مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 788 - 2004 / 3 / 29 - 07:49
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سؤال سمعته كثيرا خلال الأيام الماضية , سواء من أصدقاء وكتاب , أو قراءته من كتابات مختلفة التوجه وحتى متباينة الهوى والمرام ؟
لماذا الآن , بمعنى توقيت انتفاضة أو مقاومة أو دفاع القامشلي عن ذاتها , ولن اختلف هنا على التسمية حتى لا يغضب السيد نعسان اغا , رغم أن أي فعل جماهيري مطلبي يمكن تسميته بالانتفاضة وحتى ولو كانت للمطالبة بتخفيض أسعار الخبز ؟ ومعلوم أن مجرد رفع أسعار الخبز في بلد ما قد يؤدي وبالاحرى أدى فعلا إلى انتفاضة جماهيرية عارمة , ولم تسال تلك الجماهير عن التوقيت ومدى ملاءمته لهبتها .
إذا هناك دائما شرارة صغيرة تطلق هبة كبيرة , خاصة إذا كانت الغابة جافة ولسنوات طويلة عجاف , وبالتالي يتساءل العاقل عن مصدر الشرارة ويخضعها للبحث والتمحيص , بحكم إنها السبب في حريق تلك الغابة , وليس دفاع الأهالي لحماية أنفسهم وممتلكاتهم سوى نتيجة ورد فعل لما يواجههم , وما يحصل راهنا هو التعمية وتسويغ السبب سواء باخفاءه , أو عكس اتجاهه , خاصة عندما يأتي التوقيت سيفا مسلطا على النتيجة من جهة , وعندما يحاكم رد الفعل ويترك الفعل المسبب حرا طليقا ؟.
لماذا الآن ؟
بمعنى لو كانت هذه الهبة في توقيت آخر لكانت صحيحة وفق وجهة النظر هذه , ولكنها الآن خاطئة , والخطأ في التوقيت فقط ؟ والمدلول هنا مراوغ وبلا معنى , يتجاهل ليس فقط الواقع الراهن وإنما يتجاهل حتى الحقيقة المثبتة وثائقيا , وهي التي دفعته للمراوغة ودخول سراديب المؤامرة والتآمر , وعلى اقل تقدير لإخفاء حقيقة جزئية يحملها , متدثرا بالوضع الدولي والإقليمي وما تتعرض له سوريا من ضغوطات , وهي حقيقة يراد بها باطل , ( وهي موضوع يحتاج إلى بحث منفصل ) ولكن هذا التدثر يخفي مدى رفض الآخر ومدى العصبية القوموية , وهي التي تفضحها مراميها وتتعلق بالوجود الكوردي في سوريا والرؤية إليه , وفيما إذا كان يحق له المطالبة بحقوقه , أم لا ؟ يحقق له أن يعلن وجوده الشرعي والإنساني أم لا ؟
لماذا الآن ؟
تساؤل يفترض سلفا أن ما حدث كان معدا ومهيأ , والافتراض الجزمي المؤامراتي هذا , يسقط التساؤل وحياديته , ويحيله إلى نقيضه , بمعنى تساؤل كهذا هو المعد سلفا وبعناية , ويستخدم دائما لمواجهة أية حالة جماهيرية أو سياسية ؟ حتى وان المتتبع لتطور المجتمع السوري يستطيع أن يجمع أكواما من _ لماذا الآن _ وفي كل المراحل والظروف والسنين ؟ فدائما كان هناك ضغوطات , ودائما كانت هناك مرحلة حرجة ودقيقة , ودائما كانت هناك مصلحة عليا , حتى بات - لماذا الآن - يمتلك فقهه الخاص به والذي هو فقه الإلغاء وتأصيل الإقصاء , ويضاف إلى ذلك الثقافة والتفسير العبثي لـ- لماذا الآن _ التي أوجدت في المجتمع بيئة حاضنة للريبة والشك والخوف من الآخر ؟
لماذا الآن ؟
وهل اختار الأكراد التوقيت أصلا" ؟
اجزم بان الشعب الكوردي في سوريا ومختلف تعبيراته السياسية والثقافية والاجتماعية , لم تكن أو لم يكن يخطر لها أن تحدث انتفاضة بهذا الشكل , وكل مطلع على الواقع الكوردي السوري لا بد وان يدرك بان ما حدث له العديد من الأسباب والمعطيات والتراكمات والاحتقانات ولكن لا يمتلك شيء واحد هو الإعداد المسبق ؟ ما حدث لم يعد له احد , والتوقيت فرضه منطلق القوة وتهميش الآخر , ما حدث فرضه منطق الصهر القومي المتبع ومنذ الستينات , من اختار التوقيت هو منطق المعالجة الأمنية والحلول الأمنية , ولا علاقة للشعب الكوردي لا في اختيار التوقيت , ولا في الإعداد المسبق ؟
ينسى البعض ويحتار البعض الآخر , من حجم التكاتف والتضامن الكوردي , وهو على ما يبدوا , أما انه غير مستوعب , أو انه نتاج حيرة أمنية ليس إلا ؟ فمن يلم بالقضايا القومية وقوة ومتانة الرابطة القومية المضطهدة , اعتقد بأنه سيدرك الحقيقة , ومن هاله هذا التضامن والتكاتف بعد عهود طويلة من استراتيجية تفكيك المجتمع السوري وإحالته إلى ذرر اجتماعية وسياسية لا فاعلية لها , سيعيد الأمر حكما إلى منطق الـ - لماذا الآن _ واسطوانة الخارج ( وهي أيضا سأعالجها في مقال آخر ) ؟ بمعنى التكاتف الكوردي اثبت فشل سياسة التفكيك الاجتماعي والقيمي في الحالة الكوردية , وهو الأمر الذي لا يجد أصحابه القدرة في أنفسهم للاعتراف به , وتصحيح ما زرعوه بأنفسهم حرصا على الوطن والمواطن معا.
لماذا الآن ؟
يحمل في طياته حكما مسبق قد يكون أصوليا أو أيديولوجيا أو قومويا , ولكنه معبر أيما تعبير , والمستتر في هذه الحالة هو عدم امتلاك القدرة على الاعتراف بوجود مشكلة كوردية في سوريا , وهي قضية سياسية , وطنية وديمقراطية , والاعتراف بوجودها وحلها هو المطلوب وطنيا , وليس دفن الرأس واعتماد منطق الادنة ؟
الشعب الكوردي في سوريا لم يختر التوقيت , وإنما فرض عليه فرضا , والمقاومة الشعبية العارمة كانت دفاعا عن الذات في مواجهة عقول انتفت لديها الإنسانية , ولمن يريد تتبع مسار – لماذا الآن – كرديا , عليه أن يعود إلى الوراء , ولا باس أن ساعدته قليلا مع التعريف بان كل المطالبات الكوردية سلمية وديمقراطية وفي الإطار الوطني البحت :
- في عام 1957 عندما أعلن عن تأسيس أول حزب سياسي كوردي قومي قيل لنا _ لماذا الآن _؟
- في عام 1960 عندما حل عبد الناصر الأحزاب السياسية ورفض الحزب الكوردي ذلك اعتقل 5 آلاف كوردي وقيل لنا _ لماذا الآن _؟
- في عام 1962 رفض الأكراد الإحصاء الاستثنائي جوبهوا بقسوة كبيرة وقيل لنا – لماذا الآن - ؟
- في عام 1963 طالب الأكراد بحقوقهم القومية والوطنية , اعتقل البعض وقيل لنا – لماذا الآن - ؟
- في عام 1966 عندما اقر مشروع الحزام العربي وصودرت الأراضي الكوردية , رفض الأكراد الأجراء العنصري هذا وقيل لنا – لماذا الآن - ؟
- في عام 1967 وقف الأكراد بقوة لمواجهة الهزيمة وسخروا كل ما يستطيعون في المواجهة وتوفير أسباب النهوض ؟
- في عام 1972 عندما بدا بتطبيق مشروع الحزام , اعتقل الكثير من الكورد وقيل لنا – لماذا الآن - ؟
- في عام 1973 وقف الشعب الكوردي بصلابة مثله كمثل كل أبناء الشعب السوري دفاعا عن أرضه المغتصبة وقدم العديد من الشهداء ؟
- في عام 1976 صعد الأكراد من مطالبتهم بحل سياسي لقضيتهم القومية , قيل – لماذا الآن - ؟
- في كل السنين اللاحقة والمتتابعة لم يخلو عام واحد من المطالبة الكوردية , وفي كل السنين كان يقال لنا – لماذا الآن - ؟
- في السنين الأخيرة كان هناك الكثير من العرائض والكثير من اللقاءات سواء مع القيادة القطرية أو مع سواها من الشخصيات الفاعلة والقريبة من مصدر القرار السوري , وكان يقال دائما ستحل هذه المسالة ولكن – ليس الآن - ؟
- بعد أحداث 11 أيلول وتداعياتها والاحتلال الأمريكي للعراق وما نتج عنه من معطيات , طالبنا بحل هذه القضية الوطنية لأنها وطنية حقا وتهم الشعب العربي في سوريا بذات المقدار الذي تهم به الشعب الكوردي في سوريا , وعدنا خيرا وقيل – لماذا الآن - ؟
لماذا الآن ؟
تساؤل ليس جديدا وإنما بات سمجا ؟
اعتقد بان من يعمل في الشأن العام السوري – ولا يحمل عقدة الهوية – وكذلك من يعمل في الشأن القومي الكوردي الخاص وأيضا – الذي لا يحمل عقدة الهوية – يعلم وبالملموس تفاعلات ومعطيات ومطالبات الشعب الكوردي في سوريا , وبما انه هناك سبب ونتيجة , والعقلانية تفترض التوقف على السبب أولا , ومن ثم مناقشة النتيجة وتقييمها ثانيا , وليس كما يفعله البعض في تضخيم النتيجة للنعميم على السبب , سيدرك وسيوافقني الرأي عندما أتساءل :
لماذا الآن ؟ ولمصلحة من قتل الأكراد وافتعال هذه الإحداث ؟.
القامشلي
26/3/2004
كاتب كوردي سوري – ناشط في لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟