم به هذه العقيدة، والطابع النسبي العملي الذي تتسم به هذه الممارسات والتجليات. وليس الاختلاف والتنوع والصراع ( داخل العقيدة الدينية الواحدة) إلا تعبيرا عن مشروعات إنسانية ـ اجتماعية مختلفة لتنسيب المطلق تنسيبا اجتماعيا أو للارتفاع بالنسبي الاجتماعي إلى مستوى المطلق بهدف إضفاء الشرعية والقداسة على هذه المشروعات في لحظات تاريخية واحدة أو مختلفة ... وهذا ما جعل الدين الشكل الذي كانت وما زالت تتخذه وتتسلح به العديد من الصراعات السياسية والاجتماعية ذات المظهر الديني التي يحتدم بها عصرنا الراهن". وفي دنيا الأدب والفنون لم ير العالم في الالتزام ما يتناقض مع حرية الإبداع وانطلاقته. رأت أولى المحاولات النقدية للعالم النور بكتاب «في الثقافة المصرية» (1955) الذي أصدره مع عبدالعظيم أنيس، وهو الكتاب الذي أحدث دوياً هائلاً في الأوساط الثقافية والعربية، آنذاك، (كتب مقدمته المفكر اللبناني حسين مروة)، إذ ناقش فيه كاتباه أعمال توفيق الحكيم وطه حسين ونجيب محفوظ وعباس العقاد نقاشاً مجترئاً، وأعلنا فيه أولولية المضمون الاجتماعي على الشكل الجمالي. كانت اللحظة لحظة صراع من اجل الديمقراطية، من اجل نصيب لجماهير المحرومين من ثروة الوطن وثقافته وثمار كدح كادحيه. وقد اعتبر هذا الكتاب، ساعتها بمثابة «بيان الواقعية الاشتراكية» في النقد المصري الحديث. كما أثار الكتاب ثائرة التقليديين والمحافظين وبعض المعتدلين، بل وبعض رفاق الطريق. وأجرى العالم مراجعة نقدية لما تضمنه الكتاب من نظرات ومواقف متزمتة وقطعية. وقيم محمد دكروب ما تضمنته "الأعمال النقدية التي أخذت تصدر للعالم بعد سنوات من مرحلته الأولى تلك، والتي يسجل فيها العالم نفسه عملية انتقال واضحة المعالم ودؤوبة، ومتسلحة بالمعرفة والمتابعة والممارسة ... انتقال من النقد الذي اصطلح على وصفه بالنقد المضموني، الذي يركز اهتمامه الأساس والأول على مضمون العمل وعلاقته بالحركة الاجتماعية السياسية .. ليدخل مرحلة النقد النصي، الذي لا يهمل المضمون، او الدلالة، بل ينظر إليه عبر عمليات البناء الفني للعمل الإبداعي، ومن حيث سريانه في النسيج الداخلي للعمل ، فيدخل الناقد في تحليل مختلف عناصر العمل الأدبي ، من حيث هو بنية ، أو تشكيل من البُنْيات ومن حيث دلالات هذه البنى.." من مراجعات العالم النقدية التي سجلها دكروب ما نقله من كتاباته قوله: " إن القول بالدلالة الموضوعية والاجتماعية للأدب أو الثقافة عامة لا ينفي ذاتيته ولا يحد من إبداعه، ولا يخنق جمالياته. وأن القول بالالتزام ليس أمرا بالإلزام، أو حجرا على الحرية، وإنما هو استبصار بإنسانية الثقافة ووعي بأصالتها الثورية... على أني أدرك أن الصراع حول هذه المفاهيم لن يتوقف أبدا. ذلك أنه يعبر عن صراع أعمق هو الصراع الطبقي الذي تدور أخطر معاركه في مجال الفكر، في مجال الأدب، في مجال الفن، في مجال الثقافة العامة." ويتجلى المشهد حيال القضية الفلسطينية أيضا )قضايا فكرية ـ الكتاب السابع، أكتوبر 1988) بالقول"... الصوت الأقوى يجب أن يكون الصوت العربي أساسا؛ ولا أمل في الحقيقة في توقع ضغط عربي قوي في مداولات هذه التسوية السياسية . فأغلبية البلاد العربية المشاركة او المتوقع مشاركتها في هذه المحاولات متواطئة مع الامبريالية الأمريكية ، وتخشى قيام دولة فلسطينية قوية ، كما تخشى اليوم استمرار وتصاعد الانتفاضة . إن تعجل هذه الدول في حل المشكلة الفلسطينية هذه الأيام هو امتداد لمحاولتها إنهاء الانتفاضة التي يهدد استمرارها وتصاعدها مصداقيتها واستقرار نظمها ". مما لا شك فيه أن دقة الرصد لدى العالم مكنته من تقديم رؤية نبوئية. قراءة الواقع المتعين والبحث عن أجوبة لتساؤلاته لم يكن تقليدا وافدا على الفكر العربي الإسلامي. ولذا فالماركسية التي تمثل منهجها العالم بإبداع وتفوق، ذات جذور عميقة في التراث الفكري، تنتهي عن عقلانية الفلسفة الرشدية وتجريبية العلماء العرب . لم ينظر محمود أمين العالم إلى الماركسية فكرا وافدا . " الماركسية ليست فكرا دخيلا وافدا علينا ، أو مجرد زي عصري مستورد للتباهي الفكري أو المزايدة الثورية؛إنها في الحقيقة امتداد خلاق لأشرف ما في تراثنا العربي الإسلامي من قيم علمية نجد إرهاصاتها الفكرية الأولى عند ابن خلدون وابن القيم وجابر بن حيان وابن رشد وعشرات غيرهم؛ كما نجد إرهاصاتها النضالية الأولى في الكثير من الحركات التقدمية الجماهيرية في تاريخ أمتنا العربية. والماركسية كذلك هي خلاصة فكرية لنضال البشرية كلها من اجل الحرية والرخاء والسعادة.( ماركيوز أو فلسفة الطريق المسدود، دار الآداب ، بيروت 1972).
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية - 2 الجدلية جوهر
...
-
محمود أمين العالم في الحياة الفكرية العربية الحلقة الأولى
-
المجزرة .. كوارث ودروس
-
الجدار واغتيال ياسر
-
الهندسة الوراثية لدولة إسرائيل
-
الأحزاب الصهيونية تتبارز بالدم الفلسطيني
-
بوش والحذاء... سخرية في حفل ساخر
-
فليسعد النطق إن لم يسعد الحال
-
تصعيد المقاومة الشعبية بوجه سعار الاستيطان
-
زيوف أقحمت لتشويه الماركسية
-
ماركسية بلا زيوف 1
-
تحية للحوار المتمدن في عيده السابع
-
وخرج القمر عن مداره
-
أكتوبر و عثرات البناء الاشتراكي
-
أكتوبر في حياة البشرية
-
هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم الحلقة الأخيرة
-
هل يخمد عطر الدين عفونة فساد الحكم-3 .... السيف والكتاب
-
فرقة ناجية واحدة أم اكثر؟
-
هل يذهب عطر الدين عفونة فساد الحكم؟
-
يجدفون وسط دوامة العولمة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|