|
العرب بعد خمسين سنة !!
سيار الجميل
الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 09:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
العرب كلهم لم يفكروا حتى يومنا هذا بمستقبلهم ، ليس لأنهم منظومة مفككة .. بل لأن مشكلاتهم الداخلية والخارجية اكبر من قدرتهم على أن يفكروا ! وإذا يتأمل المرء في ذلك طويلا ، يجد أن هذا بدوره سببا واهيا ، كونهم منذ أن أسسوا منظمة تجمعهم اسمها جامعة الدول العربية ، فهم لم يفكروا أبدا بما يمكن أن يحصل لو نضب النفط من أرضهم المجدبة !! كما لم يفكروا بأية بدائل حقيقية يمكنها إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، خصوصا وان ثورة ديمغرافية هائلة يعيشونها منذ سنوات ، وان معدلات النمو السكانية تتفوق على ما يمكن أن يسد الرمق اليوم ، فماذا سيحصل بعد خمسين سنة من اليوم ؟ إن قدراتهم معطلة تماما عن الإنتاج والتنمية وصناعة الثروة ! ان بلدانهم الفقيرة تزداد انسحاقا ، وبلدانهم النفطية تزداد تبديدا لثرواتها .. العرب كلهم يستهلكون أكثر بكثير جدا مما ينتجون. إنهم لم ينجحوا أبدا في بناء بدائل حقيقية لهم لما سيواجهونه بعد خمسين سنة ! من المؤلم حقا ، أن حروبهم كلها إما فاشلة وأما عبثية ، وقد احرقوا عليها المليارات مع ازدياد إسرائيل قوة ووجودا ! إن الأرض العربية مجدبة لم تشهد أي بقعة ثورة زراعية حقيقية ، يمكنها أن تكون سلة غذاء مقارنة بما حصل في كل من تركيا وإسرائيل مثلا .. كذلك ، فشلت تجارب صناعية عربية عدة كانت قد بدأت منذ خمسين سنة ، قياسا لما جرى في بلدان مماثلة كالصين والبرازيل وماليزيا وكوريا .. إن تجارب صناعية فاشلة في كل من مصر والعراق والجزائر .. والتي صرفت عليها الملايين لم تعد اليوم إلا حطاما . لم ينجح العرب ببناء مشروعات إستراتيجية كبرى في الاستثمارات الداخلية لأسباب معلنة أو مجهولة .. لم نجد أي قاعدة استثمار عربية داخلية ناجحة .. أما الاستثمارات الخارجية ، فلا يمكن الاعتماد عليها أبدا في عصر تقلبات العولمة المريرة.. فضلا عن الإخفاقات التي لازمت الصناعة السياحية في بلدان مثل تونس ولبنان والمغرب ومصر لأسباب أمنية وسياسية ، مقارنة بما هو حاصل اليوم في اسبانيا وتركيا وماليزيا مثلا .. إن الأخطار التي تهدد البلدان العربية اكبر بكثير من الأخطار التي ستهدد البلدان الإقليمية، ذلك أن ثمة بعض الاكتفاء الذاتي في مرافق عدة تعيشها تلك البلدان ، ولكن البلدان العربية اليوم ستتعّرض للدمار حالا ، كونها تفتقد لبنى الإنتاج الحقيقية .. وان أسواقها المالية ستتعرض للانسحاق فجأة، كما تدل على ذلك تأثيرات الأحداث العالمية .. كما ستتعرض البلدان التي تعتمد على البترول في صناعة الطاقة إلى كارثة بشعة ، خصوصا إذا تأملنا انعدام الكهرباء والماء وكل الأساسيات الأخرى .. إننا حتى لو افترضنا بأن ثمة مصادر بديلة للطاقة ستتواجد في العالم ، فإنها ستكون غالية الأثمان جدا مع انعدام وجود أي مصادر أخرى للثروة في المنطقة العربية ! ثمة ضرورة لإعادة ترتيب الأولويات اليوم سواء بالنسبة للدول المنتجة للنفط ، أو في مجتمعاتنا العربية قاطبة ، نظرا لما تحتاجه من مستلزمات لخمسين سنة .. إن الفكر العربي مطالب أن يجيب على جملة أسئلة خطيرة ، لابد أن ينظر أليها بجدية كبيرة .. إنني انعي وجود عشرات المنظمات العربية والإسلامية ، وعدد لا يحصى من مراكز بحوث إستراتيجية عربية ، ناهيكم عن مؤسسات ومعاهد وجامعات .. كلها لم تطرح أية أسئلة خطيرة على بساط البحث ومحاولة إيجاد أجوبة حقيقية تلزم صنّاع القرار باتخاذ إجراءات عملية بدلا من صرف المليارات على الإعلاميات التافهة ، وعلى المشروعات الفاشلة ، والمهرجانات الفارغة .. إن ما يسمى بمشروعات إستراتيجية في عدد من دولنا هي مجرد دعايات ، فنحن لم نمتلك أية استراتيجيات حتى يومنا هذا ، لا وطنية ، ولا قومية ( باستثناء تجارب محلية نادرة ) ، وان الشغل الشاغل للحكومات هو الأمن الداخلي والإقليمي .. إنني لا اعترض على وجود أساطيل إعلامية ودعائية وبوليسية .. ولكن مجتمعاتنا بحاجة إلى البقاء والى الحياة قبل أن تواجهها التحديات فجأة وهي عاجزة ومشلولة عن أداء وظائفها العامة . لقد مضى نصف قرن من الزمن الصعب مع إيرادات نفطية عربية خيالية لم توظف توظيفا عقلانيا من اجل مصالح مجتمعاتنا العليا .. وعلى امتداد الزمن نفسه ، عانت مجتمعاتنا من حلاقة بشرية قسرية ، ونزيف للعقول العربية ، إذ هاجرت الآلاف المؤلفة من العقول وأبناء النخب المختصة والعلماء والمثقفين إلى الغرب بالذات من دون أي إحساس بالخذلان والأسى والذنب .. رحلت أفضل الكفاءات البشرية ، بعد أن انتظرتها مجتمعاتنا كي تخدمها . إن معظم دولنا وحكوماتنا لم يتملكها أي إحساس ببناء المستقبل بناء حقيقيا من اجل مواجهة الأخطار القادمة .. بعض مجتمعاتنا خدعتها الشعارات الماكرة والمزيفة ، بعد ظاهرة الانقلابات العسكرية المتوالية وممارسة التجارب الاشتراكية الفاشلة . فإذا كان وضع الدول والأنظمة السياسية بهذه الصورة، فماذا نتأمّل أن تكون عليه شعوبنا التي تفكر بالأمان والخدمات ووسائل العيش قبل أن تفكر بالمستقبل وبمصير أحفادها القادمين ؟؟ إن العرب بعد خمسين سنة من اليوم ، لا يمكنهم أن يكون لهم وجود حضاري ، إن لم يبدأوا التغيير الجذري لكل أساليبهم منذ اليوم ، وان يعملوا على تنمية تفكيرهم بدءا بالزعماء وصناع القرارات وانتهاء بالمواطنين العاديين .. عليهم أن يضعوا العام 2050 هدفا لهم للوصول إليه .. عليهم أن يستثمروا كل ما لهم وما عليهم ، وان يتعلموا من تجارب الآخرين كيف تكون مسيرتهم الحضارية . فهل بلغ ندائي هذا كل العرب ؟ اللهم اشهد .
#سيار_الجميل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أين صارت مبادرات الإصلاح؟
-
خطوة عراقية نحو التغيير !
-
الأحفاد في الشتات
-
رسالة إلى الأصدقاء اليساريين العراقيين
-
ميسون .. أو أسامة : أحقّ من غيرهما أيها النوّاب
-
العراق 2008: تقرير سنوي رصد كورنولوجي للإحداث وتوقّعات للعام
...
-
دَرس غَزّة : التوّحد بعد الانقسام !
-
سَحلٌ بالحِبالِ أمْ رَشقٌ بالأحْذِية ؟
-
2009: مواجهة التحديات الصعبة
-
قبل ان يأكلنا ماردُ العصر !
-
حقوق الملكية الفكرية والثقافية العربية
-
جون لينون..الموسيقار البريطاني الراحل رائد فرقة البيتلز ..ار
...
-
المثقفون الملتزمون
-
سارة بلين : هل ينتظرها مستقبل سياسي ؟
-
الماضي يسحق مجتمعاتنا !
-
مأساة الاقليات في العراق
-
اضطهاد المثقفين
-
-الاوليغارشية- تهدّد المجتمع العراقي
-
مكابدات الوعي هل يكون العراق او لا يكون ؟
-
بَرويز مُشَّرف : هروبٌ غَير مُشِّرفْ !
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|