جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 - 09:22
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
لو نظرَ أحدنا من إرتفاعات شاهقة من فوق الغلاف الجوي لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وللبحر الأحمر لوجد أن صحراء الربع الخالي واقعة بين نهرين كبيرين عظيمين هما النيل والفرات , وقد سادت الحضارة والمدنية فيهما قبل أن تسود في الصحراء العربية في الربع الخالي من شبه الجزيرة العربية , وقد نشأت حضارة بين النهرين دجلة والفرات بنفس التوقيت الزمني الذي نشأت به الحضارة في وادي النيل , هذا الوادي الذي إنبثقت منه شرارة الأديان السماوية والرياضيات وإختراع العربة , وإستعمال الذهب والفضة لتغطية باقي السلع بعد أن كانت السلع تُغطى بين النهرين دجلة والفرات بأساليب المقايضة أو التبديل سلعة بسلعة .
وفي خضم أعتى الصراعات بين الحضارتين , كان السلام يسود بينهما حتى أن الحروب لم تذكر بين حضارة وادي النيل وحضارة ما بين النهرين دجلة والفرات , أما بالنسبة للمنطقة التي تشغلها الآن : الأردن وإسرائيل وفلسطين , فقد كانت قديماً عبارة عن كرة قدم دولية بين فراعنة النيل وملوك دجلة والفرات , وكانت بلاد اليبوسيين والحثيين عبارة عن تبع سياسي إما للفراعنة وإما للميزو بوتومانيين (حضارة دجلة والفرات).
وقد كانت التدخلات العسكرية للحضارتين تحدثُ في بلاد اليبوسيين , أو مملكة داوود وسليمان القديمة, وبالتالي فمن المنطقي جداً أن تتشبع الصحراء العربية بثقافة هاتين الحضارتين دجلة والفرات , ومن جهة أخرى وادي النيل ,
وفي الوقت الذي إخترع به المصريون الذهب والفضة , كانت بلاد العرب أو الصحراء التي يسكنها الحجازيون من مكة إلى البحر الأبيض المتوسط عبارة عن بدو رحل حفاة عراة , عثروا هنالك على الحصان فدجنوه وإستأنسوه لأنفسهم , هو والجمل , وركبوه وجابوا به الصحراء وقادوا معاركهم من أجل الحصول على لقمة الخبز ومن أجل أن يتلذذوا بما يجدونه بيد غيرهم من المنتجين , ولذلك بدأ العرب في حرب لا هوادة بها بين الرعاة الذين يسكنون الصحراء التي لا تنجبُ لهم لا زرعاً ولا ضرعاً , وهذا ما عرف بإسم حروب البدو والفلاحين , فكان البدو في مواسم الجفاف وغيرها يغيرون على مزارع الفلاحين لنهبها لملأ بطونهم , وهذه القرصنة في الصحراء كانت نمطاً إنتاجياً وإسلوباً لكسب العيش , وحتى وقت قريب وقبل 100عام من كتابة هذا المقال كانت هذه الحروب والغزوات منتشرة بين البدو والفلاحين , وكان الحرامي واللص يعدُ فارساً عربياً لا يشقُ له غبار .
فمن هو الفارس العربي :
هو الذي يخرج من خيمته وبطنه فارغة إلى الصحراء التي لا يوجد بها زرعٌ ولا ضرعُ فيسرق ويقتل وينهب من أجل أن يملأ بطنه ويحشوه حشوة تكفيه لنصف نهار , ومن أجل أن يشبع جنسياً من بنات الفلاحين اللواتي يمنحن أنفسهن عن طيب خاطر وليهن ثقافة جنسية سلوكية , لأن البدوي لا يستطيع أن يستمتع جنسياً مع البدوية التي قتلتها ثقافة البدوي المستبد جنسياً وحبستها في الخيام والعراء.
وكذلك فرض البدوي الحجاب على زوجته وبناته نظراً لأنه يغيب ُ عن البيت طويلاً فكان يخشى على نسائه وبناته من السبي فكان يحجبهن عن الزوار حتى تطور هذا إلى حجاب جسدي ومن ثم حجاب إجتماعي , بعكس الفلاح الذي لم يفرض على زوجته الحجاب نظرا ً لكثرة عملها مع زوجها والعائلة في الحقول الزراعية .
والفارس العربي هو ذلك المغوار أول رجلٍ في التاريخ يركبُ الفرس والحصان والجمل , ليقطع مسافة طويلة في الصحراء بحثاً عن المواقع التي تصلح للرعي أوللمكوث بها .
لذلك إتسم الرعاة الذين يسكنون الصحراء : بالخشونة , وعدم الليونة , وبالإستعداد الفوري لحمل السلاح , وكان حتى قبل 100عام من كتابة هذا المقال من السهل جداً تجنيد الرعاة وتعبئة الجيوش بهم , إنهم يشبهون الجراد الذي يزحف للغزو ولملأ بطنه , وكان العربي يتوقف بخيله ورجله وجيشه عند المواقع التي يستطيع ُ منها أن يملأ معدته ولو لوجبة واحدة في اليوم .
ويبقى العربُ والعبرانيون على هذا الوضع , يجوبون في أنحاء صحرائهم بحثاً عن الماء والعُشب , وهذا هو التفسير المنطقي لغزو العبرانيين لبلاد العمالقة , ويقالُ أنهم هم من اعمالقة أصلاً ولكن نزوحهم إلى مصر وإستقرارهم بها 300عام أدى بإخوانهم العمالقة و(الفلستينيين) بأن ينسوهم , فحين هربوا من بطش الفراعنة وأرادو دخول أريحة قاومهم الفلستينيون , والفلستينيون كانوا هم الفلاحون , والعبرانيون هم الرعاة , ورفض الفلاحين دخول البدو العبرانيين أراضيهم كان عبارة عن رفض الغزو والقرصنة البدوية ومقاسمة الرعاة غذائهم وأموالهم ونسائهم , ولكن العبري المسكين الحافي القدمين يريدُ أن يأكل وأن يملأ بطنه وأن يترع حلاله من مياه وينابيع الفلاحين , وبما أن الرعاة إعتادوا على الخشونة , وبسبب الجوع والفاقة إستطاعوا أن ينتصروا لجوعهم وأن ينتقموا لبطونهم , فإنتصر طالوت وداود على جالوت زعيم الفلستينيين , وأرغموهم على قبول سطوتهم وعلى حق المشاركة في الغذاء معهم, وبعد فترة من الزمن وبسبب عوامل الإستقرار , تحول الرعاة إلى فلاحين , نعموا بالحياة وتلذذوا بأطايب نهر الأردن , وسواحل البحر الأبيض المتوسط , وتبدلت طبائعهم من الخشونة إلى النعومة ومن حبهم للحرب إلى حبهم للسلام وللإستقرار , لذلك قعدت همتهم عن حمل السلاح , وأرادوا أن يحملوا العلم والنور , لذلك ضعفت مملكتهم وإنقسمت على نفسها .
لقد أعطت الصحراء العربية للإنسان العربي قابلية كبيرة وعظيمة للحرب وللتخريب وللدمار , ولقد منح مُناخ الصحراء الجاف للعربي قدرة مثيرة ومميزة على ممارسة مهنة القرصنة في الصحراء حتى أن الذين حاولوا عبر التاريخ من خلق مجتمع بدوي مستقر كانت تنتهي حياته إما بالإغتيال والقتل وإما بالفشل قبل إكمال مشروعه , مثل : كُليب بن وائل , الذي بنى على قومه أسواراً , وهم لم يعتادوا عليها , لإنهم إعتادوا على ركوب الحصان والغزو وجلب : الطعام , والسبايا .
أحبار اليهود من هذه الناحية لم يعملوا على تزوير التوراة حين قالوا أن سبب سقوط مملكة داود وسليمان هو في حُب سليمان وعشقه للفلستينيات وإتخاذ الزوجات منهم , ولكن الخطأ في عملية التفسير , فالأحبار قالوا أن الرب (يهوى, يهوه ) غضب على سليمان فأسقط مملكته , ولكن الصحيح هو تحول البدو العبرانيين من رعاةٍ مستعدين دوماً للغزو ولحمل السلاح, وللقتل وللقرصنة إلى فلاحين مستقرين آمنين , يأكلون من أراضي خصبة ٍ من على يمينهم ومن على شمالهم , وبذلك نسوا طبائعهم القديمة والتي منحتهم إياها مناخات الصحراء الجافة .
إن مُناخ الصحراء الجاف لم يعمل فقط على نهب وسرقة الفلاح من قِبل البدوي الراعي , أي أنه لم يعمل فقط على إستعلال غذاء الفلاحين , بل عمل أيضاً على هظم وإبتلاع ثقافة الفلاحين وإدعائها لأنفسهم و بالتالي التعايش مع هذه الثقافة والمعاناة معها في خضم أعتى الظروف قساوة وعدم ملاأمة لضروف البدو الرعاة , لذلك ومن هذا المنطلق كانت عبادة الأوثان والأصنام التي عبدها الفلاحون موقع إستغراب وإستهجانٍ من قبل الرعاة, وكانت تدب حرباً دينية ً كل فترة بين الذين يجلبون الأصنام من مواقع الفلاحين وبين من لم يغادروا الصحراء , لأن الذين لم يغادروا الصحراء بقوا على طبيعتهم محبون جداً لإله مثله مثل الضوء موجودٌ في كل مكان , لا يوضعُ بين أربعة جدران , يسمع صوت دبيب النملة السوداءْ في الصخرة الصماء ْ في الليلة الظلماء ْ.
`
وكذلك أعطت الصحراء للبدوي طبيعة متناقظة جداً لمبادئه الحربية والعدوانية فقد منحته الكرم وحب الضيافة للضيف الذي يأتيه من خارج عشيرته أو من داخلها , فالضيف من اللافت للنظر أنه أصلاً جاء مطالباً بالغذاء وبدل أن يقوم بالقتل والقرصنة نجده أولاً يستعمل أساليب سلمية ٍ, ولذلك كان العربي كريماً مع ضيفه خشية أن لا يعطيه شيئاً فيعود الضيف ومع عدة الحرب والقتال , وأيضاً إضافة لذلك إحترم العربي البدوي ضيفه لكي لا تضيع المروءة بين الناس والضيافة هنا هي مقاسمة إنسان ٍجائع ٍ حتى في الجنس فكانوا يزوجون بناتهم خشية أن يعود الضيف بعدة القتال فيسبيهن سبياً.
هذه الصحراء منحت العربي طبيعة متناقضة مع جوهر وجوده , وإن لم يطعم الضيف فلسوف يموت ُ الضيفُ من الجوع , أو يموت المستضيف بحد السيف جراء منع الضيف من الطعام والشراب .
ولا ننسى أهم شيء وهو نساء الفلاحين , فنساء الفلاحين وبناتهم هن أجمل 100مرة من نساء البدو والرعاة لأن مُناخ الفلاحات قد أعطاهن نعومة وجمالاً وتدويرة وجه ٍ , ولون بشرة أبيض وأسمر مملوح, أما الصحراء فقد منحت بناتها لوناً أسمر غير مملوح لون ٌأسودٌ جداً غير مملوح , ولذلك قاد الرعاة الذكور حرباً على الفلاحين من أجل الحصول على الجمال , والنساء .
عدى عن ذلك إتسم البدوي بالكرم الشخصي لأنه يجلبُ رزقه بالقرصنة والسرقة وهو بهذا كريم لإنه لا يكرمُ من جيبه الخاص, بل يكرمُ بفضل الجباية والسرقة والقرصنة وإرعاب الآخرين وترويعهم, بعكس الفلاح , فالفلاح غير كريم لأنه يتعبُ جداُ بكسب رزقه , لذلك من الصعب أن يفرط به .
واليوم إستطاع النفط في الخليج العربي أن يجلب الشاميات أردنيات وفلسطينيات وسوريات ولبنانيات إلى الخليج العربي بدون غزو عسكري , بل بفضل رأس المال .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)