أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - جهاد علاونه - فلسفة نهر الفرات















المزيد.....

فلسفة نهر الفرات


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 08:57
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


بقدر ما كان النيلُ كريماً مع أصحابه وعشاقه , بقدر ماكان الفرات ودجلة شحيحين وغضوبين مع العراقيين .
و طبيعة التضاريس العراقية والتركية , جعلت من الفرات نهراً , قلقاً , لاينام بأوقاته ولا يصحو كما يصحو الفلاح العراقي , وليس هادئاً كالنيل بل ثورجياً, إن التضاريس ودرجة الحرارة المرتفعة في أفريقيا كانت طول أيام السنة تجعل النيل سائلاً مائياً , ولكن الفرات المسكين جمدته درجات الحرارة المنخفضة في مرتفعات تركيا , وبهذا كانت درجات الحرارة هي التي تتحكم بفيضان نهر دجلة والفرات .
يعني يفيضُ الفرات على حسب ذوبان الثلوج وهي غالباً ماكانت تفيض دفعة واحدة مشكلة السيول والإنجرافات , فتدمر المحاصيل وبالتالي تتسبب بهجرة وثورة الإنسان العراقي .
لقد كان النيلُ وما يزالُ نومه وصحوه هادئاً مثل نوم وصحو الأطفال والعذارىالجميلات, ولا يشكلُ لا قلقاً ولا تخريباً كما هو الفرات ودجلة .

وكان الفيضان غير منتظمٍ بعكس الحالُ عند المصريين نظراء العراقيين القدامى(الميزوبوتومانيين), وبالتالي تأخر العراقيون عن إكتشاف وإستعمال نظام العد الشمسي , وإستعاضوا عنه بنظام العد القمري , فقد وجه العراقي رأسه للسماء وراقب حركة القمر وعدد أيام شروق الشمس وغروبها لكي يظهر القمر من جديد بعد إختفائه, وبهذا عرف العراقيون أول ما عرفوا نظام العد القمري الشبيه بنظام العد الهجري الإسلامي , ولو كان في مكة نهرٌ يجري ويفيضُ بإنتظامٍ لعرف المكيون نظام العد الشمسي.

وقارن العراقي بين دورة المرأة الشهرية والقمر ومنها عرف التشابه بين المرأة والقمر وقوى الطبيعة , لذلك عبد العراقيون الأنثى والآلهة عشتار ...إلخ.وطبيعة فيضان الفرات غير المنتظم , أدى إلى تخريب عملية الحصاد المائي عند العراقيين وبالتالي تسبب الفرات بهجرة المجتمعات التي تسكنُ ضفاف دجلة والفرات , وشرد هذا النهر الإنسان العراقي , وشرد السكان كأنه فاتح عسكري يقتلُ ويدمّرُ ويخربُ دونما رحمة.

وأجبر الإنسان العراقي على قبول النضال السياسي كطريقة حياة ومبدأ لا بدّ للعراقي من أن يؤمن به , وبهذا عاش العراقي آلاف السنين وهو ثائرٌ على كل السلطات .
وهذا أيضاً جعل من العقل العراقي عقلاً يؤمن بالثروة كمبدأ تعليمي وتدريبي له على كسب لقمة خبزه وإستقراره .

إنهُ بقدر ما كان الفرات قلقاً بقدر ما كان الإنسان العراقي قلقاً , وبقدر ماكان الفرات غير نتظم وفوضوي بقدر أيضاً ماكان الإنسان العراقي فوضجي ,وهذا أيضاً جعل الحكومات المركزية العراقية دائماً في حالة قلق ٍ من العراقي القلق , والذي كثيراً ما كان يترجمُ قلقه على أرض الواقع بالثورات والعصيان المدني وشن حرب على مخازن المؤن وقطع الطريق والسرقة والقتل , وإمتهان الذات والإحساس بالحرمان من خيرات العراق رغم أنها كثيرة .

إن نمط الزراعة الحيوانية والنباتية كانتا هُما الوسيلتان المهمتان أو الأكثر أهمية لكسب لقمة الخبز , وبما أن هاتين التجارتين يريدان ماءاً وأرضاً مستقرةً, وبما أن التضاريس العراقية لاتوفرهما ببساطة , لهذا عاش العراقي قلقاً مذعوراً من مستقبله .والشعب العراقي على مدى التاريخ كان هو الأكثر ثورة على الأنظمة الحاكمة , ودائماً ساخطاً وغير راضٍ وثورجي لأبعد الحدود , وما زالت ثقافة الثورة تعتبرُ في العراق جيناً ثقافياً, ومبدءاً عائلياً لتوائم حياتهم طبيعة أرضهم وتضاريسهم .

نعم, المُناخُ: يغير الطبائع والكتبُ تغيرُ العقائد , والثراء يغيرُ العادات والتقاليد: إننا من هذه النظرية ننطلقُ لكي نحسبها جيداً دون أن نقع بأخطاء تفسيرية دوغماغية (دوغماجية) إن العراق كنظام سياسي ماكان يوماً مستقراً ولا هادئاً وهو دائماً بحاجة للعنف والعصا والسيف لكي يستقرْ.

لقد نقل لنا ذات يومٍ حاكمٌ عربي ٌ مستبدٌ هو (الحجاج بن يوسف الثقفي) كلاماً عن العراق بوصفهم : أهل شقاقٍ ونفاق , وهو بهذا تحدث عن ظاهرة دون بيان أسبابها , إن الإنسان العراقي أجبرته الظروف الجغرافية على الثورات والإقتتال, ومن ثمّ أجبرته الظروف السياسية على النضال الشعبي والجماهيري منذ بدأ الخليقة حتى اليوم , ويقالُ من ناحيةٍ علميةٍ أن أولَ ثورةٍ في التاريخ كانت في العِراق القديم والتي قادها قائدٌ يُدعى : (لوكالزاكيزي) وكان من مبادىْ الثورة :
- توزيع الثروة بشكل عادل ومنصف للجميع .
ومن المعرف أن هذه المطالب لا نجدها في مجتمعات نهر النيل , المسالمة والهادئة والناعمة , إنها لا تظهرُ إلا في مجتمعات قلقة سياسياً وإقتصادياً.
ومن الملاحظ أن اللوائح والشرائع التي إستنها حمورابي : فيها كثيرٌ من القسوة على الإنسان العراقي , وهذه القسوة هي تفسيرٌ للظروف الصعبة التي كان يعيشها المواطن العراقي , ومن الملاحظ جداً أن المجتمعات التي تكونُ واقعةً تحت قوانين سهلةٍ وبسيطةٍ تكونُ هي في الأصل غير ثورية وهادئة , أما الشعوبُ التي تكون القوانين والأنظمة صارمة في حقها تكون هي في الأصل ثوريةً ونضالية ً وغيرَ راضيةٍ عن مستوى معيشتها إطلاقاً.

وإن قوانين حمورابي والتي تعني : العين بالعين والسن بالسن هي قوانين شديدة وإنتقامية , في مجتمع شديد وعاصي للنظام المدني والعسكري معاً , ومن المعروف أن حمورابي قد نقل تلك القوانين عن حكومات عراقية مركزية سابقة عليه وهي شريعة (ليت عشتار) والقوانين السومرية السابقة ولكن حمورابي عدل عليها بحيث أخذ بمبدأ القصاص والذي كانت تتجنبه الشرائع السابقة عليه .
وكان حمورابي يهدفُ إلى تعزيز النظام السياسي العراقي القديم ودعم وتعزيز النظام الإجتماعي وتثبيت الأسعار , ومكافحة التضخم , وكل هذه الأمور تظهر لنا كم كان المواطن العراقي قلقاً سياسياً وإقتصادياً.
وكان هذا بسبب النظام الزراعي العراقي القلق وغير المستقر والمُغري جداً بالحرب والثورة والعصيان وعدم دفع الضرائب ومجابهة النظام الحاكم .

لقد عانى العراقيون مع الفرات كما عانى هو معهم , وتعبوا من العيش بجانبه كما تعب هو من ثوراته على الأراضي الزراعية , لقد كان يثور الفرات على الأراضي الزراعية ليغرق ويطمر أراضي ومزروعات الفلاحين وكان الفلاحون العراقيون يقومون بالرد على الفرات عبر عملية تمثيلية يثورُ بها المواطن العراقي على النظام والسلطة , حتى أصبحت الثورة في العراق ديناً شعبياً.
تعب العراقي قديماً من نظامه المائي في دجلة كما أن دجلة تعب من رائحة الدماء المنبعثة من تعب وعرق الفلاح العراقي.
إن طبيعة التضاريس المصرية سمحت للمصري بالإستقرار وإختراع الدولاب , وتنظيم الجيش النظامي , وإستعمال الذهب والفضة كعملة نقدية , أما التضاريس العراقية فقد منحت العراقي الثورة وحب العصيان المدني , وسن وتشريع قوانين إنتقامية من الآخر, ساهم هدوء النيل بتسهيل الإجتهادات وإستقرار السلام وتوحيد الأراضي المصرية والأقاليم المصرية دون أن تنزل من النيل نقطة دمٍ واحدة , أما الفرات ودجلة فكان ينبغي عليهم جميعاً أن يلتقيا بشط العرب , ولكنهم إلتقوا بشط الدماء وروائح الدم العراقي من أجل توحيد العراق مازالت تنبعثُ من الجامعات والمساجد والمعابد والطرقات .
أنا أتحدثُ هنا عن نظام قديم ساهم في صبغ العقلية العراقية , أما بخصوص النفط اليوم وتقدم الحياة فإنه وليد اللحظة , ولم يعمل بعد على خلق جين ثقافي مستقر .

وحتى اليوم مازال الصراع بين العراق وتركيا والأكراد الواقعين على مناطق تطالبُ بها تركيا , واقعاً , ومشكلة الأكراد تنحسرُ بالدولة وتداول السلطة ومشكلة الأتراك في السيطرة على دجلة والفرات .أي على الماء , حرب الماء هذه ستبدأ بعد أن تنتهي حروب النفط, الصراع القادم من أجل الماء.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفةُ نهر النيل
- فلسفة نهر النيل
- سرُ أسرارِ اللهْ
- التعديل الوزاري الأردني
- أوقفوا بناء السدود المائية وحفر الآبار الإرتوازية
- يقولُ اليابا نييون: نحن لسنا عرباً!
- إنهض يا عبد الله
- سقوط الحضارة الإسلامية
- نعمة الله
- الديانة الشعبية أقوى من الديانة السماوية
- رسالة من الديوان الملكي الهاشمي الأردني العامر
- وجهُ الشبهِ بينَ الله وبعض الحُكّامِ العَرب
- الشعب العربي والياباني
- جَرَسُ الكنيسةِ
- كلُ شيءٍ يبدأ صغيراً ما عدى الأحلام فهي تبدأ كبيرة .
- الرجل الرأسمالي الحيوان والمرأة الإشتراكية العادلة
- التعايش ُمع المقهورين 2
- القراءة بحاجة لإستثمار أوقات الفراغ
- وجه الشبه بين المرأة العربية والسيارة
- الفردية والجماعية في ضوء التطور , نسخة الكتاب النهائية , الط ...


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - جهاد علاونه - فلسفة نهر الفرات