|
ما أعجز الحكومة عن التخفيف من معاناة المنكوبين !!!
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2568 - 2009 / 2 / 25 - 09:02
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تواجه الحكومة المغربية معضلتين أساسيتين : أولاهما كارثة الفيضانات التي أصابت منطقة الغرب . وثانيهما الإضرابات القطاعية التي دعت إليها معظم المركزيات النقابية . وبين المعضلتين رابط دقيق يعكس مدى فاعلية الحكومة من عدمها . فقد كشفت الفيضانات الأخيرة العجز البيّن لدى الحكومة على مستوى تدخلها لفائدة السكان المنكوبين والمتضررين . ذلك أن الوضع الكارثي الذي يعانيه ضحايا الفيضانات يقتضي من الحكومة الإعلان أن مناطق بعينها باتت منكوبة ، مما يستدعي التعامل معها على هذا الأساس بما يقتضيه من تقديم المساعدات على وجه الاستعجال . إلا أن هذا لم يحدث ، وظلت الساكنة ، في معظمها تواجه مصيرها بالألم والحسرة وانعدام الإمكانيات . طبعا الكارثة طبيعية في أصلها ولم تتحمل الحكومة مسئولية إحداثها ، لكنها تتحمل مسئولية تعميقها وتعقيد تبعاتها من أوجه عديدة أخطرها : 1 ـ أن الحكومة لم تهيئ الملاجئ لإيواء الضحايا قبل وقوع الفيضانات رغم أن المعطيات كلها كانت تؤشر على كارثة حقيقية وشيكة الوقوع . فتوقعات الأرصاد الجوية ، والبيانات الصادرة عن إدارتي سد القنصرة وسد الوحدة حول نسبة الملء ومنسوب مياه واد بهت وواد سبو ، لم تأخذها الحكومة على محمل الجد ، ومن ثمة لم تتخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع الأوضاع ولو من باب الافتراض . إذا ماذا سيكلف الحكومة لو أنها سارعت إلى استنفار كل القطاعات التابعة لها وحشد الإمكانات المادية والبشرية ووضع خطط استعجاليه للتدخل واستباق الكارثة قبل وقوعها . إن كارثة الفيضان ليس ككارثة الزلزال من حيث إن هذا الأخير يفاجئ ضحاياه ، بينما الفيضانات يغيب فيها عنصر المفاجأة . والحكومة التي لا تستعد للمخاطر قبل وقوعها لن تفلح في مواجهتها ولا حتى التخفيف من آثارها . إنه دأب الحكومات المغربية التي لا تطأ أقدام أعضائها تربة المناطق النائية ولا حتى القريبة من الرباط إلا اضطرار وعند الزيارات الملكية . فزلزال الحسيمة وفاجعة أنفكو وفيضانات طنجة قبل أشهر قليلة وغيرها من الكوارث الطبيعية ، كلها تشهد بغياب الحكومة أعضاء وإجراءات وتدخلات استعجالية . وظل الضحايا يواجهون محنهم بما أوتوا من حيل ووسائل . 2 ـ أن الحكومة لم تجند الوسائل الضرورية لإنقاذ الضحايا الحقيقيين والمحتملين ، فيما اكتفت بتقديم التصريحات المتلفزة والوعود الجوفاء . وظل المواطنون في الكثير من الدواوير بدون مأوى ولا مساعدات غذائية أو طبية لما يزيد عن الإثني عشر يوما بعد وقوع الكارثة ،وخاصة في دواوير : اجوالة ، أولاد الحيرش ، طويرفة ، الرزازقة الخ . دواوير غمرتها المياه بالكامل وأهملتها الأجهزة الحكومية والسلطات المحلية . فما دور الحكومة وما مجال تدخلها إن لم يكن أساسا تخفيف الأعباء عن المواطنين ومساعدتهم ساعة المحن والكوارث ؟ وما فائدة الآليات والمعدات التي تتوفر عليها القوات المسلحة الملكية والتي يتم اقتناؤها وصيانتها من المال العام ، إن لم تكن حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم ؟ أليس من العار إنقاذ المواطنين على ظهور الدواب والعربات المجرورة فيما الآليات المصممة لمواجهة مثل هذه الأوضاع يأكلها الصدأ في حظيرة المعدات العسكرية ؟ وأين هي السواعد البشرية التي تزخر بها قوات التدخل السريع والتي لا يرى المواطن فاعليتها إلا في مواجهة المضربين والمعتصمين والمحتجين ، بينما يتوارى "نشاطها" وتنعدم فعاليتها حين يحل الخطب ويعز المنقذ ؟ أليس من المخجل أن يتم تغييب قوات التدخل السريع عن إنقاذ المواطنين المنكوبين في قرية الخنيشات ، بينما يتم استقدامها على وجه العجلة لمواجهة المواطنين المحتجين بنفس القرية ؟ بالتأكيد أن لجوء المواطنين في البوادي والقرى للاحتجاج لا يتم إلا إذا استنفذوا كل السبل الممكنة للتعبير عن أوضاعهم المتدهورة ومشاعر الغبن التي تنخر وجدانهم . 3 ـ أن الحكومة لم تتخذ أي إجراء لفائدة الماشية في هذه المناطق المنكوبة والتي انعدم فيها الكلأ والملجأ . لقد غطى الماء كل النباتات والمزروعات التي رصدها الفلاحون للماشية ، كما جرفت المياه كل ما ادخروه من أعلاف وتبن . حقا لا مكان لمحنة الحيوانات ضمن انشغالات الحكومة التي لها من الهواجس ما لا يتسع للحيوانات التي إن لم يجرفها الماء جرفها الجوع . أليس حريا بالحكومة أن تأخذ في الحسبان أن المناطق المنكوبة هي مناطق فلاحية تزخر بالغنم والأبقار الحلوب التي تشكل المورد الرئيسي لعيش الساكنة ، ومن ثم تسارع إلى توفير الآليات لإنقاذ الماشية وتوزيع الأعلاف إما مساعدة أو قرضا ؟ بالتأكيد لم تسمع الحكومة صراخ الفلاحين وبكاءهم على بهائمهم التي يفضلون إطعامها على إطعام أنفسهم . ألا يتلقى الفلاح ألتباريك حين اقتنائه البهيمة أو التعازي حين فقدها ، دلالة على أهميتها والمكانة التي تحتلها باعتبارها رأسمال واستثمار ؟ قطعا يغيب عن هموم الحكومة همّ الساكنة الفلاحية ومعاناتها جراء كارثة الفيضان التي تجرف المأكل والملجأ وتقضي على الزرع الضرع . لقد كانت محنة الفيضانات فرصة للحكومة لتحسين صورتها وتقويم علاقتها مع المواطنين دونما حاجة إلى تأسيس لجنة التنسيق الحكومية التي يوكل إليها تسويق "إنجازات" الحكومة وتقريبها إلى المواطنين . إلا أن إدمان الحكومة على إضاعة الفرص يدفعها إلى تأجيج أسباب التوتر ، ليس فقط مع ضحايا الفيضانات ، بل أيضا مع عموم الموظفين الذين نهجوا أسلوب الإضراب للاحتجاج ، بشكل حضاري ، على سياسة الحكومة التي تتعارض والتوجيهات الملكية بدعم القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والطبقة الوسطى ؛ فقررت اقتطاع أيام الإضراب من أجرة الموظفين المضربين . فكيف ستقنع الحكومة عموم المواطنين بأنها تخدم مصالحهم وهم يعانون الحيف والإجحاف والغبن ولا يلمسون أية انعكاسات إيجابية لانخفاض أسعار البترول التي هوت إلى 36 دولارا للبرميل ؟ لتجعل الحكومة المبالغ المحصلة من الاقتطاع منحة تحسن بها صورتها لدى ضحايا الفيضانات علّها تدفع بالحسنة السيئة وتنال أجر من أحسن عملا .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(4)
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(3)
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(2)
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
هل سينخرط الاتحاد الاشتراكي في إستراتيجية تطويق النظام ؟(1)
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الحكومة تستعجل الانفجار الاجتماعي .
-
ثقافة تبضيع المرأة ونخاستها .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الثورة الهادئة وجرأة التغيير السلس .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
المرأة أولى ضحايا ثقافة الأزمة والبدونة(2) .
-
المرأة أولى ضحايا ثقافة الأزمة والبدونة (1).
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الحوار مع شيوخ السلفية الجهادية والرهانات الممكنة .
-
هل بتنا بحاجة إلى حكومة أجنبية لتدبير شأننا العام ؟
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|