أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - مازن كم الماز - أنطون بانيكوك : رأسمالية الدولة و الديكتاتورية ( 1936 )















المزيد.....


أنطون بانيكوك : رأسمالية الدولة و الديكتاتورية ( 1936 )


مازن كم الماز

الحوار المتمدن-العدد: 2569 - 2009 / 2 / 26 - 09:45
المحور: الارشيف الماركسي
    


أنطون بانيكوك*
رأسمالية الدولة و الديكتاتورية
1936
1

يستخدم تعبير "رأسمالية الدولة" كثيرا بطريقتين مختلفتين : الأولى كشكل اقتصادي تمارس فيه الدولة دور رب العمل الرأسمالي , مستغلة العمال لمصلحة الدولة . نظام البريد الفيدرالي أو السكك الحديدية المملوكة من الدولة هي أمثلة على هذا النمط من رأسمالية الدولة . في روسيا يهيمن هذا النوع من رأسمالية الدولة في الصناعة : يجري تخطيط العمل و تمويله و إدارته من قبل الدولة , تعين الدولة مدراء الصناعة و تعتبر الأرباح دخلا للدولة . في الطريقة الثانية نجد وضعا يحدد كرأسمالية الدولة ( أو اشتراكية الدولة ) تسيطر في ظله الدولة على الشركات الرأسمالية . هذا التعريف خادع , طالما كانت الرأسمالية تستمر بالوجود تحت هذه الظروف في شكل الملكية الخاصة , رغم أن مالك الشركة لم يعد السيد الوحيد بمفرده , و أن سلطته قيدت طالما تم القبول بنوع ما من نظام التأمين الاجتماعي للعمال .
إنها تعتمد على درجة تدخل الدولة في عمل الشركات الخاصة . إذا مررت دولة ما قوانينا خاصة تؤثر على ظروف العمل مثل تعيين و طرد العمال , و إذا جرى تمويل الشركات من قبل منظومة البنوك الفيدرالية , أو منحت إعانات حكومية لدعم تجارة التصدير , أو إذا جرى تثبيت حدود أرباح الشركات الكبرى بالقانون – عندئذ سنصل إلى وضع ستنظم فيه سيطرة الدولة مجمل الحياة الاقتصادية . هذا يختلف عن رأسمالية الدولة الصارمة بدرجات معينة . عند اعتبار الوضع الاقتصادي الحالي في ألمانيا فإننا نعتبر هذا النوع من رأسمالية الدولة سائدا هناك . إن حكام الصناعة الكبرى في ألمانيا ليسوا أتباعا خاضعين للدولة لكنهم القوة الحاكمة في ألمانيا من خلال الموظفين الفاشيين في مكاتب الحكم . تطور الحزب الاشتراكي الوطني كأداة لهؤلاء الحكام . أما في روسيا , من جهة أخرى , قد جرى تدمير البرجوازية من قبل ثورة أكتوبر تشرين الأول و قد اختفت تماما كقوة حاكمة . و تولت بيروقراطية الحكومة الروسية السيطرة على الصناعة النامية . يمكن لرأسمالية الدولة الروسية أن تتطور لأنه لا توجد هناك برجوازية قوية . في ألمانيا , كما في أوروبا الغربية و في أمريكا , فإن البرجوازية في كامل قوتها , مالكة لرأس المال و وسائل الإنتاج . هذا ضروري كسمة للرأسمالية . العامل الحاسم هنا هو صفة تلك الطبقة التي تملك السيطرة الكاملة على رأس المال و ليس الشكل الداخلي من الإدارة و لا درجة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية للشعب . إذا اعتبرت هذه الطبقة أنه من الضروري أن تقيد نفسها بتنظيم أكثر صرامة – خطوة يمكن أن تجعل أيضا الرأسماليين الفرديين الأصغر أكثر اعتمادا على إرادة الرأسماليين الكبار – فإن طبيعة الرأسمالية الخاصة ستستمر بالبقاء . علينا لذلك أن نميز بين رأسمالية الدولة و هذه الرأسمالية الخاصة التي قد تنظم إلى أعلى الدرجات بواسطة الدولة .
هذه التنظيمات الصارمة يجب ألا ترى ببساطة على أنها محاولة لإيجاد مخرج من الأزمة . تلعب الاعتبارات السياسية دورا أيضا هنا . تشير أمثلة تنظيم الدولة إلى هدف واحد عام : الاستعداد للحرب . حيث يجري تنظيم صناعة الحرب , كما يحدث لإنتاج المزارعين للغذاء – لكي يجري الاستعداد للحرب . مفقرة بنتيجة الحرب الأخيرة – و قد انتزعت منها بعض المقاطعات , و المواد الخام , و مستعمراتها , و رأس المال , يجب على البرجوازية الألمانية أن تحاول إعادة تأهيل قواها المتبقية من خلال تركيزها الشديد . و هي ترى الحرب كملاذ أخير , عليها أن تضع أكثر ما يمكنها من موارد ضرورية بيد سيطرة الدولة . عندما تواجه بالهدف العام للسلطة العالمية الجديدة توضع المصالح الخاصة بأقسام مختلفة من البرجوازية في الخلف . كل القوى الرأسمالية تواجه هذا السؤال : إلى أي حد يجب تفويض الدولة , كممثل للمصالح المشتركة للبرجوازية الوطنية , بالسلطة على الأفراد و الموارد المالية و الصناعة في الصراع العالمي من أجل السلطة ؟ هذا يفسر لماذا في تلك الشعوب من السكان الفقراء لكن التي تتقدم بسرعة , دون مستعمرات أو مع القليل منها فقط , ( مثل إيطاليا , ألمانيا , اليابان ) تولت الدولة أكبر أو أعلى سلطة .
يمكن للمرء أن يطرح السؤال : أليست رأسمالية الدولة هي فقط "مخرجا" للبرجوازية ؟ من الواضح أن رأسمالية الدولة مناسبة , فقط إذا كان من الممكن إدارة و تخطيط القوى المنتجة بشكل مركزي من الأعلى لتلبي حاجات السكان و للقضاء على الأزمات . إذا أمكن خلق ظروف كهذه فإن البرجوازية ستتوقف عن أن تبقى برجوازية حقيقية . في المجتمع البرجوازي , لا يوجد فقط استغلال للطبقة العاملة بل يجب أن يوجد أيضا الصراع المستمر بين الأجزاء المختلفة من الطبقة الرأسمالية على الأسواق و على موارد استثمار رأس المال . هذا الصراع بين الرأسماليين مختلف تماما عن المنافسة الحرة القديمة على السوق . فتحت غطاء تعاون رأس المال داخل الأمة يوجد هناك صراع مستمر بين احتكارات عملاقة . لا يمكن للرأسماليين أن يتصرفوا كمجرد جامعين للربح , تاركين المبادرة لموظفي الدولة أن يتفرغوا لاستغلال الطبقة العاملة . يمتد صراع الرأسماليين بين بعضهم البعض على الربح و على السيطرة على الدولة لكي يحموا مصالح جناحهم الخاصة و مجال نشاطهم أبعد من حدود الدولة . رغم أنه أثناء الأزمة الحالية جرى تركيز قوي داخل كل أمة رأسمالية , تبقى هناك تداخلات عالمية قوية ( لرأس المال الكبير ) . في شكل صراع بين الأمم , يستمر الصراع بين الرأسماليين , حيث إن لأزمة سياسية شديدة في الحرب و الهزيمة تأثير أزمة اقتصادية .
عندما يبرز سؤال فيم إذا كانت رأسمالية الدولة أو لا – بالمعنى الذي استخدمت فيه آنفا – هي مرحلة وسيطة ضرورية قبل أن تستولي البروليتاريا على السلطة , فيم إذا كانت الشكل الأعلى و الأخير من الرأسمالية التي أقامتها البرجوازية , فإن الجواب هو لا . من جهة أخرى فيم إذا كانت رأسمالية الدولة تعني السيطرة و التنظيم الصارمين لرأس المال الخاص من قبل الدولة , فالجواب نعم . تختلف درجة سيطرة الدولة داخل بلد ما مع الزمان و الظروف , و الاحتفاظ ب أو زيادة الأرباح المتأتية من خلال طرق مختلفة , و اعتمادا على الظروف التاريخية و السياسية و العلاقة بين الطبقات .

2

إن هدف الطبقة العاملة هو تحررها من الاستغلال . لم يتم الوصول إلى هذا الهدف و لا يمكن الوصول إليه من خلال طبقة حاكمة و موجهة جديدة تحل مكان البرجوازية . بل يمكن تحقيقه فقط بأن يصبح العمال أنفسهم سادة على الإنتاج .
لكن من الممكن و المرجح تماما أن رأسمالية الدولة ستكون مرحلة وسطى , حتى تنجح البروليتاريا بإقامة الشيوعية . لكن هذا يمكن أن يحدث لأسباب سياسية لا اقتصادية . لن تكون رأسمالية الدولة نتيجة أزمات اقتصادية بل نتيجة الصراع الطبقي . في المرحلة النهائية للرأسمالية يصبح الصراع الطبقي أكثر القوى أهمية التي تحدد أفعال البرجوازية و ترسم شكل اقتصاد الدولة . من المتوقع أنه نتيجة للضغط و الصراع الاقتصادي الهائل فإن الصراع الطبقي لبروليتاريا المستقبل سيندلع أو يثور في عمل جماعي , سواء إذا كان هذا العمل الجماعي نتيجة النزاعات على الأجور أو الأزمات الاقتصادية , سواء أكان الشكل الذي ستأخذه إضرابات عامة , اضطرابات في الشوارع أو صراع مسلح , ، فإن البروليتاريا ستقيم منظمات مجلسية ( مجالس ) – أي أجهزة للتسيير الذاتي و الأداء المنظم للعمل . هذه ستكون الحالة خاصة في ألمانيا. هناك جرى تدمير الأجهزة السياسية القديمة للصراع الطبقي , و يقف العمال كأفراد جنبا إلى جنب دون أن يكون لديهم أي ولاء سوى لطبقتهم . ما أن تتطور الحركات السياسية واسعة النطاق , حتى يتصرف العمال فقط كطبقة , يحاربون فقط كطبقة عندما يعارضون المبدأ الرأسمالي لديكتاتورية الرجل الواحد بالمبدأ البروليتاري للتسيير الذاتي للجماهير . في بقية البلاد البرلمانية , من جهة أخرى , فإن العمال معاقون بشدة في تطويرهم للفعل الطبقي المستقل بواسطة نشاطات الأحزاب السياسية . تعد هذه الأحزاب الطبقة العاملة بوسائل نضالية أكثر سلامة , فارضة قيادتها على العمال محولة أغلبية الشعب إلى أتباعها المغفلين بمساعدة ماكينتها الدعائية . في ألمانيا هذه العوائق هي تقليد ميت .
إن نضالات جماهيرية بدائية كهذه هي فقط البداية لمرحلة من التطور الثوري . دعنا نفترض وضعا ملائما للبروليتاريا , حيث الفعل البروليتاري قوي بما فيه الكفاية ليؤدي إلى شلل الدولة البرجوازية و الإطاحة بها . بالرغم من الفعل الجماعي بهذا المعنى , فإن درجة نضج الجماهير قد تختلف . سيتم اكتساب فكرة واضحة عن الأهداف , الطرق و الوسائل , فقط أثناء عملية الثورة و بعد النصر الأول ستؤكد الخلافات فيما يتعلق بالتكتيكات المستقبلية . سيظهر المتحدثون باسم الحزب الاشتراكي أو الشيوعي , أنهم ليسوا ميتين , فأفكارهم على الأقل حية بين الجزء "المعتدل" من العمال . لقد حان الآن دورهم ليضعوا برامجهم عن "اشتراكية الدولة" موضع التنفيذ .
أما العمال الأكثر تقدمية الذين سيكون هدفهم وضع قيادة النضال تحت سيطرة الطبقة العاملة من خلال منظمات مجلسية ( أي المجالس أو السوفيتات العمالية - المترجم ) , ( و بالتالي يؤدون إلى إضعاف قوة العدو الممثلة في قوة الدولة ) سيصطدمون بالدعاية "الاشتراكية" التي ستشدد على ضرورة بناء سريع للنظام الاشتراكي من خلال حكومة "اشتراكية" . ستكون هناك تحذيرات ضد المطالب المتطرفة , و اتهامات بالجبن من أولئك الذين ما يزال فكر الشيوعية البروليتارية مستحيل بالنسبة لهم أو لا يمكن تصوره , سينصحون بمساومات مع الإصلاحيين البرجوازيين , إضافة إلى الدفع للبرجوازية عوضا عن إجبارها من خلال تجريدها من الملكية من خلال المقاومة الصارخة . ستجري محاولات لزجر العمال بعيدا عن الأهداف الثورية – بعيدا عن الصراع الطبقي الحازم . حول هذا النمط من الدعاية سيلتف أولئك الذين يشعرون أنهم مدعوون ليكونوا على رأس الحزب أو لتولي قيادة العمال . بين هؤلاء القادة سيكون قسم كبير من الإنتلجنسيا ( طبقة المثقفين – المترجم ) الذين يكيفون أنفسهم بسهولة مع "اشتراكية الدولة" , و لكن ليس مع الشيوعية المجلسية , و مع بقية فصائل البرجوازية التي ترى في نضال العمال موقعا لطبقة جديدة يمكنها منه أن تحارب الشيوعية بنجاح . "الاشتراكية ضد الفوضى" , هكذا ستكون صرخة الحرب لأولئك الذين يريدون أن ينقذوا من الرأسمالية ما يمكنهم إنقاذه .
ستعتمد نتيجة هذا الصراع على نضج الطبقة العاملة الثورية . إن أولئك الذين يعتقدون أن كل ما يجب على المرء فعله هو انتظار الفعل الثوري , لأنه عندها ستقوم الضرورة أو الحتمية الاقتصادية بتعليم العمال كيف سيتصرفون على نحو صحيح , هم ضحايا الوهم . من المؤكد أن العمال سيتعلمون بسرعة و سيتصرفون بقوة في الأزمنة الثورية . في تلك الأثناء من الممكن تجربة هزائم ثقيلة , تؤدي إلى خسارة أعداد لا تحصى من الضحايا . كلما كان عمل تنوير البروليتاريا أكثر كمالا أو حصافة , كلما كان هجوم الجماهير على محاولة "القادة أو الزعماء" توجيه أعمالهم في قنوات اشتراكية الدولة أكثر حزما . باعتبار الصعوبات التي تواجه اليوم مهمة التنوير هذه يبدو من غير المحتمل أن يكون أمام العمال طريق مفتوح نحو الحرية دون نكسات . في هذا الوضع توجد احتمالات لرأسمالية الدولة كمرحلة وسيطة قبل قدوم الشيوعية .
هكذا فإن الطبقة الرأسمالية لا تتبنى رأسمالية الدولة بسبب صعوباتها الاقتصادية . يمكن للرأسمالية الاحتكارية , خاصة عندما تستخدم الدولة كديكتاتورية فاشية , أن تضمن لنفسها معظم امتيازات تنظيم اقتصادي واحد دون أن تتخلى عن سيطرتها على الإنتاج . لكن سيكون هناك وضع مختلف , عندما تشعر بنفسها تحت وطأة ضغوط شديدة من الطبقة العاملة أن الشكل القديم من الرأسمالية الخاصة لا يمكنه الاستمرار بعد اليوم . عندها ستكون رأسمالية الدولة هي المخرج : المحافظة على الاستغلال في شكل مجتمع "اشتراكي" , حيث سيوجه "القادة الأكثر كفاءة" , "أفضل العقول" , و "أعظم الرجال الفاعلين" الإنتاج و حيث ستعمل الجماهير بخنوع تحت إمرتهم . لا فرق في المبدأ إذا سمي هذا الوضع أم لا برأسمالية الدولة أو اشتراكية الدولة . إذا أشار المرء من التعبير الأول "رأسمالية الدولة" إلى وجود بيروقراطية دولة حاكمة و مستغلة أو في التعبير الثاني "اشتراكية الدولة" إلى جهاز ضروري من الموظفين الذين هم خدم صالحون أو مطيعون للمجتمع يتشاركون العمل مع العمال , الفرق في التحليل الأخير يكمن في مقدار الرواتب و المستوى الكمي للنفوذ في أمور الحزب .
إن شكلا كهذا للمجتمع لا يمكن أن يكون مستقرا , إنه شكل للتراجع أو للارتداد , ستنهض الطبقة العاملة ضده مرة أخرى . في ظله يمكن جلب قدر معين من النظام لكن الإنتاج سيبقى مقيدا . و سيبقى التطور الاجتماعي معرقلا . كانت روسيا قادرة , من خلال هذا الشكل للتنظيم , أن تتحول من شبه البربرية إلى رأسمالية متطورة , أن تتفوق حتى على إنجازات الرأسمالية الخاصة في الدول الغربية . في هذه العملية نشاهد الحماسة الظاهرة بين الطبقات البرجوازية "المحدثة" , في كل مكان بدأت فيه الرأسمالية طريقها . لكن رأسمالية الدولة كهذه لا يمكنها أن تتطور . في أوروبا الغربية و أمريكا نفس الشكل من التنظيم الاقتصادي لن يكون تقدميا , لأنه سوف يعيق قدوم الشيوعية . إنه سيعيق الثورة الضرورية في الإنتاج , التي ستكون رجعية في الطابع و ستأخذ الشكل السياسي للديكتاتورية .



3

يتذرع بعض الماركسيين بأن ماركس و أنجلز قد تنبآ بهذا التطور للمجتمع نحو رأسمالية الدولة . لكننا لا نعرف عن أي تصريح لماركس فيما يتعلق برأسمالية الدولة يمكننا أن نستنتج منه أنه قد اعتبر الدولة و هي تنهض بدور الرأسمالي الوحيد , على أنها المرحلة الأخيرة للمجتمع الرأسمالي . لقد رأى في الدولة أداة قمع , يستخدمها المجتمع البرجوازي ضد الطبقة العاملة . بالنسبة لأنجلز "تستولي البروليتاريا على سلطة الدولة و عندها تغير ملكية وسائل الإنتاج إلى ملكية للدولة" .
هذا يعني أن نقل الملكية إلى ملكية للدولة لا يحدث من قبل . إن أية محاولة لجعل جملة أنجلز هذه مسؤولة عن نظرية رأسمالية الدولة , تضع أنجلز في تناقض مع نفسه . أيضا لا يوجد تأكيد على وجودها في الوقائع الفعلية . ما تزال السكك الحديدية في البلاد الرأسمالية عالية التطور , مثل انكلترا و أمريكا , ملكية خاصة للشركات الرأسمالية . فقط خدمات البريد و التلغراف ( البريد البرقي ) مملوكة من الدولة في معظم البلاد , لكن لأسباب أخرى عدا مستواها العالي من التطور . كانت السكك الحديدية الألمانية مملوكة للدولة لأسباب عسكرية غالبا . فقط رأسمالية الدولة التي مكنت من نقل وسائل الإنتاج إلى ملكية الدولة هي روسية , و لكن ليس بسبب مستواها العالي من التطور , بل بالأحرى بسبب مستواها المتدني من التطور . لكن لا يمكن إيجاد أي شيء عند أنجلز يمكن تطبيقه على الظروف كما توجد في ألمانيا و إيطاليا اليوم , حيث هناك تنظيم إشرافي ( وصائي ) قوي , و تقييد لحرية الرأسمالية الخاصة من قبل الدولة كلية القوة .
هذا طبيعي تماما , لأن أنجلز لم يكن نبيا , لقد كان فقط عالما يدرك بشكل جيد عملية التطور الاجتماعي . إن الذي يعرضه هو الاتجاهات الأساسية في هذا التطور و أهميتها . إن أفضل تعبير عن نظريات التطور عندما يجري الحديث عنها من خلال العلاقة مع المستقبل , لذلك من المفيد إبداء الحذر عند التعبير عنها . إن تعبيرا أقل حذرا , كما هي الحالة غالبا مع أنجلز , لا تقلل من قيمة التنبؤات على الأقل , رغم أن الوقائع لا تتطابق تماما مع هذه التوقعات . لرجل من وزنه الحق في التوقع لكن يجب التعامل مع افتراضاته بحذر , رغم أنه قد تم التوصل إليها تحت ظروف محددة . إن استنتاج اتجاهات الرأسمالية و تطورها , و صياغتها في نظريات مترابطة و شاملة ضمنت لماركس و أنجلز موقعا بارزا بين أكثر المفكرين و العلماء الكبار للقرن 19 , لكن الوصف الدقيق للبنية الاجتماعية لنصف قرن مقدما بكل تفاصيله كان مستحيلا حتى بالنسبة لهما .
تصبح الديكتاتوريات , كتلك التي في إيطاليا و ألمانيا , ضرورة كوسيلة لفرض النظام الجديد و القيود المنظمة بالإكراه على الجمهور المعارض الذي يتألف من الرأسماليين الصغار . لهذه الأسباب ينظر إلى ديكتاتوريات كهذه غالبا على أنها شكل سياسي مستقبلي لمجتمع الرأسمالية المتطورة في كل العالم .
طوال 40 سنة أشارت الصحافة الاشتراكية إلى أن الحكومة الملكية العسكرية هي شكل سياسي لمجتمع ينتمي إلى مجتمع رأسمالي مركزي . لأن البرجوازية بحاجة لقيصر , اليونكر ( طلاب المدارس العسكرية من الطبقة الأرستقراطية – المترجم ) و الجيش للدفاع ضد الطبقة العاملة الثورية من جهة و ضد الدول المجاورة من جهة أخرى . لعشرة سنوات ساد الاعتقاد بأن الجمهورية كانت الشكل الحقيقي لحكم الرأسمالية المتطورة , لأنه في ظل هذا الشكل من الدولة كانت البرجوازية هي السيدة . تعتبر الديكتاتورية اليوم شكلا ضروريا للحكم . مهما كان شكل الدولة فقد جرى على الدوام إيجاد الأسباب الضرورية لهذا . بينما أن بلدان مثل انكلترا , فرنسا , أمريكا و بلجيكا مع وجود رأسمالية عالية التركيز و التطور , تحتفظ في نفس الوقت بنفس شكل الحكومة البرلمانية , سواء أكانت جمهورية أو ملكية . يثبت هذا أن الرأسمالية تختار طرق عديدة تؤدي إلى نفس الغرض , و يثبت هذا أيضا أنه يجب ألا يكون هناك أي تسرع في التوصل لاستنتاجات من الخبرات في بلد ما لتطبق على العالم بأسره .
في كل بلد يحقق رأس المال الكبير سلطته من خلال المؤسسات السياسية القائمة , التي تطورت عبر التاريخ و التقاليد , و التي تتغير وظائفها عندها بوضوح . تقدم انكلترا مثالا هنا . هناك النظام برلماني مقترن بدرجة عالية من الحرية و الاستقلال الفرديين ناجح جدا بحيث أنه لا توجد هناك أية آثار مهما تكن للاشتراكية , الشيوعية , أو للتفكير الثوري بين الطبقة العاملة . هناك أيضا رأسمالية احتكارية تنمو و تتطور . هناك أيضا تسيطر الرأسمالية على الحكومة . هناك أيضا تتخذ الحكومة إجراءات للتغلب على نتائج الكساد , لكنها تتمكن من فعل ذلك دون مساعدة الديكتاتورية . هذا لا يجعل من انكلترا ديمقراطية , لأنه قبل نصف قرن بالتمام كانت زمرتان أرستقراطيتان من السياسيين تشكلان الحكومة بالتناوب , و نفس الظروف تسود اليوم أيضا . لكنهم يحكمون هناك بوسائل مختلفة , على المدى البعيد قد تكون هذه الوسائل أكثر فاعلية من الديكتاتورية القاسية . مقارنة بألمانيا فإن الحكم السهل و القوي للرأسمالية الانكليزية يبدو أكثر طبيعية . في ألمانيا يدفع ضغط الحكومة البوليسية العمال إلى الحركات الراديكالية , و بالنتيجة سيحصل العمال على السلطة السياسية الخارجية أو الظاهرة , ليس من خلال جهود قوة داخلية كبرى منهم , بل من خلال الهزيمة العسكرية لحكامهم , و سيشاهدون في النهاية تلك السلطة و قد دمرتها ديكتاتورية شديدة , نتيجة الثورة البرجوازية الصغيرة التي مولها رأس المال الاحتكاري . يجب ألا يفهم هذا على أنه يعني أن الشكل الانكليزي للحكم هو طبيعي بالفعل , و أن الشكل الألماني غير طبيعي , كما سيكون من الخطأ أيضا افتراض العكس . يجب الحكم على كل حالة بشكل منفصل , كل بلد يملك نوع الحكومة الذي ينشأ عن مساره الخاص من التطور السياسي .
عند مراقبة أمريكا , نجد في هذه الأرض التي يوجد فيها أكبر تركيز لرأس المال الاحتكاري , رغبة محدودة جدا بالتحول إلى ديكتاتورية كما هي الحال في انكلترا . لقد فرضت تحت إدارة روزفلت ضوابط و أفعال محددة للتخفيف من آثار الكساد , بعضها كان جديدا بالكامل . من بينها كانت بداية سياسة اجتماعية كانت حتى ذلك الوقت غائبة تماما عن السياسة الأمريكية . لكن رأس المال الخاص يثور بالفعل على هذا و هو يشعر أنه قوي بما فيه الكفاية ليسير في مساره الخاص في الصراع السياسي على السلطة . عند رؤيتها من أمريكا تبدو الديكتاتوريات في عدد من الدول الأوروبية مثل مدرعات ثقيلة , مدمرة للحرية , يجب على الشعوب المضغوطة في أوروبا أن تتحملها , لأن العداء الموروث يدفعها نحو التدمير المتبادل , لكن ليست كما هي في الواقع , أشكال ذات غرض محدد من رأسمالية عالية التطور .
إن الجدال في سبيل حركة عمالية جديدة , التي نسميها باسم الشيوعية المجلسية , لا تجد أساسها في رأسمالية الدولة و الديكتاتورية الفاشية . تمثل هذه الحركة حاجة حيوية للطبقة العاملة و التي ستتطور في كل مكان . إنها تصبح ضرورة بسبب الصعود الهائل في قوة رأس المال , لأنه ضد قوة بهذه الضخامة تصبح الأشكال القديمة للحركة العمالية عاجزة , لذا يجب على العمال أن يجدوا أشكال جديدة للصراع . لهذا السبب فإن مبادئ أي برنامج للحركة العمالية الجديدة لا يمكن أن يقوم لا على رأسمالية الدولة , الفاشية و لا الديكتاتورية على أنها قضيتها , بل فقط على القوة ( أو السلطة ) المتنامية باضطراد لرأس المال و عقم الحركة العمالية القديمة للتغلب على سلطة رأس المال تلك .
بالنسبة للطبقة العاملة في الدول الخاضعة للفاشية يسود كلا الظرفان , السلطة المتصاعدة لرأس المال هناك هي السلطة التي تمسك بالديكتاتورية السياسية كما الاقتصادية للبلد . عندما ترتبط الدعاية لأشكال جديدة من الفعل مع وجود الديكتاتورية , فإنها تكون وفق ما يجب أن تكون . لكن سيكون من الغباء إقامة برنامج أممي كهذا على مبادئ كهذه متناسين أن الظروف في بقية البلدان تختلف كثيرا عن تلك في الدول الخاضعة للفاشية .


ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن http://www.marxists.org/archive.pannekeo/index.htm

* من أبرز منظري الشيوعية المجلسية



#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برودون إلى ماركس
- الحكيم بعد عام على غيابه : اكتشاف الإنسان و نقد فكرة الزعيم
- هكذا تفهم الحروب و هكذا تنتهي
- عن تصاعد قمع الأكراد في سوريا و محاكمات جرائم الأكراد الفيلي ...
- في المفاضلة بين القتلة و الحرامية
- أمريكا من الرأسمالية إلى الإمبريالية
- الأخلاق : فضائل الدولة لميخائيل باكونين
- عن الشهادة و الشهداء
- لا تسجد
- جدل مع مقال الأستاذ ياسين الحاج صالح عن المجتمع المكشوف
- في مديح الديكتاتور مهداة للرفيق ستالين
- محمود درويش من أحمد الزعتر ( 1977 ) إلى خطبة الهندي الأحمر ( ...
- المعارضة الليبرالية الديمقراطية للأناركية
- عن هويتنا كبشر
- تعليق على دفاع الأستاذ غياث نعيسة عن الماركسية الثورية
- لا دولة واحدة و لا دولتين , بل لا دولة
- وا معتصماه ! : أمجاد الجنرالات و عالم الصغار
- ملحمة غزة
- استخدام البشرة السوداء لكينغ و أوباما لتحسين الحلم الأمريكي
- بيان أممي شيوعي أناركي عن الوضع في غزة إسرائيل


المزيد.....




- إسقاط التطبيع إرادة سياسية
- جريدة النهج الديمقراطي العدد 599
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 598
- لافروف يعلن عن دعوة الأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي لحض ...
- تركيا.. حزب الشعب الجمهوري يدعو أنصاره إلى المقاطعة التجارية ...
- رسالة جديدة من أوجلان إلى -شعبنا الذي استجاب للنداء-
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 31 مارس 2025
- حزب التقدم والاشتراكية ينعي الرفيق علي كرزازي
- في ذكرى المنسيِّ من 23 مارس: المنظمة الثورية
- محكمة فرنسية تدين زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في قضية ا ...


المزيد.....

- مايكل هارينجتون حول الماركسية والديمقراطية (مترجم الي العربي ... / أحمد الجوهري
- وثائق من الارشيف الشيوعى الأممى - الحركة الشيوعية في بلجيكا- ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الثقافة والاشتراكية / ليون تروتسكي
- مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس / حسين علوان حسين
- العصبوية والوسطية والأممية الرابعة / ليون تروتسكي
- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - مازن كم الماز - أنطون بانيكوك : رأسمالية الدولة و الديكتاتورية ( 1936 )