الجريمة المروعة الكبرى في أربيل
لعلها أكبر الجرائم الإرهابية هولا في العراق منذ سقوط صدام، وهي لا تقل بشاعة عن جريمة صدام في حلبجة.
لقد أصابت الكارثة مئات من الجرحى والقتلى الأكراد ، من الحزبين الرئيسيين، وبينهم قادة وكوادر ومسؤولون حكوميون ناهيكم عن مواطنين احتفلوا بالعيد، فإذا بمتفجرات قتلة "القاعدة" و"أنصار الإسلام" من صناع الموت بانتظارهم لاغتيالهم بكل سفالة ووحشية وجبن.
إن العمليات الإرهابية التي تطال العراقيين هذه الأيام لا تدل إلا على جبن المخططين لها والمنفذين الأوغاد، وإلا على عداء أعمى لشعبنا العراق بمختلف مكوناته العرقية والدينية والمذهبية وأطيافه السياسية. إن جميع ما جرى لحد اليوم من عمليات قتل وتفجير وتفخيخ منذ سقوط الطاغية الفاشي، يدل على استماتة حلف الصداميين والأصوليين المتشددين المسيّسين على عرقلة مسار العراق الجديد نحو الديمقراطية ودولة المؤسسات والقانون وحقوق الإنسان. إن هذه العصابات المجرمة الجبانة ،التي تلقى الدعم من دول مجاورة، والتي تشجعها الفضائيات المغرضة، [ كالجزيرة والعربية] وتصفها ب"المقاومة الوطنية"، ستواصل القتل والدمار مع كل خطة نحو انتقال السلطة لممثلي شعبنا العراقي. إنها عمليات اليائس المحتضر، الذي يزداد شراسة ووحشية مع اقتراب نهايته المحتومة. ولذلك فإن مهمة استئصال هذه الجراثيم الفاتكة والحشرات السامة يجب أن تتصدر جميع المهمات الآنية لان الاستقرار الأمني شرط أساسي لنجاح خطوات تحسين الوضع المعيشي والصحي للمواطنين وتوفير الخدمات العامة الأساسية. وفي هذه الأجواء المفزعة، التي شهدت وتشهد نشرا للموت بين العراقيين من قادة أحزاب وعلماء دين ومواطنين آمنين، ومقرات الأمم المتحدة والصليب الأحمر وقوات التحالف التي أنقذت الشعب من الجحيم، فإن أية دعوة لإجراء انتخابات عامة قريبا تصدر إما عن انفصام تام عن الواقع العراقي اليوم أو عن حسابات سياسية أو طائفية ضيقة على حساب مجموع الشعب والهدف الديمقراطي. إن القتل والتفجير لم تسلم منه المدينتان الشيعيتان المقدستان كربلاء والنجف إن من الوهم تصور أن الصمت عن جريمة تطال هذه الفئة العراقية أو تلك سينقذ الآخرين من الخطر المماثل. إن الأغلبية الساحقة من العراقيين وقياداتهم وأحزابهم ومثقفيهم وقوات أمنهم والشرطة هي المستهدفة. إن هدف التحالف الإجرامي الصدامي ـ القاعدي هو خلق حالة فوضى وعدم استقرار ورعب عام ونسف كل خطوة نحو الديمقراطية.
إن خطورة التحديات الأمنية وازدياد شراسة أعداء شعبنا من القتلة المحترفين تستدعي تقوية روابط التضامن والتكاتف بين مختلف مكونات المجتمع والأحزاب والنخب الحريصة على مستقبل زاهر لشعبنا. ومن واجب مجلس الحكم وقوات التحالف والمواطنين الواعين العمل معا لمكافحة الإرهابيين من عراقيين و" مستوردين" كهدايا عربية مفخفخة! كما لابد من تشديد الرقابة على الحدود. أما بعض الإجراءات الجزئية والمؤقتة ضد بعض الفضائيات المعادية والمشجعة على الإرهاب فإنها مجرد تسكين وقتي. فهذه الفضائيات لا تمارس حرية الصحافة والتعبير بل تمارس التبشير بالقتل والدمار، وهو ما تعاقب عليه القوانين المتحضرة وما تحظره المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن الداعي للقتل هو شريك للقاتل وليس هناك أي مبرر للتساهل مع دعاة الموت.
أجل لابد من التركيز على مكافحة الإرهاب وكل أنواع التطرف، وخلق حالة استقرار تطمئن المواطن قبل الدعوة العشوائية والمغرضة لانتخابات عامة عاجلة. ولا نحتاج لشهادة الأمم المتحدة ذلك لأن مجرد انتقال بعثتها خارج العراق ومواصلة العدوان على مقر الصليب الأحمر كافية للبرهنة على استحالة قيام مثل هذه الانتخابات إلا إذا أردناها مصيدة سهلة للمجرمين بقتل الآلاف من الناخبين المجتمعين في مراكز الاقتراع.
لقد قدم الشعب الكردي عشرات الآلاف من الشهداء في عهد الطاغية الدموي، ولعبت أحزابه المناضلة أدوارا مجيدة في العمل لإسقاطه وبتعاون مع سائر القوى الوطنية العراقية. كما لعبت دورا إيجابيا مشرفا منذ سقوط صدام. ولذلك فإن الكارثة التي أصابت مقرات الحزبين الرئيسيين في كردستان هي خسارة لمجوع القوى الوطنية والفئات العراقية. إن شهداء اليوم في أربيل هم شهداء العراق وقضية الديمقراطية وحقوق القوميات في الحرية والكرامة.
وشخصيا أتقدم إلى الأخوين المناضلين البرزاني والطالباني ولعائلات الضحايا ورفاقهم ومحبيهم بمشاعر المواساة الحرة مع الإدانة الصارمة للمجرمين القتلة.
إن العراق لا بد، ومهما كانت العقبات، سائر نحو غده الديمقراطي الفدرالي وحيث التعايش الأخوي بين العرب والأكراد والتركمان و الكلدو ـ آشوريين؛ بين المسلم الشيعي والسني والمسيحي والأيزيدي وأبناء كل طيف ديني آخر.
ولسوف تنتصر راية الديمقراطية في العراق الحبيب، ويبوء بالعار والخسران التام جميع عصابات الموت وجميع دعاة التطرف وأعداء الديمقراطية والوحدة الوطنية.
إ
الحرب الأكثر شرعية..
إعزيز الحاج
بعد عام من حرب إزاحة نظام صدام، ومع استمرار عمليات الإرهاب القاعدي ـ البعثي في بغداد وخارجها، لابد من التعبير عن الدهشة بل وحتى الاستنكار لتلك الأصوات التي تندد بالحرب وتعتبرها "غير شرعية"!
إنها أصوات تصرخ في لندن كما في باريس وبرلين وعواصم غربية أخرى، ومعها أصوات العرب من مسؤولين وإعلاميين وجماهير الشارع؛ ولكل طرف منطلقاته وتبريراته وأغراضه، بدا من عبقري العصر السيد بليكس [ رئيس خبراء الأسلحة بالأمس] الذي يواصل الصراخ بأنه كان على صواب عندما وقف ضد الحرب لأنه لم يثبت امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل. ومثله معارضو بلير من النواب، ورئيس الوزراء الأسباني الجديد، الذي تجرا على الحكم بأن الحرب بنيت على "كذبة كبرى"! أما أنظمة العرب وإعلامهم ومعظم نخبهم الثقافية ومجموع نخبهم الدينية، فلا من داع لتكرار "حججها" المتهافتة، واستمرار تنديدها ب"الاحتلال " في العراق، وبمجلس الحكم. إن الصلف العربي لا حد له. فعدا تجاهل ضحايا النظام الفاشي المنهار، ومقابره الجماعية، وسرقاته لثروات العراقيين، فإن الدول العربية تحتضن رموز صدام، وتطالب بتعويضات أسطورية من العراقيين، بينما أبدت الدول الغربية استعدادها لإعادة النظر في ديونها. وبينما لم تقدم غير تبرعات هزيلة من العرب، فإن أمريكا وحدها تبرعت مشكورة لتعمير العراق ب18 مليار دولارا. والإعلام العربي بأغلبه يمجد عمليات الإرهاب في العراق ويشجع عليها ويسميها ب"المقاومة الوطنية". والمثال الصارخ للموقف العربي المناهض لعراق ما بعد صدام هو [ وبعد سوريا ] الأردن، حكومة ونخبا وشارعا. فاحتضان رموز صدام ورعاية بنات صدام وأحفاده ملكيا، والمطالبة بتعويضات المليارات، تقترن بتحامل النقابات المهنية على العراقيين. وتصل الجرأة والكراهية لحد أن رئيس نقابة أطباء الأردن، [ أجل الأطباء لا غيرهم ]، قاطع أمس مؤتمرا طبيا عربيا بسبب وجود وفد طبي عرقي!! فأي إكليل غار على جبين النقيب ورفاقه الميامين!!
لم تكن أسلحة صدام خرافة وأكذوبة كما يدعي المسؤول الأسباني الجديد وعبقري الشاشة بليكس الموقر والمعارضة البريطانية لبلير. كانت حقيقة اعترفت بها سلسلة قرارات مجلس الأمن التي بلغت حوالي الثمانية عشرة ما بين 1991 و2002. ولو لم تكن الأسلحة وبرامجها موجودة لما أرسل مجلس الأمن بعثاته مرة بعد أخرى ولما طرد صدام بعثات المجلس عام 1998، ولما ألقيت الكيميائيات على حلبجة، ولما اضطرت حكومة صدام بعد فرار حسين كامل للكشف في مزرعة خارج بغداد عن كميات كبيرة من السلاح الجرثومي بعد أن فضح الهارب وجودها. وزعم صدام عهد ذاك بأن حسين كامل هو الذي أخفاها وبدون علمه بوجود تلك الأسلحة!
لنترك الأسلحة. فالحروب في كوسوفو والبوسنة وأفغانستان لم تكن بسبب أسلحة دمار شامل، ولكنها أنقذت شعوبا بأسرها من الإبادة العرقية والقتل الجماعي. وفي أفغانستان كانت حربا على نظام ظلامي دموي احتضن شبكات الإرهاب العالمي لنشر الموت والدمار في كل مكان. والحرب الأمريكية على العراق هي التي حررت الشعب العراقي من غزو جحافل الظلم والقهر والإبادة، ومن هنا شرعيتها الحقيقية، شرعية العدالة وحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة نفسه. صحيح أن أمريكا اتخذت قرار إسقاط صدام بعد 11 سبتمبر لحماية أمنها القومي من النظام الإرهابي في العراق، ولكنه صحيح أيضا التلاقي المرحلي للمصلحة الأمريكية مع مصالح الأغلبية العظمى من الشعب العراقي، الذي عجز لوحده عن التحرر من جحيم الطغيان والذي خذلته فرنسا وروسيا وألمانيا وكل الدول العربية والإسلامية ومجموع اليسار الأوروبي. كانت في نظري الحرب الأكثر شرعية من وجهة العدالة من جميع الحروب التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
بعد عام على حرب التحرير تنسى قطاعات سياسية ودينية وثقافية عراقية، ناهيكم عن جمهور مضلل، كيف كان العراق قبل عام، كيف كان الظلم وسيطرة الخوف ومخالب المخابرات ودفن الأموات والأحياء في مقابر جماعية، ومنع الشيعة من ممارسة طقوسهم الدينية، وحروب الأنفال، وتجفيف الأهوار، وسرقة عائدات النفط لبناء القصور وللتسلح ولشراء الذمم بالكوبونات العتيدة، ولتقوية أجهزة القمع والتعذيب، وحفر القبور الجماعية. ويتخبط فريق من مجلس الحكم والنخب الدينية والسياسية في متاهات طائفية وانتهازية بدلا من الانطلاق من المصلحة الوطنية العامة التي تعني العمل بفن الممكن والأخذ والعطاء والتنازل الضروري لحماية الوحدة الوطنية ولضمان العملية الديمقراطية. ومدهش أن يوافق البعض على الدستور المؤقت ثم يتوعدون في اليوم التالي ب"الإطاحة "ببعض بنوده، وكأنهم يقارعون نظاما عدوا لا دستورا وقّعوا جميعا عليه وكان الاتفاق يمثل نقاطا أساسية مشتركة مع تنازل كل طرف عن جزء من مطالبه.
بعد عام من حرب التحرير يعلن أغلب العراقيين في الاستفتاءات المتكررة أن هاجسهم الأول هو القضية الأمنية، وهذا رأي حوالي الثمانين في المائة من العراقيين. إنهم يقدمون هذا الهم حتى على قضية تحسين ظروفهم المعيشية والخدمات العامة. وموقفهم صحيح، لأنه بدون صيانة الأمن بحزم وتخطيط محكم، لا يمكن تيسير الخدمات، وتعزيز مؤسسات الدولة، وترسيخ سيادة القانون. إن الغزو الإرهابي القاعدي المجرم وبالتحالف مع فلول صدام [ من رجال مخابرات وضباط في الحرس الجمهوري السابق وبقايا "فدائيي صدام، وغيرهم من الحاقدين على فقدان امتيازاتهم غير المشروعة] يواصل بل ويصعد جرائمه الدموية ضد المواطنين العراقيين وقوات التحالف، وهو مدعوم من عدد من دول الجوار ومن أموال العراقيين التي نهبها صدام. هذا هو الخطر الحقيقي الذي يواجه العراقيين، وليس الاحتلال الذي أنقذ شعبنا من المحنة، وإن مطلب حماية أمن العراقي هو الذي يشغل معظم العراقيين وليس إقامة دولة دينية ترفضها الغالبية، ولا شعار "طرد المحتلين" حيث ترى النسبة الأكبر من العراقيين أن الحرب كانت ضرورية.
أجل كانت هي الحرب الأكثر مشروعية وعدالة، برغم مغالطات بليكس والاشتراكيين الأسبان وبن لادن وزبانيته، زبانية جهنم. وفي الوقت نفسه فإن على قوات التحالف أن تدرك أنها في العراق تواجه مجرمين محترفين للقتل وليسوا دعاة قضية عادلة كما كانت سابقا التنظيمات اليسارية المتطرفة في ألمانيا وغيرها. هذه الشراذم من القتلة يهددون الحضارة والديمقراطية، والواحد منهم قد غسل قادته دماغه فيعتبر القتل هو الغاية لمجرد القتل، سواء كان في بغداد والنجف وكربلاء والكاظمية والموصل وكركوك والفلوجة، أوفي نيويورك أو مدريد أو بالي، أو حتى في مكة نفسها. إن فلول صدام في العراق وحلفاءهم الجدد من القاعدة وأنصار الإسلام، هم وحوش كاسرة لا يجدي [ بل يضر] التعامل معهم بتهذيب كبشر متحضرين. هؤلاء ليسوا مخلوقات سوية ليطلق الأمريكان سراحهم بعد وقت قصير من الاعتقال مقابل وعود وتعهدات ووساطة رؤساء العشائر أو مشايخ دين. كما أن مواصلة التباطؤ في محاكمة صدام وكبار المجرمين المعتقلين معه لا تساعد على تهدئة ما، بل هي على العكس تشجع الإرهاب والإرهابيين الذين كان آخر ضحاياهم في فندق جبل لبنان وسط بغداد.
لقد خرجت مدريد كلها ردا على الإرهاب الدموي الأعمى. وسار زعماء أسبانيا ومسؤولون غربيون كبار في المظاهرة الكبرى. لكنني لا أرى أعضاء مجلس الحكم والوزراء يحضرون أيا من أماكن التفجير لتشجيع الناس وتقوية المعنويات، ولم تخرج أية مظاهرة شعبية حقيقية ضد الإرهاب والقتل الجماعي، في حين يحرك قادة إسلاميون من ساسة ورجال دين الشارع والجامعات ضد دستور مؤقت وقع عليه مجموع أعضاء المجلس.
إن مصير العملية السياسية في العراق، وضمان تحقيق الديمقراطية في العراق، ونقل السلطة للعراقيين في أفضل ظرف، مشروط بوقفة عراقية جماعية وقوية ضد الإرهاب القاعدي ـ الصدامي واعتبار القضية الأمنية هي المهمة رقم واحد. كما أن على الدول الأوروبية أن تدرك أن المستقبل السياسي للعراق أمر يخصها في الصميم، وبالتالي فيجب عليها مراجعة مواقفها السلبية والتعاون الفعال مع الولايات المتحدة ولندن ومع مجلس الحكم والمؤسسات العراقية القادمة ومع الأمم المتحدة في السعي لبناء العراق الديمقراطي الفدرالي العلماني الذي بمقدوره أن يشع على المنطقة كلها بقيم الحرية والتسامح والديمقراطية، وأن يسهم في تعزيز الأمن والسلام في العالم، وفي الحرب على الإرهاب الدولي.
الحيرة المبررة في فهم مواقف السيد السيستاني ..
عزيز الحاج
لم أعد شخصيا أفهم مواقف آية الله السيستاني، حفظه الله و أطال عمره.
في بداية عهد ما بعد سقوط صدام كان سيدنا الجليل يدعو رجال الدين لعدم التدخل في شؤون الإدارة والسلطة وتفاصيل السياسة. ويكرر السيد هذا الموقف منذ يومين في مجلة "دير شبيغل" حين يقول نصا: "إن الأئمة الشيعة مقتنعون بأن على رجال الدين ألا يهتموا بالمسائل السياسية وألا يقبلوا مناصب حكومية." غير أنه في هذه التصريحات نفسها يعيد الإصرار على مرجعيّته السياسية حين يطالب مجلس الأمن بقرار جديد عن إجراء انتخابات عامة في العراق خلال "مهلة قصيرة" وعدم جواز أي تأجيل جديد لها [ ترى يا سيدنا حتى لو ضربت الفيضانات أرض العراق وحلت الكوليرا والطاعون لا سمح الله ؟؟!!!]. كما أن سماحته يحذر من أنه في حال لم يؤخذ بآرائه السياسية هذه فإن "الشعب العراقي سوف يقرر ماذا سيجري"، وهذا تهديد مبطن ولكنه شفاف. ولكي يزيد سيدنا في تعريف موقفه الحقيقي بين الدين والسياسة والدولة فإنه يعلن أن الشعب العراقي هو الذي أولاه الثقة وأن هذا الشعب "يعرف كيف يجب أن يتصرف"على حد قوله. وبعبارة فإن السيد السيستاني يعتبر نفسه مرجعا سياسيا لجميع العراقيين وليس فقط مرجعا دينيا مذهبيا للشيعة وحدهم.
لقد ذكر البعض أن ما ينسب لآية الله السيستاني من موقف وفتاوى سياسية إنما يجري من وراء ظهره، وأن هناك أحزابا شيعية ورجال دين من الناطقين باسم المرجعية الشيعية لديهم جداولهم الزمنية السياسية الخاصة، التي قد يرتبط بعضها بالنظام الإيراني. غير أن هذا ليس الانطباع من مقابلات سيدنا مع أعضاء مجلس الحكم ومبعوث كوفي أنان. فثمة تطابق في الموقف العام والدليل الجديد هو في تصريحات سماحته للصحيفة الألمانية.
والحقيقة أن المرجعية الشيعية والناطقين باسمها راحوا يتدخلون في تفاصيل السياسة وشؤون السلطة. ورغم دعوتهم لعدم تبؤ رجال الدين للمناصب الحكومية، فإنهم يضعون أنفسهم فوق كل سلطة، وهو بالضبط ما يفعله خامنئي. فنظام دولة ولاية الفقيه بطبعة عراقية لا يشترط له تبؤ رجال الدين مباشرة للمناصب، بل يكفي أن يتمكنوا باسم المرجعية والحوزة من فرض نظام إسلامي يأخذ بحكم الشريعة ويكونوا هم الحكم والمرجع للساسة الإسلاميين الموجودين في المناصب الحكومية. وآخر دليل على هذا التوجه مطالبة عبد المهدي الكربلائي، وكيل السيد السيستاني في كربلاء، باستقالة أعضاء مجلس المحافظة لأن المرجعية لم تُستشر عند تعيينهم! أي يجب استشارة المرجعية والحصول على موافقتها في التعيينات لمجالس المحافظات. وبعبارة أخرى إنه تقريبا موقع خامنئي في الرفض والقبول والفيتو على القرارات حتى ولو اتخذها برلمان منتخب
إلغاء القرار 137 انتصار لشعبنا ومستقبلنا الديمقراطي..
إيلاف: السبت 28 فبراير 2004 19:29
عزيز الحاج
كنت من بين أكثر المستاءين والقلقين من صدور القرار القرون ـ أوسطي المرقم 137 ضد حقوق المرأة العراقية وضد الديمقراطية التي يتطلبها عراق ما بعد صدام. ومن حسن الحظ أن بريمر باشا جمد القرار الظالم. وهذا هو مجلس الحكم نفسه وبأكثريته يصوت لصالح إلغاء القرار البائس الذي أثار غضب العراقيات الواعيات لحقوقهن المشروعة ولضرورة قيام النظام الديمقراطي في العراق وتجنب انزلاق العراق في الطريق نحو نظام يبدل استبداد أمس باستبداد ذي واجهة دينية. ويرافق إلغاء القرار مسعى الأحزاب والتجمعات الديمقراطية العراقية لبناء جبهة للديمقراطيين العراقيين للعمل من أجل نظام قائم على أساس المواطنة العراقية وشعار "الدين لله والوطن للجميع". وقد أدهشني، وأقولها بمرارة، أن بعض لبراليي أمس قد وقفوا مع صدور القرار سابقا ثم مع بقائه اليوم. وأقصد بالتحديد الدكتور الفاضل احمد الجلبي، الذي لا يجب نسيان دوره في تجميع القوى الوطنية المعارضة لنظام صدام طوال التسعينات. وعندما أعلمني قبل شهرين صديق أثق بمعلوماته أن الدكتور الكريم يصوت في مجلس الحكم كإسلامي فقد قلت له بصراحة إنني أشك في معلومته. ولكن ما ذكره ثبتت صحته لي بأمثلة عديدة وبالمعلومات من مصادر عراقية أخرى. وهذا في الحقيقة مؤلم. ورغم عدم معرفتي الشخصية بالدكتور الجلبي فقد كنت ممن دافعوا عنه ضد الهجمة الإعلامية والسياسية الأردنية طوال شهور ما بعد سقوط الفاشية العراقية.
لقد لعبت المرأة العراقية وبرغم كل الضغوط وأشكال التضييق دورا مجيدا في التعبئة ضد القرار المشؤوم رقم 137. وبذلك تبرهن من جديد على جدارتها بلعب دور أساسي في بناء الديمقراطية، التعددية، والعلمانية، والفدرالية في العراق الجديد. وصحيح أن ملايين من نسائنا اليوم لا يزلن جاهلات بحقوقهن ويضطررن للخضوع لضغوط المتزمتين الدينيين والمذهبيين، ولكنني اعتقد أن هذه حالة غير دائمة.
إن سقوط القرار رقم 137 هو في الحقيقة نصر لمجموع شعبنا ولا ينبغي للأحزاب الإسلامية أن تعتبر ذلك كارثة لها. ولو فكر قادتها الأبعد نظر والأكثر حكمة في الأمر فلا بد واجدون أن النظام الأمثل هو الذي يحترم حقوق المرأة كاملة والذي لا يميز في الدين والمذهب والجنس. فالمحك الحقيقي هو الخدمة العامة وليس خدمة فئات بعينها وحدها أيا كان دورها وتضحياتها.
إن الطريق نحو الديمقراطية في العراق لا يزال طويلا وشاقا، وبعض المسؤولين العراقيين يتصرفون كقادة فئات ومعارضين لا كمسؤولين عن مجموع الشعب. وثمة فئات غير قليلة تصمت عن جرائم صدام وتدافع عن الإرهابيين، والغريب أن بعضهم يتهم الموساد بتنظيم العمليات. فيا للتناقض ويا لبؤسه! أما عدد من الدول المجاورة، لا سيما إيران وسوريا، فتواصل التدخل لتعطيل مسيرة العراقيين. وعمرو موسى يواصل انتحال دور الوصي على العراقيين ويهاجم أمريكا باتهامها بتأخير الانتخابات العراقية، مع أن هذا التأجيل كان ولا يزال رغبة معظم القادة السياسيين العراقيين الذين هم بالتأكيد أدرى بمصلحة العراق الجديد من عمرو موسى وجامعته العتيدة. ويا ليت أمين الجامعة التفت لوضع الأنظمة العربية وغياب الديمقراطية عن معظمها، وانتشار الفساد في العديد منها.
أجل، إن الصعوبات كبرى. ومع ذلك يبدو لي أن المواطنات والمواطنين العراقيين الواعين قادرون على تحمل العبء بمساعدة الصديق الأمريكي والأصدقاء الآخرين في المجتمع الدولي، ممن يريدون حقا مساعدة العراقيين. وما إلغاء القرار رقم 137 غير خطوة هامة للتعبير عن إرادة العراقيات والعراقيين في السير نحو التغيير الديمقراطي الحقيقي.
فمرحى للمرأة العراقية، مرحى. وأقول مع البابا:
" شكرا لك يا امرأة، شكرا، لمجرد كونك امرأة!"
إعادة النشر ممنوع إلا بإذن
تفاقم التدخل الإيراني في الشؤون العراقية
الأحد 08 فبراير 2004 15:48
عزيز الحاج
في آخر أنباء التعامل الأمريكي المائع الغريب مع المخربين الإرهابيين القادمين من الخارج، وكذلك مع المسلحين من أعوان صدام [اعتقال ثم إطلاق سراح بتعهد أو ضمان]، خبر إطلاق سراح عدد من أفراد الحرس الثوري الإيراني كانوا قد اعتقلوا قبل حوالي ثلاثة شهور.
وكانت كل التقارير السابقة قد أكدت تسلل المئات من عناصر هذا الحرس وضباط المخابرات الإيرانية داخل العراق ولا سيما في البصرة وكربلاء والنجف. وكان ذلك يتزامن مع تسلل المئات الأخرى من الإرهابيين ومحترفي التفخيخ العرب عبر حدود سورية وغيرها. ومع خبر إطلاق سراح الحرس المذكورين يأتينا خبر اعتقال جزائري ولبناني في الناصرية بعد اعتقال العشرات من أمثالهم من القتلة العرب [ فلسطينيين وسوريين ولبنانيين ومصريين ويمنيين وسعوديين..الخ.]
وأكثر مظاهر التدخل الإيراني في العراق هي محاولات التأثير على النخب الدينية الشيعية والانسلال بينها لدفع العراق نحو شكل من أشكال دولة ولاية الفقيه بحجة أن أكثرية السكان من الشيعة، علما بأن الشيعة العراقيين كانوا منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة موزعي الولاء سياسيا وفكريا، والكثيرون من المشتغلين في السياسة منهم علمانيون ولبراليون. وليس غريبا أن يصدر نفي الخبر الذي بثه بصوت عال السيد موفق الربيعي عن محاولة مزعومة لاغتيال المرجع الشيعي السيد السيستاني من وكيله الأول في قم. ويبدو مع الأسف أن اسم المرجعية وآية الله السيستاني صار يستغله هذا وذاك للترويج لأمور سياسية بحتة هي خارج واجبات المرجعية، لاسيما وهي أمور خلافية جدا بين الساسة العراقيين. فالمرجعية الدينية، سواء للشيعة أو السنة، ليس من واجباتها التدخل في شؤون الدولة، وخصوصا في هذا الوضع العراقي القلق المشحون بكل عوامل الفتنة والذي يزيده تعقيدا ومشاكل تدخل الدول العربية وأمين جامعتها وإيران ولحد ما تركيا. فكل دولة لها مشاريعها الخاصة في العراق سياسية وستراتيجية كانت أو دينية. ولكن اكثر أشكال التدخل إيلاما لشعبنا هو مواقف ومناورات إيران وحليفتها سورية.
ويرافق التسلل المستمر لعناصر الحرس الإيراني وعناصر المخابرات الإيرانية، والنشاط السياسي المتزايد لبعض الناطقين باسم المرجعية الشيعية في إيران، ولاسيما السيد الشهرستاني، الذي كان مقره أول من صدر عنه تكذيب خبر محاولة الاغتيال الذي بثه السيد الربيعي مرارا. ومما يجب أن يثير أيضا انتباه ويقظة المسؤولين والمواطنين العراقيين التقارير الواردة من العراق عن شبه غزو إيراني لشراء العقارات في كربلاء وإغراء أصحابها بدفع المبالغ السخية جدا مقابل الشراء. فما هو القصد يا ترى؟ وإلى متى يغمض مجلس الحكم والتحالف العيون عن هذا النوع من الغزو "السلمي"!؟
حول الاعتداء على مقر الحزب الشيوعي في بغداد
إيلاف: الأحد 25 يناير 2004 19:36
عزيز الحاج
رغم معارضة الحرب سابقا، فقد اتبعت قيادة الحزب الشيوعي العراقي سياسة واقعية في التعامل مع واقع ما بعد صدام، وشاركت في مجلس الحكم ومجلس الوزراء.
لقد عانى الشيوعيون العراقيون كثيرا جدا في مختلف فترات العراق الحديث. وبرغم الأخطاء الكبيرة فقد احتل حزبهم مركزا مرموقا بين الجماهير وفي الحركة الوطنية.
إن من مآثر الحزب الشيوعي العراقي أنه كان منذ تأسيسه يضم المنتسبين لمختلف الأديان والمذاهب والقوميات. وهذه النقطة الهامة جدا لا بد من تذكرها ونحن نواجه اليوم اشتداد وتفاقم الخلافات والنزعات الطائفية والعرقية، التي تفجرت نتيجة عهود الاضطهاد التي تعرضت له مختلف فئات الشعب وطوائفه، ثم راح يشعلها اليوم النشاط العبثي الخطير، [وبتدخل دول مجاورة]، لبعض الأحزاب والمراجع الإسلامية التي تلهث للاستحواذ على السلطة بأي ثمن وبحجة تعرض المشايعين لمذهبها للجزء الأكبر من الاضطهاد، الذي شمل في الواقع الجميع، ومنهم الشيوعيون العراقيون. وكان مؤتمر لندن للمعارضة هو الذي بدا بتقنين هذه النزعات بابتكار لعبة "الحصص"، التي وصلت لتوزيع الوظائف في جهاز الدولة، وآخرها معايير تعيين 75 وكيلا للوزارات.
أجل لقد وقع الحزب الشيوعي في مسيرته في أخطاء ولكن غيره لم يكن معصوما منها. وفي هذا الوضع العراقي الانتقالي المشحون بعوامل التدمير الذاتي مع الأسف، وحيث كادت تغيب مفاهيم المواطنة و"العراق للجميع]، ويكاد يتلاشى من الذاكرة والشعارات والمواقف في الشارع والعمل السياسي، مفهوم ومعتقد الهوية الحقيقية للعراق، [وهي هوية المواطنة المشتركة وليست هوية دينية برغم أن أكثرية السكان مسلمون]، فإن علمانية الحزب الشيوعي
ورفضه للطائفية والتمييز الديني والقومي، ودفاعه عن حقوق المرأة، يجلب له الكثيرين من الأعداء، فضلا عن الحقد البعثي المسعور، الذي يحمله أعوان الطاغية المهزوم الذين لهم الدور الرئيسي في العمليات الإرهابية ضد العراقيين وقوات التحالف التي أسقطت سيدهم وانتشلته من حفرة الجرذان.
إن العدوان الأثيم على مقر الحزب الشيوعي هو حلقة جديدة من الجرائم الشنعاء التي تتواصل في العراق منذ جرائم اغتيال الشهيدين السيد عبد المجيد الخوئي والسيد محمد باقر الحكيم، وتفجير مقرات بعثة الأمم المتحدة في بغداد والقوات الحليفة في الناصرية، وغيرها من عمليات جبانة غادرة تقترفها عصابات الموت المدعومة من دول مجاورة، بل وحتى من جماعات وأحزاب يسارية أوروبية ـ كما في حملة التبرعات الجارية في ألمانيا باسم "دعم "للمقاومة العراقية".
إننا إذ لا نعرف بعد من هم وراء الهجوم على المقر الشيوعي، فلا يجب في الوقت نفسه نسيان ما ارتكبه ولا يزال يرتكبه متطرفون طائفيون في بغداد والبصرة ومدن ومناطق أخرى من وملاحقة النساء غير المحجبات واضطهاد وقتل المسيحيين. إن مجموع هذه القوى والأطراف ترتعب من أي أفق ديمقراطي وتنفس عن عقد قديمة، ولا تريد للبلد غير الفوضى والخراب.
إن مجلس الحكم مدعو لإدانة هذه الجريمة الجديدة وكشف وملاحقة مقترفيها. وهذه الجريمة يجب أن تعطي حافزا جديدا لسائر القوى الديمقراطية والعلمانية لأن تزيد من نشاطها بين الجماهير المضللة، وأن تبدي شجاعة وجرأة أكبر في شجب الطائفية ومحاولات عرقلة المسيرة الديمقراطية. إن المهمة الأولى التي تواجه شعبنا اليوم ليست [ انتهاء الاحتلال عاجلا]، بل العمل لوضع حد للقتلة والإرهابيين، وتنوير الشعب ضد جميع المفاهيم والمواقف الظلامية التي كان القانون 137 من أمثلتها الصارخة. إن المهمات العاجلة هي فرض الأمن والاستقرار ومعالجة مشاكل الكهرباء والبطالة وغيرها من حاجات المواطنين. والمؤلم أن مجلس الحكم يكاد يتداعى ويتمزق أمام ضربات دعاة المطالبة بالانتخابات العامة العاجلة وعجز المجلس عن لم الشمل وتوحيد الموقف، وهو يرى مضي البلد قدما نحو اللبننة بتطبيق نظام "الحصص". والغريب أن بعض من كنا نعتبرهم ديمقراطيين ولبراليين من أعضاء المجلس صاروا يتصرفون ويقررون من منطلق الانتماء المذهبي، ومن ذلك التوقيع على القرار 137 والانضمام لمرجعية السيستاني [ التي صارت مرجعية سياسية بحتة ]، حول الانتخابات العاجلة.
إن العدوان الأثيم على المقر الشيوعي واستشهاد اثنين من الحزب الشيوعي يؤكدان مدى خطورة الوضع العراقي اليوم. فهل هو الانحدار نحو التدمير الذاتي والانتحار الجماعي، أم قد تقع معجزة نجاح المسيرة الوطنية لقيام النظام الديمقراطي الفدرالي العلماني؟!
إعادة النشر بالاشارة إلى إيلاف
حول تحميل الأمريكان مسؤولية المجازر الإرهابية ..
عزيز الحاج
إيلاف: 4/3/2004
عندما تكون القوات الأمريكية في مدينة شيعية مقدسة تعلو الأصوات الداعية لمغادرة هؤلاء"الكفار المحتلين". وعندما تخرج من المدن وتأخذ قوات المسلحين الشيعة المسؤولية الأمنية مع الشرطة وتقع عمليات إرهابية، يرتفع الصراخ والعياط محملة إياها مسؤولية ما وقع بحجة أو بأخرى. وحين تتهم الأصوات الصاخبة القوات الأمريكية بإهمال التسلل من وراء الحدود فإنها تتعمد تجاهل مسؤولية إيران وسوريا خاصة مع دول مجاورة أخرى، وهي الدول التي تصمت عن تسلل الإرهابيين إن لم تتواطأ معهم لتخريب استقرار العراق وتقدمه الديمقراطي.
لقد أثارت مجازر عاشوراء الأخيرة في كربلاء وكاظمية بغداد مشاعر الإدانة والحزن لما اقترفه الفاعلون من بربرية وهمجية جماعيتين في يوم مقدس لدى المسلمين، يوم الشهيد الحسين. ولكن قوات بدر مع الشرطة العراقية هي التي كانت تتولى مسؤولية الأمن في كربلاء عند وقوع الجرائم البشعة. فلماذا إلقاء اللوم المفتعل على قوات لولاها لما تمتع العراقيون بالحريات الواسعة التي يمارسونها اليوم والتي لا يوجد عشر عشرها في أي بلد مجاور؟! ولا يد أيضا من أن ندرى استحالة منع عمليات إرهابية في يوم حاشد بالملايين.
نعم لقد اقترف التحالف أخطاء أمنية كبرى بعد سقوط النظام ومنها إطلاق سراح عدد من كبار رموز النظام السابق المعتقلين. كما أن قوات الشرطة والدفاع المدني العراقية يجب تعزيزها وتقوية تسليحها عشية انتقال السلطة في حزيران القادم. كل هذا صحيح. غير أن ما يتعمد البعض نسيانه هو دور المتطرفين الإسلاميين في نشر أجواء الرعب والطائفية وخرق القانون منذ سقوط النظام الفاشي، [ لفت النظر إلى ذلك الكاتب العراقي عدنان حسين قي مقالته أمس بالشرق الأوسط]، وما أبدته القيادات السياسية والدينية العراقية ومجلس الحكم من تساهل ملحوظ تجاه تلك الأعمال لمجرد أن لقادة المخططين لها نفوذا في الشارع.
وعلى صعيد آخر فإن بعض الفضائيات العربية والكثيرين من المثقفين والساسة العرب وكذلك أوساطا دولية عديدة وخصوصا في فرنسا وألمانيا، دورا كبيرا في التشجيع المباشر أو غير المباشر على جرائم الإرهابيين بحجة أنها مقاومة وطنية مشروعة ضد الاحتلال. وهذا هو وزير الخارجية الفرنسية يصرح بأن أمثال هذه الجرائم سوف تستمر "مادام العراق محتلا" كما قال نصا، أي أن المسبب هو وجود الاحتلال وما يبنى على ذلك من تبرير لعمليات الإرهابيين وكأنها ضد الاحتلال وليس ضد العراقيين واستقرارهم وأمنهم ولعرقلة انتقال السلطة كاملة لقواهم الوطنية والسير نحو النظام الديمقراطي الفدرالي. فما الفرق يا ترى بين هذا التحليل وبين ما تبثه فضائيات وأقلام عربية من تبرير وتحليل للإرهاب القاعدي ـ الصدامي ومن أبشع الجرائم الموجهة أولا ضد المدنيين العراقيين وقوات الشرطة والمسؤولين والموظفين. أما كثرة من منظمات اليسار في ألمانيا فإنها ومنذ أكثر من شهر تجمع التبرعات لقوى الإجرام والشر التي تزرع الموت في العراق بحجة كونها مقاومة ضد الاحتلال، في وقت يتباكى فيه الصليب الأحمر الدولي على أحوال المعتقل صدام!.
إن المطلوب من بعض الأحزاب والقيادات الدينية الشيعية ليس تهييج الشارع ضد التحالف ولا من أجل انتخابات مستعجلة قد تتحول مراكز الاقتراع فيها لمجازر جماعية. إن الوضع العراقي دقيق رغم الخطوة الكبرى بإقرار قانون الإدارة المؤقت. والمهمة الأمنية يجب أن تتقدم جميع المهمات اليوم وهي مسؤولية الجميع. ولا بد من نشر ثقافة احترام القانون بين المواطنين والتنديد العلني بتلك الدول المجاورة التي يتسلل منها الإرهابيون وضباط مخابراتها. ولابد من العلم بأن جرائم الإرهاب في العراق هي آخر ما يريده الأمريكان وإن الفتن الطائفية هي ضد خطتهم التي قدموا من أجلها للعراق لتحريره من صدام، وإن اتهامهم بالتعمد في نشر الطائفية جهل وغباء وافتعال مقصود. ومن الغريب أن نسمع تصريحا بعد آخر من بعض رجال الدين من المذهبين يقول مرة: " لا يوجد مسلم يقوم بهذه الأعمال"، ومرة "لا يوجد عراقي يفعلها". فهل صدام وزمرته لم يكونوا عراقيين ومسلمين؟1 وهل بن لادن والظواهري والزرقاوي وعصاباتهم المجرمة ليسوا مسلمين قتلة؟ أم المقصود توجيه أصابع الاتهام لغير المجرمين الحقيقيين، وأعني "للكفار؟!
هل أصبح مجلس الحكم أسير الإسلاميين ورجال الدين؟
الأربعاء 14 يناير 2004 17:29
عزيز الحاج
منذ أسابيع نشهد مناورات بعض الأحزاب الإسلامية العراقية للتراجع عن تعهداتهم واتفاقاتهم السابقة حول النظام الديمقراطي والفدرالي، ونرى من مجلس الحكم مجاملات اكثر من اللازم لبعض المراجع الدينية، التي كانت سابقا تطلب من رجال الدين ترك شؤون السلطة لأهلها ولكنها اليوم تخوض صراعا سياسيا مستمرا منذ الاتفاق على الجدول الزمني لنقل السلطة. إن هذه الجهات المحترمة وذات المقام العالي صارت تلح بإصرار غريب على الانتخابات العامة العاجلة رغم أنها تعرف، مع من يشايعها من أحزاب، أن الظروف غير مناسبة لانتخابات عادلة منصفة لا سيما والمشاكل الأمنية واليومية مستمرة، ولا وجود لقانون انتخابي ولا لإحصاء سكاني. وبينما هناك ملايين من عراقيي الخارج وآلاف من الداخل [وربما حتى مجلس الحكم] محرومون من البطاقة التموينية فإن المطالبة الملحة بانتخابات عامة مستعجلة تعني تجاهل حرمان الملايين من العراقيين من حقهم الأولي في التصويت، في حين أن الجدول الزمني قد اعتمد مبدأ الانتخابات العامة بعد استكمال شروطها وذلك لعام 2005. وإذا كان تقدير بعض الفئات والأحزاب أن الوقت مناسب لها وحدها لانتخابات عامة بعد شهور قلائل بأمل تحقيق نصر انتخابي فئوي أو مذهبي، فإن مثل هذه النتيجة [لو تحققت] ستكون وقتية، وليست لصالح الجميع ومستقبل العراق.
وهذا هو مجلس الحكم يصدر قرارا يلغي قانون الأحوال الشخصية المدني ويستبدله بقانون ديني موجه ضد حقوق المرأة ومكانتها وكرامتها وسلب ما حققته خلال عقود من السنين ومنذ الثلاثينات وتدريجيا من حقوق ودور برغم ما سببه نظام صدام للمرأة العراقية من مصائب وكوارث.
لقد لجا مجلس الحكم لصمت مخيف أمام ظاهرة فرض الحجاب بمختلف الأساليب على المرأة العراقية، من ضغط ومن تهديد وأذى وحتى فرضه على المسيحيات. وصمت المجلس صمت أهل الكهف عن ظاهرة التنكيل بالمسيحيين، وخصوصا في البصرة، على أيدي متطرفين إسلاميين جهلة متأثرين بفتاوى أئمة جوامع مهووسين متعصبين، ومنهم من ينظر لما وراء الحدود الشرقية!
إن القرار المذكور لا يعني غير تراجع المجلس تحت ضغوط الأحزاب الإسلامية والمراجع الدينية عن بعض المبادئ الديمقراطية، ومن أهمها رفع مكانة المرأة واحترام حريتها وحقوقها. إن على مجلس الحكم أن يتراجع فورا عن هذا القرار المتخلف والظالم، وأن يذكّر رجال الدين باحترام الحدود بين واجباتهم الروحية والأخلاقية وبين شؤون السياسة والحكم. ولا أعتقد أن الشعب العراقي يستحق نظاما طالبانيا أو من نمط ولاية الفقيه، الذي نشهد علنا فشله وما يخلقه من صراع حاد بين رجال الدين أنفسهم، وحيث يجرؤ فريق منهم على وضع الفيتو على حقوق المواطنين وحتى رجال دين آخرين في الترشيح للانتخابات.
إن انتقال عراق ما بعد الاستبداد الصدامي الفاشي للمزيد من اضطهاد المرأة، والصمت عما يجري من تجاوزات أثيمة ويومية عليها، معناه أن الأفق الديمقراطي المنشود تقل فرصه لصالح استبداد جديد ديني وطائفي باسم [ حكم الشريعة]. والغريب أن يعود مجلس الحكم في قانونه لتسمية العراقيين غير المسلمين ب[أهل الكتاب]، كما كان الأمر في القرون القديمة وحيت كانت الجزية نفرض على [أهل الكتاب] ، وحتى فرض نمط معين من اللبس في بعض الحالات والبلدان. إن المسيحيين والصابئة والأيزيديين وغيرهم هم عراقيون أصلاء وكانوا في العراق قبل دخول الإسلام، فلماذا العودة لمصطلحات عتيقة لم تستعمل في كل الدساتير السابقة؟. ولماذا إلغاء القانون المدني هذا أصلا؟
إن ما صار واضحا أكثر من السابق هو أن مسؤولية المشاكل الجديدة منذ سقوط صدام يتحمل الساسة العراقيون النصيب الأكبر منها. صحيح أن الأمريكان دخلوا بلا خطة ولا معرفة متكاملة بتفاصيل الوضع العراقي وتعقيداته وتخبطوا كثيرا جدا. ولكن حتى الحل المرتجل لجهاز الشرطة والجيش كان بنصائح ساسة عراقيين. وإن أحزاب المعارضة السابقة التي اجتمعت في لندن هي التي وضعت معايير الانتماءات الدينية والطائفية والعرقية ومبدأ الحصص، مما انعكس على تركيب المجلس ووزرائه. ويقال إن المزاحمة حارة اليوم حول توزيع المناصب الأخرى في الدولة وعلى الأسس ذاتها التي قد تؤدي نحو لبننة العراق وإلى حروب دينية ومذهبية وعرقيةـ [ يقال إن بعض الوزارات صارت وظائفها حكرا لهذه الفئة أو تلك ولهذا الحزب أو ذاك ـ ناهيكم عن معايير القرابة، والصداقةـ أعرف بعض أمثلتها في التعيين لبعض المنظمات الدولية التربويةـ !!].
لقد قام المجلس بخطوات مهمة وإيجابية رغم تعقد الظروف وشراسة الإرهابيين عراقيل الأنظمة العربية، ورغم ازدواجية السلطة. ولكن أخطاء اليوم،[ كالموقف من المرأة والاستمرار على مبادئ الحصص الدينية والمذهبية والعرقية]، سوف تترك عواقبها الخطرة على مستقبل العراق، وسوف تنتكس المسيرة نحو الديمقراطية بينما ينتفع الصداميون والمتطرفون الدينيون وأعداء التغيير الديمقراطي من العرب ودول المحيط الإقليمي.
إن من المفرح أن تنطلق في بغداد مظاهرات نسائية احتجاجا على القانون الجديد للأحوال الشخصية. وأدعو للمزيد منها وأن يمتد الاحتجاج لجماهير الأحزاب الديمقراطية العلمانية لوقف الانحراف تدريجيا نحو نظام الاستبداد الديني والطائفي.
موقف مرفوض يدل على قلة التمسك بالديمقراطية..
السبت 06 مارس 2004 16:32
عزيز الحاج
إن الموقف السلبي لبعض الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم والذي أدى لتأجيل التوقيع على الدستور المؤقت، هو موقف مرفوض جدا وعصي على التبرير.
لا أدخل هنا في صلب المواد موضع الاعتراض رغم الاتفاق عليها سابقا بعد نقاشات حرة ومطولة؛ وأعني لا أقصد هنا العودة لمناقشة الحقوق المشروعة للشعب الكردي الذي أقرها دستور عبد الكريم قاسم ومن بعده بيان آذار 1970 حين اعترفا للأكراد بوضع خاص بوصفهم القومية الكبيرة الثانية في العراق. إن ما يجب استنكاره هو أولا هذه الطريقة في ممارسة الضغط والابتزاز، وفي اللحظات الأخيرة، من جانب أقلية في مجلس الحكم. وأقول مع المتسائلين: لماذا يا ترى وافقوا قبل أيام قليلة على ما يرفضونه اليوم؟ ولماذا قبلوا أصلا داخل مجلس الحكم وعادوا للرفض والتعجيز لفرض موقف معين عن طريق الضغط والأسلوب المنافي للديمقراطية ولروح الاتفاق العام التي اتسمت بها مناقشات مجلس الحكم طوال أسابيع من النقاشات الأخوية المضنية والطويلة والمتعمقة؟ فمسودة القانون تمثل الحلول الوسطى للمواقف والمطالب، أي النقاط المشتركة التي ترضي الجميع وإن لم تكن ترضي بعض الأطراف كل الرضى ومنها الطرف الكردي بالذات. ولي شخصيا العديد من الملاحظات الانتقادية، ومع ذلك أحيي الاتفاق الذي تم وأعتبره انتصارا كبيرا لمجموع الشعب العراقي.
أما اعتراضي الثاني على هذا التصرف الغريب فهو تبريره برفض المرجع الشيعي الديني الأعلى آية الله السيد السيستاني للبنود المعنية. وهذا أغرب من ذاك. فالسيد السيستاني مرجع ديني مرموق للمتدينين الشيعة، وليس مرجعا سياسيا للعراقيين. ولو صحت نسبة موقف المنسحبين للمرجع الديني الكبير، فمعنى ذلك القبول بطبعة جديدة من نظام ولاية الفقيه. فهنا ليس مشروطا تولي رجال الدين للسلطة مباشرة ولكنهم هم الذين يقررون في الكواليس والمدنيون الرسميون ينفذون. ويصح المثل هنا: "تريد أرنب خذ أرنبا، تريد غزالا خذ أرنبا" أي ! [خوجة علي مُلّة علي]!
إن المطلوب أن يقدر الإخوان المنسحبون مدى خطورة موقفهم الأخير وعواقبه وأن يتراجعوا عنه حرصا على الوحدة الوطنية وعلى تسهيل انتقال السلطة للعراقيين والسير بصبر وتصميم نحو العراق الديمقراطي الفدرالي.
إعادة النشر ممنوع إلا بإذن خاص بإيلاف
مناورات السيد بليكس
الأربعاء 26 فبراير 2003 21:00
عزيز الحاج
يظهر أن السيد بليكس مغرم بالتناقض مع نفسه في موضوع التعامل مع النظام العراقي. فهو تارة يشكك في تعاونه مع فرق التفتيش، وتارة يطالب بتمديد مهمة المفتشين شهورا أخرى. وهذا ما ورد في تصريحاته الأخيرة.
لا أعتقد أن الموما إليه يجهل محتوى ونصوص القرارات الدولية حول التسلح العراقي. ولا يعقل أنه قد نسي بسهولة أنه مع مجلس الأمن قد وجها مع صدور القرار 1441 سلسلة أسئلة محددة وملموسة إلى النظام العراقي حول كميات كبيرة ومنوعة من أسلحة الدمار الشامل التي كانت بحوزته حين طرد المفتشين عام 1998. وبدلا من الإجابة على الأسئلة وتقديم البراهين على إتلاف تلك الأسلحة، أو كشفها للمفتشين حالا لغرض إتلافها، فإنه أرسل مذكرة طويلة تعيد معلومات مكررة قالها منذ سنوات عديدة ، ولكنها تتجاهل تماما التطرق لما كان مطلوبا منه. لقد مر على القرار 1441 شهور ثلاثة دون أن يتراجع النظام عن موقفه الذي يدل على حيازته على الأسلحة المحظورة ورفض إتلافها. فهو إذن لم يستجب لما طلبه القرار الدولي وانتهكه. أما السيد بليكس، ومعه حكومات فرنسا وروسيا وشلة آخرين، فإنهم يقلبون محتوى القرار من إتلاف أسلحة إلى جولات نزهة للمفتشين في بلد واسع المساحة كالعراق، ويطلبون لهذه النزهات المجانية فترة شهور قادمة. إن الغرض واضح ولا يحتاج فهمه إلى عبقرية ما. فالغرض هو الالتفاف على القرارات الدولية لإنقاذ النظام مرة أخرى وذلك باسم السلام، الذي راح جميع أنصار الطغيان الفاشي يستخدمونه من كل لغاية ولحسابات خاصة. ولذلك يصح أن نصرخ بلوعة :"أيها السلام العزيز: ألا كم من جريمة تقترف باسمك "، وذلك كما قيل من قبل: "أيتها الحرية كم من جرائم ترتكب باسمك.!"
إن السلام عزيز على جميع الضمائر الحية. واليوم فإن السلام هو ما يريده العراقيون خاصة وقبل الآخرين لأن الموضوع يخصهم ويخص بلدهم الغالي الذي عانى أهوالا كثيرة بسبب حروب النظام الداخلية والإقليمية وجرّاء عمليات وحملات القمع الوحشي التي طالت مئات الآلاف من الضحايا الغالية. ولكن السؤال الذي يتملص أصحاب المناورات الجارية من الجواب الصريح والصحيح عنه هو: وهل العراق والعراقيون اليوم يعيشون سلاما حقيقيا ؟ وهذا يذكرنا بالوضع الأوروبي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية. فهل كان هناك في اوروبا سلام حقيقي بينما كانت قوات هتلر تحتل بلدا بعد آخر ؟ وهل كان التساهل الغربي مع تلك الغزوات والخطر يضمن السلام للشعوب الأوروبية ؟ وهل لم يؤد ذلك التساهل إلى استفحال الخطر والخسائر حتى وجد الغرب نفسه مرغما على إعلان الحرب عام 1939 لإنقاذ نفسه وحضارته من الدمار الشامل؟
إن السلام الحقيقي كما تقول المواثيق الدولية ومجلدات قرارات الأمم المتحدة واليونسكو التي تحمل توقيعات فرنسا وكل أوروبا هو السلام القائم على العدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان. فحالة اللاحرب لا تعني بحد ذاتها سلاما حقيقيا عندما يكون شعب أحد الأطراف معرضا للقتل الجماعي على أيدي نظام مسلح بأسلحة دمار شامل سبق له استخدامها ضد الشعب والجيران ن وعندما يكون ذلك النظام مصدر توتر إقليمي مستمر ومشعل حربين إقليميتين وحروب داخلية عديدة. فالعراق اليوم لا يعيش في سلام حقيقي لمجرد ان الصواريخ لا تطلق من الخارج.
إن الأنظمة الفاشية كالنظام العراقي هي في حالة حرب دائمة ضد شعوبها ومعرضة للقيام بمغامرات عسكرية كارثية ضد دول أخرى. فهي بالتالي تهدد السلام الداخلي والسلامين الإقليمي والدولي.
إن النظام هو وحده المسؤول عن إيصال أزمته إلى حافة حرب وشيكة بسبب إصراره على امتلاك أسلحة الدمار الشامل وتحدي القرارات الدولية، التي لابد أن نذكر مرة بعد مرة ان من بينها القرار 688 حول حقوق الإنسان والديمقراطية في العراق.
لقد كتبت مرارا كما كتب غيري من الكتاب الوطنيين العراقيين أن للحرب ضحاياها البريئة وأنها شر ومأساة. ولكن من المسؤولون عن اندلاعها مع إصرار النظام على تحديه للقرارات الدولية ومع سحقه لحقوق شعبه وإيصال حالته إلى طلب النجدة من أية جهة مستعدة لنجدته لحساباتها الخاصة. فعندما يوشك شخص ما على الغرق دون أن ينجده من يعتبرهم إخوانا وأصدقاء فهل يلام عندما يقبل بنجدة أي كان لإنقاذ نفسه؟! وهل تلام عائلة تكاد تحترق وسط حريق بيتها حين تقبل بنجدة غريب بعد أن خذلها الأقربون ومن كانت يوما تعتبرهم أصدقاء؟!
أما مبدأ " سيادة الدول " المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي فهو لا ينبغي ان يفسر بحرية تصرف حكام دكتاتوريين دمويين على شعوبهم وامتلاك أسلحة تهدد الشعب وشعوبا أخرى.. أنظمة يعمل حكامها كل شيء للبقاء في كراسي الحكم. وهذا هو رأس النظام العراقي يختار من أحد مخابئه تعريض العراق والمواطنين للمخاطر الكبيرة بدلا من أن يترك وشركاؤه البلد لأهله المغلوب على أمرهم. أما عرب الجامعة العربية وأمينهم العام الموقر فهم يظلون يصرخون عن المخاوف الوهمية على العراق وكأنه لا يعيش منذ عقود من السنين جحيما دمويا متواصل الضحايا والدم النازف. ولذلك يحق للأستاذ عبد الرحمن الراشد أن يكتب بلوعة صادقة : "صار الخيار اليوم إما أن ننقذ العراق أو ندفن العراق من أجل صدام، الذي نعلم سلفا أنه لن يحارب شخصيا بل سيدير المعركة [ الخاسرة سلفا ] من قبو مكيف."
وهكذا فمن أجل السلام الدائم للعراق والعراقيين وللمنطقة لابد من قلع النظام الدموي في بغداد بوصفه مشعل الحروب ومحترفها المزمن.
خاص بأصداء
مجازر القتلة في عاشوراء
الثلاثاء 02 مارس 2004 17:22
عزيز الحاج
ما حدث اليوم الثلثاء في الكاظمية وكربلاء هي مجازر حقيقة تتسم بالغدر والجبن والنذالة. إنها جرائم تحمل بصمات القاعديين وأنصار السلام الذين تسللوا للعراق لقتل بناته وأطفاله ورجاله، ولنسف مساعي القوى الوطنية العراقية والشعب العراقي ، بدعم من التحالف، لبناء عراق جديد بعد عهود القمع والظلام الصدامية. إنها جرائم خسيسة وشنيعة تنفذ في يوم مقدس يحترمه كافة المسلمين الأسوياء من غير الملوثين بإيديولوجية إبادة الآخرين والساعين لإعادة العراق لكهوف مظلمة من الجهل والاستبداد المقنع بالدين.
عاشوراء هو يوم سيد الشهداء كما وصفه عباس العقاد؛ إنه يوم التضحية من أجل سيادة العدالة ضد الطغيان والظلم. والحسين شخصية تاريخية يحترمها السنة كما الشيعة وكل محب للحق والحرية في العالم. ومن هنا هول الجريمة، ولا سيما وإن مراسيم عاشوراء للمتدينين الشيعة العراقيين تأتي بعد عقود من نظام صدام الذي حرمهم من هذا الحق البسيط الذي يجد فيه الكثيرون منهم، وخصوصا النساء، متنفسا للألم والأمل، وتعبيرا عن رفض الظلم والقهر. وأن تأتي المجازر الرهيبة مباشرة بعد ساعات من الإعلان التاريخي عن القانون الانتقالي العراقي، يضاعف الشبهات عن حقيقة خطط المخططين والمنفذين، والتي عبرت عنها رسالة الزرقاوي سيئة الصيت، وأعني محاولة إشعال الحرب الطائفية وإعاقة تقدم العراقيين نحو النظام الديمقراطي الفدرالي.
ومع أن بعض المتسللين بين أئمة المساجد حاولوا اليوم توجيه التهمة لغير أصحابها من قاعديين ومن يدعمهم من أعوان صدام، كالادعاء المضحك بان الأمريكي "الكافر " يقف وراء الجرائم، فإن أعضاء مجلس الحكم، بمختلف انتماءاتهم المذهبية والدينية والعرقية والسياسية، قد عبروا في مؤتمرهم الصحفي عن وعي مشرف بأهمية الوحدة الوطنية التي يريد المجرمون القتلة ومن يدعمهم ماديا ودعائيا نسفها، في مساع فاشلة لإفشال عملية نقل السلطة والانتقال التدريجي نحو دستور عصري و حكومة دائمة بعد المرحلة الانتقالية التي تمتد حتى أواخر 2005 والتي يسري على فترتيها القانون الجديد للإدارة.
إن صيانة وتعزيز الوحدة الوطنية العراقية شرط للسير الناجح نحو بناء نظام ديمقراطي فدرالي تتعايش في ظله جميع مكونات شعبنا وتتمتع جميعا بكافة حقوقها؛ نظام المواطنة المشتركة والتعايش الأخوي بين القوميات والأديان والمذاهب والمدارس السياسية الوطنية.
إن ضحايا الكاظمية وكربلاء اليوم هم شهداء العراق ومجموع شعبه. وأما الآمال الظلامية لمحترفي القتل والانفجار وأنصارهم، عراقيين وغير عراقيين، فإلى فشل مؤكد.
للانتخابات شروطها وليست سلقا للبيض!
عزيز الحاج
يصف الكاتب الأردني شاكر النابلسي كل محاولة أو خطة للتحول الديمقراطي في العراق بتسرع وارتجال بانها ستكون بما يشبه سلقا للبيض. وفي الوقت الذي ينفجر فيه اليوم هوس الجدال عن الانتخابات العامة في أقرب وقت، فلابد من التذكير بما يلي:
1 ـ الانتخابات لا تعني دوما الديمقراطية الحقيقية ما لم تتوفر مستلزماتها وشروطها؛
2 ـ الانتخابات العامة ليست كل الديمقراطية بل واحدة من عتلاتها وأدواتها. فللديمقراطية أركان وعتلات أساسية أخرى. ففي بلدان عربية عديدة تجري الانتخابات دوريا ولكنها لم تقم نظاما ديمقراطيا واحدا، إما لتزييف الانتخابات، أو لطريقة الانتخاب وسوء قانونه، أو لوجود حيرة وبلبلة عامة بين الناخبين، نتيجة الجهل والتضليل، أو لأن شرائح منهم واقعة تحت ضغوط دعايات ومفاهيم واجتهادات وفتاوى لا علاقة لها بمفاهيم الديمقراطية وحقوق المواطن ووجوب الفصل بين السلطات، الخ. وفي بعض أنظمة المنطقة تكون هناك هيئات غير منتخبة تقف فوق البرلمان المنتخب ولها حق الفيتو وهي التي تحكم عمليا.
فما الوضع العراقي الراهن:
1 ـ تفاقم جرائم الإرهابيين وتهديداتهم للأمن سواء في بغداد أو مناطق أخرى. فكيف يمكن إجراء انتخابات طبيعية وهادئة في هذه الأجواء؟ ستكون قطعا انتخابات مشوهة وتحت الضغوط الأمنية والخوف وعدم اكتراث الكثيرين بالانتخابات أصلا بسبب ذلك. ولا ننسى وجود عشرات الآلاف من المجرمين المطلق سراحهم، ولا وانتشار الملايين من قطع السلاح في كل أنحاء العراق. ويضاف لما مر استمرار تسيب الحدود وتدخل دول مجاورة في الشان العراقي، وما تكنه أوساط واسعة في المنطقة من غضب لسقوط صدام وخوف ورعب من أفق التحول الديمقراطي في العراق، وبذلها كل ما بمقدورها لوضع العراقيل أمام الشعب العراقي وتخريب أمنه وبلبلة شعبه وتفريق صفوفه؛
2 ـ خروج العراقيين توا من الجحيم الصدامى وهم مثخنون بالجراح وبأمراض كبيرة في المناحي الاجتماعية والمعيشية والثقافية والاقتصادية، وحاجة المواطنين لفترة نقاهة طويلة تتحسن خلالها الأوضاع بدرجة مناسبة، ويتدارك الناس أنفاسهم ويخرجوا من ضباب الشعارات والدعوات والهتافات الهائجة المائجة ومن كل صوب، سواء باسم الدين أو تحت لافتات اخرى؛
3 ـ لم يجر بعد تعداد سكاني دقيق وصحيح يشمل أبناء كردستان والملايين من العراقيين في الغربة. فهل يراد حرمانهم من حقهم الديمقراطي الأولي؟! أما التحجج ببطاقات التموين فمردود لكونها لا تعكس حقية الوضع السكاني . فمن الناس من استطاعوا الحصول على أكثر من بطاقة، وهناك الملايين ممن يفتقرون للبطاقات كالمغتربين مثلا، وكالآلاف ممن حرموا من البطاقة عقابا من النظام الساقط.
والخلاصة أن الوضع العراقي لا يزال استثنائيا بامتياز ولا يشبه أية أوضاع أخرى في المنطقة. وهذا يستدعي التأني والحكمة، وتقديم المصالح العامة لمجموع الشعب ومكوناته وأديانه على المصالح الفئوية الضيقة سواء كانت حزبية أو عشائرية أو مذهبية. وإذا تصورت بعض الفئات أنها اليوم في موقع القوي في الشارع ولابد من انتهاز الفرصة للقبض على زمام السلطة أو على أقوى مواقعها على حساب الآخرين، فإن هذه حسابات لا تخدم المصلحة الوطنية المشتركة. كما أنها تنسى استمرار وجود الأخطار الأمنية، وقوة عصابات صدام، وما تلقاه من دعم عربي وإسلامي [ كل طرف لحساباته الخاصة]، وإن التطرف في المطالبات الفئوية ومن أي لون كانت يخلق مناخ الفتن الداخلية وأجواء الشك والحذر المتبادلين بين القوميات والمذاهب والاديان والأحزاب.
إن الواجب الوطني يتطلب التمسك بالاتفاق الذي تم التوصل إليه حول الجدول الزمني، [ و شخصيا أعتقد أنه حتى تلك المدد المتفق عليها قصيرة ومستعجلة]، وليس استخدام مطارق الإحراج والمزايدة والضغط.
إن التغيير الديمقراطي المطلوب للعراق بعد عقود الطغيان الدموي ليست في قيام نظام شبه ديمقراطي ولا في قيام نظام ديني، وإلا لحل استبداد محل استبداد. ولكل من السياسيين ورجال الدين والمثقفين والمنظمات المهنية المختلفة وكل المجتمع المدني، واجباتهم ومجالاتها. وعندما يتحول رجال الدين إلى مراجع سياسية فإنهم يخلطون الأدوار، ويتحولون إلى ساسة محترفين خاضعين للنقد والاعتراض في موضوعات سياسية وقانونية قد تكون خلافية ومدار الجدل والأخذ والرد، وقد تتحول أحيانا إلى عامل انقسام وتصادم.
إن رجال الدين ومراجعه المعتدلة مكانتهم ودورهم الكبيرين، وخصوصا في نشر روح المحبة والمودة والاخوة والتسامح بين العراقيين، والدعوة لاحترام حقوق المواطن والقوميات والأقليات ومجموع الأديان. ومن المفرح أنه بجوار بعض أئمة الجوامع ورجال الدين المتطرفين والمحرضين على العنف والكراهية، فإن عندنا مراجع دينية مرموقة تحظى باحترام عام لكونها تدعو للاعتدال وللعمل السلمي والتسامح. وبهذه المناسبة لا بد من أن نذكر هنا مدى الخسارة الوطنية والشعبية بفقدان الشهيد محمد باقر الحكيم، الذي ذهب ضحية حكمته واعتداله الديني والسياسي على أيدي القتلة المجرمين من الأصوليين الإرهابيين القاعديين والأنصار المزيفين للإسلام وفلول أعوان الطاغية صدام. وإن ذكراه يجب أن تحث الجميع على التمسك بالاتفاقات المعتمدة في مجلس الحكم، وبالوحدة الوطنية، و الوقوف معا ضد عصابات الإرهاب، وضد التطرف الديني والمذهبي وثقافة العنف وممارساته، والسير قدما وبصف واحد وبخطوات موزونة ومدروسة نحو التحول الديمقراطي في عراق الغد.
باريس في 29 نوفمبر 2003
شكرا لأثنار وبئس الموقف يا ثاباتيرو!
الاثنين 15 مارس 2004 15:00
عزيز الحاج
حزنت شخصيا كعراقي لخسارة حزب وحكومة ماريا أثنار في أسبانيا. فأثنار وقف وقفة مشرفة وشجاعة جدا مع الشعب العراقي بالمشاركة في إسقاط الفاشية الصدامية، واحتضانه للمؤتمر الدولي لتقديم المعونات لإعادة تعمير العراق. والعسكريون الأسبان قدموا التضحيات على أرض العراق بسبب جرائم فلول صدام والقاعديين المجرمين الذين يبدو أن لهم دورا مهما في تفجيرات مدريد.
لقد برهن الشعب الأسباني بملايينه الغفيرة على وحدة وطنية فريدة ووقفة موحدة وجريئة ضد الإرهاب أيا كان مصدره. فمظاهرات الملايين الغفيرة برهنت على ذلك وعلى وعي عال كنت أتمنى جزءا منه لشعبنا الذي لم ينظم حتى الآن مظاهرة كبرى واحدة ضد الإرهاب اليومي الذي تدفع حسابه دماء البنات والأطفال والرجال، والخدمات العامة.
والمؤلم أن الاشتراكيين الأسبان المعادين لأمريكا وللحرب على نظام البعث العراقي استطاعوا تضليل قطاع من المواطنين الأسبان باستغلال الجريمة الرهيبة سلاحا انتخابيا ضد حكومة أثنار. لقد ادعوا أن المشاركة الأسبانية في العراق هي سبب إرهاب القاعديين المحترفين للجريمة والقتل الجماعي ضد المدنيين. ولكن فرنسا التي كانت اكبر المعارضين للحرب أصبحت هي الأخرى هدفا لحملات المتشددين الإسلاميين ودعواتهم للجهاد ضد فرنسا بسبب تأكيدها القانوني على علمانية مدارسها العامة، متهمين فرنسا بمحاربة الإسلام. فهل يجب الرضوخ للتهديد والابتزاز الظلاميين والتخلي عن المثل والممارسات الديمقراطية أم تجب مكافحة الخطر وأصحابه؟!
إن خلف أثنار السيد ثاباتيرو يدعو بلير وبوش للنقد الذاتي بسبب الحرب على العراق. والحال أن اليسار الأوروبي كله هو المدعو لمثل هذا النقد بسبب مواقفه التي تجاهلت محنة الشعب العراقي واستمراره لتبرير جرائم الإرهاب في العراق بحجة كونه مقاومة وطنية ضد الاحتلال الأمريكي! وفي ألمانيا، حليفة فرنسا في الموقف هذا، تقوم منظمات يسارية بجمع التبرعات لعصابات المقاومة المزعومة في العراق، أي للمجرمين الذين يفجرون مقرات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والمدارس والمصانع وقوات حفظ الأمن العراقية، ولا تسلم من هجمتهم البربرية المدن المقدسة في كربلاء والنجف والكاظمية ـ ناهيكم عن قوات التحالف الصديقة التي أنقذت العراق من النظام الأكثر بشاعة ودموية في تاريخه الحديث.
إن جرائم الإرهاب الباسكي بدأت منذ ثلاثين عاما، كما يذكرنا الدكتور عبد الخالق حسين بأن التفجيرات الإجرامية الفظيعة لشبكة القاعدة بدأت قبل حربي أفغانستان والعراق. ولا تريد قوى اليسار الأوروبي والكثير من اليمين أيضا أن تسأل: وهل القاعديون هم أوصياء على العراقيين ليحاربوا بجرائمهم الجبانة نيابة عنهم؟! هل سألت هذه الجهات الغربية كلها عن مشاعر الأكثرية من العراقيين، التي رأى العالم كله فرحتهم بسقوط صدام؟ وماذا قدمت فرنسا وألمانيا وروسيا وكل اليسار الأوروبي لدعم النضال العراقي ضد الطغيان الصدامي ولإسقاط الطاغية؟ أم كانت المصالح التجارية والعقدة الأمريكية هي من وراء هذه و تلك من مواقف الجهات المعنية؟! وكيف يقبل اليسار الأسباني والأوروبي أن تتطابق مواقفهما مع غلاة الإسلاميين وإيران، وأدعياء العروبة من أنصار النظام البعثي المنهار، وأن تخدم عمليا عصابات القتل والتدمير في أنحاء العراق؟!
إن الحرب على الإرهاب العالمي هي حرب يجب أن تجمع شعوب العالم والدول الديمقراطية والهيئات الدولية. فهذا السرطان الوحشي خطر داهم يواجه البشرية والحضارة، وكل تقاعس أو ضعف في التصدي له يشجعان الوحش المفترس ليفتك بالمزيد من البشر ويريق أنهارا أخرى من الدم البريء. إنها مواجهة بين التقدم والنور من جهة وبين الكهوف والظلام من الجهة الأخرى
مرة أخرى، شكرا من القلب لأثنار وحزبه وحكومته، وعسى أن يستوعب اليسار الأسباني الأوروبي معطيات الواقع ودروس التاريخ! فالعقدة الأمريكية تعمي العيون والبصائر، وتضلل النخب والجماهير.