أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - إشكالية الديمقراطية في سورية















المزيد.....



إشكالية الديمقراطية في سورية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 789 - 2004 / 3 / 30 - 08:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


  سوف تحكم مداخلتي حول "إشكالية الديمقراطية في سورية" المنطلقات المنهجية التالية:
علاقة : الداخل –الخارج.
      نعيش في ظروف عالمية جديدة نوعيا، تتسارع فيها عمليات الدمج الرأسمالي للعالم، بحيث لم تعد العوامل الداخلية في أي بلد، هي التي تقرر في نهاية المطاف ما يجري فيه. فالخارج قد يلعب هذا الدور في حالات وظروف محددة، وهو يلعبه فعلا بأكثر من شكل:
      1-تحديد الاتجاه العام للتغيرات العالمية، بحيث تتسارع عمليات الاندماج في المراكز الرأسمالية وفيما بينها، في حين تبدو بطيئة في البلدان المتخلفة، بل وتبدي مظاهر مخادعة مخالفة أحيانا الاتجاه العام دون أن تخرج عنه.
      2- التحكم بتقسيم العمل الدولي الجديد وتعميق روابط التبعية وتنويعها. في هذا السياق نود التشديد على مسألة في غاية الأهمية تتعلق بصوغ حاجاتنا المحلية وإرغامنا على الركض في سبيل تلبيتها، وفي ذلك يكمن أخطر علاقات التبعية. في المراحل السابقة لما يمكن تسميته بالعولمة، أي مرحلة الرأسمالية التقليدية، كانت الحاجات المحلية هي التي تحرك التفاعل بين الإنسان ومحيطه ( الوسط الصناعي) مما يؤدي إلى تطوير قوى الإنتاج، وإلى إشباع الحاجات، وبالتالي تطوير كامل البناء الاجتماعي. بمعنى آخر كانت القوانين العامة للحراك الاجتماعي تشتغل في الإطار الوطني من حيث الأساس، أما الآن فقد أصبحت تشتغل على المستوى العالمي. لقد أصبحت الحاجة المتولدة في ظروف اجتماعية معينة تبحث عن إشباعها في ظروف اجتماعية أخرى، الأمر الذي يؤدي في ظروف التخلف إلى توجيه غير عقلاني للموارد المحلية نحو الخارج لإشباع هذه الحاجات، سواء عن طريق استيراد السلع الجاهزة، أو عن طريق استيراد عوامل الإنتاج اللازمة لإنتاجها. لقد أصبحت قاعدة "العرض يولد الطلب " هي السائدة عالميا، غير أنها في البلدان الرأسمالية المتقدمة تظل مشروطة بالقوة الشرائية المتاحة، أما في البلدان المتخلفة فإنها تعيد توجيه القوة الشرائية، أي تعيد ترتيب الأولويات بما يستجيب للعرض المقدم. وفي هذا السياق يتم صوغ الوعي العام ومنظومة القيم والأذواق والاستعدادات لتلائم الخيارات الجديدة.
      3- في هذا السياق المتعاظم التخارج تتحدد العلاقة بين الخارج والداخل على الصعيد الفكري أيضا. فأثر الفكر الغربي (مناهج ورؤى) واضحة في كل مناحي تفكيرنا، فهو يلعب دورا كبيرا في صوغ وعينا العام والخاص، ويحدد إلى درجة كبيرة موضوعات تفكيرنا الكبرى والطرائق التي نفكر بها. فعلى سبيل المثال:
      أ-الفكر النهضوي في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان من حيث الأساس استحضاراً لعصر النهضة وعصر التنوير الأوربيين موضوعا ولغة.
      ب-الفكر القومي العربي كان هو الأخر استحضارا للفكر القومي الأوربي.
      ت-الفكر الليبرالي المحلي كان ولا يزال صدى باهتاً للفكر الليبرالي الأوربي.
      ث-الفكر الماركسي المحلي كان استحضارا أيضا للفكر الماركسي الأوربي، فهو صورة متأملة عنه.
     ج-وحتى الفكر الإصلاحي الديني المحلي تأثر كثيرا بالفكر الإصلاحي الديني في أوربا مع الاختلاف في موضوعاته.
     ح-في هذا السياق جاء الانشغال بقضية الديمقراطية وكذلك الانشغال بقضية العولمة ..الخ.
       واللافت للانتباه أن الغرب عموما ( الخارج) غالبا ما يحفزنا على الانشغال بقضايا قد تكون أصبحت من ماضيه، أو مبتدعة خصيصا لخدمة أغراضه في بلداننا. هنا تندرج عشرات النظريات التنموية، أو القارئة للتخلف من موقع الخارج ولمصلحته. ففي الوقت الذي يتصير فيه الغرب الرأسمالي، نحن نتغير فقط. من هذا المنطلق لا يجوز التعامل مع قضية الديمقراطية باستخفاف، أو تسرع، ودون تمحيص.
    إن علاقة الخارج بالداخل هي علاقة موضوعية لا يمكن إلغاؤها، فنحن لا نستطيع العيش خارج العالم، أو نمنع أنفسنا من التأثر به. ويبدو لي أنه في المستقبل المنظور، لا مناص من الاتجاهات العامة للتطور التي تحددها المراكز الرأسمالية المتقدمة. مع ذلك فإنه لوهم كبير أن نتصور بأن الشكل الذي يأخذه التطور الحالي قد تحدد بصورة نهائية وانتهى الأمر، وأن العلاقات بين المراكز الرأسمالية متناغمة، وإن التوازن الدولي الراهن دائم ومستقر، وإن التطور الداخلي للبلدان الرأسمالية المتقدمة يجري بصورة سلسة، ولا مجال للمفاجآت. وحتى في السياقات المرئية للتغيرات العالمية، مع كل ما تبديه من تحديد ووضوح، لم تعدم الخيارات، سواء في مجال حاجاتنا وكيفية التعاطي معها وإشباعها، أو في مجال علاقاتنا الخارجية وأثرها على تطورنا المحلي، وبين اختيار وآخر قد توجد فروقات جوهرية. في الحد الأدنى نحن نفرق بين تبعية تقوم على الاستهلاك، وتبعية تقوم على الإنتاج، عداك عن أن خيار التطور الوطني الذي يشارك في عمليات الاندماج العالمية على أساس التكيف المتبادل هو احتمال ممكن .
 
العلاقة بين الوطنية- والديمقراطية.
      إن المعيار الحاسم في تحديد العلاقة بين الخارج والداخل، هو المصلحة الوطنية والقومية. من هذا المنظار فإن أي عامل خارجي يفيد في تطوير الوطن( وليس إعادة تكييفه فقط)، هو بمثابة العامل الداخلي. في ضوء ذلك نحن نرفض منطق اللاإنتماء ونؤيد منطق التفاعل مع الخارج على قاعدة المصلحة الوطنية، ومبدأ التكيف المتبادل. في هذا السياق نرى أن الديمقراطية هي قضية وطنية بامتياز. وإن العلاقة بين الميول الوطنية والديمقراطية هي علاقة تشارطية في الاتجاهين. فكما أن الوطنية الصحيحة تستدعي الديمقراطية، كذلك الديمقراطية ضرورية لإبراز الميول الوطنية، وخلق المناخ المناسب لتصيرها السليم. وفي مجمل الأحوال فإن الموقف من الديمقراطية في ظروف التخلف تتحدد في ضوء بقاء الوطن والدولة، فلا معنى للديمقراطية إذا ضاع الوطن وانهارت الدولة.
     تجدر الإشارة إلى أن الوطنية ممكنة بلا ديمقراطية، كما أن الديمقراطية لا تُعنى دائما وبالضرورة بمصالح الوطن، وفي كلتا الحالتين يصل الوضع الداخلي إلى طريق مسدود. فالاختلاف الكبير في مصالح القوى الاجتماعية المحلية ودور الخارج في تحديد خيارات التطور، أو التكيف الوطني، قد تجعل الديمقراطية مجرد غطاء لتحقيق مصالحه فقط. نحن، بالطبع، لسنا أمام خيار وحيد إما هذه وإما تلك، فثمة في الواقع خيارات أخرى ممكنة تشترط فيها الوطنية الحقة الديمقراطية كما تشترط الديمقراطية الوطنية أيضاً.
الصراع الطبقي – والديمقراطية.
      ننطلق هنا من بديهية مفادها أن النظر إلى الوطن، ومصالحه، واتجاهات تطوره، يمر دائما عبر موشور المصالح الطبقية. من هذه الزاوية فإن جميع وجهات النظر الممكنة اجتماعيا وطبقيا تعتبر مشروعة تاريخيا، دون أن يعني ذلك ضرورتها. لذلك فإن الخيار الديمقراطي الذي نحاول التنظير له يقر بمشروعية اختلاف الرؤى الديمقراطية لدى مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، بل وضرورته. فالمنطلق الطبقي يشكل منطلقاً أساسياً في تكوين رؤانا النظرية والسياسية وبالتالي فهو مبدأ معطى في معالجتنا لإشكالية الديمقراطية .
المفهوم – والموضوع .
       إن أي مفهوم نظري يشير دائماً إلى موضوع معين، أو يحاول إنتاج موضوع جديد. ونظراً لأن الموضوع يتحدد دائماً بالشروط والظروف التاريخية التي تحكم صيرورته، فلا يصح والحال هذه استخدام أي مفهوم مهما كان نوعه ومجاله، إلا بالدلالة المحددة له بموضوعه. فإذا تغير الموضوع تغير المفهوم، أو تكيف بالشكل الذي يستوعب الموضوع الجديد، أو الموضوع المشروع .
 
التجريد – الواقع .
       إن التجربة الإنسانية في سياقها التاريخي الطويل قد جردت الكثير من الصيرورات الواقعية، ونقلتها إلى مجال المثل والقيم العامة مثال:الحرية، العدالة، الديمقراطية،   الشرعية..الخ لذلك عندما نتعامل معها يجب دفعها إلى حدها الأقصى الواقعي، بغض النظر عن مَنْ أنتجها أو دفعها إلى حدود التجريد، بل وبغض النظر عن ظروف صيرورتها التاريخية. فمن غير الجائز، بل ومن غير المبرر علميا، أن نرفض مثلا: مقولة حقوق الإنسان أو مقولة الديموقراطية، أو مقولة الحرية ..الخ، لأن القوى الإمبريالية تحاول نمذجتها بما يخدم مصالحها، أو لأنها محمولة على وسائل الإعلام الإمبريالية .
 
المناقشة
       سوف نعالج إشكالية الديمقراطية في سورية في ثلاث مستويات: في المستوى الأول سوف نعالج ما يمكن تسميته بالمبادئ العامة للديمقراطية. وفي المستوى الثاني سوف ننظر إلى هذه المبادئ من زاوية الظروف التاريخية السائدة في سورية. وفي المستوى الثالث سوف نعالج الجانب الشكلي (القانوني والتنظيمي) للديمقراطية الممكنة. لكن قبل ذلك لا بد من تحديد ما نفهمه من مصطلح الديمقراطية.
1-مفهوم "الديمقراطية".
      يزخر الأدب الاجتماعي والسياسي بالتنظير لمفهوم "الديمقراطية"، وهو بصورة عامة، يتمحور حول مسألة السلطة، وعلاقات السيطرة، وكيفية إدارتها والتحكم بها. إن القول بأن الديمقراطية تعني أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، أو هي حكم الشعب بالشعب، هو قول يترجم المصطلح ولا يعرف به. ودون أن ننزلق إلى تتبع السيرورة التاريخية لمفهوم "الديمقراطية"، نحدد مباشرة حمولته المعرفية كما تبدو لنا في الوقت الراهن، بأنها "الأوالية العامة لظهور التناقضات الاجتماعية الضرورية، وصراعها، وحلها بالوسائل السلمية القانونية".الديمقراطية بناء على ذلك ليست "لعبة"، بل نمط حياة. وعندما نؤكد على التناقضات الاجتماعية الضرورية وليس على التناقضات بصورة عامة، فلأن الديمقراطية في منطقها الداخلي كما ظهر تاريخيا،  كانت تتضمن دائما عناصر غبر ديمقراطية تظهر في العادة من خلال الممارسة الديمقراطية، أي من خلال الإخراج القانوني والتنظيمي للديمقراطية. وفي حالات ليست قليلة استخدم الإخراج القانوني والتنظيمي للديمقراطية  كوسيلة لقمع التناقضات الضرورية أيضاً.
 
 
2- المبادئ العامة للديمقراطية.
     ثمة العديد من الصيرورات الاجتماعية، أو الفكرية تحولت مع الزمن إلى تجريدات (مثل) تدخل مع الديمقراطية بعلاقات ضرورية، بمعنى أن الديمقراطية لا تكون إلا بها. مثال على ذلك : الديمقراطية والحرية، الديمقراطية والتعددية ، الديمقراطية وسيادة القانون، الديمقراطية وتبادل السلطة، الديمقراطية وفصل السلطات، الديمقراطية والدولة، الديمقراطية والمجتمع المدني،..الخ .
      يمكن ذكر العديد من هذه الثنائيات المفهومية التي تدخل معها الديمقراطية بعلاقات ضرورية تتحدد بها.
      إن القيمة الحقيقية لهذه المبادئ-المثل هي في شكل وجودها الواقعي في ظروف تاريخية محددة، وليس في القياس إليها في وضعيات تاريخية مميزة، أو في تعميمها. ومع أنها تبدو نظريا حقوقا طبيعية للإنسان، وهي بصفتها مبادئ تبدو مقبولة بصورة عامة، إلا أنها قد تبدو مختلفة تماما، إذا نظرنا إليها من خلال الظروف التاريخية السائدة في مجتمع معين.
3-الديمقراطية الممكنة في الظروف السائدة في سورية.
3-1 مدخل
        إن المتتبع لسيرورة الديمقراطية تاريخيا سرعان ما يكتشف اغتناءها المستمر بمحددات جديدة، تغير من الدلالة الاصطلاحية لمفهومها. لذلك لا يصح الحديث عن الديمقراطية بشكل عام، بل عن الديمقراطية التاريخية،أي عن الديمقراطية بمحدداتها التاريخية الزمانية والمكانية، وكيفية تصيرها، كأن نقول الديمقراطية الإغريقية، أو الديمقراطية الرومانية القديمة، أو الديمقراطية في إنكلترا في بداية القرن العشرين، أو الديمقراطية في سورية خلال الخمسينات من القرن العشرين..الخ. بكلام آخر إن موضوع الديمقراطية هو موضوع تاريخي متغير، يختلف باختلاف الشروط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السائدة في هذا البلد أو ذاك، في هذه المرحلة أو تلك من مراحل تطور البلد الواحد، ويختلف من منظار هذه الطبقة الاجتماعية أو تلك..الخ. فالديموقراطية الإغريقية على سبيل المثال كانت مقتصرة على طبقة الأحرار التي كانت تمثل نحو 12% من عدد السكان فقط. الديمقراطية في إنكلترا وفي فرنسا في القرن التاسع عشر كانت تقيد حق الانتخاب والترشيح بامتلاك ثروة معينة. ثم أن حق المرأة في المشاركة في الانتخابات لم يعترف به في العديد من الدول الأوربية إلا في بداية القرن العشرين. بل لا تزال مساواة المرأة بالرجل غير محسومة في بلد مثل سويسرا!.
      باختصار الديمقراطية البرجوازية كانت ولا تزال تتضمن عناصر غير ديمقراطية، تكون سافرة أحيانا على شكل حرمان هذه الفئة الاجتماعية أو تلك من حقوقها الديمقراطية بقوة القانون، وأحيانا أخرى تستر تحت غطاء من الممارسات الديمقراطية التي يحددها القانون الانتخابي. مع تطور المجتمع البرجوازي كانت تتراجع الأشكال السافرة للقمع والتحديد في الممارسات الديمقراطية لصالح الأشكال غير السافرة ./انظر كتاب((المتلاعبون بالعقول )) تأليف هر برت شيلر، ترجمة عبد السلام رضوان ،عالم المعرفة ،الكويت /.
      في هذا المجال يلعب الإعلام، وجميع وسائل الاتصال الجماهيري، دورا حاسما في صوغ الوعي العام، مما يحد من خياراته الديمقراطية. أضف إلى ذلك فإن القانون الانتخابي بحد ذاته يتضمن قوة قمعية، أو عناصر تحديدية كبيرة قد تتمثل في توزيع الدوائر الانتخابية، بحيث يحتاج مرشح معين إلى أضعاف ما يحتاجه مرشح أخر من الأصوات كي يفوز ./  انظر كتاب الديمقراطية في فرنسا لجورج مارشيه /. وقد يتوسع نطاق التحديد بحيث يوضع المواطنون أمام خيار وحيد، كما يحصل في نظام الانتخاب السياسي المباشر، حيث تعتبر البلد دائرة انتخابية واحدة، يجري التصويت فيها لصالح القوائم الحزبية. في هذا النظام الانتخابي، مَنْ لا ينتمي إلى قائمة حزبية لا يستطيع الترشيح، والوصول إلى البرلمان، ومن ثم إلى السلطة السياسية. من الناحية الشكلية كل مواطن له الحق في الانتخاب لكن ليس له الحق بالترشيح، وأن يكون منتخباً.
       في ظروف التخلف،عموما، وفي ظروف المنطقة العربية خصوصا، لا تزال الديمقراطية حلما يراود القلة، لأن المشكلة هنا أكثر تعقيداً. فتاريخنا القديم والحديث هو تاريخ الدولة المركزية الشمولية. في الماضي ربما كان وجود الدولة المركزية القوية يستجيب لمنطق التاريخ في تلك المرحلة، كما كان الحال في حضارات المدن القديمة، أو في مرحلة صعود الحضارة العربية الإسلامية. ومع أن بناء الدولة القوية في ظروفنا الراهنة لا يزال قضية جوهرية في السياسة والاقتصاد كما في المجال العسكري والأمني أيضا، غير أن تحقيق ذلك لا يتطلب أبدا أن تكون دولة شمولية، تغيب المجتمع وتحد من حقوق المواطن .
      إن النظر إلى الديمقراطية من زاوية علاقاتها مع مختلف مكونات البناء الاجتماعي يرى أنها لا تزال تتحدد سلباً، وذلك لأن مصالح مختلف الفئات الاجتماعية لا تعبر إلى وعيها، ولا تتجسد في سلوكها، إلا من خلال العائلة، أو العشيرة، أو القبيلة، أو القوم،أو الإقليم، أو التبعية..الخ. بكلام آخر، إن نمو الرأسمالية في بلداننا لم يؤد إلى صهر البنية الاجتماعية على قاعدة وطنية، فبقيت البنى، والانتماءات التي تحكمها العلاقات الشخصانية هي السائدة في المجتمع، تلعب فيه دوراً تفتيتياً، على الضد من مصلحة رأس المال، وعلى الضد من المصلحة الوطنية.
      إن الرأسمالية في منطقها الداخلي تتطلب موضوعيا وجود حد معين، وشكل معين من الديمقراطية، مع ذلك قد تلجأ إلى كل الأشكال الاستثنائية للدولة، والسلطة في حال كان مصير رأس المال في خطر. بطبيعة الحال الاستثناء لا يغير من حقيقة أن الرأسمالية تتطلب موضوعيا الديمقراطية، مع كل ما تبديه في ظروف العولمة من ميول معاكسة .
       لقد ضيق الاتجاه الدولي الجديد، وعمليات الاندماج الجارية عالميا الخناق على الدكتاتوريات، وسوف يحد من احتمال تجددها في المستقبل، كل ذلك ساعد على تقدم قضية الديمقراطية في جدول الأعمال للحركة الثقافية والسياسية والاجتماعية في منطقتنا العربية، وبدأنا نشاهد بعض مظاهر التفاعل المحلي معها بدرجات تختلف من بلد عربي إلى آخر. وإن الذرائع التي كانت تسوقها الأنظمة الحاكمة (بل والعديد من القوى الاجتماعية والثقافية الأخرى) حول تخلف البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية القائمة، وعدم ملاءمتها للديمقراطية  أخذت تسقط الواحدة تلوى الأخرى، وأصبح المطلب الديمقراطي في رأس قائمة مطالب الحركات الاجتماعية والسياسية والثقافية، مع الاعتراف بأنه لا يزال مطلبا نخبويا. فكما أنه لا يمكن تعلم السباحة قبل النزول في الماء، فإنه لا يمكن تعلم الديمقراطية دون ممارستها.
       إن المتتبع لسيرورة الديمقراطية كما ظهرت تاريخيا في فكر وممارسة البرجوازية الأوربية (الغربية)، يلاحظ أنها لم تكن واحدة، لا في الفكر النظري، ولا في الممارسة العملية. في ضوء ذلك نرى أن الاجتهاد في مجال الديمقراطية سواء من الناحية النظرية، أو العملية أمر مشروع تماما، بل ضروري ومطلوب. ويلح على ذلك الشروط التاريخية لتصير مجتمعاتنا، التي تتطلب رؤية جديدة للديمقراطية، تكون في مصلحة تطور مجتمعاتنا، تساعدها في تحقيق قضاياها الوطنية والقومية، والمساهمة في عمليات الاندماج العالمية على هذا الأساس.
      في ظروف تطور الرأسمالية الأوربية تكفلت حركة رأس المال بصهر البنية الاجتماعية، وإعادة تشكيلها على أساس وطني. المصلحة الاقتصادية هنا لعبت  الدور الحاسم في إزاحة البنى الاجتماعية الإقطاعية والطائفية والقبلية والاقوامية من دائرة التأثير المباشر في السياسة، وفي الاجتماع، وفي الاقتصاد..الخ.
      أما في بعض الدول التي نشأت أصلا على أسس عنصرية فلم يكن بإمكانها سوى أن تلجأ إلى نموذج ديمقراطي ضيق جداً حفاظا على وجودها، هذا ما كان حاصلاً في جمهورية جنوب أفريقيا العنصرية. لقد حرمت الأقلية البيضاء أغلبية الشعب من حقوقه الديمقراطية، ومن حقه الطبيعي في بناء دولته الوطنية، وشكل هذا الحرمان عامل توحيد لكل من الأقلية البيضاء، وكذلك للأغلبية السوداء خلال مراحل الصراع بينهما.
      وفي الكيان الصهيوني، الذي قام أصلا على أساس اقتلاع شعب بكامله من أرضه لم يكن الخيار الديمقراطي، كافيا للحفاظ على الكيان الصهيوني نظرا للطابع التركيبي لبنيته الاجتماعية. وقد وعى الفكر الصهيوني في وقت مبكر هذا الخطر الكامن في تكوين بنيته الاجتماعية، على الرغم من أن الشعور بالخطر الخارجي قلل، بلا شك، من تأثيره على وحدة وتماسك البناء الاجتماعي الصهيوني. لذلك كان لا بد من اختيار نموذج ديمقراطي خاص يساعد في صهر البنية المجتمعية الصهيونية، فتم اختيار الديمقراطية السياسية النسبية .
     في هذا النموذج الديمقراطي اعتبر البلد دائرة انتخابية واحدة يجري التصويت فيها لصالح القوائم الانتخابية الحزبية، في ضوء البرامج التي تعلنها الأحزاب السياسية. بهذا الشكل فقدت التجمعات اليهودية أهميتها السياسية. فاليهودي القادم من بلد معين كان سوف يصوت،في الغالب الأعم، لابن جاليته في حال جرت الانتخابات في دوائر انتخابية صغيرة، نظرا للروابط القوية التي تربطه به. بالطبع يمكن لبعض الجاليات الكبيرة أن تشكل أحزابها الخاصة، وأن تدخل الانتخابات بقوائمها المستقلة، كما يحصل مثلا للجالية اليهودية الروسية، التي أصبحت تشكل نحو ربع عدد سكان الكيان الصهيوني، لكن ذلك يظل حالة خاصة.
      بهذا الشكل استخدمت الديمقراطية بشكل واع لتسريع عملية انصهار ودمج البنى الاجتماعية للكيان الصهيوني.
      من جهة أخرى، إذا نظرنا إلى لبنان البلد العربي الوحيد، الذي اختار الديمقراطية منذ الاستقلال، ولا يستطيع ممارسة حياته السياسية بدونها، فسوف نرى حالة مختلفة تماما. فالدولة الطائفية هنا، وما يطابقها من نظام سياسي ديمقراطي، حافظت على البنية الاجتماعية منقسمة ومفتتة، تحول دون اتصال المواطن بوطنه، إلا عبر التكوينات الطائفية والمذهبية والولاء للزعامات الإقطاعية السياسية المحلية.
      نخلص من الاستعراض السابق إلى القول: بأن الخيار الديمقراطي ضروري لبلداننا العربية، وهو الخيار، الذي يساعد على صهر البنية الاجتماعية، ويزيل كل التوسطات، من طائفية أو عشائرية أو جهوية ..الخ، من طريق علاقة المواطن بوطنه،خصوصا، في الحقل السياسي. أضف إلى ذلك لابد أن تساعد الديمقراطية المنشودة في إعادة هيكلة البناء الاجتماعي، بحيث يضعف تأثير أشكال الوجود الاجتماعي، التي تقسم البنية الاجتماعية شاقوليا، لصالح تعزيز أشكال الوجود الاجتماعي، التي تقسم البناء الاجتماعي أفقيا، وأن تتحول الطبقات، والفئات الاجتماعية، والأحزاب السياسية، إلى عامل توحيد وتماسك للمجتمع. بكلام أخر؛ إن القضية الجوهرية في الديمقراطية تتمثل في ضرورة الجمع العضوي الوظيفي بين الديمقراطية في المجال السياسي، والديمقراطية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للحياة الاجتماعية. فالأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للديمقراطية تشكل كلا لا يتجزأ، وبصفتها هذه يجب خلق الظروف التي تسمح لها بالتعبير عن نفسها في مختلف مستويات بناء الدولة والسلطة والمجتمع. وباعتبار أن هذه الأسس تتغير من جراء التطور، فإن شكل الديمقراطية يتغير أيضا. نكثف فنقول أن الديمقراطية التي ننشدها لا بد أن تكون واسعة جداً، تسمح لمختلف التناقضات الاجتماعية الضرورية(الضرورية بالقياس إلى منطق التاريخ في هذه المرحلة)، بالتعبير عن نفسها بحرية في مختلف مستويات السلطة وخصوصا في الهيئات التشريعية.
3-2- منطق التاريخ في المرحلة الراهنة من تطور سورية.
      نفهم من قولنا " منطق التاريخ في المرحلة الراهنة ": مجموع العوامل والقوى والمؤثرات الفاعلة في الداخل الوطني التي تسمح بإنجاز مهام معينة على طريق التقدم الاجتماعي. نحن إذا في مواجهة مركب معقد من العوامل والقوى والمؤثرات التي سوف تلقي بظلالها على إشكالية الديمقراطية وتحددها. بالطبع لا يتسع المجال هنا لتفصيل القول فيها جميعها، لذلك سوف نكتفي بالإشارة الموجزة إلى بعضها. لكن قبل ذلك لنقل بضع كلمات حول طبيعة المرحلة منظورا إليها من زاوية الأهداف أو المهام التي تطرحها في جدول الأعمال.
       إن المهمة الرئيسية التي تواجهنا في المرحلة الراهنة تتمثل في إنجاز الاستقلال (الإنماء) الوطني بالمعنى التاريخي من خلال التفاعل بل الاندماج، على الصعيد العربي والإقليمي والعالمي. ويتحدد طابع هذه المهمة في أنه رأسمالي وطني يقاس مدى إنجازها بمستوى تطور قوى الإنتاج المحلية، وتعميم العقلانية الاقتصادية، وسرعة التكامل العربي، واستقلال القرار السياسي، والحريات العامة للمواطنين..الخ. مهمة بهذا الحجم سوف تطرح التساؤلات التالية :
1-الكتلة التاريخية :
      الكتلة التاريخية التي سوف تنجز هذه المهمة تشمل أوسع الفئات الاجتماعية من عمال وفلاحين ومثقفين وبرجوازية صغيرة وبرجوازية وطنية
2-زمن إنجاز هذه المهمة :
      سوف يستغرق زمنا طويلا قد يصل إلى عقود من السنين .
3-طبيعة المرحلة والعلاقات مع الخارج :
       في جوهر العلاقة مع الخارج تكمن ضرورات التنمية الاقتصادية, لذلك يمكن استيعاب الأثر الخارجي على هذا الصعيد عبر تنمية رأس المال الخاص بالحدود التي تفيد الوطن، وتخدم تطوره. يمكن الاستفادة أيضا من كل ما هو إيجابي في السياسة، أو الثقافة، أو العلم، أو الاقتصاد، عبر الانخراط الفعال في تقسيم العمل الدولي الجديد .
4-طبيعة المرحلة والعلاقات المتبادلة بين البلدان العربية..
       إن العلاقات بين الدول العربية معقدة جدا، لكنها في  الوقت نفسه ضرورية، تظهر نتائجها السلبية، أو الإيجابية في جميع الأقطار العربية بدرجات مختلفة. في هذا الصدد يمكن التأكيد على أن منطق التاريخ في أي بلد عربي يشكل جزءا بنيويا من منطق التاريخ في الوطن العربي عموما، لذلك فإن التعامل الصحيح مع المهمات الداخلية في كل قطر يحفز إلى حد كبير إنجاز المهام المماثلة في الأقطار الأخرى، والعكس صحيح أيضا .
5- طبيعة المرحلة والفئات والطبقات الاجتماعية .
  بصورة عامة يتألف الحلف الطبقي المسيطر من الفئات والطبقات الاجتماعية التالية:
                        1-البرجوازية البيروقراطية
                       2-البرجوازية الطفيلية
                            3- البرجوازية الكمبرادوريه
                       4- البرجوازية التقليدية .
        الفئات الثلاث الأولى تعادي الديمقراطية بحكم طبيعتها، أما الفئة الرابعة فهي تؤيد الديمقراطية، لكنها بحكم وضعها في الحلف الطبقي المسيطر ضعف حسها الكفاحي في سبيل الديمقراطية .
        على صعيد الطبقات الشعبية يمكن رصد ما يلي :
  أ-العمال ؛ وهم موزعون على قطاعات الاقتصاد المختلفة ويتميزون بسمات اجتماعية عامة أبرزها :
              1- ضعف الروابط الطبقية .
              2- عدم القطع مع أصولها الفلاحية .
              3- مزاولة أكثر من عمل .
              4- تخلف الوعي الطبقي والحضور الكثيف للوعي التقليدي لديها.
ب-الفلاحون؛ وهم فئات مختلفة تجمعهم سمات عامة مشتركة نذكر منها :
     1-انغلاق البنية المجتمعية الريفية وتخلفها وانتشار التقاليد والأعراف في صفوفها.
     2- بطئ نمو وانتشار العلاقات الرأسمالية في الريف مع ما يرافقها من قيم وسلوك .
     3-الحذر الشديد في الانفتاح على معطيات الحضارة، والحضور الفاعل لأشكال الوجود الاجتماعي التقليدي من عائليه، وعشائرية، و طائفية ..الخ.  
ت-المثقفون؛ وهم أكثر الفئات الاجتماعية نشاطا، وفعالية على الصعيد السياسي مع أنهم متعددون في ولائهم، وهذه حالة إيجابية وضرورية. غير أن ما يؤخذ على أغلبيتهم عادة ميلهم الشديد إلى ثقافة السلطة، والدوران في فلكها. القلة منهم تنخرط في ثقافة التغيير، والتجديد السياسي، وتناضل في سبيل الديمقراطية.
ث-الطلاب؛ وهم أكثر الفئات الاجتماعية ديناميكية، وحساسية، أخذ يتزايد دورهم المستقل أكثر فأكثر. في العديد من البلدان يلعب الطلاب دور المفجر للأحداث الكبيرة، خصوصا في المجال السياسي، وإن معدل مشاركة الطلاب في العمل السياسي هو من أعلى المعدلات بالقياس إلى الفئات والطبقات الاجتماعية الأخرى .
6- المرحلة الراهنة والأحزاب السياسية :
       من الواضح أن ظروف التطور الحضاري العام على أعتاب القرن الواحد والعشرين جعلت الحياة لا تستقيم، إلا من خلال وجود أشكال معينة للوجود الإنساني، نذكر منها الشكل السياسي. فالأحزاب السياسية المعاصرة هي شكل من أشكال الوجود الاجتماعي الضرورية، لذلك ليس منطقياُ إحالتها إلى مرجعية طبقية ضيقة. فالحزب السياسي قد يدخل في علاقة تمثيل مع أية طبقة من طبقات المجتمع، أو بعلاقات ترابط و تمفصل متحركة .
       الحزب السياسي، مثله مثل الطبقة، هو وجود موضوعي، وعلى هذا الأساس تقوم علاقات بينه وبين مختلف أشكال الوجود الاجتماعي في إطار البنية الاجتماعية، و إن هذه العلاقات سالكة دائماً بالاتجاهين. لذلك يتوجب على الحزب السياسي، أن يتوجه  بخطابه إلى مجموع الكتلة التاريخية، التي تقوم بإنجاز المهام التي يطرحها منطق التاريخ في هذه المرحلة، وأن يبني ذاته من خلالها. البرنامج السياسي المشترك هو العامل الحاسم في وجود الحزب وليس عقيدة الأيدولوجيا،التي يمكن أن يكون لها أهمية من الدرجة الثانية. هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تقوم أحزاب سياسية على أساس إيديولوجي عقائدي، لكنها في هذه الحالة سوف تكون عرضة للجمود و التهميش السريع .
7-الديمقراطية ومنطق التاريخ في المرحلة الراهنة .
     توخينا عن عمد أن لا ننظر إلى الديمقراطية من زاوية منطق التاريخ في المرحلة الراهنة كما حددناه سابقا، بل أن ننظر إليه (أي إلى منطق التاريخ ) من زاوية الديمقراطية. لقد لاحظنا أن بين الديمقراطية و جميع العوامل والقوى والمؤثرات في الساحة الداخلية توجد علاقات مباشرة، تتحد بها سلبا. ربما يستثنى من ذلك علاقة الديمقراطية بالاتجاه العالمي الجديد (العامل الخارجي ) الذي سوف نبدأ به مع عكس العلاقة بينهما .
أ- الاتجاه الدولي الجديد –والديمقراطية .
       نتيجة للتغيرات التي جرت على الصعيد العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين و أوائل القرن الواحد والعشرين، دخلت المنظومة الرأسمالية في وضعية جديدة نوعيا لم تستقر بعد، لكنها أخذت ترسم ملامح اتجاه جديد في التطور العالمي. ما يهمنا منه الميل إلى التركيز على شرعة حقوق الإنسان، وسيادة القانون في العلاقات الدولية، وتغليب منطق الحوار بغض النظر عن كيفية استخدامه من هذا الطرف أو ذاك، مما يحرض في المحصلة على الديمقراطية، ويخلق فعلا إيجابيا يسرع من عملية انتشارها على الصعيد العالمي، وعلى صعيد منطقتنا العربية، يجب الاستفادة القصوى منه، بما يتلاءم مع ظروفنا الداخلية. التحدي الديمقراطي هو تحد حقيقي، وهو يفرض نفسه موضوعيا على الصعيد العالمي. وإن علاقة الاتجاه الدولي الجديد مع الديمقراطية هي علاقة إيجابية، بصورة عامة، فهو يستدعيها، في حين إن علاقته مع الدكتاتورية أصبحت علاقة "سلبية"، فهو ينفيها.
ب-الديمقراطية والوضع العربي.
       إن العلاقات المتبادلة بين الدول العربية متعددة الجوانب وخصوصا في المجال التاريخي والثقافي. في إطار هذه العلاقات تتبادل الدول العربية التأثر والتأثير، لذلك فإن تقدم الديمقراطية في أي بلد عربي يساعد على تقدمها في بلد أخر. إن إدراك هذه الحقيقة يضاعف من مسؤولياتنا في إنضاج مشروع ديمقراطي يمتلك أكبر قوة تحفيزية على الديمقراطية في البلدان العربية الأخرى.
ت- الديمقراطية والفئات الاجتماعية والطبقية. إن عقودا طويلة من ممارسة القمع، والديماغوجيا، وتعميم العلاقات الشخصانية في ظل استراتيجيات تنموية استهلاكية، عززت علاقات التبعية مع الخارج وعمقت اغتراب المواطن عن وطنه..الخ، وقضت في المحصلة على مبادرات الجماهير وعممت سلبيتها.
      إن شدة القمع واستمراريته، وتزييف إرادة الجماهير، وتحويل تنظيماتها إلى أجهزة توصيل ديماغوجي، وأدوات للسيطرة، كل ذلك زرع في نفس كل مواطن رقيبا أمنياً يشل حركته، ويمنعه من المبادرة، والتفاعل البناء مع القضايا الوطنية والقومية، وحتى مع القضايا المطلبية.
      في مرحلة الاستعمار الغربي، وخلال الخمسينات كانت الروح الوطنية عالية ومتيقظة، وكان للحرية الفردية طعم مستساغ، وكانت المنظمات المدنية فاعلة، وكان للقانون هيبة، وبالتالي لم يكن للمرجعيات الطائفية والعشائرية والعائلية والجهوية، دور يذكر في الحقل السياسي. غير أنه في العقود التالية وبسبب ضغط الدولة على المجتمع، وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والقضاء على الحريات، وتخريب القضاء، وتعميم الديماغوجيا، أنعش موضوعيا الأطر العائلية والطائفية والمذهبية والعشائرية والجهوية، باعتبارها ملاذا للمواطن، يؤكد من خلالها شخصيته، ويحقق أمنه. إن سياسة الإفساد، وتعميم الفساد كأسلوب في إدارة وضبط المجتمع، بالإضافة إلى تعميم العلاقات الشخصانية، وتفعيل الطائفية والمذهبية والعشائرية وغيرها من البنى الاجتماعية ذات الطابع التفتيتي في الحقل السياسي، كل ذلك خرب شخصية المواطن إلى حد بعيد، وجعلت الكثيرين من أبناء الوطن يحنون إلى مرحلة الاستعمار الغربي.
      لقد بينت نتائج استبيان أجريناه على عينة تقريبية تضم أفراداً من مختلف فئات وطبقات المجتمع بقصد الكشف عن محددات سلوكها خلال ممارسة الاختيار الديمقراطي لممثليها فحصلنا على النتيجة التقريبية التالية، مع بقاء الشروط الأخرى واحدة:
      بالنسبة للفلاحين جاء الترتيب التالي نموذجيا:1-العائلية 2-العشائرية         3- المذهبية 4- الطائفية 5- الجهوية. في حين يغيب تماما المحدد الطبقي والوطني.
      بالنسبة للطبقة العاملة غاب المحدد العشائري، لصالح المحدد الطائفي، وضعف تأثير المحدد الطبقي والوطني. بصورة عامة الطبقة الفلاحية والطبقة العاملة تنيب عنها من يمثلها من خارجها.
      بالنسبة للبرجوازية، فإن الشرائح البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية، منها تقاوم أي خيار ديمقراطي، لأن المناخ الطبيعي الذي يلائمها هو مناخ اللاقانون والفساد، لذلك بين الديمقراطية وهذه الفئات الاجتماعية علاقة نفي متبادل.
      أما بالنسبة للبرجوازية التقليدية فإن اصطفاف المحددات السابقة يتغير بحيث يتقدم المحدد الطبقي،أو الوطني، ويضعف تأثير بقية المحددات. من الناحية الموضوعية والذاتية تعتبر البرجوازية التقليدية  أكثر الفئات الاجتماعية نضجا من الناحية الطبقية والوطنية، غير أنها لا تزال مترددة في طرح خيارها الديمقراطي المستقل.
      و بالنسبة للمثقفين والطلاب فقد تتقدم المحدد الوطني، ومن ثم الطبقي وضعف تأثير بقية المحددات .
      إن البحث في هذه الوضعية الاجتماعية قادنا إلى الاستنتاج التالي :تتحدد الديمقراطية سلبا لدى مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية  بدرجات مختلفة، لذلك نحن بحاجة ماسة للديمقراطية لتغير هذه الوضعية ودفعها في الاتجاه الإيجابي  هذا من جهة، ومن جهة ثانية إن الميول النافية للديمقراطية في المجتمع تجعل احتمال الارتداد عنها قائماً باستمرار. مع ذلك يمكن تحفيز التفاعل الإيجابي مع قضية الديمقراطية، وإعاقة احتمال الارتداد عنها، بقدر ما يكون النموذج الديمقراطي المعتمد واسعا يسمح بأوسع تمثيل شعبي .
ث-الديمقراطية والأحزاب السياسية .
      لا نريد التفصيل في هذه الجانب، على الرغم من أهميته بالنسبة للقضية المطروحة لأننا من أهل البيت "أهل مكة أدرى بشعابها"، وبالتالي ندرك جيدا طبيعة الحياة الداخلية في الأحزاب السياسية القائمة، وطبيعة توجهاتها البرنامجية. باختصار لا توجد في سورية أحزاب سياسية ديمقراطية فعلاً، ويبدو أن طرح القضية الديمقراطية قد فاجأها وأربكها لذلك لا نستطيع الاطمئنان إلى جدية تعاملها مع القضية الديمقراطية. مهما يكن من أمر فإن فرصتها التاريخية في مطلع القرن الواحد والعشرين تتمثل في أن تتحول بنيتاً وعلاقات وتوجهات إلى أحزاب ديمقراطية فعلاً، أو تواجه مصيرها المحتوم بالتجاوز .
       وبصدد الحديث عن الأحزاب السياسية نود الإشارة إلى أن ثمة خطراً على الديمقراطية، قضية ومشروعا، في سورية، وفي مجمل المنطقة العربية، يتمثل في التيارات السياسية الدينية السلفية. ومع أن البحث في أسباب هذا الخطر والتحديات التي يطرحها يخرج عن نطاق هذه الدراسة، يمكن القول إن مواجهة هذا الخطر لا تكون إلا بمزيد من التمسك بالخيار الديمقراطي، فالديمقراطية وما تتيحه من وسائل قانونية، هي الوسيلة الأنجع للنضال ضد كل القوى، والميول المعادية للديمقراطية.
ج- الديمقراطية والثقافة العامة.
        الفضاء الثقافي العام السائد في البلدان العربية هو فضاء ديني تقليدي، تمتزج فيه الثقافة القومية مع بعض المكونات الليبرالية، والنزعات اليسارية العلمانية. الهم الديمقراطي يكاد يغيب عن ثقافتنا العامة، وإذ يحاول التقدم في الوقت الراهن، فهو يفعل ذلك بحذر شديد، مع أن التحدي السياسي والثقافي الديني السلفي أخذ يحمِّي المعركة الثقافية حول قضية الديمقراطية. إن انتشار الثقافة التنويرية والديمقراطية لا يزال في بدايته، وهو معاق على أكثر من صعيد، سواء بسبب انتشار الثقافة الدينية السلفية وانتشار ما يسمى بالتدين الشعبي بما فيه من عادات وتقاليد رجعية بالية، أو بسبب طبيعة النظام القائم وما ولده من أزمات، أصبحت عضوية ومزمنة.
       باختصار إن علاقة الديمقراطية بالثقافة التنويرية هي علاقة اشتراط متبادل، فالديمقراطية لا تكون ولا تتعزز إلا في فضاء من الثقافة التنويرية والوعي التنويري، كذلك فإن الثقافة التنويرية لا تنتشر وتترسخ إلا في ظل الديمقراطية والحرية.
ج- الديمقراطية والمؤسسات الدينية .
       إن المؤسسات الدينية الإسلامية الرسمية من أكثر المؤسسات جمودا وانغلاقا، وإنها بما تمثله من ثقل معنوي ومادي، وما تقوم به من سهر على إعادة إنتاج الفكر الديني اللاعقلاني، وحراسة التدين الشعبي، قد تشكل خطرا جديا على الحياة الديمقراطية. إن موقفنا منها يحكمه مبدأ "تدخل الدولة في المؤسسات الدينية "، وليس مبدأ " فصل الدين عن الدولة " . المبدأ الأخير ليس واقعياً في ظروفنا الخاصة، نظراً لأن طابع الدولة ليس دينياً، هذا من جهة، ولأن هذا الشعار هو شعار استفزازي وضار جدا من الناحية السياسية .                
     إن تدخل الدولة في المؤسسات الدينية يجب أن يقتصر على إخضاعها للديمقراطية، بما يعنيه ذلك من تجديد ديمقراطي مستمر لمختلف مستوياتها الإدارية.
     في ختام هذا المسح الموجز لمحددات الديمقراطية في الظروف السائدة في سورية على أعتاب القرن الواحد والعشرين، نعود فنؤكد على أن النضال في سبيل الإنماء الوطني بالمعنى التاريخي يشكل المهمة الرئيسية التي تواجهنا، وهي المهمة التي تستقطب أوسع الفئات الاجتماعية من عمال وفلاحين ومثقفين وبرجوازية صغيرة وجنود وبرجوازية وطنية. ومن الواضح أن إنجاز هذه المهمة سوف يستغرق زمنا طويلا قد يصل إلى عقود من السنين، لذلك فإن التحالفات السياسية والطبقية الواسعة في مواجهة الحلف البرجوازي البيروقراطي والطفيلي والكمبرادوري و إفرازا ته السلفية والتغريبية وما تمثله من شبكة علاقات معقدة تربط الداخل بالخارج وتحيل المستقبل إلى الماضي هي قضية استراتيجية من الدرجة الأولى. ومن أجل خلق المناخ المناسب للنجاح في هذه المهمة فلا بديل عن الديمقراطية. وفي مجمل الأحوال لا تتقدم الديمقراطية إلا من خلال ممارستها، واقتناع أوسع الجماهير بأهميتها، والاستعداد للدفاع عنها وحمايتها.
4-شكل الديمقراطية.
       نقصد بشكل الديمقراطية الإخراج الدستوري والقانوني، للممارسة الديمقراطية. فالدستور يحدد بناء الدولة والسلطات، وتتفرع منه جملة من القوانين الناظمة لحقوق الأفراد وواجباتهم، وحرياتهم المدنية. ما نود التوقف عنده في هذا المقام  ثلاث مسائل .
المسألة الأولى؛ وتتعلق ببناء الدولة وهيكلية السلطات، في هذا المجال يمكن اقتراح ما يلي:
      - فصل مؤسسة الرئاسة عن مؤسسة الحكومة، على أن تناط بالأولى جميع المهام البروتوكولية والرقابية اليومية، وأن تلحق بها الأجهزة المعنية بذلك.
       - أن يناط بالمؤسسة الحكومية جميع المهام  المتعلقة برسم السياسات وتنفيذها.
       - فصل السلطة القضائية، والسلطة التشريعية، عن بقية السلطات، وضمان استقلالهما فعلا.
       -  إنشاء إدارة للمعلومات، وإنضاج القرار وتتبع تنفيذه، تتبع رئاسة مجلس الوزراء، وتلحق بها أجهزة أمن الدولة المختصة بجمع المعلومات.
 المسألة الثانية ؛ تتعلق بقانون الأحزاب: في هذا المجال يجب التشديد على مبدأ التعددية مع تقييد هذا المبدأ على المستوى الوطني بشرطين اثنين:
    أ-ضرورة احترام كل حزب للدستور، والالتزام بالديمقراطية،والمحافظة على السلم الأهلي.
   ب- أن يمارس الحزب الديمقراطية في حياته الداخلية، وفي المجتمع.
المسألة الثالثة؛ تتعلق بقانون الانتخابات. تحقيقا للاستنتاج الذي توصلنا إليه والذي يفيد بأن الديمقراطية المنشودة يجب أن تحقق أوسع مشاركة شعبية في إدارة الدولة والمجتمع، نرى ضرورة إجراء الانتخابات على مرحلتين بحيث ينتخب في كل مرحلة نصف عدد أعضاء الهيئة التشريعية العليا:
         في المرحلة الأولى تجري الانتخابات على أساس سياسي نسبي وتشارك فيها الأحزاب ذات البناء الوطني. أما في المرحلة الثانية فتجري الانتخابات على أساس اجتماعي طبقي بحيث تنتخب كل طبقة أو فئة اجتماعية ممثليها إلى الهيئة التشريعية الوطنية. يمكن في حالات معينة تثقيل عدد المقاعد المخصصة للفئات الأكثر فعالية في المجتمع، مثل البرجوازية الوطنية، والمثقفين..الخ.
        إن هذه الطريقة في الانتخابات تسمح بتمثيل جميع فئات المجتمع في أعلى هيئة تشريعية في الدولة، وفي نفس الوقت تمنع بعض أشكال الوجود الاجتماعي مثل الطائفية أو المذهبية، أو العشائرية.. من التعبير عن نفسها في هيئات الدولة والسلطة، مما يسرع من عمليات صهر البنية المجتمعية، ودمجها على أساس وطني.
       من الضروري، وعلى مختلف مستويات السلطة تنظيم الاستفادة من "الرأي الاستشاري"، وخلق مؤسسات لتشخيص مصلحة الدولة، وإنضاج ودعم القرارات الحكومية والإدارية.
       بالنسبة للانتخابات على مستوى السلطات المحلية، فيمكن أن تكون مفتوحة أمام جميع القوى السياسية والفعاليات المدنية بما فيها الأحزاب الطائفية،أو الإثنية، على أن يقتصر عمل المجالس المحلية على تأمين الخدمات العامة للمواطنين من خدمات صحية وثقافية  وتعليمية وبلدية..الخ.
5- خاتمة .
      في ختام هذه المداخلة أود تكثيف ما جاء بها من أفكار:
       - لقد خلق الوضع الدولي الجديد اتجاها جديداً في الحياة الدولية، يتمثل في إعلاء شرعة حقوق الإنسان، والحرية ،والديمقراطية، سوف يساعد كثيرا قضية النضال في سبيل الديمقراطية في سورية، مع أن استجابة الأوضاع الداخلية للاتجاه الدولي الجديد في مجال الحريات العامة، والفردية، وفي مجال الديمقراطية، سوف يكون بطيئاً، بسبب طبيعة الأنظمة الحاكمة هذا من جهة، وسلبية الجماهير وقواها الاجتماعية والسياسية وضعف التكوين الديمقراطي في شخصيتها من جهة ثانية.
        - إن الظروف الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية في سورية تتطلب مناخاً ديمقراطيا، لكي يتم تجاوز أزماتها المزمنة، لكنها من جانب أخر لا تؤسس هذه الظروف لعلاقة إيجابية مع الديمقراطية، نظراً لجمود النظام وقوة الميول النافية لها في المجتمع، والتي تتعزز باستمرار من جراء الاغتراب المتزايد لدى المواطنين عن قضايا الوطن، وتنامي النزعات والميول السلفية الدينية، يضاف إليها غياب التراث الديمقراطي عن تاريخنا .
       -إن الديمقراطية يجب أن تصون وحدة الوطن، وتحافظ على منعة الدولة،  لذلك عليها أن تتوجه إلى أوسع الجماهير لتحفزها على النشاط الوطني والديمقراطي.
        – بين الديمقراطية والوطنية ليس من أولوية، بل ثمة مهام سياسية ديمقراطية تتقدم المشروع الوطني. نحن نعتبر الديمقراطية مهمة من مهام المشروع الوطني، لكنها المهمة الأولى في شقه السياسي. فكما إننا بحاجة إلى تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية، فإننا بحاجة إلى تنمية سياسية ديمقراطية.
        -  إن المشروع الديمقراطي الذي نسعى إلى بلورته نظريا يتجاوز أي مشروع ديمقراطي برجوازي من حيث اتساعه، وشموليته، وعلى هذا الأساس يتنافس مع غيره من المشاريع الديمقراطية الأخرى الممكنة من أجل الحصول على الشرعية السياسية. ومهما تكن الظروف فإنه يرى في إلغاء حالة الطوارئ خطوة إلى الأمام، وفي هامش ديمقراطي محدود تقدم هام، وفي ديمقراطية من الطراز الأردني شوطا بعيدا على الطريق إلى الديمقراطية الحقيقية.. الخ. إن مشروعنا الديمقراطي يجد له موقعا في جميع النماذج الديمقراطية، لكنه لا يكتفي إلا بنفسه.
 
تعقيب
ظافر النجار*
      في البدء أُثمن المداخلة، لما توخته من حرص على المنهجية والجدية والشمولية. ومع أنني أتفق مع الكثير مما أثارته سأتعرض باختصار لبعض الصياغات أو الطروحات الأساسية التي أختلف معها إلى هذا الحد أو ذاك:
      1 - يقول السيد أبو خالد: "جميع وجهات النظر الممكنة اجتماعيا وطبقيا هي وجهات نظر مشروعة تاريخيا، دون أن يعني ذلك ضرورتها " .نتساءل، ألا يؤدي مثل هذا القول إلى الالتباس في مفهوم " الشرعية التاريخية "  . وإذا كانت ثمة مشروعية تاريخية خارج الضرورة التاريخية فما هي مسوغاتها ؟ وما هي محدداتها؟ لم تجب  المداخلة عن ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 * ظافر النجار( أبو رؤى) ، مجاز في الأدب العربي،شاعر، من السلمية ،سجن لمدة (13) سنة، بتهمة الانتماء إلى  حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي العربي.
ربما لأنها غير معنية بالإجابة!.
     2- بمناسبة الحديث عن التجربة الإنسانية يقول السيد أبو خالد: " وبغض النظر عن شروط صيرورتها  التاريخية "!.. لماذا "وبغض النظر" هذه ؟وإلام تحيلنا ؟ وكيف يراد لنا أن نفهم أية تجربة إنسانية " بغض النظر " عن شروط تطور صيرورتها ؟.
     3- يقول أيضاً: " لقد ضيق الاتجاه الدولي –الجديد – الخناق على الدكتاتوريات وسوف يقلل من احتمالات ولادتها في المستقبل "؟! لقد سوق الإمبرياليون مفهوم"الجدّة " لذاكرة يريدونها فارغة وممسوحة. وكالعادة نسارع لتلقف ما يسوقونه بكل احترام وتسليم واستلاب!وحبذا لو تناولت المداخلة مفهوم "الجديد " هذا وحددت مسوغاته العلمية. أما إذا كان هو نفسه – النظام الرأسمالي – وقد ازداد هيمنةً وتسلطاً، وبروحية علاقات الرأسمالية نفسها، التي تسلع الإنسان، والمفاهيم، والأحذية، بنفس المستوى، فما هو الجديد إذا في هذا النظام. ثم لماذا هذا "الميل إلى عداء الدكتاتوريات "؟ وما مبرر حنانه على الشعوب –موضع استغلاله ونهبه ؟ وكيف نفسر العلاقة بين الدكتاتوريين الصغار وسادتهم الإمبرياليين؟.
      4- لقد أشار السيد أبو خالد بحق إلى "… إمكان اللجوء إلى الدولة والسلطة في المراكز الأوربية (أي إلى الدكتاتورية) لحماية السيطرة الطبقية عندما تكون في خطر.." لكنه عد ذلك "استثناءً " وهذا الاستثناء "لا يغير من الاتجاه العام الديمقراطي للرأسمالية " بل  ".. وجدية هذا الاتجاه في الظروف الدولية الجديدة "! حيث ".. أن الرأسمالية في منطقها الداخلي تتطلب موضوعيا وجود حد معين وشكل معين من الديمقراطية " ؟! أما لماذا الاتجاه العام كذلك ؟ ولماذا جدية هذا الاتجاه في الظروف الدولية الجديدة ؟ ولماذا المنطق الداخلي يتطلب "موضوعيا " وجود حد معين وشكل معين من الديمقراطية؟ ثم ما هي حدود هذا الحد المعين؟ وما محددات الشكل المعين؟ كل ذلك لا يجيبنا البحث عنه بل يقرره تقريرا وباستخفاف علمي واضح!. ثمة شيء "موضوعي " نعم ..ولكن لا علاقة للمنطق الداخلي الرأسمالي به, ذلك أن عملية الفصل النسبي بين السياسي والاقتصادي –ما يسمى بالديمقراطية الغربية –هي فعلا من خصائص المجتمع الرأسمالي. بالضبط لأن انتزاع الفائض الاقتصادي، يتم عادة بوسائل اقتصادية، وعبر آليات السوق الطاغية، ودون الحاجة لتدخل سياسي مباشر ومكشوف .
      إذا …انتزاع الفائض،هو ما يبحث عنه المنطق الداخلي للرأسمالية "موضوعيا" مضمون بقوة "السيطرة الاقتصادي " كما سماها السيد أبو خالد بحق.ومع ذلك هناك خط أحمر يهدد ما أسماه " استثناء " أي بتدخل السلطة السياسية بعصاها الغليظة. ولعلكم سمعتم بتعقيب جورج بوش على قول أحد النواب الفيدراليين بأن"الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا " في الولايات المتحدة حيث قال متهما النائب: "إنه يدعو لحرب أهلية ". نعم…إن الدعوة للمساس بالنظام الرأسمالي هي دعوة للحرب الأهلية في الداخل، وللحرب على الآخرين في الخارج، وإلى الجحيم بكل الديمقراطيات عندما تهدد مصالح رأس المال. هذا هو المنطق الداخلي " موضوعيا " للنظام الرأسمالي. ولكن ماذا عن البلدان التابعة؟ حيث الاقتصاد التابع الهزيل, العاجز لوحده عن السيطرة وعن نهب الفائض الاقتصادي. فهو يحتاج بالضرورة     " موضوعيا " للاتكاء المباشر على السلطة وأدوات الدولة  القمعية لتعويض ذاك العجز والهزال؟ وليس أمامه من خيار أخر.
      5-يقول السيد أبو خالد في (طبيعة المرحلة ): إن " المهمة الرئيسية القابلة للإنجاز تتمثل في الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي، من خلال التفاعل( بل والاندماج ) العالمي والعربي والإقليمي". الواقع لا يساير أوهامنا ولا رغباتنا وهو يشير بعناد وبالأرقام إلى تعاظم الاندماج في السوق الرأسمالية العالمية، يقابله زيادة تفكك الاقتصاديات العربية لتصبح مستباحة ومنهوبة بالتعاضد مع شرائح اجتماعية محلية ترتبط مصالحها بمصالح الشركات المتعددة الجنسية. أما" الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي مهمة رئيسية " فنعم .. ونعم المهمة، و هي " قابلة للإنجاز" أيضاً. نشارك السيد المتدخل اعتقاده بذلك ولكن كيف؟! يقول "..من خلال التفاعل بل والاندماج العالمي والعربي و..". إذا استقلال عن من؟ وعن أي استقلال نتحدث إذا كان  " من خلال التفاعل، أي الاندماج "؟!. عموما الاقتصاديات العربية مندمجة أو ملحقة-لا فرق- بالاقتصاد الرأسمالي العالمي. وهذا   "الاندماج" الذي يبحث عنه السيد أبو خالد والذي هو موجود بطبيعة الحال وآخذ بالتعاظم، لا يعني سوى الخضوع لشروط عمل القوانين الاقتصادية الموضوعية التي تحكم طريقة سير العمل في النظام الرأسمالي العالمي بعيدا عن رغباتنا وأوهامنا، مع الفارق الهائل بين عملها في المركز وعملها في البلدان المتخلفة. إنه منطق التبعية ذاته، وبه بالضبط، ينتفي استقلالنا الوطني. نعم للتفاعل مع العالم، ذلك ضرورة لا بد منها، ولكن على أرضية"مصالحنا الوطنية وبقراراتنا السياسية المستقلة"، تماما كما ذكر أبو خالد. هنا بالضبط جوهر المسألة، وهنا تفترق المصطلحات والمفاهيم وتتعدد ألوانها واتجاهاتها. لكن السيد أبا خالد أتبعه بما ينفيه ويلغيه أي "الاندماج" وشتان بين التفاعل والاندماج.
     6 - يقول السيد أبو خالد: "…يمكن استيعاب الأثر الخارجي والاستفادة منه محليا" لا بأس..ولكن كيف يتابع قائلاً: " عبر تنمية رأس المال الخاص وبالحدود التي تفيد الوطن وتطوره "؟! لماذا عبر تنمية رأس المال الخاص تحديداً وفقط؟ ولماذا يلتزم رأس المال الخاص بالحدود التي تفيد الوطن وتطوره؟! ومن يلزمه؟ وكيف؟ ثم ما معيار فائدة الوطن أو تطوره؟ وكيف يتحدد.. ومن يحدده؟ طبعا الرفيق أبو خالد يفرق بوضوح وإصرار، في السياق العام، بين رأس مال طفيلي نهاب ومتواطئ مع الاحتكارات العالمية و مسؤول عن تبديد الثروات ونزوح الفائض الاقتصادي وتشويه الهيكل الإنتاجي، وبين رأس مال منتج. ويدعو على ما يبدو إلى التحكم بالأثر الخارجي لتحديد مسار فعله الداخلي"بقرار مستقل"من أجل تنمية تتجه إلى الداخل بالتعارض مع مخططات تقسيم العمل الدولي المجحفة. وأرجو أن لا أكون مخطئاً- في هذه الحالة يصبح الحديث عن " استيعاب الأثر الخارجي عبر تنمية رأس المال الخاص " نافلاً. لأن محاولة التحكم بالأثر الخارجي هو نوع من المواجهة الصريحة مع الاحتكارات والسياسات التي تمثلها أو تتحالف معها، ومن ثم، وعلى طبيعة هذه المواجهة ومدى جديتها وإمكانياتها تتوقف النتائج وهي تتعدى بطبيعة الحال العلاقة مع رأس المال الخاص.
     7- يقول: "… علاقة الاتجاه الدولي الجديد مع الديمقراطية هي علاقة إيجابية! ويجب الاستفادة منها، في حين أن علاقته مع الدكتاتوريات أصبحت سلبية؟! يطردها شيئا فشيئا!!" ما أبعد هذه اللغة التقريرية عن العلمية!!. أما كيف تحسن المزاج الإمبريالي اليوم ؟ ولماذا ساء قبلا؟، فهذا لغز أو ربما مزاج لا أكثر!!. طبعا المقصود هو علاقة الاتجاه الدولي -الجديد- بالبلدان التابعة، والواقع إن مفاضلتهم هنا بين الديمقراطية أو الدكتاتورية تجري حسب قدرة كل منهما في سياق تاريخي معين على أن تقدم أحسن خدمة لصالح توسع الرأسمال العالمي. وعلى من يفكر بـ"الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي و و.." و بـ " قراراتنا السياسية المستقلة " ألا يفاجأ إن طلب الإمبرياليون "رأسه"  ولو بذريعة تهريب المخدرات، أو أية ذريعة أخرى سواء أكان فرداً مسؤولا أو بلداً عنيدا يهدد السلام العالمي ولو كان بحجم ليبيا أو غرا نادا أو بنما!!. أخيراً أعتقد أنني و أبا خالد متفقان على أن الديمقراطية هي جزء عضوي من مشروع حضاري نهضوي متكامل مثلما هي مدخل إليه. مع التأكيد على أن هكذا مشروع، لا يمكن أن يكون نخبويا ويستحيل تحقيقه بمعزل عن الجماهير أو نيابة عنها.. إذا الحضور الجماهيري الفعال هو وحده ضمانة التحقيق وضمانة الاستمرار والتطوير. ومع وعينا لحجم معوقات هذا الحضور، علينا أن نؤسس له على الأقل مستفيدين من كل الفرص والإمكانيات التي يوفرها الواقع الحي على طريق تفعيل العلاقة بين المواطن وممثليه بحيث لا يكون مجرد رقم انتخابي قابل للتزوير أو الإلغاء فيما بعد، بل حضوراً دائما وبقوة القانون والمؤسسات الوطنية التي يجب أن تضمن ذلك. مع قناعتي بأن الضمانة الحقيقية لن تتوفر إلا عبر تعديل ميزان القوى الاجتماعي ومن خلال كفاح دؤوب وطويل. لا أظن أننا نحلم فقط!. فكل هذا الركود والطغيان والقهر لا يستطيع أن يخفي الإمكانيات الجماهيرية الكامنة والكبيرة والتي في الظروف المناسبة يمكن أن تفاجئ العدو والصديق.
حوار مع السيد أبي رؤى
 
       لم يكن بودي أن ينحرف الحوار باتجاه مناقشة إشكالية المفاهيم، وهي بلا شك إشكالية معقدة في اللغة العربية. في بعض البلدان الأوربية توجد مراجع خاصة بالمفاهيم وتاريخها. لقد أشار الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران في إحدى لقاءاته وباستياء إلى فقر اللغة الفرنسية بالمفاهيم قياسا إلى اللغة الألمانية، حيث أن اللغة الفرنسية لا تحتوي سوى على نحو (40) ألف مفهوم بالمقارنة مع مليون مفهوم في اللغة الألمانية.
       أ-لقد وجد الأخ أبو رؤى في قولنا: " ..إن جميع وجهات النظر الممكنة اجتماعيا وطبقيا, هي وجهات نظر مشروعة تاريخيا دون أن يعني ذلك ضرورتها " أنه يقود إلى " الالتباس" ويضيف الأخ أبو رؤى " إذا كان ثمة مشروعية تاريخية خارج الضرورة التاريخية ..فما هي مسوغاتها؟وما هي محدداتها؟.
      لاشك بأن بحثا همه الأول هو إنتاج تصور (مشروع نظري ) حول الديمقراطية الممكنة والمحتملة في ظروف سورية ،ليس مطلوبا منه أن يغرق نفسه في شرح كل مفردة من مفرداته. وهو على العموم يخاطب أناس يعتقد مؤلفه أن ثمة سوية معرفية لديهم تمنعه من الخوض في مثل هذه التفاصيل. مع ذلك يبدو لي إن السيد أبو رؤى لا يفرق بين ما هو مشروع تاريخيا وبين ما هو ضروري تاريخيا، بل ولا يرى ثمة مشروعية تاريخية خارج الضرورة التاريخية. ليسمح لنا الصديق العزيز بالاختلاف معه في مسألة ذات طبيعة فلسفية معرفية .
      تحت عنوان "المصالح الطبقية – والديمقراطية "،  تحدثنا عن ثلاث أطروحات تدخل مع بعضها بعلاقات ترابط  محددة.
     من جهة لدينا " الوطن ومصالحه " ومن جهة ثانية لدينا " مصالح الطبقات و الفئات الاجتماعية " ومن جهة ثالثة لدينا " وجهات النظر الممكنة ". الأطروحة الأولى يحكمها سياق محدد بمعلمين " التقدم- التخلف " أو" التطور– التراجع " وعليه فإن " وجهات النظر الممكنة " لا تستطيع أن تدخل في علاقة مع " الوطن ومصالحه " إلا إذا مرت بالضرورة عبر الأطروحة الثانية أي " مصالح الطبقات والفئات الاجتماعية "، لكن هذه الأخيرة لا تدخل في علاقة مع " مصالح الوطن " بنفس الاتجاه، بعضها يتطابق مع " التقدم – التطور " وبعضها الأخر يتطابق مع ("التخلف- التراجع " كمحددات لمسار وسياق حركة "مصالح الوطن ".  باختصار ثمة بعدان: أحدهما إيجابي والأخر سلبي تتوزع عليهما الرؤى الممكنة لمصالح الوطن المعبرة عن نوعين من المصالح الاجتماعية الطبقية: نوع يدفع باتجاه التقدم والتطور وبالتالي فهو ضروري لتحقيقه، ونوع آخر يدفع باتجاه التخلف والتراجع أو في الحد الأدنى المحافظة على ما هو قائم وإعادة إنتاجه باستمرار بصورة مختلفة، أي أنه غير ضروري .
    من الناحية الفلسفية كل ما هو موجود فهو ضروري، أي ثمة ظروف وشروط استدعت وجوده، وهو يدخل معها بعلاقات اشتراط متبادلة. وباعتبار أن المصالح  سواء الطبقية منها أو الوطنية تتحقق من الناحية الواقعية على شكل محصلة للقوى الفاعلة فيها والمؤثرة عليها، لذلك من هذه الزاوية تكون جميع المصالح والرؤى المعبرة عنها والقوى الحاملة لها ضرورية.
      لكن النص يريد أن يقول أن مصالح الوطن في التطور والتقدم تتطابق مع مصالح بعض الفئات الاجتماعية وبالتالي فهي ضرورية لتحقيقها، ولا تتطابق مع مصالح فئات اجتماعية أخرى، وبالتالي فهي غير ضرورية لتحقيقها.
        ما العمل تجاه هذه المصالح غير الضرورية لتقدم المجتمع منظوراً إليها من موقع الديمقراطية؟ الديمقراطية، كما هو معروف، تبرز ما هو ضروري وغير ضروري من المصالح والرؤى المعبرة عنها، على شكل تناقضات في حقل الممارسات الديمقراطية وتخلق الظروف السلمية لصراعها. ونظرا لأن الصراع عملية واعية وهادفة، فلا بد أولا من الاعتراف بوجود القوى المتصارعة وشرعية ما تدافع عنه من مصالح. يشكل هذا الاعتراف المتبادل جوهر مبدأ التعددية في النظام الديمقراطي الذي يقر بالمشروعية التاريخية لمختلف المصالح الطبقية وما يعبر عنها من رؤى سياسية أو أيديولوجية. وإن القبول بالأخر والاعتراف بمصالحة هو قبول بالصراع معه في إطار الديمقراطية.
  إن المشروعية التاريخية تتحرك في حقل الواقع أي في حقل الممارسات السياسية وهي تظهر بهذا الشكل أو ذاك لأنها تعبير عن مصالح الفاعلين الاجتماعية. أما الضرورة التاريخية فهي تحقيق التاريخ لمنطقة, إنها الضرورة العمياء في الواقع وقد أصبحت في الفكر إمكانية للحرية يمكنها في خطوة لاحقة أن تتحول من خلال الممارسة إلى حرية بالفعل . ينظر الفكر دائما إلى الواقع يحاول أن يرى فيه جميع احتمالات الحركة واتجاهاتها ويعمد إلى المفاضلة بينهما وعلى أساس المحددات التاريخية للتقدم الاجتماعي كما تبدو من منظار المصالح الطبقية. هذه العملية تكشف لنا في الواقع الضرورات التاريخية الكامنة في الواقع والتي لابد منها لتغييره باتجاه التطور. غير أن الواقع في نهاية المطاف لا يحقق إلا منطقة التاريخي، الذي يشكل عمليا حصيلة فعل الفاعلين فيه في زمن ومكان معينين، سواء وعاه الفكر أم لم يعه على حقيقته.
     إن الفعل الاجتماعي أيا كان شكله يعبر دائما عن مصلحة فئة اجتماعية معينة في إطار شروط اجتماعية واقتصاديه وثقافية محددة لذلك فهو مشروع من الناحية التاريخية، أي أن ثمة إمكانية فعلية لظهوره على مسرح الحياة الاجتماعية وإذا ظهر فيكون ظهوره مشروعا. بهذا المعنى المشروعية التاريخية هي شكل لظهور الضرورة التاريخية. والتاريخ هنا ليس أسطورة أو خرافة إنه تاريخ الناس الواقعيين و إن منطقه هو حصيلة فعلهم جميعا إنه التقدم الاجتماعي .
     بكلام أخر ليس للضرورة التاريخية نفس الحضور في مختلف أشكال الفكر، بسبب اختلاف مصالح القوى الاجتماعية الحاملة له, فمن زاوية نظر كل فكر ثمة ضرورة معينة. لكن المعيار الفصل في معايرة جميع الضرورات كما تبدو للفكر هو ما يحققه التاريخ من منطقه وما كان بالإمكان تحقيقه .
       ب- لقد قلنا في  مقدمة مداخلتنا تحت عنوان ( الواقع – والتجريد )، إن موقفنا من الصيرورات الواقعية التي تحولت إلى تجريدات في ظروف تاريخية معينة يتمثل في دفعها نحو حدها الأقصى الواقعي. بمعنى أن الصيرورات التاريخية التي أنتجت هذه التجريدات لا يجوز أن تدفعنا إلى رفضها، بل إلى التمعن بما يمكن أن تكون عليه في شروطنا التاريخية . فالديمقراطية كمفهوم هي تجريد لصيرورة غربية بمعناها الحديث, هل يكفي ذلك لكي نرفضها مثلا ؟ القضية باختصار تتحدد بالنظر إلى هذه التجريدات من زاوية ظروفنا التاريخية ومصالحنا. وهذا شيء مفهوم بالطبع وهو مختلف عن القول بضرورة دراسة هذه التجريدات في سياقات تصيرها الخاصة لامتلاكها معرفيا والاستفادة منها في ظروفنا الخاصة.
      ت-القبول بالإنابة هو سمة بارزة من سمات مجتمعنا وهو بطبيعة الحال نتيجة الظروف التاريخية الطويلة لتطورنا وانعكاس هذا التطور في ثقافتنا ووعينا وتكويننا النفسي . إن مجتمعنا هو مجتمع بطريركي, الأب إقطاعي في أسرته والمعلم في مدرسته, وزعيم العشيرة في عشيرته وزعيم الطائفة في طائفته وزعيم الحزب في حزبه والسلطان في رعيته ..الخ, وأن جميع هذه العلاقات الواقعية لها حضورها في التكوين النفسي وفي منظومة القيم وفي الوعي العام والخاص وفي الفضاء الثقافي العام, إنه الحضور الذي يمجد الفرد يختزل به الجماعة ينيبه عنها, إنه عقلها وإرادتها وهي أدواته أو موضوعه ..الخ.
          إن تغيير هذه الوضعية يتطلب مناخا ديمقراطيا مشبعا بالحرية تنمو فيه الشخصية الفردية وعلى هذا الأساس يتم الاعتراف بوجود الآخر المختلف، وليس نفيه، إنه الاعتراف الذي يولد الحوار أو السجال أو الصراع معه. وجود المختلف يشترط الديمقراطية إيجابيا، أما الميل نحو الإنابة فيحددها سلبا, يهددها دائما بالارتداد عنها، إنه يساعد على الدكتاتورية يجعلها مقبولة.
       ث- لا يرى الأخ أبو رؤى حدوث أي شيء جديد في العالم وأن التغيرات التي تجري تحت أنوفنا تحت عنوان عريض هو " الديمقراطية وحقوق الإنسان " ليس لها أية أهمية. بالطبع الاحتراز واجب تجاه كل ما هو محمول غربي، وإمعان التفكير فيه قبل قبوله أو رفضه، وهذا ما شددنا عليه في أكثر من موضع في مداخلتنا، خصوصاً وإن أثر الفكر الغربي واضح في طريقة تفكيرنا بقضايانا ومنها بالطبع قضية الديمقراطية. ولا شك بأن السيد أبو رؤى قد لاحظ الحضور المكثف للنماذج الغربية للديمقراطية في العديد من المداخلات التي استمعنا إليها. وقد أعلن البعض من المتدخلين صراحة أن لا وجود للديمقراطية إلا في أوربا ويطالب بتبنيها بغض النظر عن ظروفنا التاريخية، بل ويرفض التفكير في ظروفنا المحلية حتى لا يقيد الديمقراطية( كذا ).
      إن زوال الانقسام الدولي السابق بهزيمة الاتحاد السوفييتي وحلفائه، جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعزز من استقطاب المنظومة الرأسمالية حولها كإجراء مؤقت وانتقالي. لكن ذلك لن يدوم طويلاً فسرعان ما ستطفو على السطح الخلافات بين المراكز الرأسمالية نظرا لاختلاف المصالح. بكلام أخر نحن على أعتاب مرحلة جديدة آخذة في التبلور سوف تقود إلى توازن دولي جديد متعدد الأقطاب.
      وإذا كانت الرأسمالية " تسلع الإنسان والمفاهيم والأحذية " فلأن ذلك هو جوهرها وإلا فقدت كونها رأسمالية. مع ذلك  فقد قامت  الرأسمالية  بكل هذا التشييء الذي نتحدث عنه في إطار "اللعبة الديمقراطية " البرجوازية .
       لقد برهن تاريخ الرأسمالية الأوربية أن البرجوازية قد تلجأ إلى الدكتاتورية لحل مشاكلها، لكنها لا تلجأ إلى ذلك إلا كحل نهائي أي في آخر المطاف. من هنا كانت الأنظمة الدكتاتورية استثناء في تاريخ الرأسمالية الأوربية، وسوف يصبح هذا الاستثناء أقل احتمالاً في المستقبل. ويجب أن لا ننسى أن الرأسمالية لم توجد تاريخياً إلا بوجود" العامل الحر" على حد تعبير ماركس .
        في ظل الانقسام الدولي السابق بين النظام "الاشتراكي" والنظام الرأسمالي  لجأت الإمبريالية إلى خيار الدكتاتورية العسكرية في بلدان العالم الثالث كإحدى وسائل الرد على " حركات التحرر" .غير أنه بعد زوال النظام " الاشتراكي" لم تعد مضطرة إلى ذلك فالوسائل الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية  و أحياناً العسكرية كفيلة بضبط الأوضاع .  وأكثر من ذلك سوف تستطيع ضبط الأوضاع في العديد من مناطق العالم الثالث عن طريق تطبيق نماذج الديمقراطية الغربية. مع ذلك لا يزال خيار اللجوء إلى الدكتاتورية خياراً محتملاً في بلدان العالم الثالث نظرا لطبيعة البنية الاجتماعي وهشاشة الديمقراطية الوليدة. وفي مجمل الأحوال يبقى العامل الحاسم في سلوك الإمبريالية هو المحافظة على مصالحها وليس على الديمقراطية أو غيرها مع أنه يعنيها إلى حد كبير الشكل الذي تحافظ به الإمبريالية على هذه المصالح.
      لكن ألا يتوجب علينا أن ننظر إلى المسألة من زاوية أخرى أي من زاوية مصالح الفئات الاجتماعية في الداخل التي غالباً ما تلجأ إلى الدكتاتورية كخيار للمحافظة على مصالحها وبالتالي لا يجوز أن نعلق كل شئ على مشجب الإمبريالية ونتجاهل ما هو أمام أعيننا. بالطبع يمكن قول الكثير حول الدور القذر للإمبريالية في بلداننا وفي العالم وهذا مطلوب حضوره دائماً في الذهن والعمل على مقاومته أو على الأقل الحد من أثاره السلبية، لكن ذلك لا يلغي أهمية الإنجازات الحضارية الرأسمالية والعمل على الاستفادة منها سواء كانت إنجازات ثقافية أو مادية بما يخدم المصلحة الوطنية. إن الموقف السلبي المطلق من الإنجازات الرأسمالية واعتبارها سلعا فاسدة هو موقف غير تاريخي وغير علمي وبالمحصلة هو موقف ضار.
       نعم إن النظام السياسي المطابق للرأسمالية هو النظام الديمقراطي البرجوازي وهذه مسألة متفق عليها في الأدب الاجتماعي السياسي العالمي ومنه بالطبع الأدب الماركسي ومهما يكن موقف أبي رؤى من هذه الديمقراطية فأنها تبقى النموذج الوحيد الذي اختبره التاريخ وأثبت جديته في المحافظة على السيطرة البرجوازية وفي تطوير الرأسمالية .
   يعترف السيد أبو رؤى بأن ثمة شيء " موضوعي " في الرأسمالية يستدعي وجود الديمقراطية الغربية, ويؤكد على ذلك عندما يقول: " ما نسميه بالديمقراطية الغربية هو فعلا من خصائص المجتمع الرأسمالي "، لكنه سرعان ما يوقع نفسه في التناقض عندا يؤكد على أن هذا الشيء الموضوعي " لا علاقة للمنطق الرأسمالي الداخلي به". وإذا كان بوش قد أجاب في رده على أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي الذي أشار إلى " أن الأغنياء في أمريكا يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرا " بقوله : "أنه يدعو إلى حرب أهلية" لا يغير من حقيقة أن أمريكا  بلد ديمقراطي بامتياز. ويستند السيد أبو رؤى على قول بوش السابق ليؤكد بأن  "الدعوة للمساس بالنظام الرأسمالي هي دعوة للحرب الأهلية في المركز وللحرب على الآخرين في الأطراف وإلى الجحيم بكل الديمقراطيات التي تهدد مصالح رأس المال ,هذا هو المنطق الداخلي الموضوعي للنظام الرأسمالي "
        المسألة برمتها ليست أصلا في " الدعوة " إلى المساس بالنظام الرأسمالي في مراكزه, بل المساس الفعلي به، وفي هذه الحالة كان المساس استثناء وكان الرد عليه باللجوء إلى الأنظمة الدكتاتورية استثناء أيضاً، وكان هذا الاستثناء السلاح الأخير الذي يمكن استعماله. وفي الغالب كان الخطر لا يأتي من خارج البرجوازية بل من داخلها، فهي التي كانت تلجأ إلى الأنظمة الاستثنائية  لتجديد اشتغال آليات النظام الرأسمالي في اللحظات الاستثنائية الخاصة.
        إن اللجوء إلى الدكتاتورية في ظروف التخلف أكثر احتمالا منه في البلدان المتطورة, وحتى عهد قريب كانت الشكل السائد للنظام السياسي في بلدان العالم الثالث، ولم يحصل ذلك استجابة لعوامل خارجية فقط, بل وقبل ذلك لأن ثمة عوامل داخلية تستدعيه، يقف في مقدمتها ضعف البرجوازية وهشاشة بنائها، بالإضافة إلى طبيعة البناء الاجتماعي ككل .
          هل لازال هذا الاتجاه هو نفسه الآن ؟ ألم يتغير شيء فيه ؟ لاشك بأن الظروف الجديدة على الصعيد الدولي أخذت تقدم الخيار الديمقراطي على الخيار الدكتاتوري ونرى أمامنا التحولات الديمقراطية التي تجري في العديد من البلدان المتخلفة  ويبدو أن العديد  من القوى المحلية الفاعلة في حقل السياسة  قد توصلت إلى استنتاج مفاده أنه لا يمكن الخروج من دائرة التخلف إلا بمساهمة مختلف القوى الاجتماعية، وهذا يستدعي موضوعيا الديمقراطية،  فمن خلالها يمكن لمختلف الفئات الاجتماعية أن تعمل وتبدع.
       ج- يتفق الأخ أبو رؤى معنا في أن " المهمة القابلة للإنجاز تتمثل في الاستقلال(الإنماء) الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي"، لكنه يعترض على إمكانية تحقيق ذلك " من خلال التفاعل،(بل الاندماج) العالمي والعربي والإقليمي". يعتبر أبو رؤى أن مفهوم"الاندماج" يتعارض مع مفهوم " الاستقلال" وإذ يقول بذلك فهو يتطلع إلى عملية الاندماج(التخارج) الجارية في الاقتصاديات العربية التي تقودها البرجوازية العربية ذات الطابع الطفيلي والكمبرادوري. ويتساءل السيد أبو رؤى باستغراب "عن أي استقلال نتحدث إذا كان من خلال التفاعل أي الاندماج " ؟!.
         مهلا أيها المحترم لنمعن النظر في العمليات الاندماجية الجارية على الصعيد العالمي وكيف أنها وضعت الوحدات الاجتماعية والاقتصادية الصغيرة في مأزق حقيقي . المستقبل هو للكتل الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة .
         إن مفهوم "الاستقلال" مثله مثل غيره من المفاهيم يتغير باستمرار. فما تفهمه أوربا من الاستقلال أصبح يتخطى الحدود الوطنية ليشمل الحدود الأوربية. فالاستقلال لا يعني أبدا " الانعزال " كما يوحي السيد أبو رؤى. وإن أفضل استقلال وطني حسب رأينا هو ذلك الذي يشارك في تقسيم العمل العربي أو الإقليمي أو الدولي انطلاقا من إمكانيات بلادنا وخدمة لمصالحه, ولا نرى في ذلك أية تبعية سوى تبعية تبادل المنافع. وبطبيعة الحال لا يمكن أن يتم أي تفاعل أو اندماج خارج نطاق اشتغال القوانين الاقتصادية الموضوعية كما يشير السيد أبو رؤى.
      أما كيف سيتم هذا التفاعل وهذا الاندماج فهذه مسألة فيها نظر. فاندماج السعودية يختلف عن اندماج تركيا واندماج تركيا يختلف عن اندماج كوريا الجنوبية مع أنها كلها تندمج على أساس التبعية , لكن حدود التفريط بالمصالح الوطنية تختلف .
     في الأفق المنظور لا يوجد نظام اقتصادي اجتماعي بديل للرأسمالية وهذه حقيقة أكدتها مجدداً التغيرات الدولية الجديدة وسقوط خيار"الاشتراكية " بصيغته السوفيتية, وإذا كان لامناص من الرأسمالية فلابد من التفاعل " بل الاندماج " بها على قاعدة تحقيق المصالح الوطنية .
       يبدو لي أن الأخ أبو رؤى يوافق على" التفاعل" لكنه لا يوافق على "الاندماج" مع الخارج. لكن أي خارج هذا الذي لا يوافق على الاندماج معه الأخ أبو رؤى؟ بالتأكيد ليس البلدان العربية فهو مؤمن بالوحدة العربية. ربما لا يوافق على الاندماج مع تركيا مثلا؟.لكن إذا كان بالإمكان الاستفادة من الطاقات الإنتاجية المتاحة في سوريا وتركيا، في إطار قسمة عمل تقوم على أساس المزايا النسبية، تجعل المشاريع المتكاملة في سوريا مشروطة بتلك المشاريع الموجودة في تركيا والعكس بالعكس، أعتقد أن السيد أبا رؤى سوف يوافق عندئذ على هذا النوع من التشارك، إذ ليس فيه أي انتقاص من استقلال البلد، بل هو عين الاستقلال الوطني، الاستقلال الذي يقوم على تطوير قوى الإنتاج والاستفادة العقلانية من الطاقات الاقتصادية المتاحة. قد تسمح المزايا النسبية بتطوير فرع اقتصادي معين مثلا السياحة، أو الزراعة، أو صناعة الأسمدة..الخ، وعلى هذا الأساس المشاركة في قسمة العمل العربي أو الإقليمي أو العالمي.
         ما يثير تخوف أبي رؤى ليس التعاون العربي أو الإقليمي، بل التعاون مع البلدان الرأسمالية المتطورة وهذا تخوف مشروع بلا شك. مع ذلك لا يمكن الاستغناء عن التعاون مع البلدان الرأسمالية المتطورة سواء في مجال التكنولوجيا أو العلوم أو المال أو التجارة..الخ، على أن يجري ذلك وفق القواعد الاقتصادية المعروفة.
           ح -تبين التجربة التاريخية لرأسمالية الدولة أن إمكانياتها التنموية محدودة،  وسرعان ما تدخل في أزمة مستعصية، نتيجة السيطرة البيروقراطية واغتراب العاملين عن وسائل الإنتاج وعن منتجات عملهم. فالبيروقراطية هي الطفيلي الجديد الذي تولد في سياق اتساع دور الدولة وشموليتها، وأخذ ينهب فائض القيمة المنتجة وطنياً.
           في مناخ الديمقراطية لن تفقد الدولة دورها الاقتصادي خصوصا في ظروف التخلف، لكن هذا الدور لا يجوز أن يلغي دور القطاع الخاص، خصوصا وإن التوجهات الدولية تدعم هذا القطاع وليس غيره. ثم ألم يحن الوقت بعد لإعادة النظر بالموقف من البرجوازية المحلية، الذي يضعها بكل فئاتها في سلة واحدة دون تمييز. من الواضح أن البرجوازية التقليدية حريصة على السوق الوطنية، كمجال يدور فيه رأسمالها الخاص وهي تستطيع أن تقدم للوطن الكثير مما تعجز عن تقديمه الرأسمالية الحكومية، وهذا بحد ذاته يدعو رأس المال الخاص المحلي إلى الدفاع عن المصلحة الوطنية في إطار الديمقراطية. ثم لماذا يتصور السيد أبو رؤى أن " التحكم بالأثر الخارجي هو نوع من المواجهة الصريحة مع الاحتكارات والسياسات التي تمثلها أو تتحالف معها"؟. لو كان ذلك حاصل فعلا لا محالة، لكان من العبث مجرد التفكير بأية تنمية وطنية تنخرط في عمليات الاندماج العالمية على أساس تحقيق المصلحة الوطنية.
      لا شك بان المؤسسات المالية الدولية والاحتكارات وسياسة الدول الإمبريالية تحاول التحكم بعمليات الاندماج العالمية وانخراط الدول فيها، مما يضيق كثيرا من الخيارات المتاحة. مع ذلك ثمة تناقضات جدية بين مصالح الدول الإمبريالية يمكن الاستفادة منها كهامش مرونة في التعامل مع الخارج والمفاضلة بين الخيارات المطروحة في ضوء المصلحة الوطنية الممكنة.
         خ - يبدو أن السيد أبا رؤى مسكون بهاجس الإمبريالية، وليس بدون وجه حق بالطبع. نحن- العرب- نلاحظ كيف تتعامل الدول الإمبريالية مع قضايانا الوطنية والقومية وثرواتنا. لكن هذا الهاجس المتمكن من السيد أبي رؤى أخذ يشوش لديه الرؤية، بحيث لا يرى أي أثر إيجابي للتحولات الدولية الجديدة على قضية الديمقراطية، رغم كل ما جرى في أوربا الشرقية وفي أمريكا اللاتينية، وحتى في منطقتنا العربية بحدود معينة. ومع أن الدكتاتورية قد كنستها التحولات الدولية الجديدة من بلدان عديدة، غير أن ذلك لا يعني انحجازها بالمعنى التاريخي، مع أنها أصبحت أقل احتمالاً.
       لقد فتح الاتجاه الدولي الجديد في التطور والتكامل والاندماج العالمي أفقاً واسعا للخيار الديمقراطي لم يكن متاحا في السابق، وإن العمل في سبيل الديمقراطية على الصعيد الدولي وفي الساحة العربية يكتسب زخما متناميا ويستجمع حوله مزيدا من القوى أكثر فأكثر. لقد أخذ الهم الديمقراطي يستحوذ على اهتمام العديد من القوى الاجتماعية من ثقافية وسياسية وأهلية..الخ. وإن القضية برمتها ليست"مزاجاً إمبريالياً" وقد "تحسن"، إنها بالأحرى تعبير عن مصلحة الرأسمالية في التطور، إنها الشكل الذي تدير به البرجوازية نظامها الرأسمالي. وإذا كان الاتجاه الدولي الجديد يروج لقضية الديمقراطية وهو بذلك يستجيب لمصالح الدول الإمبريالية، فلا يجوز أبدا أن نرفض الخيار الديمقراطي من حيث المبدأ، بل علينا أن نفكر مليا في إنتاج مشروعنا الخاص للديمقراطية بما يتلاءم مع ظروفنا التاريخية .
       لا شك بان الدول الإمبريالية في ظل الانقسام الدولي السابق كانت تفاضل بين الخيار الديمقراطي والخيار الدكتاتوري في بلدان العالم الثالث، أيهما يحقق مصالحها أكثر،  مع انحياز واضح إلى جانب الدكتاتورية. ولا تزال حتى الآن تدعم الأنظمة التقليدية في منطقتنا العربية، ويبدو أنها غير متحمسة لقضية الديمقراطية في البلدان العربية، بسبب احتمال تعريضها المصالح الإمبريالية للخطر. مع ذلك وفي ظل الاتجاه الدولي الجديد يبدو أن الخيار الديمقراطي هو الخيار الأنسب لتحقيق المصالح العامة للمنظومة الرأسمالية العالمية، وفي إطار ذلك توجد مصلحة حقيقية لشعبنا العربي في إجراء تحولات ديمقراطية عميقة. ولا يمنع من وجهة نظري إمكانية أن تلتقي مصلحتنا الوطنية مع المصالح الخارجية لهذه الدولة أو تلك، في هذه القضية أو غيرها، ولا ينتقص ذلك أبداً من استقلالنا الوطني.
    وأخيراً  نتفق مع الأخ أبي رؤى على أن"الديمقراطية .. مشروع حضاري"وهو "لا يمكن أن يكون نخبويا، ويستحيل تحقيقه بمعزل عن الجماهير".هذا ما كرسنا مداخلتنا لقوله والتأكيد عليه، بل وحاولنا تقديم صيغة وجدناها مناسبة لظروفنا تتيح لمختلف القوى الاجتماعية بأن تشارك  ديمقراطيا في إدارة الدولة والمجتمع.
 



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة
- هل تعود سورية إلى النظام الديمقراطي
- سيادة الرئيس....
- الحزب السياسي ودوره في الصراع الاجتماعي
- الإسلام والديمقراطية
- الصراع الطبقي في الظروف الراهنة
- الديمقراطية بالمعنى الإسلامي
- قراءة في الحدث- الزلزال العراقي
- الديمقراطية التي نريد
- الصراع الطبقي وأشكاله
- أزمة الديمقراطية في الوطن العربي
- البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية
- المادية التاريخية وسؤالها الأول
- الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....
- منطق الفكر
- نقد الفكر مقدمة لنقد السياسة


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر خدام - إشكالية الديمقراطية في سورية