|
وثيقة استشرافية ماركوز، اسرائيل واليهود
هربرت ماركوز
الحوار المتمدن-العدد: 788 - 2004 / 3 / 29 - 08:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طلب مني العديد من الاصدقاء لا سيما من الطلاب ان ابدي وجهة نظري حيال الوضع في الشرق الاوسط، وها هنا اجيبهم. انها وجهة نظر شخصية كوّنتُها انطلاقا من نقاشات اجريتها مع اشخاص عديدين، يهود وعرب، في مناطق مختلفة من البلاد، ومن قراءات غزيرة لوثائق ومراجع ثانوية، وانا مدرك تماما لحدود موقفي واتقدم به كمساهمة في الحوار.
اعتقد ان الهدف التاريخي من وراء انشاء دولة اسرائيل كان منع تكرار ظاهرة المعتقلات واعمال الابادة وغيرها من اشكال الاضطهاد والتمييز. اني موافق تماما على هذا الهدف الذي يعتبر في نظري جزءا من معركة الحرية والمساواة التي تخوضها مختلف الاقليات الاثنية والقومية في العالم.
وفي الاطار الدولي الراهن يفترض تحقيق هذا الهدف قيام دولة ذات سيادة قادرة على استقبال اليهود المضطهدين او المعرضين للاضطهاد وحمايتهم. لو وجدت دولة كهذه في فترة قيام الحكم النازي لكانت منعت ابادة ملايين اليهود، ولو كانت تلك الدولة مفتوحة على اقليات مضطهدة اخرى ومنها ضحايا الاضطهادات السياسية، لكانت وفرت ايضا الكثير من الضحايا البشرية.
انطلاقا من هذه المعطيات يجب ان يرتكز نقاشنا على الاعتراف بإسرائيل كدولة ذات سيادة وعلى الاخذ في الاعتبار الظروف التي نشأت فيها، اي الظلم الذي لحق بالسكان العرب المحليين.
كان إنشاء دولة اسرائيل فعلا سياسيا سهّلت حصوله الدول الكبرى لانه ينسجم مع مصالحها الخاصة، وخلال فترة الاستيطان التي سبقت اعلان الدولة وحتى خلال مرحلة تأسيسها لم يُصَر الى احترام حقوق السكان العرب ومصالحهم بالشكل المطلوب.
منذ البداية كان تأسيس الدولة اليهودية يفترض نزوح الشعب الفلسطيني سواء بالقوة او من جراء الضغوط (الاقتصادية وغيرها) او بمبادرة "ذاتية"، فالعرب الذين بقوا في فلسطين وجدوا انفسهم اقتصاديا واجتماعيا مواطنين من الدرجة الثانية بالرغم من الحقوق المعطاة لهم. فالفروقات القومية والعرقية والدينية تحولت الى فروقات طبقية وعاد التناقض القديم الى الظهور في المجتمع الجديد مضافا اليه النزاعات الداخلية والخارجية.
حول هذه النقاط جميعها لا تختلف الاسس التي قامت عليها دولة اسرائيل عن غيرها من الدول في التاريخ: الغزو والاحتلال والتفرقة. (ان اعتراف الامم المتحدة لا يغيّر شيئا لانه يمثل موافقة على غزو تحوّل الى امر واقع).
بعد الموافقة على الامر الواقع وعلى الهدف التاريخي الاساسي الذي وضعته اسرائيل لنفسها، يبقى السؤال حول قدرة هذه الدولة ــ مثلما هي مكوّنة الآن وتبعا للسياسة التي تنتهجها ــ على الوصول الى هدفها مع المحافظة على صفتها كمجتمع متقدم يقيم علاقات طبيعية ومسالمة مع جيرانه.
اجيب عن هذا التساؤل بالاشارة الى حدود اسرائيل عام 1948 حيث ان اي ضم للاراضي يفترض في رأيي جوابا سلبيا. اي ان اسرائيل لن تكون قادرة على تأمين استمرارها الا كحصن عسكري وسط محيط معاد، وان ثقافتها المادية والفكرية ستخضع لمتطلباتها العسكرية المتنامية. ان الطابع الخطير والهش لحل من هذا القبيل ظاهر للعيان. فإذا كانت الدول العظمى (او تلك الدائرة في فلكها) قادرة على الاستمرار الى وقت طويل ضمن هذا النوع من الشروط فإن الاحتمال غير وارد بالنسبة الى إسرائيل بسبب صغر حجمها الجغرافي وسياسة التسلح التي تنتهجها الدول الكبرى.
انطلاقا من الوضع الراهن فان الشرط المسبق لاي حل هو انجاز معاهدة سلام مع الجمهورية العربية المتحدة يتضمن الاعتراف بإسرائيل وحرية المرور في قناة السويس وخليج العقبة اضافة الى ايجاد حل لمشكلة اللاجئين. اعتقد ان من الممكن التفاوض الآن حول نصوص معاهدة من هذا النوع وخصوصا ان رد مصر على مهمة المبعوث الدولي غونار يارينغ (15/2/1971) يقترح قاعدة مقبولة للمفاوضات المباشرة.
تطالب مصر قبل كل شيء بأن تتعهد اسرائيل بسحب قواتها المسلحة من سيناء وقطاع غزة. وبأن من شأن اقامة منطقة منزوعة السلاح في اشراف الامم المتحدة ان تحول دون هجوم عربي كاسح تخشى منه اسرائيل على وجودها. فالخطر لا يتجاوز على ما يبدو لي اي أخطار دائمة بنشوب الحرب ضمن الظروف الطبيعية. والطرف الاقوى يمكنه القيام بتنازلات اكبر، والامر ينطبق على اسرائيل.
قد يشكل وضع القدس عقبة جدية امام إبرام السلام. فالشعور الديني العميق الذي يحركه زعماؤهم باستمرار يجعل من غير المقبول في نظر العرب (والمسيحيين؟) تحويل القدس الى عاصمة دولة يهودية. هناك حل بديل يقضي بإعادة وضع القدس الموحدة (شرقا وغربا) تحت ادرة وحماية دوليتين.
كما طالبت مصر في ردها بـ"حل عادل لقضية اللاجئين عملا بقرارات الامم التحدة". ان صياغة هذه القرارات (ومنها قرار مجلس الامن الدولي رقم 242) تفتتح المجال امام التفسيرات وهي في حاجة الى مفاوضات لشرحها. أشير هنا فقط الى احتمالين (او مزجهما معا) طرحا خلال المناقشات التي اجريتها مع شخصيات يهودية وعربية:
1- عودة الفلسطينيين المبعدين والراغبين في الرجوع الى اسرائيل. ان هذا الاحتمال محدود سلفا وخصوصا ان الاراضي العربية باتت اراضي يهودية، وكذلك الممتلكات. هذا واقع تاريخي لا يمكن العودة اليه من جديد من دون التسبب بضرر. ويمكن التخفيف منه اذا اقام الفلسطينيون في الاراضي التي لا تزال متوافرة و/او ان يصار الى تأمين التجهيزات والتعويضات المناسبة لهم.
قوبل هذا الاقتراح بالرفض بحجة (حجة صحيحة في حد ذاتها) ان هذه العودة سوف تحوّل بسرعة الاكثرية اليهودية الى اقلية وتقضي بالتالي على الهدف من وراء انشاء دولة اسرائيل. وهنا اعتقد ان السياسة الساعية الى تأمين استمرار الاكثرية مصيرها الفشل لان السكان اليهود محكومون بأن يبقوا اقلية داخل الحيز الواسع للدول العربية وخصوصاً انهم غير قادرين على الانفصال الى الابد عن هذه الدول من دون الوقوع في مناخ الغيتو ولو على قياس اكبر. يمكن لاسرائيل بالطبع إبقاء اكثرية يهودية من خلال سياسة هجرة نشيطة تؤدي في المقابل الى تأجيج الشعور القومي العربي، لكن لا حياة لاسرائيل كدولة متقدمة اذا استمرت في النظر الى جيرانها كأعداء. ولن يجد الشعب اليهودي الحماية المستديمة في وجود اكثرية منغلقة على نفسها ومنعزلة وسط مشاعر الخوف بل فقط في التعايش بين العرب واليهود كمواطنين يتمتعون بالحقوق والحريات نفسها. ولن يأتي هذا التعايش الا نتيجة مسار طويل من المحاولات والاخطاء، لكن الشروط الاولية لانجاز الخطوات الاولى متوافرة اليوم.
والواقع ان الشعب الفلسطيني يعيش منذ قرون فوق ارض تحتل اسرائيل جزءاً منها اليوم وتديره مما يجعل منها سلطة احتلال (حتى داخل اسرائيل نفسها) ويجعل من حركة التحرير الفلسطينية حركة تحرير وطنية مهما اتسمت القوة المحتلة بالليبيرالية.
2- يمكن الاستجابة للاماني الوطنية للشعب الفلسطيني من خلال اقامة دولة وطنية فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل ويرجع الى الشعب الفلسطيني ان يقرر من خلال استفتاء في اشراف الامم المتحدة ما اذا كان يريد لهذه الدولة ان تشكل كيانا مستقلا او ان يندرج ضمن فيديرالية مع اسرائيل او الاردن.
ان الحل الامثل ــ الطوباوي ــ يكون في التعايش بين الاسرائيليين والفلسطينيين، يهود وعرب، على قدم المساواة ضمن فيديرالية اشتراكية تضم دول الشرق الاوسط. لكن الحلول الموقتة المشار اليها آنفا هي المتوافرة هنا والآن وقد يؤدي عدم الاخذ بها الى حدوث اضرار لا يمكن تعويضها.30 كانون الاول/ديسمبر 1971
جميع الحقوق محفوظة 2003© , العالم الدبلوماسي و مفهوم
#هربرت_ماركوز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر.. حكم بالسجن المشدد 3 سنوات على سعد الصغير في -حيازة موا
...
-
100 بالمئة.. المركزي المصري يعلن أرقام -تحويلات الخارج-
-
رحلة غوص تتحول إلى كارثة.. غرق مركب سياحي في البحر الأحمر يح
...
-
مصدر خاص: 4 إصابات جراء استهداف حافلة عسكرية بعبوة ناسفة في
...
-
-حزب الله- يدمر منزلا تحصنت داخله قوة إسرائيلية في بلدة البي
...
-
-أسوشيتد برس- و-رويترز- تزعمان اطلاعهما على بقايا صاروخ -أور
...
-
رئيس اللجنة العسكرية لـ-الناتو-: تأخير وصول الأسلحة إلى أوكر
...
-
CNN: نتنياهو وافق مبدئيا على وقف إطلاق النار مع لبنان.. بوصع
...
-
-الغارديان-: قتل إسرائيل 3 صحفيين في لبنان قد يشكل جريمة حرب
...
-
الدفاع والأمن القومي المصري يكشف سبب قانون لجوء الأجانب الجد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|